مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمود رمضان البوطي
التاريخ: 13/08/2021

بئست الأمنيات

مقالات

يحدثونه عن الرخاء هناك؛ حيث لا تقنين ولا بطاقات تموين، فينبهر ويفتح عينيه بذهول منصتناً، ويعاف قلبُه الشامَ وأهلَ الشام، ويسرح بخياله.. ماذا لو عشت بينهم هناك؟ ويتمنى لو جاء طائر الأمنيات وحمله إلى تلك البقاع؛ لم يدرك بأفقه المحدود سوى ما يشبع بطنه، ويملأ جيبه، ويرفِّه نفسه، ويكفي عوزه، لم يفكر في آخرته ولا آخرة من حمّله الله مسؤوليتهم.


 فُتِن المسكين، وازداد تذمراً من الأوضاع الصعبة التي تعرفون، وبات يعبِّر عن استنكاره بعبارات لا تليق بعبد حريص على دينه، حريص على آخرته، حريص على أولاده وبناته: انظروا كيف يعيشون في ربوع الغرب وكيف نعيش؟ حياتنا حياة، وحياتهم حياة؟!


يتمنى لو بات بين أظهرهم، لو يحمل أولاده وبناته حيث الحياة الرغد والعيش الكريم كما يعتقد، وهو في الحقيقة يتمنى لو ساقهم إلى الجحيم.


ولا يليق بمسلم أن يُحسب على أمة قد اختارت التحلل والإباحية لبوساً لها فيكثّر سوادها، فإن هذا مما نص الفقهاء على تحريمه، وأسرة تتمسك بشرع الله لا يمكن أن تندمج فيهم هناك - كما يريدون - إلا بتقديم التنازلات على حساب دينها وقيمها.


فبئس الخاطر، وبئست الفكرة .. أن يتمنى مسلم لو كان فيهم ومعهم!.


وأسأل نفسي: كيفَ يمكن لعاقل أن يتنكر للدين ويجتويه، ويتملل من الوطن ويزدريه، ليبحثَ عن راحته في حضارة موهومة، ورفاهية زائفة، هناك حيث لا يصدح الأذان.. ولا تجد مجلس علم أو حلقة ذكر أو من يتغنى بالقرآن، حيث تُجدب القلوب، وتصدأ الأرواح.


فإن كان شظف العيش في الشام ناراً يكوي ظهرك، فاعلم أن جنتهم هي الجحيم المقيم بعينه، ما دام ثمن جنتهم ضياع دينك أو ضياع دين أولادك وبناتك.


وربما أفلح هو فحافظ على ثوابت دينه لحين، وبقي متمسكاً بشيء من قيمه وأخلاقه التي نشأ عليها في صباه، لكن أنى له أن يحافظ على دين أولاده؟! بل ما مصير أولادهم من ذريته؟ وما مصير أولاد أولادهم من بعده؟


يكفيه وزراً أن يخرج من صلبه من لا يعبد الله، أو أن يخرج من صلبه من يخجل من اسم أحمد ومحمد وعبد الله، وسيكتب ذلك في صحيفته أثراً يلقاه.


وأقولها بحرقة: يا حسرة على من نال ما تمنى، وظفر بما كان يحلم، ننظر اليوم إلى صوره وأحواله، فنجدها تنم عن ضياع. نعم لقد ضاع الكثيرون هناك، وأضاعوا دين أولادهم وبناتهم في تلك البقاع، التي لا تعرف حرمة لأسرة، ولا اعتباراً لعورة، ولا قيمة لحجاب.

تحميل