المدرسة الأتابكية
المدرسة الأتابكية 640 هـ
"مصلى التابتية" اليوم
في صالحية دمشق
المرأة نصف المجتمع، ودورها كبير في بنائه، وهي قبل الإسلام لم تكن محل اعتبار، فعندما جاء الإسلام جعل النساء شقائق الرجال وساوى بينهما.
وقد تتالى على مر العصور من النساء اللاتي شاركن الرجال في مجالات مختلفة من المنافسات، وبين أيدينا أسماء لامعة لنساء عالمات عاملات أسهمن في بناء حضارة إسلامية دمشقية مميزة ذات طابع علمي ديني أدبي صوفي راقٍ بذوق نبوي، فهنيئاً لمن استطعن أن يتلمس بصماتهن المميزة في كتب السير والتاريخ، وعملن على تحسين ذواتهن تربوياً وعلمياً وسلوكياً.
في صالحية دمشق وخارج أسوارها القديمة، نقف وإياكم، أمام معلم ديني أثري أيوبي يحمل عنواناً لسيدة أيوبية ساهمت في رفع شعار التنافس العلمي الديني الراقي.
"المدرسة الأتابكية"
موقعها: تقع المدرسة الأتابكية أو المدرسة التابتية الشافعية خارج أسوار مدينة دمشق القديمة في جادة حي المدارس بالصالحية، يحدها من جهة الغرب المدرسة المرشدية ودار الحديث الأشرفية المقدسية، ومن الشرق حمام العرائس والتربة الخاتونية، يفصل بينهما زقاق صغير، زقاق الأتابكية.
بنت هذه المدرسة الأميرة تركان خاتون، بنت السلطان الملك عز الدين مسعود بن مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر - أمير الموصل، زوجة السلطان الملك الأشرف الأيوبي، ويُعتقد أن الملك الأشرف كان يفكر بجعل هذا البناء تربة له ولزوجته الخاتون / تركان .. بعد وفاته .. إلا أن الموت عاجله وفضلت زوجته دفنه بالقرب من ضريح عمه صلاح الدين الأيوبي متاخماً للجامع الأموي .
والملك موسى: هو الملك الاشرف مظفر الدين أبو الفتح موسى ابن الملك العادل شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي سلطان الدولة الأيوبية بمصر والشام .
وذكر أبو شامة في الروضتين أنها أوقفت مدرستها قبل ليلة وفاتها سنة 640 للهجرة ـ 1242 للميلاد لتكون مدرسة للشافعية وتربة لها، ودفنت بها رحمها الله تعالى وتقبل منها .
وفيما ذكر الصفدي في الوفيات: أنها أوقفت لها أوقاف قبل ليلة وفاتها .. وبقيت عاكفة محافظة عليها غير قابل للتصرف بمرتباتها المالية لحين وفاتها في شهر ربيع الأول 640 هجرية ، ودفنت بتربتها بقاسيون انتهى.
وقال الذهبي: تزوج الملك الأشرف صاحبة التربة والمدرسة بالجبل، وقد توفيت هذه الأميرة الفاضلة خاتون بنت عز الدين مسعود زوجة الملك موسى ابن العادل أبي بكر سنة 640 للهجرة ـ 1242 للميلاد .
وفي ليلة قبل وفاتها أوقفت مدرستها وتربتها بجبل قاسيون لعموم المسلمين، وقد ذكرها مؤرخ الشام أبو شامة فقال: كانت سيدة الأميرات الأيوبيات ودفنت بمدرستها الأتابكية رحمها الله.
وعامة الناس من أهل الشام الآن يسمونها (جامع التابتية) وتارة يقولون التابتة، ولقد كان لهذه المدرسة شأن عظيم درس بها جماعة من العلماء الكبار.
وقال الجغرافي الشيخ النعيمي بكتابه الدارس في تاريخ المدارس في أول ذكره لمدراس الشافعية:
الأتابكية بصالحية دمشق غربي المدرسة المرشدسة ودار الحديث الأشرفية المقدسية أنشأتها امرأة الملك الأشرف مظفر الدين موسى، تركان خاتون بنت الملك عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود بن تابك بن زنكي ابن اقسنقر، ماتت سنة 640 ودفنت بتربتها والمدرسة التي أنشأتها. و أول من درس بها أبو بكر تاج الدين بن طالب الإسكندري المعروف بالشحرور .
ملخص لوصف التصويري:
ذكر الشيخ بدران في سنة 1328هـ/1910م أنه كان فيها خمس غرف أرضية، وقد طرأ عليها تعديلات كثيرة، أهمها إزالة الجدار الفاصل بين الحرم والقبة، وإزالة القبر وجعل الحرم مع القبة واحداً للصلاة، سقطت القبة واستبدل بها سقف من الخشب والطين، كما ذكر الشيخ بدران أن الجدار الغربي مبني بحجارة ضخمة، وبالجانب القبلي مسجد لطيف يظهر لمن رآه أنه مستحدث، وبجانبه إلى الشرق تربة مبنية بالحجارة الكبيرة، ولها شباكان في الحائط القبلي يطلان على بستان، وشباكان أيضاً يطلان على دمشق، وقد تهدم أعلاها وبها قبران، وبساحتها بئر يجتمع الماء فيه من نهر يزيد وعليه مضخة تجذب الماء إلى الأعلى، ومن هذا يظهر أن المدرسة قد استولى الخراب على أكثرها، وبقي جانب منها، وبعض أهل الخير جعله مسجداً تقام فيه الصلوات إلى اليوم.
يتم الوصول إلى الجامع عبر مدخل غائر يُنزل إليه بسبع درجات، وقد بني من الحجر الأبلق، ويتكون من جدار حجري يحتوي على باب يعلوه عقد مدبب مؤلف من قطع حجرية معشقة (مزررة)، وقد نحت على حجر القفل حلقة تزيينية مستديرة كتب عليها عبارة: "مسجد الأتابكية"، وعلى جدار الباب الأيمن توجد لوحة رخامية تحتوي على نص تأسيسي بخط ثلث يتضمن كتابة نصها: "المدرسة الأتابكية أنشأتها تركان خاتون زوجة السلطان الملك الأشرف الأيوبي، 640هـ/1243م".
الصحن ذو شكل شبه منحرف، أرضه من بلاط الموزاييك الحديث، وجز كبير منه مسقوف بألواح معدنية، وقسم منه مسقوف بالعروق الخشبية التقليدية، ويظهر ذلك تغيراً في وظيفته من مساحة مكشوفة إلى فراغات مغطاة تستخدم للصلاة.
فيها حرم صغير بمعزبة واحدة، وتربة عليها قبة إلى جواره، ضمت في عهد متأخر إلى الحرم ودرس القبر، وفيها مئذنة مربعة وميضأة (دورة مياه)، أحدثت سنة 789 هجري، وأهم ما في المدرسة البوابة الرائعة الصنع الغنية بالعناصر المعمارية الزخرفية، وهي من الحجر المنحوت.
ما تزال موجودة حتى يومنا هذا واليوم هي "مصلى الأتابكية".
وذكر أسعد طلس، في كتاب ثمار المقاصد في ذكر المساجد فقال:
هي موجودة بحارة شعيب، ولهذه المدرسة جبهة حجرية جد جميلة، وقد أساءت دائرة الأوقاف الإسلامية صنعاً ببنائها خمسة حوانيت، وفرناً أمام هذه الجبهة، ولم يبق من المدرسة العظيمة اليوم إلا مسجد صغير جداً له صحن صغير ومنارة مربعة قديمة من الآجر.
فهذه دمشق التي اشتهرت بنشاط علمي ديني، بدافع من أهلها في شوقهم للقاء المصطفى ومباهاته بـ من هم (صفوة الخلق) - في يوم لا ينفع مال ولابنون، إلا بعمل صالح و قلب سليم.
المصادر و المراجع:
ـ سير أعلام النبلاء / الذهبي
ـ الدارس في تاريخ المدارس / النعيمي
ـ ثمار المقاصد في ذكر المساجد / ابن عبد الهادي تحقيق أسعد طلس
ـ العمارة الإسلامية / الريحاوي