مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 23/02/2011

الإمام الحافظ ابن عساكر الدمشقي

أعيان الشام

علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين




أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي




الإمام الجليل حافظ الأمة ، 499/ 571 هجري






إخوتي القراء سائحي دمشق:


دمشق، تلك المدينة التي سيحدث فيها إعلان متسارع لنهاية الزمان بنزول سيدنا عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء، ليجتمع المؤمنون الحقيقيون من حوله ينتظرون إرساء الحقّ والعدل في العالم، في وقت تكون فيه البشرية قد تاهت وضلت عن الصراط المستقيم.




دمشق، أعرق مدن التاريخ والحضارة الإنسانية، إليها شُدّت الرحال لِما روى عنها سيد الخلق، حيث قال: (الخير عشرة أعشار، تسعة بالشام وواحد في سائر البلدان)، و(إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم)، و(فإذا وقعت الفتن فإن الإيمان بالشام)، ثم قال: (عليكم بالشام.. فيها خيرة الخلق)، و(ستكون دمشق في آخر الزمان أكثر المدائن أهلاً وأكثره أبدالاً وأكثره زهاداً وأكثره مالاً ورجالاً، وأقله كفاراً، وهي معقل لأهلها) و(ينزل عيسى بن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق)، فهيّا نمضي والنفوس تتوق أن تكون من أهل الخيرية، نتنافس بروح راقية ترجو الخير للجميع، وإني أرجو الله لي ولكم أن نكون أصحاب إيمان مُطبّقين ومنفّذين لأقوال الحبيب بروح تتوق لملاقاته وهو راضٍ عنا، ترافقنا في رحلتنا هذه أسرار معاني قوله صلى الله عليه و سلم: (حتى تحب لأخيك ما تحب لنفسك).




 وما الوقوف عند آثارهم إلا تذكرة لنا نحن أحياء اليوم، ولنُرفق ذلك بالدعاء لهم، وذلك من حسن التدبر أثناء الوقوف لحظة من لحظات العمر، بسياحةً وتبصرةً القلب قبل العين.




ندعوكم لرحلة تاريخية بين كتب التراجم، فهلا أنصتنا معاً إلى ما ترويه تلك الكتب بنية ترجو الفَهم الصحيح عن سيد الخلق، كيف يكون إعمار الإنسان قبل الأرض؟ وربما قراءة في سطور التاريخ تحيي القلب للعمل، وكما يقول الإمام الشافعي:




قد مات قوم وما ماتت مكارمهم



وعاش قوم وهم في الناس أموات




نمضي معاً في قراءة ترجمة المؤرخ و المحدث، الحافظ الذي اشتهر باسم ابن عساكر، سائلين الله أن يوفقنا في قرائتنا هذه بعظة مفيدة للروح والنفس مع العقل متصالحين للفهم عن الله عز وجل.




المحدث العالم الثقة المؤرخ الحافظ ، الشهير بابن عساكر، صاحب الكتاب الشهير (تاريخ دمشق)، ذي الثمانين مجلد.




اسمه و مولده و نسبه و كنيته:




هو أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الشافعي المؤرخ الرحالة الحافظ، المعروف بابن عساكر، ولا نعلم أحداً من جدوده اسمه عساكر إنما هو اشتهر بذلك، ولد في دمشق أول الشهر المحرم سنة 499هـ / 1105م في بيت كريم الأصل معروف بالفضل، حيث كان (أبوه) تقياً ورعاً اسمه، الحسن بن هبة الله شيخاً صالحاً عدلاً محباً للعلم مُقدراً للعلماء مهتماً بأمور الدين والفقه، وكانت (أمه) من بيت القرشي، (أبوها) يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي الفقيه الكبير، وكان عالماً بالعربية ثقةً تفقه على أبي بكر الشاشي وبدمشق على القاضي المروزي والفقيه نصر، وقد سمع منه وروى عنه أبو القاسم بن عساكر، أما (وزوجة الإمام وأم أبنائه) فهي عائشة بنت علي بن الخضر كان لها شغف بالحديث، فكان الزوج الكريم يحضر لها محدثات ليسمعها الحديث الشريف، ثم ليسمع منها أبنائها ويتلقون عنها كما يتلقون عن أبيهم، وشاء الله أن تتوفى هذه السيدة الكريمة قبل زوجها في سنة (564 هـ = 1168م) فتركت في نفسه أسى وحسرة، موعظة وعبرة تفيدان في التربية الأسرية.




وكان (خاله) أبو المعالي محمد بن يحيى قاضياً، هكذا نرى أن للبيئة التي نشأ فيها الحافظ ابن عساكر أثر كبير في اتجاهه نحو العلم ونبوغه فيه، فقد نشأ في بيت قضاء وحديث وفقه، وكان آلاف هذا البيت من كبار علماء دمشق وقضاته.




وكان (أخوه) الأكبر صائن الدين هبة الله بن الحسن (488 - 563هـ) فقيهاً مُفتياً مُحدثاً قرأ القرآن بالروايات وتفقه وبرع، ورحل فسمع وقرأ الأصول والنحو وتقدم وسمع الكثير بالمدرسة الشافعية الأمينية لشيخه أبي الحصن السلمي، ودرس وأفتى وكتب الكثير، وكان إماماً ثقةً ثبتاً ديناً ورعاً. وأما أخوه أبو عبد الله محمد بن الحسن بن هبة كان قاضياً، وقد نشر أولاده الستة العلم والحديث.




تأمل هذه السطور، بدأ ابن عساكر بتلقي علومه ودروسه باكراً وهو في سن صغيرة، سمعه أخوه الصائن سنة 505هـ / 1111م، عندما كان في السادسة من عمره يومذاك فأخذ يسمع باعتناء من أبيه وأخيه الصائن وسمع أبا القاسم النسيب وقوام بن زيد وسبيع بن قيراط وأبا طاهر الحنائي وأبا الحسن بن الموازيني، وراح يتردد إلى مجالسهم ويحضر حلقات تدريسهم.




في هذا الجو الايماني المعبّق بنسائم العلم نشأ وترعرع ابن عساكر، فقد كانت أسرته الصغيرة هي أول من تلقى فيها حب العلم والدين بتقاً وورع، ثم تتلمذ على عدد ضخم من شيوخ دمشق وعلمائها، التي كانت آنذاك من حواضر العلم في العالم الإسلامي، وتلقى على أيديهم عدداً كبيراً من أمهات الكتب في الحديث والتاريخ.




 شيوخه:




- قرأ على أبي الفرج غيث بن علي الصوري تاريخ صور، وجزءاً من كتاب تلخيص المتشابه للخطيب البغدادي.



- وقرأ على عبد الكريم بن حمزة السليم كتاب الإكمال لابن ماكولا، ومشتبه النسبة لعبد الغني بن سعدي.




- وقرأ على شيخه أبي القاسم النبيه كتاب المجالس وجواهر العلم لأحمد بن مروان الدينوري، وتلخيص المتشابه للخطيب البغدادي.




- وقرأ على أبي محمد بن الأكفاني كتاب المغازي لموسى بن عقبة، وكتاب المغازي لمحمد بن عائذ الدمشقي، وأخبار الخلفاء لابن أبي الدنيا، وغيرها.




ولم ينشغل ابن عساكر في فترة حياته الباكرة إلا بطلب العلم فانصرفت همته إليه، وانشغلت نفسه به، ولم يصرفه عنه صارف، ولم يترك عالما ذا شأن في دمشق إلا اتصل به وقرأ عليه، ولم تسنح له فرصة من وقت إلا شغلها بالقراءة والدرس، حيث كان في سباق مع الزمن حتى يحصل ما تصبو إليه نفسه من العلوم والفنون.




ثم تأمل رحلاته العلمية:




بدأ ابن عساكر رحلاته سنة (520 هـ = 1126م) إلى بغداد، ثم اتجه منها إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وزيارة النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولم تطل إقامته في المدينتين المقدستين حيث كر راجعاً إلى بغداد؛ لمتابعة دروسه في بغداد بالمدرسة النظامية.




وفي فترة إقامته التي استغرقت خمس سنوات، قابل عدداً كبيراً من أئمة العلم، وقرأ عليهم عشرات الكتب العظيمة ذات المجلدات الضخمة، فاتصل بأبي غالب بن البنا، وقرأ عليه كتاب نسب قريش للزبير بن بكار، وكتاب التاريخ لابن أبي خيثمة، وقرأ على أبي القاسم بن الحصين مسند أحمد والغيلانيات، ودرس على أبي بكر محمد بن عبد الباقي الطبقات الكبرى لابن سعد، ولزم أبا القاسم بن السمرقندي وسمع منه كتبًا كثيرة، منها: سيرة ابن إسحاق، وكتاب الفتوح لسيف بن عمر، وتاريخ الخلفاء لابن ماجه، ومعجم الصحابة لأبي القاسم البغوي، والمعرفة والتاريخ للنسوي، والكامل في الضعفاء لابن عدي.




عاد الحافظ ابن عساكر إلى دمشق سنة (525 هـ = 1130م)، واستقر بها فترة عاود بعدها رحلته مرة أخرى سنة (529 هـ = 1134م) إلى إيران وخراسان وأصبهان وهمذان وأبيورد وبيهق والري ونيسابور وسرخس وطوس ومرو، سمع في أثنائها عدداً كبيراً من الكتب على كبار الحفاظ والمحدثين في بلاد المشرق، مثل: سعيد بن أبي الرحاء، وزاهر بن طاهر الشحامي، ثم عاد إلى دمشق سنة (533 هـ = 1138) وقد طبقت شهرته الآفاق، وقصده طلاب العلم من كل مكان، وانصرف إلى التأليف والتصنيف. وبلغ ابن عساكر قمة العلم، ليتبوأ مرتبة الحفّاظ والمحدثين، حيث كان عددُ شيوخه الذين في معجمه: (1300) بالسماع، و (46) شيخاً أنشدوه، وعن (290) شيخاً بالإجازة، و (بضعاً وثمانين* امرأة، فالمجموع (1716) تقريباً .




وكان عصره عصر الجهاد ضد الصليبين، رافق ذلك ظهور نهضة علمية كبيرة، عمّت البلاد..  و(تاريخ دمشق) جاء جواباً لكل حائر متسائل عن مكانة وعظمة دمشق، حيث يجيبهم ابن عساكر بأحاديث سيد الخلق، فصاروا  طائعين له، طامعين بما يرضي الله ونبيه.




درس في المدرسة الأمينية أول مدرسة شافعية ثم في دار الحديث النورية، وبقي ابن عساكر رحمه الله مُنكباً على التأليف والتصنيف والتدريس، وحملت مكانته العلمية والدينية الرفيعة نور الدين زنكي (ت 569هـ /1173م) على العناية بهذا العالم الجليل أكثر، فبنى له دار الحديث النورية، كان يقرأ على مسامعهم كتاب (تاريخ دمشق). وانصرف ابن عساكر إلى التدريس فيها حتى وفاته، غير متطلع إلى زخرف الدنيا، بل لم يزل مواظباً على خدمة السنة والتعبد في دمشق إلى حين أن قُبض.




من مؤلفاته:




كان غزير التأليف بلغ عددها 138 مصنف، و يعد (تاريخ دمشق) من أهمها، نذكر عدد منها:




التاريخ و الموافقات، أطراف السنن، عوالي مالك، غرائب مالك، عوالي شعبة، عوالي الثوري، تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى أبي الحسن الأشعري، والكتاب مطبوع، الأربعون البلدانية، وقد طبع بتحقيق محمد مطيع الحافظ في دمشق، الأربعون في مناقب أمهات المؤمنين، وقد طبع محققًا بعناية محمد مطيع الحافظ في دمشق، الإشراف على معرفة الأطراف، والكتاب لا يزال مخطوطًا، ترتيب الصحابة في مسند أحمد، والكتاب مخطوط لم يطبع بعد، جزء فيمن نزل بالمزة، فضائل الربوة و النيرب، وجزء في مقام إبراهيم وبرزة، وجزء في أهل كفرسوسة، وجزء أهل كفر بطنة، وغيرها من المصنفات الهامة.




 –وله عدة مجالس مخطوطة في ذم من لا يعمل بعلمه، وفي التوبة، وذم قرناء السوء، وفي سعة رحمة الله، وفي فضل سعد بن أبي وقاص، وفضل عبد الله بن مسعود ، وقد طبع مجلسان من هذه المجالس بتحقيق محمد مطيع الحافظ. وهذه المجالس أشبه بالرسائل  الصغيرة.




وللحافظ أبي القاسم بن عساكر شعر كثير، قلما أملى مجلساً إلا ختمه بشئ من شعره، من أشعاره:




 




ألا إن الحديـــــــث أجل علم



وأشرفه الأحاديث العوالي



وأنفع كـل نــوع منه عندي



وأحسنه الفوائد والأمالي



فإنك لــن ترى للعلم شيئا



تحققه كأفواه الرجــــال



فكن يا صاح ذا حــرص عليه



وخذه عن الشيوخ بلا ملال



ولا تأخذه من صــحـف فترمى



من التصحيف بالداء العضال




 




ماذا عن كتاب (تاريخ دمشق)؟




شغل ابن عساكر نفسه بالعلم مذاكرة وتحصيلاً، وجعله هدفاً لا يصرفه عنه شيء، ولم يجعله وسيلة لتولي منصب أو طمع في مال أو جاه، أعطاه نفسه ولم يبخل عليه بجهد، فكافأه الله سعة في التأليف.




وخلال التدريس وضع ابن عساكر مؤلفات كثيرة، لكن مؤلفاً منها قد ملك عليه فؤاده، وانصرفت إليه همته الماضية منذ أن اتجه إلى طلب العلم، فبدأ يضع مخططاً لكتابه الكبير "تاريخ دمشق"، يضاهي "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، والذي صار نموذجاً للتأليف في تاريخ المدن، يحتذيه المؤلفون في المنهج والتنظيم.




استغرق التفكير والتأليف في تاريخ دمشق وقتاً طويلاً من حياة مؤلفه، وصاحبه منذ فترة مبكرة من حياته، فكانت فكرة في عقله قد استنارت بنور أحاديث المصطفى التي قد جمعها، ثم بدأ بالتخطيطً على الورق، وشرع في تنفيذ هذه الفكرة : (تاريخ دمشق) بسند قبل الخبر، فأخذ من حياته عمراً، فهو لم يؤلفه في صباه ولا في شبابه ولم ينجزه في كهولته، وإنما شغل حياته كلها، ولم يفرغ منه إلا بعد أن وهن جسده وكلّ بصره.




وكان فَهِماً، حافظاً، متقناً، ذكيّاً، بصيراً بهذا الشأن، لا يُلحقُ شأوُه ولا يُشقّ غباره، ولا كان له نظير في زمانه.




تأمل في هذه السطور، كان العمل ضخمًا يحتاج إنجازه إلى أعمار كثيرة، وكاد المؤلف ينصرف عن إنجازه وإتمامه، لولا أن خبر هذا الكتاب تناهى إلى سمع نور الدين زنكي، فبعث إلى الحافظ ابن عساكر يشحذ همته ويقوي من عزيمته، فعاد إلى الكتابة وأتمه سنة (559 هـ = 1163م)، ثم قام ولده القاسم بتنقيحه وترتيبه في صورته النهائية تحت بصر أبيه وعنايته، حتى إذا فرغ منه سنة (565 هـ = 1169م) قرأه على أبيه قراءة أخيرة، فكان يضيف شيئاً، أو يستدرك أمراً فاته، أو يصوب خلطاً، أو يحذف ما يراه غير مناسب أو يقدم موضعاً أو يؤخر مسألة، حتى أصبح على الصورة التي نراها الآن بين أيدينا.




تأمل أخي القارئ، ماذا قال ابن عساكر وهو يصنف ويؤلف بعد عودته من رحلاته الهادفة؟




ثم قال بعد عودته: متى أروي ما سمعت؟ أي ما سمع من العلماء الكبار في العالم الإسلامي.




 فشجعه أعيان وشيوخ البلد وقالوا: من أحق بهذا منك! فصار اسمه مشهوراً  في البلاد..




 وقال ابن عساكر :  رقي خبر جمعي (تاريخ دمشق) إلى الملك العادل- يقصد نور الدين زنكي- وبلغني تشوقه إلى استنجازه والاستتمام، فراجعت العمل به راجياً الظفر بالتمام.




جاء الكتاب في النهاية في ثمانين مجلدة، تبلغ حوالي ستة عشر ألف صفحة مخطوطة، خصص المؤلف القسم الأول من كتابه لذكر فضائل دمشق، ودراسة خططها ومساجدها وحماماتها وأبنيتها وكنائسها، وكان هذا كالمقدمة لكتابه الكبير، ثم أخذ في الترجمة لكل من نبغ من أبنائها أو سكن فيها، أو دخلها واجتازها من غير أبنائها من الخلفاء والعلماء والقضاة والقراء والنحاة والشعراء.




وقد تتسع حلقة دمشق في منهج ابن عساكر لتشمل الشام أحيانًا فيترجم لمن كان في صيدا أو حلب أو بعلبك أو الرقة أو الرملة، وكما اتسعت لديه دائرة نطاق المكان اتسعت دائرة الزمان، فامتدت من زمن أقدم الأنبياء والمرسلين إلى عصر المصنف.




فمنهجه في الكتاب هو منهج المحدثين، اعتمد في الرواية على السند مهما طال أو تعدد، فلا يذكر خبراً إلا ويسبقه إسناده، وقد يكرر الخبر الواحد ما دامت هناك فائدة من زيادة أو توضيح. واتبع في التراجم التنظيم الألفبائي المعروف، مراعياً في ذلك أسماء الآباء بعد أسماء المترجمين، لكنه بدأ التراجم بمن اسمه أحمد، تيمنًا باسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وبعد أن فرغ من التراجم المرتبة أسماؤها ترتيب المعجم، أورد من عُرف من الرجال بكنيته فقط، مراعياً في ذلك الترتيب الألفبائي أيضاً، ثم أعقب ذلك بالمجاهيل ممن عُرفت لهم رواية ولم يعرف لهم اسم، ثم ختم الكتاب بتراجم النساء، ملتزماً المنهج نفسه في الترتيب والتنظيم، وقد خصّهن بمجلد مستقل، اتسع لمائة وست وتسعين ترجمة من شهيرات النساء في العلم والأدب والغناء.




وقد لقي الكتاب عناية واهتماماً بدءاً من جهود القاسم ابن المؤلف، الذي ذيّله وانتخب منه، ثم قام عدد من العلماء باختصاره، مثل ابن منظور المتوفى سنة  711 هـ  الذي صنع مختصراً لتاريخ دمشق، وعلى الرغم من كونه اختصاراً فقد جاء في 29 مجلدًا حين طُبع أخيراً محققاً في دمشق.




ثناء العلماء عليه:




  • قال تاج الدين السبكي: هو الشيخ الإمام، ناصر السنة وخادمها وقامع جند الشيطان بعساكر اجتهاده وهادمها، إمام أهل الحديث في زمانه وختام الجهابذة الحفاظ، ولا ينكر أحد منه مكانة مكانه، محط رحال الطالبين.



  • وقال ابن خلكان: كان محدث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره.



  • وقال الخطيب أبو الفضل الطوسي: ما نعرف من يستحق هذا اللقب سواه (يعني لفظة الحافظ).



  • وقال النووي: هو حافظ الشام بل هو حافظ الدنيا الإمام مطلقا الثقة الثبت.



  • وقال ابن الدبيثي: أحد من اشتهر ذكره وشاع علمه وعرف حفظه وإتقانه.



  • وقال الذهبي في السير: وبلغنا أن الحافظ عبد الغني المقدسي بعد موت ابن عساكر نفذ من استعار له شيئاً من تاريخ دمشق، فلما طالعه انبهر لسعة حفظ ابن عساكر، ويقال: ندم على تفويت السماع منه فقد كان بين ابن عساكر وبين المقادسة واقعة، رحمهم الله.




وفاته رحمه الله:




 ظل الإمام محل تقدير الناس والولاة، فكان يحضر مجالسه نور الدين محمود سلطان دمشق الذي قربه وبنى له “دار السنة” وكان “صلاح الدين الأيوبي يُجلّه ويحضر مجالس تدريسه ... ومكث الإمام ابن عساكر يؤدي رسالته حتى لبّى نداء ربه، حيث توفي رحمه الله في ليلة الاثنين حادي عشر شهر رجب سنة 571هـ / 1176م، وعندما حضرته الوفاة سار السلطان صلاح الدين الأيوبي في جنازته، وصلَّى عليه القطب النيسابوري، ودُفن عند أبيه بمقبرة باب الصغير، شرقي الحجرة التي فيها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.




رحم الله ابن عساكر وجزاه المولى عنا خير جزاء، فقد عكس بسيرته الحسنة منذ نشأته وتدرجه في معارج العلم والدين أسراراً روحانية إيمانية عظيمة، تدلنا على أهمية الأسرة التي جعلت شعارها العلم الصحيح والدين المتين، بتقى وورع شديد ينتج لبنة صالحة تساهم في بناء المجتمع الصالح.




هذه أسرار سيرهم الحسنة: تعظيم أقوال الحبيب المصطفى




ندعو له من القلب...




اللهم اجزه عنا من الخير، اللهم و اجعلنا خير خلف لخير سلف، اللهم آمييين يا رب العالمين.




المصادر و المراجع:




ـ سير أعلام النبلاء / الذهبي




ـ الطبقات الشافعية الكبرى / السبكي




ـ شذرات الذهب فيما ذهب / المبرد ابن عبد الهادي