مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمود رمضان البوطي
التاريخ: 14/05/2021

سر فرحة العيد

مقالات

في فجر يوم العيد تبرز دلائل تجليات الله عز وجل على المقبولين من عباده، تجليات تنعكس على تقاسيم وجوههم فرحة، وعلى قلوبهم سعادة، وعلى صدروهم انشراحاً. مشاعر يتحف الله بها الموفقين من عباده لا تتعارض مع هم مطبق، ولا مع فقر عارض، ولا مع ألم ممض.


وأول ما يترجم هذه المشاعر المنبثقة عن التجليات وجوهٌ باشة ينهض أربابها بهمة إلى المساجد ليشهدوا صلاة العيد، فتجد أن بهجة العيد - وربما بعد ليلة طويلة ساهرة - قد طيرت النوم من العيون.


والسر في هذه المشاعر فرحة الصائمين بما وفقهم الله عز وجل إليه من طاعات وأعانهم عليه من مبرات، فرحهم بالأمل في قبول الله عز وجل لصومهم وصلاتهم وقيامهم.


فليست هذه المشاعر منبثقة عن مشاعر اللهو واللعب التي يشعر بها الأطفال بعقولهم الصغيرة، ولا فرح الأهواء والشهوات المستكنة بين الجوانح بأنه قد أتيح لها ما كان ممنوعاً عنها؛ ولو كانت هذه الفرحة منبثقة عن مزاج نفسي، لكانت الفرش الوثيرة في يوم العطلة أحب إلى قلوبهم من المسارعة إلى المساجد.


فالعيد لمن اغتنم أيام رمضان وأدى حقوقه، لمن قام ليله وصام نهاره، لمن أجهد نفسه في القيظ وهو يستلذ بطاعة ربه وامتثال أمره، العيد لمن أنفق القليل والكثير في سبيل إدخال السرور على قلوب الفقراء والمعوزين ..


وما فرحة الصائم في فجر يوم العيد اليوم إلا مقدمة وبراعة استهلال بين يدي العيد الأكبر والفرحة الكبرى، ألا وإن فرحة الصائم الكبرى عندما يقدم على رب العالمين، ليكافئه على صبره، ويجزل له الأجر والمثوبة على تحمّله وتحامله. ألم يقل الله عز وجل في الحديث القدسي فيما اتفق عليه الشيخان: )كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ).


وقد كان سيدنا الحسن البصري يقول: (إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا).


وعلى نفسه فليبك من فاته شهر رمضان ولم يكن له فيه حظ ولا نصيب .. أولئك الذين لم يطيقوا صبراً عن طعام، ولم يجدوا همة للنهوض إلى صلاة القيام. أولئك الذين لم يذوقوا معنى لعبادة ولا لعبودية، ولا طعماً لتضحية، ولا لذة صبر ومصابرة في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى، فهم اليوم يشهدون العيد مع الصائمين في عالم الحس، لكنهم محرومون من العيد في عالم المعنى.


هذا في الدنيا .. وأما في الآخرة فالويل لمن أبى الخضوع لله، الويل لمن حادّ الله ورسوله وحارب الله في شعائر شهر رمضان، الويل لمن كانوا عبيداً لشهواتهم الآسنة، الذين كانوا يزجون أوقاتهم في رحب الدوائر والأماكن العامة آكلين شاربين ومدخنين، وبمشاعر الصائمين غير مبالين، ولو أنهم أصغوا السمع إلى كلام الله، لسمعوا قول الله عز وجل يتردد صداه على مسامعهم منذ اليوم: (كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون)


وقريباً سيسمع الذين وفقهم الله عز وجل لأداء حقوق الشهر النداء الرباني القائل: يامن تركتم الطعام والشراب من أجلي وتنفيذاً لأمري (كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية). 

تحميل