مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/08/2015

كعب الأحبار: أبو إسحاق بن مانع الحميري اليماني

أعيان الشام

كعب الأحبار: أبو إسحاق بن مانع الحِميَريّ اليماني

توفي سنة32ھ (تابعيّ ثقة)

دخل نفر من أهل دمشق عليه وهو مريض يعاني من سكرة الموت، فقالوا: كيف تجدك يا أبا إسحاق؟

قال: (أجدني جسداً مرتهناً بعملي، فإذا بعثني الله من مرقدي بعثني لا ذنب لي، وإن قبضني، قبضني لا ذنب لي، إن شاء ربه عذبه وإن شاء رحمه، وإذا بعثه، بعثه خلقاً جديداً لا ذنب له).

وقال: (لَأن أبكي خشيةَ الله أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهباً). روى له أبو داود والترمذي والنسائي.

وهناك رواية تقول: إنه خرج مع جيش المسلمين غازياً ومات في الطريق، ودُفن في حمص...

فمن هو كعب الأحبار؟ وما معنى الأحبار؟

إخوتي قراء زاوية (معالم وأعيان)، فلننطلق معاً في رحلة معرفية تاريخية تحقق الفائدة والمتعة الروحية، متأملين في سير هؤلاء الذين كان حبهم وتصديقهم لرسول الله بالعمل الصالح والقول النافع، فآمنوا وصدّقوا وعملوا بما يحب ويرضى الله ورسوله...

فهيّا ننهل من بين السطور العبرة والعظة...

إذا بحثت وتبصّرت تجد أقوالاً كثيرة للعلماء من عهدهم القريب في كعب الأحبار، فيقول الإمام الذهبي رحمه الله:

(هو كعب بن مانع الحميري اليماني العلّامة، الحَبر، الذي كان يهودياً فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة من اليمن أيام عمر رضي الله عنه فجالس الصحابة وكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عنهم، وكان حسن الإسلام، متين الديانة، وثقة).

وقال ابن حجر العسقلاني:

(كعب الأحبار تابعي ثقة، كان من علماء اليهود وعنده علم غزير، وله إطلاع تام على كتب بني إسرائيل، ويحدّث بأشياء كثيرة عنها).

وقال ابن عساكر في (تاريخ دمشق)، في باب من حلها من أماثل البرية أو اجتاز بها أو بأعمالها من ذوي الفضل:

(هو كعب بن مانع بن هيسوع، ويقال هلسوع، من آل ذي عين، ويقال من ذي الكلاع، ثم من بني ميتم المعروف بكعب الأحبار، من مُسلِمَة أهل الكتاب.

أدرك النبيَّ وأسلم في خلافة أبي بكر، ويقال في خلافة عمر.

روى عن عمر رضي الله عنه الأحاديث، وروى عنه ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وابن الزبير، وأبو هريرة، وسعيد بن المسيب، وغيرهم.

وعندما كان يروي عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((...إن أخوف ما أخاف عليكم أئمة مضلين))، كان يقول: والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم.

وقال ابن عساكر: يقال له (الحَبر)، ويقال (الأحبار)، ويكنى بأبي إسحاق.

قيل أنه توفي سنة32، والصواب 34ھ).

ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ في التقريب: كان خبيراً بكتب اليهود وله معرفة في صحيحها وباطلها.

واتفق جمهور العلماء المفسرين على أنه روى الإسرائيليات على أنها مما في كتبهم، وليس أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

و(الأحبار) جمع حبر، بالكسر والفتح، أي صاحب العلم الواسع والغزير، كما كان يقال لابن عباس الحبر والبحر لعلمه.

وأجاب أبو الدرداء عندما سُئل عن كعب فقال: (إن عند ابن الحميرية لعلماً كثيراً)، وفي قول آخر: (إنه أحد الحكماء).

إن المتأمل المتبصر لسيرته في كتب التراجم يجد نقله للإسرائيليات بدقة وحسن نية، والأهم أنه لم ينسبها للنبي الكريم، بل حدّثها كقصص وحكايات مما حفظ من التوراة، لذا سُميت (الإسرائيليات)...

ومن كتب التفسير المشهورة بكثرة الروايات الإسرائيلية في تفسير بعض القصص القرآنية، تفسير ابن كثير، الذي تحدث هو بنفسه عن ذلك في المقدمة قائلاً: (لسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عله وسلم، وهو من القسم الذي لا يُصدَّق ولا يُكذَّب، فيجوز روايتها للاعتبار... وهذا الذي نستعمله في كتابنا هذا).

وقد دخل كثير منها في كتب التفسير الإسلامية عن طريق بعض الذين أسلموا، أمثال كعب الأحبار، ووهب بن المنبه، وعبد الله بن سلام، ثم بعد فترة أصبح بعض علماء التفسير يرجعون إلى الكتب الدينية المقدسة لتفسير بعض قصص القرآن الكريم، للعبرة والعظة فقط.

إذاً فهناك ثلاثة أقسام من الإسرائيليات:

الأول:

جاء تصديقه من القرآن والسنة، فهذا يصدق ولا يكذب.

الثاني:

ما لا يوافق ولا يخالف، فهذا لا يصدق ولا يكذب لقول المصطفى: (لا تصدقوا ولا تكذبوا، وقولوا آمنا بما أُنزل إلينا وما أُنزل إليكم...)، نحكيه فقط للعبرة والعظة ولا نؤمن بصدقه أو كذبه، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

الثالث:

مرفوض لتناقضه مع شريعتنا أو لمخالفته للعقل، ولا يصح تصديقه.

واستمع لابن خلدون يعلق على ذلك في مقدمته: "إن أسباب الاستكثار من المرويات الإسرائيلية أن كتبها المتقدمون ومنقولاً منهم تشمل الغث والسمين، والمقبول والمردود، والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب وعلم، إنما غلبت عليهم البداوة والأمّية، وتشوّقوا إلى معرفة مما سبقوهم، وكل نفس بشرية تتشوق إلى ذلك، ومعظم من نقل عنهم من أهل البادية من (حِميَر)".

تُجمع كتب التراجم على أن كعب الأحبار مات غازياً مع جيش المسلمين في الشام. كما تروي أن جمعاً غفيراً قد زاره في مرض يعودونه، فسألوه كيف حالك يا أبا إسحاق؟ فتأملوا في معاني رده وهو يعاني من مرض سكرة الموت:

"أطمع برحمة ربي لي، وهو إذا شاء عذبني أو يرحمني، وأرجو أن ألقاه وليس عندي ذنب، وأن أُبعث لا ذنب لي...".

في الختام يا إخوتي، لا بد لنا من عبرة وعظة تسري إلى نفوسنا من بعد أن قرأنا سيرة كعب الذي امتلأ قلبه حباً وتصديقا لله ورسوله ... فقد أجمعت المصادر أنه سأل عمر بن الخطاب: أي البلاد أسكن؟، فذكر له الشام، فهاجر وسكن الشام وروى الأحاديث الشريفة عن الصحابة الكرام، وكله أمل أن ينال بركة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالشام...)) ((..فيها صفوة الله من خلقه)).

فأي قلب صادق مؤمن حمل ليكرمه المولى عز وجل بسكنى الشام وعمارتها بالطيّب من الأقوال والأفعال، ومن ثم يموت غازياً مع المسلمين في جيشهم فينال أجر النية في خروجه في سبيل الله؟!

رحمك الله يا كعب الأحبار، وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

المصادر:

سير الأعلام/للذهبي

تاريخ دمشق/لابن عساكر

الإصابة/لابن حجر العسقلاني

البداية والنهاية/لابن كثير

تحميل