مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/01/2011

الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي

أعيان الشام

مُحيي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي


الحاتمي الطائي الأندلسي لقبه الشيخ الأكبر 558 / 638 هجري


يقول الكاتب الإسباني  " بلاسكوا أبانيز" ، في كتابه ـ ظلال الكنيسة ـ :


"وأخذ فرسان محمد -صلى الله عليه وسلم- يتدفقون من جانب المضيق فتستقر معهم تلك الثقافة الغنية الموطدة الأركان، نابضة بالحياة، بعيدة الشوط، وُلدت منتصرة، وبثَّ فيها النبي حَمِيَّة مقدسة، واجتمع لها ما في وحي إسرائيل، وعلم بيزنطية، وتراث الهند، وذخائر فارس، ومعارف الصين" .


هذه الكلمات ينطق بها كاتب أوروبي معاصر، يتغنى بجمال وجلال الحضارة الإسلامية، التي أشرقت في الأندلس، وهي حضارة لم يجد لها الكاتب مثيلًا، من حيث العظمة، والضخامة، والإنتاج، والمعارف العلمية.


وتجلَّتِ الأندلس، وتحلَّت بأجمل ما عندها في القرن الخامس الهجري، فكانت الجسر الذي تلاقت عندها ثقافات أوروبا القديمة بالثقافة الإسلامية، كما تدرجت المعارف الصوفية تدرجاً طبيعياً، من الزهد والعزلة والذكر والتصفية القلبية، وما يلهمه صفاء القلب من فهمٍ في كتاب لله، وإدراكٍ لأسرار لكلام رسول الله، و قد انتقل التصوف إلى آفاق أرحب وأشمل، إلى معارف الروح وإلهاماتها، وحنين القلب والروح إلى خالقها، فظهرت وتعددتْ مدارس التصوف، في هذا الهدف الرئيسي، تعدداً ظهرت آثاره واضحة مشرقة في القرن الثالث والقرون التالية.


إلى أن جاء محيي الدين بن عربيَ، فكان مقامه ومكانته من التصوف في كلام الإمام صفي الدين:    " ... محيي الدين يُربِّي العارفين " .


جاء محيي الدين في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية الأندلسية، في عصرٍمأهول بالعلماء، ورقت له القلوب، ودانت له العقول، ثم طَوَّف في رحاب العالم الإسلامي، فكان أينما حَلَّ هطل فأنبت وأحيا.


وللبيئة الأندلسية التي وُجد فيها محيي الدين تأثير كبير في حياته، بينما كان المشرق الإسلامي يموج بطوائف من الملل والنحل والمذاهب من الخوارج والمرجئة، والمجادلين من الأشاعرة والماتردية والمعتزلة، فلم يُفْنِ محيي الدين حياته صراعاً وقتالاً، كما فعل الغزالي الذي سبقه بقليل في المشرق بمجادلات، مع الفلاسفة والفقهاء ورجال الملل والمذاهب.


ومن المعلوم أن علم التصوف ظهر في العصر العباسي الثالث، وهو من العلوم الشرعية الحادثة، وأصل التصوف العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد بما فيها من مال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة.


واختلف علماء الإسلام في أصل كلمة التصوف أو الصوفية فقال جماعة باشتقاقها من الصفاء أو الصفَّة، وقال آخرون غير ذلك، ويرى ابن خلدون: أن اشتقاقها من الصوف أقرب إلى الصواب.  


قال الجنيد: «ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات» ويقصد بذلك المجاهدة والمكافحة اللذين يعقبهما الوصول إلى الذوق.


يمكنُ تعريف الصوفية على أنَّها منهج ومسلك من المسالك التي يسلكُها العبد للوصول إلى الله، ويقوم هذا الطريق على العبادات وتطهير النفس من كلِّ ما هو سيّء.


إذاً: الصوفي، هو من اختص في التصوف، والتصوف اختصاص حمله رجال كبار في التاريخ الإسلامي كالإمام أبي حامد الغزالي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الرفاعي، ومِن قبلِهما الإمام أبو القاسم الجنيد البغدادي رحمهم الله جميعاً، ولا خلاف في التاريخ الإسلامي أن هؤلاء كانوا صوفية، وقد عرّفوا التصوف بأنه اتباع الأخلاق والآداب الإسلامية المقتبسة من الكتاب والسنة، بمعنى السعي إلى مقام الإحسان الذي عرفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه: أن تعبد الله كأنك تراه.


والآن من هو ابن عربي؟


هو الصوفي الكبير الإمام مُحيي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، لقبُه الشيخ الأكبر، وله مذهب خاصّ اسمه يُسمَّى الأكبرية، وُلد ابن عربي في مرسية في الأندلس، عام 558هـ، ما يوافق عام 1164م، أحد أكبر المتصوفين في التاريخ وأشهرهم أيضاً، وهو فيلسوف من الفلاسفة المسلمين، كان والده عالماً من علماء الحديث والفقه، زاهداً تقيّاً ورعاً متصوِّفاً، وجدّه كان عالماً وقاضٍ من قضاة الأندلس، فكانت نشأته نشأة بارزة، وقد دفع به والده وهو في سن صغيرة إلى أبي بكر بن خلف أحد أعظم الفقهاء في عصره، فتعلَّم على يده القرآن الكريم، وأتقن القراءات السبع، ثمَّ بعثه والده ليتعلَّم الحديث والفقه، فسافر في الأمصار واستقرت به الحال في دمشق، فبقي بها وأصبح أحد أعظم فقهائها حتَّى آخر حياته.


تزوّج ابن عربي من فتاة بالغة الحُسن والجمال والكمال، حسنة الخلق، فكانت سبباً من أسباب صفاء حياته وهناء عيشه.


اسمه:


الشيخُ الأكبر محيي الدين ابن العربي، محمدُ بن عليّ بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي الطائي من ولد عبد الله بن حاتم أخي الصحابي الجليل عديّ بن حاتم، ويلقب بمحيي الدين، ويُكنّى أبا عبد الله وأبا بكر، ويُعرف بالحاتمي أوالطائي، وبابن عربي، وفي المغرب بابن العربي، وفي الأندلس بابن سراقة، وكذلك يُدعى بسلطان العارفين وإمام المتقين .... وغيرها من ألقاب التشريف التي تليق به.


مولده:


وُلد الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي ليلة الاثنين في السابع عشر من شهر رمضان سنة 560 للهجرة (26 تموز 1165 ميلادية) في مدينة مُرسِية شرقي الأندلس، ثم انتقل إلى إشبيلية سنة 568/1172 فأقام بها حوالي عشرين عاماً ذهب خلالها إلى المغرب وتونس عدة مرات، وأقام هناك لفترات متقطعة ثم ارتحل إلى المشرق للحج سنة 598/1201 ولم يعد بعدها إلى الأندلس. 


رحلاته:


أقام في مصر مدة وجيزة ثم دخل مكة وعكف على العبادة والتدريس في المسجد الحرام، حيث أفاض الله عليه أسراراً وعلوماً شريفة أودعها في كتابه المعروف بـ (الفتوحات المكية). ثم رحل إلى العراق فدخل بغداد والموصل واجتمع برجالها، ثم طاف رضي الله عنه في بلاد الروم فسكن فيها مدة وكان له منزلة عالية عند ملكها المسلم كيكاوس. بعد ذلك قام الشيخ برحلات عديدة بين العراق ومصر وسورية وفلسطين حتى استقر في دمشق سنة 620/1223.


وفاته:


 وافته المنية ليلة الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 638 للهجرة (9/11/1240 م) ودفن بسفح جبل قاسيون وتسمى الآن المنطقة التي فيها ضريحه باسمه (الشيخ محيي الدين) حيث يوجد قبره في طرف المسجد الذي بناه السلطان سليم حين فتح دمشق سنة 922/1516.


وخلّفه رحمه الله ولدان هما سعد الدين محمد وعماد الدين أبو عبد الله محمد.


رحلته العلمية ومؤلفاته:


قرأ الشيخ محيي الدين القرآن في إشبيلية على الشيخ أبي بكر بن خلف بالقراءات السبع بالكتاب الكافي، ودرس التفسير وسمعه عن عدد من المؤلفين أو من يروي عنهم، منهم أبو بكر محمد بن أبي جمرة عن أبيه عن الداني مؤلف كتاب التيسير، ومنهم ابن زرقون وأبي محمد عبد الحق الإشبيلي الأزدي وغيرهم كثير. وسمع الحديث أيضاً من أبي القاسم الخزستاني وغيره، وسمع صحيح مسلم من الشيخ أبي الحسن بن أبي نصر.


برع الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي في علم التصوف وكتب فيه المئات من الكتب والرسائل زاد عددها عن خمسمائة كتاب على حدّ قول عبد الرحمن جامي صاحب كتاب "نفحات الأنس". أحد هذه المؤلفات وأهمها هو كتاب "الفتوحات المكية" ، والذي هو بحق أهم مؤلَّف في التاريخ الإسلامي بل من أهم الكتب في تاريخ البشرية.


ومن مؤلفاته أيضاً كتاب "تفسير القرآن" الذي يقول فيه صاحب كتاب "فوات الوفيات" أنه يبلغ خمساً وتسعين مجلداً، وربما هو كتاب التفسير الكبير الذي بلغ فيه إلى سورة الكهف عند الآية: "وعلمناه من لدنا علما"، ثم توفي قبل أن يتمّه.


وله أيضاً: "فصوصُ الحِكَم" الذي يقول في مقدمته أنه رأى الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم في المنام ، حيث أعطاه كتابا وقال له أخرجه للناس ينتفعون به، فأخرجه كما هو من غير زيادة ولا نقصان.


وله أيضاً من الكتب: "محاضرة الأبرار"، "إنشاء الدوائر"، "عقلة المستوفز"، "عنقاء مغرب في صفة ختم الأولياء وشمس المغرب"، "ترجمان الأشواق"، "التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية"، "مواقع النجوم ومطالع أهلّة أسرار العلوم"، "الجمع والتفصيل في حقائق التنزيل"، "الجُذوة المقتبسة والخطرة المختلسة"، "كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى"، "المعارف الإلهية"، "الإسرا إلى المقام الأسرى"، "مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية"، "الفتوحات المدنية"، "الأحاديث القدسية"، وغيرها الكثير من الرسائل الصغيرة.


ولقد قام الدكتور عثمان يحيى رحمه الله بتأليف كتاب قيّم حول مؤلفات الشيخ الأكبر سمّاه: (مؤلفات ابن العربي، تاريخها وتصنيفها)، وهو باللغة الفرنسية، ثم ترجمه الدكتور أحمد الطيبي إلى اللغة العربية ونُشر عام 2001 من قبل الهيئة المصرية العامة للكتاب.


وسنذكر في آخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ملحقاً عن كتب الشيخ الأكبر رضي الله عنه.

لقد أجمع الكتّاب والباحثون المختصون أنّ الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي لم يكن مؤلّفاً عاديّاً مثل غيره من المؤلّفين، بل كان يتميّز عن غيره بالكمّ والكيف، وهو نفسه يؤكد أنه لا يجري مجرى المؤلّفين الذين يكتبون عن فكر ورويّة. وقد وصفه بروكلمان بأنه من أخصب المؤلفين عقلاً وأوسعهم خيالاً.


من أقوال ابن العربي الصوفي:


ـ لن تبلغ من الدين شيئا حتى توقّر جميع الخلائق.


ـ أوصيك لا تحتقر أحداً ولا شيئاً من خلق الله، فإن الله ما احتقره حين خلقه.


ـ العقل أفقر خلق الله فاعتبروا ... فإنه خلف باب الفكر مطروح.


ـ العالم هو اعتراف متبادل بالوجود بين الله والإنسان عبر العقل.


ـ كل منحة وافقتْ هواك فهي محنة، وكل محنة خالفت هواك فهي منحة.


ـ لا ينال غاية رضاه من في قلبه شيئ سواه.


ـ لا يرتجي الوصول من لم يتابع الرسول صلى الله عليه وآله وأصحابه وأحبابه وسلم.


ـ لا يعرف ما نقول إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وآله وأصحابه وأحبابه وسلم .


ـ من أخلص لله نيته تولاه الله وملائكته.


ـ ما دمتَ في طلب الحق فلا تقف مع الخلق.


ـ لا تكن عبداً لله وأنت تميل إلى شيئ سواه.


ـ من عرف الحق استغنى به عن الخلق.


ـ طُرُق الحق لا تحصى بالإكثار وأقربها الذوق والانكسار.


ـ لا تصحب من الإخوان إلا صادق اللسان.


القاضي والفقيه ابن عربي، من هما؟


تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الذي نحن في حضرته هو غير العالم الجليل القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المعافري الإشبيلي المالكي المولود بإشبيلية سنة ‏468‏ هجرية المشهور في الفقه والأصول والحديث وله العديد من المؤلفات منها "قانون التأويل" و"أحكام القرآن" و"أنوار الفجر" و"الناسخ والمنسوخ و غيرها ،  ففي بعض الأحيان يخطئ البعض بين هذين العالمين الجليلين وينقلون أقوالاً أو كتباً لأحدهما باسم الآخر.


لذلك  يتم التفريق بين هذين العالمين الجليلين بأن الأول هو القاضي أبو بكر ابن العربي والثاني محيي الدين ابن العربي، مع أنه أيضاً يدعى أحياناً أبا بكر، وغالباً أبا عبد الله، وهو الأصح، وإذا لم يُذكر ذلك في بعض الكتب فيسهل التمييز بينهما من سياق الكلام بسبب التخصّص لأن الأول فقيه والثاني صوفي.


ويبدو أنّ أحمد بن عبد الله الحاتمي، الذي هو والد جدّ الشيخ محيي الدين، هو الذي كان يسمى بـ"العربي"، فكان ابنه محمد يسمى بـ"ابن العربي".


 ومن أبناء محمد والد الشيخ محيي الدين واسمه "علي"، والشيخ محيي الدين اسمه محمد أيضاً، على اسم جدّه، فهو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي، وهو يوقّع اسمه في كتبه بـ محمد بن علي بن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي".


وإضافة إلى هذا اللقب الذي عُرف به منذ بداية حياته فكثيراً ما كان يدعوه مريدوه بألقاب مثل سلطان العارفين، وإمام المتقين، ومربي الشيوخ والمريدين، والكبريت الأحمر إلى غير ذلك.


وفي القرن العاشر الهجري، بعد أن فتح السلطان سليم الأول دمشق سنة 922 للهجرة وأمر بتشييد مسجد الشيخ محيي الدين وبناء ضريحه إلى جانبه، أصبح ابن العربي يُعرف باسم الشيخ الأكبر.


آراء العلماء في ابن عربي:


ابن حجر الشافعي:


"الذي أثرناه عن أكابر مشايخنا العلماء الحكماء الذين يُستسقى بهم الغيث، وعليهم المعوّل وإليهم المرجع في تحرير الأحكام وبيان الأحوال والمعارف والمقامات والإشارات، أن الشيخ محي الدين بن عربي من أولياء الله تعالى العارفين ومن العلماء العاملين، وقد اتفقوا على أنه كان أعلم أهل زمانه، بحيث أنه كان في كل فن متبوعاً لا تابعاً، وأنه في التحقيق والكشف والكلام على الفرق والجمع بحر لا يجارى، وإمام لا يغالط ولا يمارى، وأنه أورع أهل زمانه وألزمهم للسنّة وأعظمهم مجاهدة"


أما الشيخ عبد الوهاب الشعراني، حيث قال عن ابن عربي:


 "إِن الشيخ من كمّل العارفين بإِجماع أهل الطريق، وكان جليس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدوام" .


وقال السيوطي:


"والقول الفصل عندي في ابن عربي طريقة لا يرضاها فرقة أهل العصر ممن يعتقده ولا ممن ينكر عليه، وهي اعتقاد ولايته، ويحرم النظر في كتبه، فقد نقل عنه أنه قال: "نحن قوم يحرم النظر في كتبنا" وذلك أن الصوفية تواطئوا على ألفاظ اصطلحوا عليها وأرادوا بها معاني غير المعاني المتعارفة منها بين الفقهاء".


 وفي الختام ، لننصت إلى ما قاله الإمام الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي عن الشيخ محي الدين بن عربي وكتبه ، بعد أن تعددت الآراء فيه، حتى قيل أنه الشيخ الأكبر، وإنه من الأولياء الصالحين ولكنه دُسَّ عليه، كما قيل بانحرافه وإن كلامه من المتشابه الذي لا نفهمه، فأجاب الإمام الشهيد:


"اتفق المؤرخون أن كتب الشيخ محي الدين لم تخل من الدس، لا سيما كتابه (الفتوحات) وفي مقدمة من دس فيها الغرفة الباطنية، والموقف الذي يفرضه علينا ديننا الإسلامي هو:


أن نتحاشى قراءة هذا الكتاب، لما تسرب إليها من الباطل، دون أن نكفر الشيخ محي الدين أونتهمه بالسوء، لأننا لا نملك الدليل الجازم على أنه صاحب تلك الأفكار الجانحة".


و أخيراً نجد أن الخلافات كثيرة ومتشعبة حول كتب الشيخ، فالأسلم لديننا الغالي علينا الابتعادُ عن الخوض في هذا الأمر، ويكفينا اتفاق العلماء الكبار على أنه قد دُسّ في مؤلفاته، والأحرى ألا ندخل في هذه المهاترات، (فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه)، فلا يصح أبداً التكفير، حيث أن من هَدْي وخُلُق نبينا صلى الله عليه وسلم في معاملته مع الناس، معاملتهم على حسب ظواهرهم، وترك سرائرهم إلى الله تعالى .


قال الشاطبي: "إن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصاً، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموما، فإن سيد البشر مع إعلامه بالوحي يجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، وإن علم بواطن أحوالهم". والسيرة النبوية مليئة بالمواقف الدالة على ذلك.. منها حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه المشهور الذي رواه البخاري والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة حين قتل في سرية رجلا شهد ألا إله إلا الله : "أقتلْتَه بعدما قال لا إله إلا الله؟" ، فقال أسامة: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذًا، فقال صلى الله عليه وسلم له أفلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أمْ كاذب؟     وفي رواية: (أفلا شقَقتَ عن قلبه حتَّى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟).. وفي ذلك دلالة واضحة على وجوب الحكم بالظاهر والتحذير الشديد من تجاوز الظاهر إلى السرائر، والحكم على ما في القلوب دون بينة ودليل.


وإن السيرة النبوية بأحداثها ومواقفها لَتحمل الكثير والكثير من الدروس التربوية والآداب والأحكام شرعية لنستفيد منها، والمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يلمح فقهه وحكمته في تربية النفوس وإصلاح وعلاج ما بها من خلل وخطأ وهذا أمر مخيف لأننا لا نطلع ونعي أمره بسهولة، ومن ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه حين قال أحدهم عن مالك بن الدُّخْشُن رضي الله عنه: (ذلك منافقٌ، لا يُحِبُّ اللهَ ورسوله)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَقُلْ، ألا تراه قال: لا إلهَ إلا الله .. فإن الله حرَّم على النار مَنْ قال: لا إله إلا الله) .


إذاً نعتمد قول غالبية العلماء في الشيخ ابن العربي، رحمه الله : (لا يصح النظر في كتبه لأن فيها من الأسرار ما لا نطيق فهمه، ولأن في كتبه من الدسائس التي لا يحصيها العدد).


 رحم الله الشيخ محي الدين ابن العربي، الذي نتلمس في سيرته وكتاباته روحانية رائعة تدخلنا في ذوقيات يصعب تفسيرها باللسان، رحمه الله ورضي عنه . 


المصادر و المراجع:


ـ الوافي بالوفيات / الصفدي.


ـ شذرات الذهب / ابن العماد.