لامية ابن الوردي
"نصيحة الإخوان ومرشدة الخلان"
تعد "لامية ابن الوردي" من أجلِّ وأعظم ما أبدعته قريحة من نظم في ميدان النصيحة الإسلامية، وإرشاد الناس إلى ما ينفعهم في الدنيا والعقبى، فجاءت قصيدةً غزيرةَ المعاني، محكمة المباني، في أسلوب جميل، وبهاء أخّاذ، حتى غدت بعض أبياتها حِكماً تردد في المجالس الكلامية، والخطب المنبرية:
من هو الإمام ابن الوردي:
هو الإمام العالم، الشاعر الأديب، الفقيه النبيه القاضي المؤرخ، النحوي اللغوي، الشافعي مذهباً، المعري بلداً، البكري نسباً، الشهير بابن الوردي، زين الدين أبو حفص، عمر بن المظفر.
ولد في معرة النعمان سنة 691 هـ ، وفي آخر أيامه سكن حلب، وتوفي رحمه الله في 27 ذي الحجة سنة 749 هـ في طاعون حلب.
المنظومة
1 | اعتزلْ ذِكرَ الأغاني والغَزَلْ | وقُلِ الفَصْلَ وجانبْ مَـنْ هَزَلْ |
2 | ودَعِ الـذِّكـرَى لأيـامِ الصِّبا | فـلأيـامِ الصِّبـا نَـجمٌ أفَـلْ |
3 | إنْ أهنا عيـشةٍ قـضيتَهـا | ذهـبتْ لذَّاتُهـا والإثْـمُ حَـلّ |
4 | واتـرُكِ الغادَةَ لا تحفلْ بها | تُـمْسِ فـي عِزٍّ رفيعٍ وتُجَلّ |
5 | والْهَ عن آلةِ لهْوٍ أطربَتْ | وعن الأمردِ مُرْتجِّ الكَفَلْ |
6 | إنْ تَبَدَّى تنكسِفْ شمسُ الضُّحى | وإذا مَا مَاس يُزْري بالأسَلْ |
7 | زادَ إنْ قِسْناهُ بالشَّمسِ سَناً | وعَدَلْنَاهُ بِغُصنٍ فَاعْتَدَلْ |
8 | وافتكرْ في منتهى حُسنِ الذي | أنـتَ تـهواهُ تجدْ أمـراً جَلَلْ |
9 | واهجُرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتىً | كيفَ يسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ |
10 | واتَّـقِ اللهَ فتـقوى اللهِ مـا | جاورتْ قلبَ امريءٍ إلا وَصَلْ |
11 | ليسَ مـنْ يقطعُ طُرْقاً بَطلاً | إنـَّما مـنْ يـتَّقِي الله البَطَـلْ |
12 | صَدِّقِ الشَّرعَ ولا تَرْكَنْ إلى | رَجـُلٍ يـرصُدُ في اللَّيلِ زُحَلْ |
13 | حَارتِ الأفْكارُ في قُدرةِ مَنْ | قـد هـدانـا سُبْلنا عزَّ وجَلْ |
14 | كَتبَ الموتَ على الخَلقِ فكمْ | قَـلَّ من جمعٍ وأفنى من دِوَلْ |
15 | أيـنَ نُمـرودُ وكنعانُ ومنْ | مَلَكَ الأرضَ وولَّـى وعَـزَلْ |
16 | أيـن عادٌ أين فرعونُ ومن | رفـعَ الأهرامَ مـن يسمعْ يَخَلْ |
17 | أينَ من شادوا وسادوا وبَنَوا | هَـلَكَ الكلُّ ولـم تُـغنِ القُلَلْ |
18 | أينَ أربابُ الحِجَا أهلُ النُّهى | أيـنَ أهـلُ العلمِ والقومُ الأوَلْ |
19 | سيُـعيـدُ الله كـلاً منـهمُ | وسيَـجزي فـاعلاً ما قد فَعَلْ |
20 | أيْ بُنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ | حِكمـاً خُصَّتْ بهـا خيرُ المِللْ |
21 | أُطلبُ العِلمَ ولا تكسَلْ فمـا | أبعـدَ الخيرَ على أهـلِ الكَسَلْ |
22 | واحتفـِلْ للفقهِ في الدِّين ولا | تـشتغلْ عنـهُ بـمالٍ وخَـوَلْ |
23 | واهـجُرِ النَّومَ وحصِّلهُ فمنْ | يعرفِ المطلوبَ يـحقِرْ ما بَذَلْ |
24 | لا تـقُلْ قـد ذهبتْ أربابُهُ | كُلُّ من سارَ على الدَّربِ وصلْ |
25 | في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدا | وجمالُ العلمِ إصـلاحُ العمـلْ |
26 | جَمِّلِ المَنطِقَ بالنَّحو فـمنْ | يُـحرَمُ الإعرابَ بالنُّطْقِ اختَبَلْ |
27 | وَانـْظِمِ الشِّعْرَ ولازِمْ مذهبي | فـَاطَّراحُ الرَّفدِ في الدنيا أقَلْ |
28 | فهوَ عِنْوانٌ على الفضْلِ وما | أحسنَ الشِّعرَ إذا لـم يُـبتـذلْ |
29 | ماتَ أهلُ الفضلِ لم يبقَ سوى | مُقْرِفٍ أو من على الأصْلِ اتَّكلْ |
30 | أنـا لا أخـتارُ تـقبيلَ يدٍ | قَـطْعُها أجملُ مـن تِلكَ القُبَلْ |
31 | إن جَزتْني عَن مديحي صِرتُ في | رِقِّها أو لا فيكفيني الخَـجَلْ |
32 | أعـذبُ الألفاظِ قَولي لكَ ( خُذْ ) | وأمَـرُّ اللفظِ نُطـقي بِـ ( لَعَـلْ ) |
33 | مُلكُ كسرى عنهُ تُغني كِسرةٌ | وعـنِ البحرِ اجتزاءٌ بالوَشلْ |
34 | إعـتبرْ ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم ) | تـلقَهُ حقاً وبالحـقِ نـزلْ |
35 | ليسَ ما يحوي الفتى من عزمِهِ | لا ولا ما فاتَ يومـاً بالكسلْ |
36 | إطـرحِ الدنيا فمنْ عادَاتِها | تَخفِضُ العاليْ وتُعلي مَنْ سَفَلْ |
37 | عيشةُ الزَّاهدِ في تحصيلِها | عيشـةُ الجاهِدِ بل هذا أذَلْ |
38 | كَـمْ جَهولٍ وهو مُثرٍ مُكثِرٌ | وعليـمٍ ماتَ منهـا بالعِلَلْ |
39 | كمْ شُجَاعٍ لم ينلْ منها المنى | وجبـانٍ نـالَ غاياتِ الأملْ |
40 | فاتـركِ الحيلةَ فيها واتَّئِد | إنَّـما الحِيلةُ فـي تركِ الحِيَلْ |
41 | أيُّ كفٍّ لمْ تُفِد ممَّا تُفَدْ | فرمـاهـا اللهُ منـهُ بـالشَّلَلْ |
42 | لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً | إنما أصلُ الفَتى ما قـد حَصَلْ |
43 | قدْ يسودُ المرءُ من غيرِ أبٍ | وبِحسنِ السَّبْكِ قدْ يُنفَى الزَّغَلْ |
44 | وكذا الوردُ منَ الشَّوكِ وما | يَطْلُعُ النَّرجسُ إلا من بَصَلْ |
45 | مع أني أحمـدُ اللهَ على | نسبـي إذ بـأبي بكْرِ اتَّصلْ |
46 | قيمـةُ الإنسانِ مـا يُحسنُهُ | أكثـرَ الإنسـانُ منـهُ أو أقَلْ |
47 | أُكـتُمِ الأمرينِ فقراً وغِنى | واكسَبِ الفَلْسَ وحاسِبْ من بَطَلْ |
48 | وادَّرع جَداً وكَداً واجتنِبْ | صُحبةَ الحمقى وأربـابِ الـخَلَلْ |
49 | بينَ تبـذيرٍ وبُخلٍ رُتبةٌ | وكِـلا هـذيـنِ إنْ دامَ قَتَـلْ |
50 | لا تخُضْ في سبِّ ساداتٍ مَضَوا | إنـَّهم ليسوا بـأهلِ للزَّلَلْ |
51 | وتغافلْ عـن أمورٍ إنـَّه | لـم يـفُزْ بالحمدِ إلا من غَفَلْ |
52 | ليسَ يخلو المرءُ مِنْ ضدٍّ وإن | حاولَ العُزلةَ في رأسِ جبَلْ |
53 | مِلْ عن النَمَّامِ واهجرهُ فما | بلّغَ المـكروهَ إلا مـن نَقَـلْ |
54 | دارِ جارَ الدَّار إن جارَ وإنْ | لـمْ تجدْ صبراً فما أحلى النَّقَلْ |
55 | جانِبِ السُّلطانَ واحذرْ بطشَهُ | لا تُـخاصم مَنْ إذا قـالَ فَعَلْ |
56 | لا تَلِ الحُكمَ وإنْ هُمْ سألوا | رغـبةً فيكَ وخالفْ مَنْ عَذَلْ |
57 | إنَّ نِصفَ الناسِ أعداءٌ لمنْ | ولـيَ الأحكامَ هذا إن عَدَلْ |
58 | فهو كالمحبوسِ عن لذَّاتـهِ | وكِلا كفّيه فـي الحشر تُغَلْ |
59 | إنَّ للنقصِ والاستثقالِ فـي | لفظةِ (القاضي) لَوَعظاً ومَثَلْ |
60 | لا تُساوي لذةُ الحُكمِ بـما | ذاقَهُ الشخصُ إذا الشخصُ انعزلْ |
61 | فالولاياتُ وإن طابتْ لمنْ | ذاقَـها فالسُّمُّ فـي ذاكَ العَسَلْ |
62 | نَصَبُ المنصِبِ أوهـى جَسدي | وعنائـي من مُداراةِ السَّفلْ |
63 | قَصِّرِ الآمـالَ فـي الدنيا تفُزْ | فدليـلُ العقلِ تقصيرُ الأملْ |
64 | إن منْ يطـلبهُ المـوتُ على | غِـرَّةٍ منـه جديرٌ بالوَجَـلْ |
65 | غِبْ وزُرْ غِبَّاَ تزِدْ حُبَّاً فمـنْ | أكثـرَ التَّردادَ أضناهُ المَلَلْ |
66 | خُذْ بنصلِ السَّيفِ واتركْ غِمدهُ | واعتبرْ فضلَ الفتى دونَ الحُلُلْ |
67 | لا يضـرُّ الفضلَ إقلالٌ كما | لا يضرُّ الشمسَ إطباقُ الطَّفَلْ |
68 | حُبّكَ الأوطانَ عجـزٌ ظاهرٌ | فـاغتربْ تلقَ عن الأهلِ بَدَلْ |
69 | فبمُكثِ الماءِ يـبقى آسنـاً | وسُـرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ |
70 | أيُّـها العائبُ قـولي عابثاً | إنَّ طيـبَ الـوردِ مؤذٍ بالجُعلْ |
71 | عُدَّ عن أسهُمِ لفظي واستتِرْ | لا يُصيـبنَّكَ سهـمٌ مـن ثُعَلْ |
72 | لا يـغرَّنَّكَ لينٌ مـن فتىً | إنَّ للحيَّـاتِ لينـاً يُـعتـزلْ |
73 | أنا مثـلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ | ومتـى سُخِّـنَ آذى وقَتَـلْ |
74 | أنا كالخيزور صعبٌ كسرهُ | وهو لينٌ كيفَما شئتَ انفتَلْ |
75 | غيرَ أنّي في زمانٍ مَنْ يكنْ | فيه ذا مالٍ هو المولَى الأجلّ |
76 | واجبٌ عند الورى إكرامُهُ | وقليـلُ المـالِ فيهمْ يُستقلْ |
77 | كلُّ أهلِ العصرِ غُمْرٌ وأنا | منهـمُ فاترك تفاصيلَ الجُمَل |
78 | وصـلاةُ وسلامٌ أبداً | للنبيِّ المصطفى خيرِ الدُّولْ |
79 | وعلى الآل الكِرام السُّعدا | وعلى الأصحابِ والقومِ الأُولْ |
80 | ما نوى الرَّكبُ بعُشَّاقٍ إلى | أيمنِ الحيِّ وما غنى رمَلْ |