مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 15/08/2016

قلعة دمشق

معالم الشام

"قلعة دمشق"

الزاوية الشمالية الغربية من دمشق القديمة نموذج لفن العمارة العسكرية الاسلامية الأيوبي

إخوتي قراء زاوية "معالم وأعيان" :

أيها السائح "المعتبر المتعظ"، تعال نبحث ونتكشف في كتب التاريخ الإنساني .. في رحلة سياحية تبدأ باكتشاف الذات الإنسانية التي تحمل نداء فطرياً مبعثه الخالق عزّ وجل، يهمس هذا النداء باستمرار وإلحاح في ضمير الانسان: اقرأ وتأمل ثم فكر وخطط، كيف السبيل للارتقاء نحو قيم ومبادئ للخلود الأزلي؟ اسأل نفسك أيها الإنسان: لماذا خلقنا الله عز وجل؟ واسأله عن عمارة الذات قبل عمارة الأرض .. فالحضارة ما هي إلا ثمرة تفاعل بين كينونة الإنسان الذي ينشد خلافة الله بما يرضيه، وبين مكونات الأرض ...

قلعة دمشق .. ماذا تعرف عنها؟

بدايةً "القلعة": جمعها قِلع وقلاع وقلوع، فهي الحصن المنيع الذي يُشيد في موقع يصعب الوصول إليه، وغالباً على قمة جبل أو مُشرف على بحر، ونادراً على أرض منبسطة، و"قلعة دمشق" هي نموذج لعدد من القلاع الكثيرة المبنية فوق أرض الشام لحماية البلاد من غزو الصليبين والمغول.

وهناك فرق بين القلاع والحصون .. فالحصن أكبر من القلعة، فالأسوار التي تتحصن المدن بها تسمى حصون، وكثيرة هي المدن المحصنة بالأسوار، يقطن خلف تلك الأسوار الراعي والرعية والمؤسسات الخدمية، أما القلعة فهي بناء حربي في منطقة استراتيجية مهمتها المراقبة والدفاع وصدّ أي غزو خارجي.

وتقول زيجريد هونكة في كتابها الشهير "شمس العرب تسطع على الغرب": أن الغرب قد أخذ من المسلمين تقنية عمارة القلاع بعد حروبهم الصليبية وغزوهم الشرق العربي، إذن تمثل القلعة حكاية الانسان الذي ينشد الأمن والأمان من شرّ وطمع الاستعمار الخارجي، وقد ظهر هذا النوع من العمارة الإسلامية في فترة العصور الوسطى التي عُرفت بالعصور الذهبية بالنسبة للمسلمين والمظلمة للعالم الأوربي ...

وقلعة دمشق ...هي عنوان رحلتنا السياحية اليوم ،تدعونا للسير نحوها والوقوف والتأمل في أرجائها...

"قلعة دمشق"

تعد القلعة الوحيدة المبنية فوق سهل يطل على ضفاف نهر بردى، والمؤكد أنها لم تكن مبنية في العصور القديمة ولم يثبت أي دليل على أن القلعة قد بُنيت في العصور الهلنستية والرومانية، لكنها بُنيت في العهد السلجوقي عام 471 / 1076على يد الأمير "آتسيز بن أوق" أحد أمراء الحرب التركمان، ثم أكمل بنائها "ألب أرسلان السلجوقي"، وذاعت شهرتها في عهد نورالدين وصلاح الدين ومن ثم كل ملوك الأتابكة، ثم هُدمت وزالت وبُنيت القلعة من جديد في العهد الأيوبي، فأصبحت مقراً للسلاطين، ودار إمارة لتصريف شؤون البلاد سياسياً واجتماعياً .. حتى أصبحت مدينة بداخل مدينة، وكانت محاطة بخندق يملأه المياه، وكان في داخلها قصور وحمامات ومساجد، واستمرت حوالي مئة عام ونيف.

و عندما جاء الملك العادل أبوبكر، أخو صلاح الدين، إلى الحكم 559/ 1202، كانت الحروب الصليبية مازالت على أشدّها بالرغم من انتصارات صلاح الدين، ولاحظ أن القلعة غدت أضعف من أن تلبي أو تساير عصرهم.

هدم الملك القلعة ليعيد بنائها من جديد بشكل أكثر قوة وأضخم بنياناً، وأشرف بنفسه على مشاريع البناء واقتسم العمل مع قوّاده وأبنائه، وظهرت للوجود باسم ( القلعة المنصورة)، كما سماها المؤرخون القدماء، بأسوارها المنيعة وأبراجها الاثني عشر البالغة الارتفاع وحجارتها الضخمة البارزة منها.

يمكن أن يراها الداخل من الزاوية الشمالية الغربية لمدينة دمشق القديمة، وهي تمتد من باب الفرج في السور الشمالي إلى باب النصر في السور الغربي، وهما بابان من أبواب المدينة، وما يزال باب الفرج موجوداً ويُعرف باسم باب المناخلية، أما باب النصر فقد زال في القرن التاسع عشر، ومكانه مدخل سوق الحميدية.

تبلغ مساحتها 33 ألف متر مربع، وتمثل هذه القلعة حقبة تاريخية هامة من تاريخ الشرق العربي، ولها بابان رئيسيان: الأول يصلها بمخارج المدينة ويدعى باب الحديد، والثاني يؤدي إلى داخل المدينة مكانه في الشرق عند سوق العصرونية، وهو باب السجن في القرن التاسع عشر.. وهناك أبواب سرية مع جسور متحركة، كما أُحيطت بخندق عميق يُملئ عند اللزوم...

تتجلى القوة الدفاعية للقلعة فيما يلي :

1 ـ سورها وأبراجها العالية.

2 ـ مرامي النبال الموزعة في أعالي الأبراج، وظيفتها صبّ الزيوت المحرقة على العدو المهاجم.

3 ـ شرفات بارزة في أعالي الأبراج تدعى ( الرواشن).

4 ـ آلات الحرب الثقيلة التي تنصب على أسطحة الأبراج خلف المتاريس كالمنجنيق الذي يقذف القنابل الحجرية وقنابل النفط.

وعندما جاء هولاكو لغزو الشام، وقفت القلعة بصمود قوي في وجه أطماعه، لكن عندما استمر الحصار والقتال سقطت لأشهر، إلى أن جاء "الظاهر بيبرس" ورمّم القلعة وأعاد لها متانتها وقوتها، ليعود المغول بعد أربعين سنة فتصمد وتردّهم خائبين.

ثم غدت القلعة مقراً لنائب السلطان في العهد المملوكي لفترة، لتتحول وظيفتها في العهد العثماني إلى مجرد ثكنات عسكرية نتيجة تطور أسلحة الحصار المتمثلة بالبارود والمدافع، ونتيجة ابتعاد خطر الغزو الخارجي.

ثم بدأت الأسواق كسوق الحميدية والعصرونية وغيرهما تحيط بالقلعة وتغطي معظم معالمها، أما من داخلها فقد شُغلت بمصالح الشرطة وسجن المدينة.

أما حالياً فقد تم إخلاءها ونقل السجن إلى بناء في بلدة عدرا ليعمل عمل القلعة، ولتبدأ المديرية العامة للآثار والمتاحف بإجراء الترميمات وإزالة المُنشآت المُحدثة ومن ثم نقل المتحف الحربي إليها، وقد صارت مركزاً للفعاليات الثقافية الفنية بإشراف وزارة الثقافة، وصارت تُعتبر رمزاً فكرياً وثقافياً..

هذي، يا إخوتي، دمشقُ التي كانت ولازالت ملاذ وموئل كل من ناشد السلام والأمن، فمتى تعود دمشق الشام كما كانت أرضَ السلام والأمن والأمان ومتحفاً للجمال والجلال؟

إن تذوق الجمال والجلال في سياحة بين الآثار المتنوعة يدفعنا للتفكر والتأمل في سيرنا فوق أرض الله التي استخلفنا فيها . ولننصت للنداء، إنه نداء لبناء الإنسان والتدرج في مراتب الذوق الجمالي والخُلُق المحمدي، بشكر وامتنان لله عز وجل أن أقامنا في هذه الأرض المباركة.

اللهم أدركنا بعفوك ورضاك بتوبةٍ صادقةٍ تنبعث من الأعماق، نُرَدّ بها إليك رداً جميلاً ...

اللهم حصّن ألسنتنا عن كل وصف يباعدنا عن رضاك...

ولتكن أيها الإنسان لأقوال المصطفى ملازماً وبقلبك مستحضراً نية الاتباع تصبح كقلعة في حصون محصنة ...

وصلِّ اللهم وسلّم على حبيبك دائماً وأبداً وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً ....

المصادر والمراجع :

· معجم البلدان / لأبي ياقوت الحموي

· لسان العرب / لابن منظور

· قلعة دمشق / لعبد القادر الريحاوي