مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/08/2017

المُؤرّخ المُسند الأديب محمد نجم الدين الغزّي العامريّ

أعيان الشام

المُؤرّخ المُسند الأديب: محمد نجم الدين الغزّي العامريّ


الشافعيّ القرشيّ الدمشقيّ أبي المكارم وأبي السّعود

( 977 ـ 1061 هـ / 1570 ـ 1651مـ )

من هو هذا الغزّيّ المشهود له بإجماع الثقات في عصره، والذي اعتبره البعض خاتمة حُفّاظ الشام، وآخر مؤرّخيها الثقات، فلنستمع... ونتأمل ما هو العنصر المفقود في عصرنا الآن؟

أصله ومولده:

أصله من غزة، ومولده ووفاته بدمشق، حيث وُلد في عام 977 هـ / 1570 مـ.

هومحمد، نجم الدين بن محمد، بدرالدين بن محمد، رضيّ الدين بن محمد، بن أحمد الشهاب بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن بدري بن عثمان بن جابر، العامري القرشي الغزي الدمشقي الأشعري الشافعي.

والنسب يدل بوضوح تام على أن نجم الدين الغزي قد انحدر من أسرة عربية أصيلة، استقرت في دمشق، وافدة من غزة.

كان جدّ العائلة هو"الشهاب أحمد"، الجدّ الثالث للنجم، بدليل ما قاله والد النجم " بدر الدين" في إجازته الشعرية للزيادي:

وبالغزّي شهرتنا لأن الشها ب بها توطّن في المنادي

ومن المرجح أن هجرة جده (الشهاب أحمد) من غزة إلى دمشق قد كانت هجرة لطلب العلم، كما كانت عادة علماء ذلك العصر، ثم مع الأيام تولى الشهاب أرفع المناصب الدينية في دمشق، مدينة العلماء.

بدأ الشهاب، على نهج السلف الصالح، يغرس شجرة العلم المرفوق بالعمل في الأسرة، ليتوارثها الأولاد والأحفاد من بعده، ويُلاحَظ من تراجم الأسرة تأكيدٌ مُلحّ على ربط نسبهم بقريش.. هكذا إلى أن جاء والد مؤرخنا نجم الدين، بدر الدين، الذي ذاع صيته في الآفاق بالعلم والدين والمناصب الاجتماعية المرموقة.. ثم كانت ولادة مؤرّخنا في ذاك المناخ الأسريّ المُفعم بالتقى والعلم والصلاح.

لنتأمل ماذا تروي المصادر عن مولده، محاولين استنباط بعض العبر...

قد قرأ الغزي تاريخ ولادته بخط والده، والذي أرفقه بدعاء: (أنشأه الله تعالى وعمّره، وجعله ولداً صالحاً، برّاً تقياً، وكفاه وحماه من بلاء الدنيا والآخرة، وجعله من عباده الصالحين، وحزبه المفلحين، وعلمائه العاملين، ببركة سيد المرسلين).

أمرٌ تربوي هام عمل والد نجم الدين على تأصيله فيه منذ الصغر، وهواحترام العلماء والأدب في حضرتهم، فكان الغزّيّ دوماً ينسب أي أمر لبركة دعائهم، وكان والده يفخر به دوماً أمامهم طالباً دعائهم.

توفي والده وهوفي السابعة من عمره، فأكملت والدته بناءه الإنساني السليم الصحيح، الذي يبدأ بطبيعة الحال من الأسرة، فكتب الغزيّ يمتدح والدته قائلاً:

(ثم رُبيت أنا وإخوتي بعد وفاة والدي، فأحسنت تربيتنا، علمتنا الصلوات والآداب وقامت في كفالتنا بما هوفوق ما تقوم به الرجال، مترمّلة علينا، راغبة من الله سبحانه في حسن الثواب والنوال، وجزيل الحظ من قول المصطفى: "أنا أول من يفتح باب الجنة، إلا أني أرى امرأة تبادرني، فأقول لها: مالك؟ ومن أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدتُ على أيتام لي").

في هذا الجو المشحون بالإيجابيات والروحانيات الراقية، نشأ وترعرع مؤرخنا، فقد اقتحم ميادين العلم والعمل منذ صغره، ودرس في الجامع الأموي وهودون سن البلوغ، فراح ينهل من العلوم المتنوعة من كبار علماء دمشق، منهم: الشيخ زين الدين عمر بن سلطان، والشيخ أحمد بن يونس العيثاوي مفتي الشافعية، وأبوبكر الحموي.... وانتفع من محّدثين كُثر من مصر وحلب والقدس. من مؤلفاته نلمح ثقافته المتعددة الجوانب.

ومن أشهر مؤلفاته:

(الكواكب السائرة بمناقب أعيان المئة العاشرة)، (لطف السمر وقطف الثمر من تراجم أعيان الطبقة الأولى من القرن العاشر)، (رسالة في رحلة النجم الغزي إلى الحج)، (إتقان ما يحسن من بيان الأخبار الدائرة على الألسن)، (تحفة الطلاب)، و(شرح قطر الندى وبل الصدى).

كما أن له مؤلفات كثيرة في فن الخط والأدب والأخلاق، منها: (حسن التنبيه لما ورد في التشبه)، و(زجر الإخوان عن إتيان السلطان)...

ورغم انشغاله بالتأليف، فقد تصدّر للإفتاء والتدريس تحت قبة النسر في الجامع الأموي لحوالي 27 عام.

كان مغرما بالسفر والحج، فأول حجة له كانت في سنة 1001هجري، وأخرها في سنة 1059هجري، وقد أصيب في أواخر سنين حياته بفالج خفيف لم يمنعه من ممارسة أعماله العلمية الدينية، وتوفي بعدما رجع إلى دمشق من زيارته للمسجد الأقصى، ودُفن فيها، رحمه الله وجزاه المولى خير جزاء..

يقال أنه قبل وفاته بأربع أيام، طلع إلى بساتينه ـ أوقاف جده ـ واستبرأ ذمّته من فلاحيه، وطلب منهم المسامحة، ثم عاد إلى مسكنه في زقاق الوزير الآخذ إلى سوق جقمق.. وبعد صلاة المغرب جلس مستقبلاً القبلة ينتظر العِشاء مردّداً: لا إله إلا الله، وسُمع منه: (بالذي أرسلك أرفق بي)، فدخلوا عليه ووجدوه ميتاً، رحمه الله وجعلنا وإياكم من صفوة وخيرة الخلق الذين بشّر بهم رسول الله، حتى نكون خير خلف لخير سلف.

دُفن بمقبرة الشيخ أرسلان رحمهما الله، وحضر جنازته عددٌ لا حصر لهم، ورثاه الكثير ممن استفاد من علمه:

يا نجم دين الله من أفق دمشق أفلا

لما لجنات العلى شيخ الشيوخ انتقلا

المصادر والمراجع:

ـ سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر / للمرادي

ـ معجم المؤلفين / لعمر رضا كحالة

تحميل