من الهجرة النبوية نفحاتٌ هادية ولفتات راشدة
هِجرةُ الحبيبِ الأعظمِ صلى الله عليه وسلم معهدُ إيمان، وقَضِّيةُ تاريخٍ مُتَجَدِّدَةُ العطاءِ متناميةٌ الإمداد، قد ظهرت عَبْرَ قُرونِ الزمن، ومع تَقَلُّبِ الأجيالِ إلى يومِنا هذا، فَفِيها مِنَ العِبَرِ والعِظاتِ ما يتزكَّى في دوحاتها المسلمون، يتداخلون مع أسبابها تداخلَ الروحِ مع الجسدِ، لاسيما في كلِّ متعلقات العقيدة ومنهجها، لكنْ عند مَنْ ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ ثقةً بما عند العظيم الديان، وأَيْقَنَ بِحِكْمَتِهِ عند كُلِّ مَقدور أرادَهُ وارتَضَاه، وثِقَتِهِ ببلوغِ حتمية القضاء الرباني في أنَّه لا مَرَدَّ لِقضائهِ بحال، وأنَّهُ سبحانه وتعالى؛ (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) و(عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِيرٌ).
ولقد كان نبيُّنا الأَعْظَمُ صلى الله عليه وسلم خَيْرَ مَظْهَرٍ لتلك الثوابت، وهاتيك المعاني التي بَرَزَ مِنْ خِلالِها رَفيعُ مُسْتَواهُ مِنَ الشُّعورِ بالمسؤولِيَّةِ وحَمْلِ الأَمانَةِ في نِظامِ الانْقِيادِ لِمرادِ اللهِ تعالى في العباد، ولا عَجَبَ فإنَّهُ الْمُختارُ مِنْ قِبَلِ الغَفَّارِ مَنْ زكَّى قَلْبَهُ وعَقْلَهُ، ظاهِرَهُ وباطِنَه، قد هَذَّبَهُ على عَيْنِهِ، فكان صلوات ربي وسلامُهُ عليه مادةَ الخيراتِ، وعُنْصُرَ البركات بمنطَلَقِ المجاهداتِ في مِعراج حُبِّهِ لِرَبِّ السَّمواتِ، الحبِّ الإلهيِّ الخالِصِ الذي أَثْمَرَ رضى الله عنه فيمَا قَضَاهُ مِنْ شِدَّةِ بِمُسْتَهَلِّ الهِجرة نعم!، ولا أَجْلَى لِتِلْكَ الحقيقةِ مِنْ مناجاته في ختامِ دعاءِ الطائفِ «إنْ لم يَكُنْ بِكَ غَضَبٍ عليَّ فَلا أُبالي، ولكنَّ عافِيَتَكَ هي أَوْسَعُ لي، أَعوذُ بِنُورِ وجهِكَ الذي أَشْرَقَتْ له الظُّلُماتُ، وصَلَحَ عليه أَمْرُ الدنيا والآخِرَة مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بي غَضَبَك، أو يحلَّ عليَّ سَخَطُك. لَكَ العُتْبى حتى تَرْضَى، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بِكَ».
ثم إنَّ مِنْ أَجْلَى الشَّواهِدِ، بل وأَجَلِّ الْمشاهِدِ على انقيادِهِ الكُلِّيِّ لِمُرادِ مولاهُ سبحانه أنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يُهاجِرْ مع مَنْ أُذِنَ لهم بالهِجْرَةِ، بل مَكَثَ في مكةَ يَنْتَظِرُ توجيهَ مولاهُ وأَمْرَهُ في ذلك، فكان أنْ أَمَرَهُ سبحانه بأَنْ يَلْهَجَ إليه بهذا الدعاء وحيا قُرانِياً يُتْلَى ويُتَعَبَّدُ به إلى قيامِ السَّاعَةِ: (وَقُل رَّبِّ أَدۡخِلۡنِي مُدۡخَلَ صِدۡقٍ وَأَخۡرِجۡنِي مُخۡرَجَ صِدۡقٍ وَٱجۡعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلۡطَٰناً نَّصِيراً) فكانَ إرشادُهُ إلى هذا الدُّعاءِ مَدَخَلَ فَرَجٍ ومَخْرجٍ أنْ أَذِنَ له بالهجرةِ إلى المدينةِ حيثُ الأحبابُ والأَنْصارِ لِتَغْدُوَ له داراً وقَراراً، وأَهلَها أَنْصاراً.
لم يتوَقَّفْ تفاؤلُ الحبيبِ الأعظمِ صلى الله عليه وسلم عند حَدٍّ لَحْظَةً مِنْ زَمَنٍ، وكان كلَّمَا اشْتَدَّ به البلاءُ عَظُم تَفَاؤُلُهُ وثَبَّتَ مَنْ معه وحوله بقوله: «إنَّ اللهَ جاعِلٌ لِمَا تَرى فَرَجاً ومَخْرَجاً، إنَّ اللهَ ناصِرٌ دينَهُ، ومُظْهِرٌ نَبِيَّهُ».
هذا؛ ولقد كان الصِّدِّيقُ رضي اللهُ تعالى عنه كلَّمَا هَمَّ يسْتَأْذِنُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم باللَّحاقِ بإخوانِهِ المهاجرين، يُجيبُهُ عليه الصلاة والسلام بقوله: «لا تَعْجَلْ لعلَّ الله أنْ يَجْعَلُ لك صاحِباً» فَجَمَعَ هِمَّتَهُ وإِمْكانَهُ في جَمْعِ عُدَّةِ السَّفَرِ مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم طَمَعاً في أنْ يكونَ هو المقصودَ بقولِ النبيِّ صلي الله عليه وسلم: «لَعَلَّ اللهَ أنْ يجعلَ لَكَ صاحِباً»
وفي اليوم الذي أَذِنَ اللهُ تعالى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بالهجْرَةِ انْطَلقَ عليه الصلاة والسلام إلى بيتِ أبي بكر يُعْلِمُه بذلِكَ فَبَادَرَهُ الصِّديقُ بقولِهِ: الصحبةَ يا رسولَ الله فقال صلى الله عليه وسلم: «الصحبة»
تقول السيدةُ عائشةُ رضي اللهُ تعالى عنها: فَوَاللهِ ما شَعَرْتُ قَطُّ قَبْلَ ذلك اليومِ أنَّ أَحَداً يَبْكِي مِنَ الفَرَحِ حتى رأَيْتُ أبا بكر يومَئِذٍ يَبْكِي....
وهنا السؤالُ يا سادة! تُرى عَلامَ كان بكاءُ الصديق فرحاً أَلأَجْلِ رِفْقَةِ الْمُسافِرِ لِلمُسافِرِ، فإنْ كان كذلكَ؟! إذَنْ فَمَا الدَّافِعُ إلى البُكاء وما مُسَوِّغُ الفرح؟؟
أقول: لا شك في أنَّ الْمُتَعَلَّقُ هو جَوْهَرُ الحقيقةِ، تُرَى فَمَا هو؟
يا سادةُ إنَّهُ مَعْرفةُ الصَّاحِبِ، فَمِنْ أَجْلِ ذلك كان الحِرْصُ على مِثْلِ تلك الصُّحْبَةِ.
أجَلْ! إنَّها صُحْبَةُ الرُّوحُ لِلرُّوحِ، وصُحْبَةُ الإيمانِ والنُّور للسراج المنير، وصُحْبَةُ الارتقاءِ بأعظم مِعراج، وأَنْدَرِ هَدِيَّةٍ رحمانِيَّةٍ أُتْحِفَتِ الأكوانُ بها خَيْرِ خَلْقِ اللهِ أجمعينَ.
إنَّها صُحْبَةُ تابِعٍ صِدِّيقٍ لأَشْرفِ مَتْبُوعٍ ورَفِيق.
الصُّحْبَةُ وما أدراك؟!
إنَّها التَّرْجَمَةُ الفَريدَةُ التي غَفَلَ عنها الكثيرُ مِنَ الدَّارسِين اليومَ حيثُ يَقْرؤُونَ ولا يَسْتَقْرِئونَ، يَنْظُرونَ بِعَيْنِ البَصَرِ لا البَصيرةِ لذا لا يَعتَبِرونَ، يُمْلُون اسْتعلاءً واعْتِداداً ولا يَسْتَمْلون فكيف يَعْتَبِرون، أم عبر أيِّ طريقٍ يَصِلون، وبأَيِّ سبيلٍ يَفْقَهُون.
إنَّها الغَفْلَةُ عن جَوْهَرِ الْمُرادِ الإلهيِّ مِنْ لطائفِ هِجْرَةِ حبيبِه الأَعْظمِ صلى الله عليه وسلم نعم! هي غَفْلَةُ الحِرمانِ مِنْ نفائسَ أُريدَ بها نَهْضَةُ القلوبِ لردها بِنَظْمِ الحُبِّ الخالِصِ ما يَجْعَلُ جوارحَ صاحِبِهِ تَبَعاً لِقَلْبٍ غُمِرَ بِنُورِهِ، وعَمُرَ بإيمانِهِ، تلك هي الصُّحبةُ التي لا يَحِيدُ عنها إلا هالِكٌ، ذلِك أَنَّها صُمَّامُ الأَمَانِ الذي يُحَصِّنُ صاحِبَهُ مِنَ الْمَهالِكِ يجعلُهُ يَسْتقِيمُ على مَنْهَجِ سديد، وصِراطٍ مُستقِيمٍ، كيف لا وإنَّها لَصُحْبَةُ مَنْ يُنْهِضُكَ حالُهُ، ويَدُلُّكَ على اللهِ مَقالُه، ثم يَرْفَعُ قَدْرَكَ اتِّباعُهُ ذلك أنَّ شَرَفَ التَّابِعِ بِشَرَفِ الْمَتْبوع أجَلْ! وربِّكَ وما أدراكَ مَنِ المتبوع، ذلك أَرْجَى ما يُوَفَّقُ إليه العَبْدُ في سَيْرِهِ إلى اللهِ عَبْرَ سَفَرِهِ إليه لِلَّتَعَرُّفِ عليه.
مِنْ أجلِ ذلك غَدا الصدِّيقُ خيرَ خَلْقِ اللهِ تعالى بعدَ النبيِّين، وأَسَعَدَ السُّعداءِ بصحبةِ سيد الأنبياء صلى الله عليه وعليهم أجمعين.
أخي الْمُحبُّ! يُوجِّهنا السيدُ الأكرمُ عليه الصلاة والسلام إلى أهمية اختيارِ الصاحب بطريقة تفاعُلِيَّةٍ ناهِضَةٍ بروحِ المرءِ وضابِطَةٍ لهواه النفسي، -على الرغم من يقينه باستغنائه بصحبة العناية الإلهية، والتَّجَلِّياتِ الربانية وهو حبيبه صلى الله عليه وسلم- لكِنْ لِيَبْقَى مَنْهَجاً سارياً إلى قيامِ الساعة. فإنَّه لَمَّا جاءَ خَبَرُ السَّماءِ مِنْ جبريلَ عليه السلام أنْ لا يَبيتَ في بَيْتِهِ ليلةَ مَكْرِ الْمُشْركِين به تَوَجَّهَ إلى بَيْتِ صاحبِهِ الصدِّيقِ رضي اللهُ تعالى عنه كَمَا قد عَلِمْنَا، ثم انْطَلَقَ به يُتَرْجِمُ صُحْبَةً هادِيَةً مُباركَةً بِسَرَيانِ الحالِ النَّبوي في كِيانِ أبي بكرٍ لَيَتَرَصَّدُ جِهاتِ الْمَسيرِ حِرصاً على سَلامَةِ الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم، فَيَنْظُرُ إليه عليه الصلاة والسلام مُتأمِّلاً، ثم سائلا: ما حَمَلَكَ على هذا يا أبا بكر؟!.
فذكر ما مَفادُهُ شِدَّةُ خَوْفِهِ عليه فَدَعا له صلى الله عليه وسلم بخير، حتى إذا ما انْتَهَيا إلى الغار لِيَخْتَفِيَا مِنَ القومِ، ثم أرادَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم دخولَهُ سَبَقَهُ إليه رضي الله تعالى عنه يَنْظُرُ أفيهِ سَبُعٌ، أو حَيَّةٌ يَقِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بنفسِه.
قال نافع: بَلَغَني أَنَّهُ كان في الغارِ جَحَرٌ فَأَلْقَمَ أبوبكر رجلَهُ ذلك الجُحْرَ تَخَوُّفاً أَنْ يَخْرُجَ منه دابَّةٌ، أو شيءٌ يُؤْذِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسنُ البصري رضي الله تعالى عنه: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قائماً يُصَلِّي -أي: في الغار- وأبوبكر يَرْتَقِبُ، فقال لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: هؤلاء قومُكَ يَطْلُبُونَكَ! أما واللهِ ما على نفسِي أَئِلُّ -أي: أَحْزَنُ-، ولكنْ مَخافَةَ أَنْ أرى فيكَ ما أَكْرَهُ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد أنِ انتهى: «لا تَحْزَنْ إنَّ اللهَ مَعَنَا».
في رواية؛ قال الصديقُ: يا رسولَ اللهِ! لو نَظَرَ أَحَدُهُم إلى قَدَمَيْهِ لَرآنا، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا أبا بكر! ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللهُ ثالِثُهما»
ألا فَلْنَعْلَمْ أنَّ ناصِرَ الحبيبَ صلى الله عليه وسلم إمكانَهُ مَنْصُورٌ عزيزٌ بالنَّاصِرِ العزيز سبحانه، وأنَّ الْمُغايِرَ لذلِكَ فمَهْزُومٌ ذليلٌ، ومَحرومٌ عَليلٌ.
وعليه؛ فَمَنْ فَقُهَ المعنى كان وعاءَهُ مَوْعُوداً به مُبَشَّراً بقِطافِ ثَمَرِهِ مُنَعَّمَاً بجَنَّةِ مَعارِفِهِ في دنيا التكليف، وفي جنة الزخارف في عالم التعريف.
فَالوَعْدُ والوعيدُ بذلك سارٍ إلى قيامِ السَّاعَةِ ولا أَجلَى لهذه الحقيقةِ مِنْ بيانِ اللهِ سبحانه وتعالى الخالد:
(إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٍ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ) ؛ تأنيبٌ رباني، وتأديبٌ جلالي. وجديرٌ ذكرُه أنَّ تلك الآية نزلت في مُستهل الدعوة إلى غزوة تبوك لحرب الروم.
(فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) ؛ فإنَّ اللهَ ناصِرُهُ ومُؤَيِّدُهُ ذلك أنَّ النَّصْرَ مِنْ عندِهِ سبحانه، وإنَّما هو ابْتَلاءٌ لَكُمْ أيها المسلمون، ثم اعلَمُوا أَنَّكُمْ به مَنْصُورون، وما الطَّلَبُ على نِظامِ التَّكْلِيف إلا (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عن بَيِّنَةٍ ويَحْيا مَنْ حَيَّا عَنْ بَيِّنَةٍ)
(إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ؛ مِنْ مُشْرِكِي قريشٍ يَمْكُرونَ به كَمَا قال سبحانه: (وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ)
(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ)؛ بِمَزيدٍ مِنَ الاسْتِقْرار والثَّباتِ لِقَلْبِهِ وقَلْبِ صاحِبِهِ
(وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لم تَرَوْها)؛ مِنْ مَلائِكَتِهِ قَوَّاهُ اللهُ تعالى بهم
(وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى)؛ لأَنَّها باطِلٌ أرادوا مناهَضَةَ الحَقِّ به فَسَفَلُوا
(وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا) ؛ التي هي كلمةُ التوحيد {لا إله إلا الله} وشريعةُ الإسلامِ والدعوةُ إليه بِمُنْطَلَقِها ومَنْهَجها وفقه عقيدها، فَقَرارُ الآيَةِ أنَّه لا نَجَاةَ للعبدِ ولا فَوْزَ ولا نجاةَ ولا سعادةَ ولا ارتِقَاءَ في مَعارجِ التَّمْكِينِ إلا بِكلِمَةِ التوحيدِ علماً وعملاً اعتقاداً وتَوَجُّهاً وتَفاعُلاً.
(وَاللهُ عَزيزٌ حَكِيمٌ) ؛ غالِبٌ على أَمْرِهِ، مُتَبَّعُ الجَناب، ناصِرٌ مَنْ يَنْصُرُ دِينِهِ، مُعِزٌّ مَنْ يَعْتَزُّ بِكَلِمَتِهِ، لا يُضام من يلوذُ به.
فَنَصَرَ نَبِيَّهُ، وأَيَّدَهُ بِقُوَّتِهِ، وحَباهُ بِحُبِّهِ وخُلَّتِهِ، وأَعَزَّهُ بِنَصْرِهِ، ثم جَعَلَهُ وسيلةَ النَّصرِ لِكُلِّ مُسْتَنْصِرٍ به.
نعم! لقد قَدَّرَ اللهُ تعالى أنْ يكونَ حَدَثُ الهِجرة مادةَ عِلْمٍ، ومَنْهجَ سُلوكٍ، وجَذْرَ عقيدة، ومَنارَ هِدايةٍ وحِصْنَ أمانٍ ومَدْخَلَ فَتْحٍ لِلقُلوبِ بِعَوْنِهِ سبحانه وهو عَلَّام الغيوب.
أما بعد ؛ (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).