مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمود رمضان البوطي
التاريخ: 27/07/2021

قو أنفسكم وأهليكم ناراً

مقالات

يترك لأهله الحبل على الغارب، لا يعنى بشؤونهم ولا بأخلاقهم، فلا يهتم للمنزلقات التي تتخطف ابنته، ولا للمحرمات التي يتورط فيه ابنه، ولا يعنيه إن كانت أحوالهم مرضية عند الله عز وجل أم لم تكن .. كل ذلك وهو يقرأ قوله الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..)!.


يشهد الفجر ربما، لكنه لا يكترث إن نهض أهل البيت للصلاة أم لم ينهضوا، شفقة على راحتهم أن تخدش، ونومهم أن يفسد! وليس هذا - والله - من الشفقة في شيء، بل هو ما يودي به وبهم إلى المهالك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما صح عنه: (ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ، إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ).


تلبس لباس الحشمة، وإلى جانبها تسير ابنتُها وقد ارتضت لها لباس العري والساقطات. فإن قيل لها في ذلك، فإن الحجة التي ما فتئ عنها اللسان: ما زالت ابنتي صغيرة!.


وبهذه الحجة أفسدوا فطرة الصغيرة وشوهوا ما تبقى من آثار الحياء في قلبها، وسيتجلى ذلك قريباً عندما تشب البنت عن الطوق ويبيت الأبوان - لكن بعد فوات الأوان - يستهجنان شرودَ ابنتهما عن نهج الصالحات القانات! يستغربان تمرد ابنتهما على الحشمة والحياء! ويدعي كل منهما أنه لم يأل جهداً في تربيتها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.


وإذا تشوهت الفطرة ومُسخ الحياء، لن يجدي نفعاً عندئذ سخط الأب، ولا صراخ الأم، ولا مروءة الأخ، ولا نصح الجدة، حتى ولو تواطئ أرباب التربية والأخلاق والمروءة كلهم لن يصلح العطار ما أفسده الدهر.


ألا وإن الذي أجرم بحق هذه الفتاة بداية، هو من تهاون في حشتمها وصيانتها يوم كانت صغيرة. وصدق القائل: وينشَأ ناشئ الفتيان - أو قل الفتيات - منا ... على ما كان عوده أبوه.


نعم .. لا شك أننا في زمن تحوشنا فيه المغريات، حتى تكاثفت العاديات، وبات الفجور معروضاً متاحاً بعد أن كان خفياً مستوراً، تتناوش المفاتنُ الأجيالَ بشتى فئاتهم، وها هي ذي وسائل الإفساد سهلة ميسرة في كل بيت - بل في جيب كل يافع وفتاة. ولا وازع يردع، ولا التزام يمنع، ولا مجتمع ينهض بهم أو يرفع ..


ومع ذلك ما ينبغي أن نيأس، لا بد من اتخاذ الأسباب وقرع الأبواب، ثم الهداية على الله عز وجل. وأول خطوة نحو اتخاذ الأسباب أن تكون - أو تكوني - قدوة لأهلك أولادك بناتك، فتكون - إمامهم وأمامهم - عبداً لله عز وجل في سلوكك وأخلاقك، لا أن يكون توجيهك ونصحك بواد وتصرفاتك بواد.


عندما يجدونك قدوة لهم في الحشمة، قدوة لهم في المحافظة على الصلاة، في التزام الأوراد، في إماطة الأذى عن الطريق، في الابتعاد عن قبيح الكلام، في نظافة الجسد والمكان، في الإحسان إلى الجيران .. يسهل عليك بعد ذلك أن تكون رقيباً على تصرفاتهم وناصحاً ومربياً. لأن هذه الأخلاق وأضْرَابَها إنما تكتسب بالقدوة الحسنة والممارسة العملية لا بتلقي المعلومات المجردة.


وبعد اتخاذ الأسباب التجئ إلى الوهاب؛ أن يهديك ويهديهم، أن يثبتك ويثبتهم، أن يصلح حالك وحالهم، فهذا من دأب الصالحين بعد الأنبياء والمرسلين، كما بيّن الله عز وجل ذلك في معرض حدثه عن نعوت عباده الذين يمشون على الأرض هوناً في سورة الفرقان. والتي منها أنهم: (يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، ومن ذلك قوله تعالى على لسان سيدنا زكريا قال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ).


لأنهم أدركوا أن الولد الصالح امتداد لأبويه، وكذلكم البنت الصالحة، ويوم القيامة سيكون هذا الولد وتكون هذه البنت ستراً لأبويها عن النار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث المتفق عليه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له). وقال أيضاً فيما اتفق عليه الشيخان: (من ولي من هذه البنات شيئاً فأحسن إليهن، كن له ستراً من النار).


فأي طامة أعظم من أن يتسبب الأبوان في ضياع أولادهم وبناتهم؛ فبدلاً من أن يكونوا ستراً لهم عن النار، يجعلونهم حجاباً وبعداً لهم عن الجنة، فيضيع الأبوان بضياع الأولاد والبنات. 

تحميل