نبينا عليه الصلاة والسلام هو أول من عرّف بحق الأم والمعلم
نبينا عليه الصلاة والسلام
هو أول من عرّف بحق الأم والمعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد العالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين حبيبنا أفضل الورى محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أله وصحبه أجمعين:
يقول الله عز وجل:
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة128
نحن الآن نمر بأيام تجمع مناسبات عدة .. إنها أعياد الربيع: ربيع الفصول وربيع النور ..
ففي ربيع النور تظللنا ذكرى كريمة جليلة كانت إرهاصاً لتاريخ عظيم خطير, تلك هي ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم ومشرق المجد الإسلامي المنيف الذي شاء صروحه النبي صلى الله عليه وسلم, وإنها لمناسبة مفعمة بالنور معطرة الأجواء بأزكى الأريج وأحبه إلى قلوبنا ...
وفي ربيع الفصول يأتينا عيد المعلم وعيد الأم.., ولئن كانت الناس تحتفل بالمعلم فإن أول معلم لنا هو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي قال: "إنما بعثت معلما ً", فهو الذي علّم الأمّة الأمّية المتخلفة كيف تفتح أبواب الحضارة والتقدم, وهو الذي علمها كيف ترتقي إلى المستوى الإنساني ومستوى الأخلاق والمحبة, وهو الذي تدفق بميلاده العلم والهدى والنور إلى هذا العالم أجمع, فأعظم بيوم ميلاده وأكرم ...
ولئن كانت الناس تحتفل في شتى البلاد بعيد الأم تكريماً لها, فإن شرع الله تعالى كرّم الأم وجعل رضاه تعالى في رضاها, بل وجعل وجوب بر الوالدين مقدما ًعلى أيّ واجب عبادي أخر, وأما النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله أحد أصحابه"من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من؟ قال أمك قال: ثم من؟ قال: أبوك" فهل هناك أجلّ من هذا التكريم الذي حباه الله تعالى للأم وأكرم ..
ومن هنا: كانت ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم هي أساس كل هذه المناسبات, والاعتراف بفضله هو اعتراف بفضل الأم و المعلم و غيرهما ممن له فضل ٌ علينا , فهو مربي الأجيال, ومعلم البشرية, وهو الذي طوّقت أعناقنا صنائعه الجميلة, وهذه فرصة لنا لتوكيد الولاء له والاعتراف بفضله.
{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} يونس58
وعلى أن الاحتفال بميلاده صلى الله عليه وسلم ليس كالاحتفال بميلاد أيّ إنسان أخر, فهو وحده صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله تعالى رحمة للعالمين ... قال الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء107
فله شأن ينفرد به, بل ما من أحد عرف الله إلا وفي رقبته منّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه طاعته والالتزام بسنته, ولن يوفيه حقه ...
وهكذا يكون من الواجب علينا عندما تمر علينا هذه الذكرى المفعمة بالنور من سنة إلى أخرى أن نفكر بها من خلال دلالتين اثنتين:
الأولى: تجديد ذكرى ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية التعبير عن فرحنا وسرورنا ومحبتنا للنبي صلى الله عليه وسلم فننتهزها فرصة ونقرأ من جديد سيرته الزكية مع أبنائنا وبناتنا ونريهم من خلال صور الكمال والجمال والجلال في خَلقه وخُلقه, فنملأ نفوسهم بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره وإن هذا بدوره لمن أقوى الأسباب التي تجعلهم يكثرون من الصّلاة عليه صلى الله عليه وسلم ويحيون سنته, ويعظمونها, ويحرصون على العمل بها, قال عليه الصلاة والسلام: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي ّ صلاة" ...
وأما الدلالة الثانية: وهي أنه بمرور سنة ماذا أنجزنا خلالها ؟ وما الذي تغير في حياتنا, وقد مضى من عمرنا سنة واقتربنا من أجلنا سنة؟ هل مازلنا في غفلة أم أصبحنا نزداد كل يوم قرباَ من الله تعالى ورسوله وطاعة ًوحباً لهما, فنعمت الذكرى هذه وحبذا زاد المسلم من حبه صلى الله عليه وسلم وطاعته دائماً وأبداً ..
ولقد لخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم الأمور التي يجب أن نحصّلها فقال: "تعلموا العلم, فإن تعلمه لله خشية, وطلبه عبادة, ومذاكرته تسبيح, والبحث عنه جهاد, وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة, وبذله لأهله قربة" .. ومن هذا الحديث الشريف يتبين لنا فضل العلم والمعلم, وإن المعلم الذي يسير على شرع الله تعالى ونهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستحق كل إجلال وإكبار, وينال من عناية الله تعالى ما لا يخطر على قلب بشر ..
وإن مسؤولية العلماء والمعلمين لا تقل أهمية عن مسؤولية الآباء والأمهات لأن أبناء هذا الجيل أمانة في أعناقهم, فعن يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى قال: (العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم. وقيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا, والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة) .
وأخيراً :
هناك دائماً من يسأل هل الاحتفال بعيد الأم حرام؟ وأنه بالأصل هو عبارة عن فكرة غربية أتت نتيجة تفكك روابط الأسرة عند الأجانب .. أقول: نعم إنها فكرة غربية, ولكن لا طقوس لها مخالفة للشريعة الإسلامية, وأما الاحتفال بعيد الأم فلا مانع منه شرعاً إذا كان بهدف إدخال السرور والسعادة على قلب الأم, رغم أن للأم عند المسلمين في كل أيام السنة عيد حين تكون راضية, وذلك إبرازاً للمودة والبر والسعي للقيام بحقوقها كاملة ..
ولقد كنت شخصياً ممن يرفضون فكرة الاحتفال بهذه المناسبة, بل وأكرهها خوفاً من الوقوع بمشبوه ٍ أو محرم من خلال تقليد عادات غير المسلمين أو التشبه بهم, فكان يمر علينا هذا اليوم ولا نشعر به, ولكني بعد زواجي وقعت في موقف حرج وحيرة مع أهل زوجي حينما جاءت هذه المناسبة ولعدة سنوات, ثم خطر ببالي فسألت فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أطال الله عمره وأدام نفعه مع دوام الصحة والعافية عن حكم الاحتفاء بهذا اليوم .. فأجابني: (إن كانت النصارى تصلي في كنائسها يوم الأحد أنترك الصّلاة في هذا اليوم؟! لا نحن نصلي في يوم الأحد وفي باقي الأيام .., فإذن لا مانع شرعاً من الاحتفال بعيد الأم, وبإمكانك أن تعتبريه مناسبة لإدخال السرور على قلب أمك أو أم زوجك فتزوريها وتكرميها, ولكن ليس معنى ذلك أن يبقى الإكرام حكراً على هذا اليوم من السنة, فإن تكريم الأم بل الوالدين واجبٌ علينا في كل حين مع تمام الشعور بالرضى والقبول ..)
وهكذا علمنا الله تعالى ورسوله .. ونحن نشهد أنه قد أدى الأمانة, وبلغ الرسالة, ونصح الأمة, وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .. وهكذا كانت ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم – كما قلنا بداية – هي أساس كل المناسبات ..
نشهد الله تعالى على أننا نحبك يا رسول الله .. ونحب من يحبك من أم أو أب أو معلمة أو معلم أو غيرهم .. عسى الله تعالى أن يحشرنا جميعاً بفضله وعفوه ثم بذخر هذه المحبة في معيته, وأن يوردنا حوضه إنه تعالى أكرم المسئولين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.