مميز
EN عربي
الكاتب: الشيخ خاشع حقي
التاريخ: 18/01/2011

حكم أداء الصلاة المكتوبة على الكرسي

بحوث ودراسات

حكم أداء الصلاة المكتوبة على الكرسي

للشيخ خاشع حقي

انتشرت في هذه الأيام ظاهرة (الصلاة على الكرسي) في أكثر المساجد بدعوى أن المصلي عاجز عن أدائها قائماً, فهل له أن يؤديها على تلك الصفة أو الهيئة....!

تعالوا نناقش هذا الأمر بشيء من التفصيل مع الأدلة النقلية والعقلية, أشهر حديث في هذا الموضوع قوله عليه الصلاة والسلام: (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن تستطع فعلى جنب...) ومنطوق الحديث أن المصلي له ثلاث حالات:

أداء المكتوبة قائماً فإن عجز عن القيام فقاعداً فإن عجز عن القعود صلى على جنب.

هذه هي الحالات الثلاث التي نص عليها الحديث وليس فيه (الصلاة على الكرسي), وهنا نسأل المجيزين لها على الوضعية المذكورة أي (على الكرسي): ترى هل كان الرسول عليه الصلاة والسلام عاجزاً أو غافلاً عن النطق (بالصلاة على الكرسي) إذا لم يستطع المصلي أداءها قائماً؟

هل ورد في أقوال الصحابة أو أفعالهم أو التابعين ومن جاء بعدهم مروراً بالفقهاء الأعلام والأئمة المجتهدين العظام وإلى ما قبل بدوّ هذه الظاهرة نص أو قول أو فعل يفيد جواز الصلاة (على الكرسي) وخلال هذه العهود المختلفة والعصور المتطاولة...؟

ألم يكن الصحابة في (صلاة التراويح) في المسجد النبوي يعتمدون على العصي من طول القيام ولا يعتمدون على الكرسي....!؟

ورداً على من يقول أن اعتماد الصحابة على العصي دليل على جواز اتخاذ الكرسي....!

نقول: إن اعتماد الصحابة على العصي كان في الوقوف لا في القعود وكان في صلاة النافلة لا الفريضة هذا أولاً.

ثانياً: الأمور التعبدية لا مدخل للقياس فيها والأصل فيها الامتثال لأمر الله أو أمر رسوله دون الالتفات إلى العلل والصلاة من أهم الأمور التعبدية فلا يجري فيها القياس فقياس هذا القائل الصلاة على الكرسي بصلاة الصحابة في التراويح خطأ في القياس كما مر وخطأ في التشبيه, والتراويح –كما هو معلوم – من النوافل التي يجوز فيها القعود وإن كان قادراً على القيام دون حرج أو إثم.

فلنتأمل في حياة الصحابة هذا الأمر طويلاً فإنهم زرع رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي أوصانا بالاقتداء بهم فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة).

وحذار أن تستخفنا الراحة البدنية أو الجسدية التي يجوز أن ننالها بالصلاة (على الكرسي), ترى كم كان ينالهم من المشقة في وقوفهم في التراويح وفيهم الشيخ الكبير والمريض وذو الحاجة..؟

لكنهم لما وجدوا فيها برد قلوبهم وراحة نفوسهم وزاد أرواحهم ولذة أبدانهم أدوها واقفين لا قاعدين

رزقنا الله الاقتداء بهم. ما على المصلين (على الكرسي) إلا أن يراجعوا حساباتهم مع أنفسهم وإيمانهم فيؤدوا الفرائض قائمين ما استطاعوا لا ما استراحوا....

فاتقوا الله يا مصلون وأقبلوا على العبادة بهمة عالية وإرادة قوية ولا تتعللوا بالأخذ بالأخف والأريح مادمتم قادرين على القيام ولو بشيء من المشقة, وارتاحوا بالصلاة لا منها وتذكروا حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: (أقمها يا بلال وأرحنا بها ) ولم يقل: وأرحنا منها..!

هل المجيزون الصلاة (على الكرسي) مجتهدون أو أهل للاجتهاد؟ وبأي دليل أجازوا الصلاة على تلك الهيئة التي لم يأت ذكرها في الحديث المنصوص عليه؟

((ولا اجتهاد في مورد النص )).

وفي معرض الحديث عن الاجتهاد أو التزام النص يورد لنا الدكتور (الشيخ عبد الحليم محمود) شيخ الجامع الأزهر (سابقاً) حديثاً على وجوب التزام النص (كتاباً وسنة) فيقول: ([1])

(وانظر إلى الحديث التالي إنه معبر أقوى ما يكون التعبير ودقيق دقة بالغة عما نقول من وجوب الالتزام بالنص:(عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال: النبي صلى الله تعالى عليه وسلم:

"إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت, فإنك إن مت في ليلتك فأنت على الفطرة واجعلهن آخر ما تتكلم به".

يقول البراء بن عازب: فرددتها على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلما بلغت آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت: ورسولك الذي أرسلت, قال:"لا ونبيك الذي أرسلت."

يقول الشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله تعالى: إن الصحابي الجليل (البراء بن عازب) رضي الله تعالى عنه أبدل كلمة بكلمة نسياناً منه. لقد قال ( ورسولك ) بدلاً من ( نبيك ).

وكلمة (رسول) تتضمن معنى النبوة فهي إذاً فيها المعنى وزيادة, وبحسب منطقنا وبحسب عقلنا تكون صالحة ولكنها في منطق الحق لم تكن صالحة لذلك كان سلفنا الصالح ينزعون نزعة الخضوع المطلق لما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم, لقد كانوا يسجدون للنص, يسجدون له بجوارحهم وقلوبهم وعقولهم لقد كانوا يخضعون عقولهم للنص ويجعلونه القائد والحكم المهيمن.

والصلاة (على الكرسي) تختلف عن الصلاة قاعداً فهي هينة ووضعية مستحدثة ومبتدعة في أهم عبادة من عبادات الإسلام....!

ترى هل كان الفقهاء المجتهدون خلال عهودهم التي اختلفت باختلاف الأماكن والعصور غافلين عن هذا الحكم أو (الكيفية) ولم يخطر على بال واحد منهم حتى ظهر هؤلاء فرأوهم مقصرين في هذا الحكم أو غافلين عنه, أم كانوا ملتزمين نص الحديث؟ والكراسي موجودة في أيامهم (في دورهم ومجالسهم وأماكن محلاتهم) بل هي موجودة في عصر النبي عليه الصلاة والسلام وما قبل عصره منذ أيام نبي الله (سليمان بن داود) كما جاء في القرآن وربما قبل ذلك....! فوجوده قديم سواء في الجزيرة العربية أو عند الشعوب الأخرى....!

جاء في صحيح البخاري ((حدثنا سفيان عن واصل عن أبي وائل قال: جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة فقال: لقد جلس هذا المجلس عمر)) وفي النسائي ((.... عن عبد الله بن المبارك عن شعبة عن مالك بن عرفطة عن عبد خير عن علي أنه أتي بكرسي فقعد عليه ثم دعا بتورفيه ماء.....)).. الحديث.

أرى أن (أداء الصلاة على الكرسي) بدعة ظاهرة في الدين كما يبدو من تعريف البدعة التي تعني: (أمراً مخترعاً في الدين يضاهي الشريعة الإسلامية).

والصلاة (على الكرسي) أمر مخترع في العبادة وهيئة غريبة لا تتفق ونص الحديث المار الذكر وهو وضع خارج عن صريح الحديث ومنطوقه.

كما لا يندرج تحت قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) لأن النبي عليه الصلاة والسلام بيّن لأمته ما باستطاعة المصلي أن يفعله إذا عجز عن أداء الصلاة قائماً بقوله الآنف الذكر وبقوله الآخر: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد صلى النبي قائماً ثمّ لما عجز عن القيام في مرضه الأخير صلى قاعداً (لا على الكرسي). وإذا كانت الآية مجملة فقد جاء الحديث مبيناً لها كما في قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}[آل عمران:97] , فبين النبي عليه الصلاة والسلام الاستطاعة (بالزاد والراحلة).

وأخشى ما أخشاه أن تنقلب المساجد إلى الشبه بمعابد غيرنا مع مرور الزمن والمفروض أن تتميز عنها.

ثمّ إن غالبية المصلين (على الكرسي) من العوام يقلد بعضهم بعضاً وربما استطاب بعضهم الجلوس على الكرسي لأنه أكثر راحة لا لأنه عاجز عن القيام أو الوقوف – وهذا مخل بصلاته – لأنه ترك ما هو قادر عليه وإن ناله شيء من المشقة واختار ما يريحه لا ما يستطيعه.

والفرق بينهما واضح والحديث ينص على: (.. فإن لم يستطع...) فضلاً عن أنه يضيق على المصلين ويجعل صفوفهم غير منتظمة ولا مستوية, واستقامة الصفوف في الصلاة واستواؤها من الصلاة ذاتها ومن تمامها.

كما أنهم بذلك يفوتون على أنفسهم فضل مبادرة الصف الأول الذي هو أفضل صفوف الرجال وجاءت الأحاديث الكثيرة في فضله وفي صفوف النساء الأواخر...!

وخلاصة الكلام:

أن المصلي عليه أن يصلي حسب استطاعته لا حسب راحته وكما يحلو له, قائماً ما أمكن فإن عجز عن القيام فقاعداً ولكن (لا على الكرسي ). كما يجلس في بيته ويأخذ الهيئة أو الوضعية التي تريحه في قعوده ولا تشق عليه لكنه في هذه الحال يجعل سجوده أخفض من ركوعه وإن لم تلمس جبهته الأرض وإن كان ماداً رجليه نحو القبلة فإن ذلك لا يضر ولا ينقص من صلاته للآية الكريمة (فاتقوا الله ما استطعتم), فإن عجز عن القعود صلى على جنب جاعلاً رأسه إلى الغرب ورجليه نحو الشرق وصدره باتجاه القبلة ويومئ إيماء.

هذا ما تبين لي, والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل والحمد لله رب العالمين.

هل الصلاة على الكرسي باطلة؟

وقد جاءني هذا التعليق على الصلاة على الكرسي وها أنا أكتبه كما هو:[2]

من المعلوم أن الصلاة يجب أن تؤدى من وقوف عند التكبيرة الأولى وقراءة الفاتحة والركوع و الاعتدال وذلك في الفريضة, فإذا عجز الإنسان عن الوقوف صلى من قعود كما نص عليه الحديث. أما في صلاة النافلة فيجوز أن تؤدى من قعود حتى لو كان المصلي قادراً على الوقوف, ويحسب له نصف الأجر, فإذا كان عاجزاً عن الوقوف فله الأجر الكامل, (أي أجر النافلة). أما إذا كان قادراً على الوقوف في صلاة الفريضة ثم صلى من قعود, فصلاته باطلة ولا أجر لها. والقعود له صور مختلفة, منها أن يجلس على الأرض مباشرة, وفي ركوعه سيطأطئ رأسه, وفي السجود سيضع رأسه على الأرض فإن عجز عن السجود على الأرض طأطأ رأسه بصورة تكون أقوى من حالته في الركوع, ليظهر الفرق بينهما (والجلوس على الكرسي لا يمكَنه من السجود على الأرض, فتبطل الصلاة ) ومن كان قادراً على الوقوف في أول الصلاة عند الإحرام, ثم ركع واعتدل, ثم سجد السجدتين ولم يستطع الوقوف, كمل صلاته من قعود, ولا يجوز لمن كان قادراً على القيام عند الدخول في الصلاة أن يبدأها جالساً, لا على الكرسي ولا على الأرض. وبالجملة فمن كان قادراً على الوقوف في أي ركن لا يجوز له أن يعمله وهو جالس, فالجلوس للضرورة وعدم القدرة على الوقوف.

[1] كتاب أسرار العبادات.

[2] من كلام الشيخ عطية صقر في كتابه: أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام, فتاوى جديدة ص25 ((عالم أزهري مصري معروف لدى الأوساط العلمية))

تحميل