مسجد الكردان
مسجد الكردان
من المساجد الأيوبية، في حي الأكراد بدمشق
الباحثة نبيلة حسن القوصي
إخوتي القراء:
ندعوكم لرحلة تجمع بين متعة في معرفة تاريخية جديدة يشار لها بالبنان، ففي دمشق تستوطن الأصالة الإنسانية و المنهج المحمدي الأصيل الذي يدلك على مفهوم و معاني رائعة جاء بها سيد الخلق القائل :(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، و أي أخلاق أروع من الأخلاق المستقاة من القرآن الكريم و الحديث الشريف، فهيا معاً ..
هيا بنا باتجاه سفح قاسيون، ذلك الجبل الذي يحتضن إرثاً تاريخياً دينياً أصيلاً، سكانه من أهل الأصالة و العراقة، و إلى شارع أسد الدين في حي الأكراد بمنطقة ركن الدين نمضي، هذا الشارع حيث تنتصب المساجد فيه على الطريق، تدعو المارة للتعرف بأسئلة فضولية فُطر الإنسان عليه منذ بدء الخليقة، للتساؤل عن معرفة تاريخية أثرية تقف وراء تلك الصور و المشاهدات في أبنية متنوعة الوظائف، في تكامل منسجم للمجتمع الدمشقي الجديد مع القديم.
و يعد حي الأكراد أكبر حي لتجمع الأكراد في دمشق الحبيبة، وقد عاش بهذا الحي علماء و أعلام اشتهروا بحبهم للعلم و الدين، فنرى الكثير من المساجد و المدارس و المقامات و المباني و المجمعات قد غزت السفح، فتعالوا نمضي نحو جسر النحاس، فهناك مسجد يدعى مسجد (الكردان)، و هو يأتي بعد الركنية في القدم، نرى و اجهته على الشارع، جنوبه نهر يزيد و شماله مقبرة خالد النقشبندي و شرقه منازل و بيوت في حارة البكاري، أما غربه
فشارع طلعة النقشبندي.
هيا أخي السائح نرى معاً هذا المسجد و نتعرف، و لساننا لا يفتر عن الصلاة على سيد الكون، من وُصف بالصادق الأمين قبل البعثة، وقد ذكر المسجد ابن عبد الهادي في كتابه " ثمار المقاصد"، المتوفى في عام 909 هجري، قائلاً:
" مسجد كردان حي الأكراد : جسر النحاس/ و هو مسجد صغير حديث له قبلية بسيطة، فيها محراب و منبر عاديان، و أمام القبلية إيوان يقوم على عمود من الحجر" ..
و قال الحموي في معجم البلدان :
كُرْد: بالضم ثم السكون، و دال مهملة بلفظ واحد، الأكراد اسم القبيلة، و يقال: كرد: بلدة أكبر من أبرقوة و أرخص سعراً و لهم قصور كثيرة، و يقال: الأكراد أهل قرية بيضاء يقال لها كرد، و قال ابن طاهر المقدسي: كرد اسم قرية من قرى البيضاء.
و من القاموس المحيط:
كردان: قلادة أو عقد، فنقول : زينت صدرها بكردان من ذهب.
كردان: الموسيقى، ثامن المقامات، و يطلق على نفخة الوتر الخامس في العود.
فمسجد الكردان قائم باسم قد يكون للأكراد الذين بنوه، أو يقال سبب التسمية بالكردان: لكردان من ذهب وجد فأعلنوا عنه مدة من الزمن و عندما لم يأتي أحد باعوه و بنوا المسجد مكان وجوده، و أياً كان فالمهم معرفة جديدة و مفيدة ، نسأل الله عز و جل أن يلهمنا و إياكم بناء و تعمير الأرض بالأخلاق الفاضلة، لنُذكر عنده بأحسن الأخلاق و المبادئ، فيباهي بنا سيد الخلق العظيم.
أما الوصف التصويري : فكم هو بسيط و صغير! لكن البناء الروحي عظيم و كبير، فنرى بأن له مدخل صغير ذي غرف علوية و سفلية، هذه الغرف كانت مركزاً لتعليم العلوم الشرعية و القرآن الكريم، و نجد العلماء الأمناء الأجلاء قد أشرفوا على التدريس و جعلوا نسماتهم الروحية الايمانية تسكن أجواء المسجد، ننعم معا إن شاء الله بالسكينة و الامتنان لله عز و جل عن نعمة سُكنى الشام دمشق.
و المسجد مكتظ مزدحم باستمرار، و في صلاة الجمعة تجد المصلين خارج المسجد قد تنافسوا للسباق في رحلة مع الذات، إيمانية أساسها وصف المصطفى لأهل الشام بأنهم خيرةالخلق، فاللهم اجعلنا ممن يتبع المنهج المحمدي بالأخلاق النبوية تتبع المحبين العاشقين لسيرته العطرة.
المصادر:
ـ معجم البلدان / للحموي
ـ ثمار المقاصد / لابن عبد الهادي
ـ القاموس المحيط