مميز
EN عربي
الكاتب: الإمام السيد محمد علوي المالكي
التاريخ: 27/07/2016

توحيد الألوهية والربوبية متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر

مقالات مقالات في العقيدة

توحيد الألوهية والربوبية متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر

الإمام السيد محمد علوي المالكي

اعلم أن التوحيد الذي جاءت به المرسلون وبينه خاتمهم عليه وعليهم الصلاة والسلام أتم بيان، ونطق به القرآن، وبرهن عليه أسطع برهان، هو أنه تعالى واحد في ذاته، واحد في صفاته ولا خالق سواه، ولا يستحق العبادة إلا هو، والكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) تتضمن أقسام التوحيد كلها، وقد أحسن البيهقي بيان ذلك في كتابه (الأسماء والصفات) فيما نقله عن أبي عبد الله الحليمي. أما وحدانيته في ذاته سبحانه فمعناها أن ذاته العلية لا تتركب من أجزاء مادية ولا عقلية، ولا من أصول غير مادية، فلا تحوم حول حماها المقادير والمساحات والأشكال ونحوها.

وقد برهنه القرآن ببيان أن له سبحانه الغنى الأكمل ووجوب الوجود، والتركب في الذات واتصافها بالمقدار ولازمه يستلزمان الحاجة إلى الغير والافتقار إلى السوى، وينافيان وجوب الوجود، ويقتضيان الاتصاف بالإمكان، تعالى الله عن ذلك كله علواً كبيراً.

فهو واجب الوجود، وهو الأول والآخر، وهو الغني الحميد. وأما أنه واحد في الصفات فهو أنه سبحانه لا ثاني له في وجوب الوجود، وما يستلزمه من الكمالات العليا اللائقة بمرتبة وجوده الأعلى: من الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، وإذا قد ثبتت وحدانيته فيما ذكر، لزم انه لا خالق سواه ولا رب غيره، وإذا بان أنه لا خالق سواه ثبت قطعاً أنه لا يستحق العبادة غيره، فإن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية _أي استحقاق العبادة_ متلازمان عرفاً وشرعاً، فالقول بأحدهما قول بالآخر، والإشراك في أحدهما إشراك في الآخر، فمن اعتقد أنه لا رب ولا خالق إلا الله، لم ير مستحقاً للعبادة إلا هو، ومن اعتقد أنه لا يستحق العبادة غيره كان ذلك بناء منه على أنه لا رب إلا هو، ومن أشرك مع الله غيره في العبادة كان لا محالة قائلاً بربوبية هذا الغير، هذا ما لا يعرف في الناس سواه، فإن من لا تعتقد له ربوبية استحال أن يتخذ معبوداً، ولهذا تجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن أرسلهم جل جلاله يكتفون في الدعوة إلى التوحيد بأحدهما، ويضعون كلا منهما موضع الآخر، اكتفاء بشدة التلازم بينهما في العقول، وأن القول بتوحيد الربوبية هو إقرار بتوحيد الألوهية وبالعكس، وإليك البينات من القرآن والسنة:

قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ) (الأعراف: 172) فماذا كانت صيغة العهد بنص القرآن؟ هكذا: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (الأعراف: 172) ولم يقل بإلهكم، وجعله سبحانه حجة على من أشركوا به في العبادة حيث قال: (أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ..الآية) (الأعراف: 172-173).

أليس هذا صريحاً في أن أخذ العهد بتوحيد الربوبية هو أخذ العهد بتوحيد العبادة؟ هذا ما لا خلاف فيه بين العلماء من زمان الصحابة إلى عهدنا هذا[1].

تقرير برهاني في المسألة:

وقد رتب القرآن اللوازم الفاسدة على نفي الوحدانية في الألوهية بياناً منه تعالى أن الشركة في الألوهية تستلزم الشركة في الربوبية عند المشركين لا محالة، تعالى الله أن يكون له شريك، فانظر ماذا قال سبحانه: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(المؤمنون: 91) ومعناه عند أولى النهي: أنه لو كان معه إله لكان رباً وخالقاً، ولو كان معه ذلك لذهب ..الخ، وإنما يكون الدليل تاماً إذا صحت الملازمة وكانت مسلمة عند المخاطبين، ويأبى الله أن تكون حجته إلا تامة (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا) (الأنعام: 115). ومعنى هذا أن القرآن يقرر أن من أشرك في استحقاق العبادة كان مشركاً لا محالة في الربوبية.

وكذلك قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: 22) ولم يقل أرباباً، لتلازم الربوبية والألوهية نفياً وإثباتاً.

وكذلك حديث السؤال في القبر الذي يكاد يبلغ حد التواتر المعنوي، وفيه أن الملكين يقولان للميت: من ربك؟ ولا يقولان: من إلهك؟ فإذا أجابهما: "الله ربي" اكتفيا منه في التوحيد بهذا الجواب، ولم يقولا له: هذا توحيد الربوبية، وهو لا ينجيك.

فأول ما خاطب الله الأرواح (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (الأعراف: 172) واكتفى منهم بالإقرار بوحدانيته في الربوبية، كما أن أول ما تسأل الموتى في قبورها: "من ربك"؟ واكتفى منهم بالإقرار بأنه ربهم، أفبعد هذا يتشكك متشكك؟!! ولكن الله يهدي لنوره من يشاء.

وبهذا يتضح لك جلياً أنه لا خفاء على من تدبر كتاب الله في أن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية متلازمان في نظر العقل والشرع، فالقول بأحدهما قول بالآخر، وانتفاء أحدهما في اعتقاد من اعتقد الانتفاء قول منه بانتفاء الآخر، والبرهنة على أحدهما هو الاستدلال على الآخر، والقول بأن المرسلين عليهم الصلاة والسلام ما جاءوا بتوحيد الربوبية لأن الناس كانوا في غنية عن بيانه، وما جاءوا إلا بتوحيد العبادة - احتجاجاً ببعض الآيات التي لم يحسنوا فهمها - قول تكذبه نصوص الكتاب العزيز، ودعوى يدحضها العلم بتاريخ المشركين قديمه وحديثه، ما حكاه الكتاب العزيز من ذلك وما علمه الناس، فهؤلاء المفتتنون بفتنة السامري من بني إسرائيل أشركوا العجل في عبادة ربهم، فقال لهم نبي الله هارون بصيغة الحصر: (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ) (طه: 90) يعني لا هذا العجل، فهل يصح منه عليه السلام هذا الكلام إلا إذا كان إشراكهم في العبادة مبيناً على الإشراك في الربوبية؟

اللهم إن القول بخلاف هذا معاندة للحق، وانقياد لمحض الهوى. [2]

[1] انظر: هو الله (ص: 55-57).

[2] انظر: هو الله (ص: 55-60).

تحميل