مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمد توفيق رمضان
التاريخ: 05/10/2015

الإمام أبو الحسن الأشعري

بحوث ودراسات

كلمة مؤتمر ماليزيا للدكتور محمد توفيق رمضان البوطي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإنني أتوجه بالشكر الجزيل إلى الجهات التي قامت بعقد هذا اللقاء المبارك الذي آمل أن يكون بداية مباركة لجهد يجمع كلمة الأمة ولا يفرقها، ويصحح المسار ولا يحرفه، ويعمل لله وحده لا لجهة بشرية وطلباً لرضى الله لا استرضاء لغيره. وأسأل الله تعالى أن يثمر هذا اللقاء توحيد كلمة المسلمين على اختلاف أطيافهم.

الاختلاف بين المسلمين معهود ويعود أصحابه منه إلى حوار يجمع الكلمة ويعيد المودة. أما النزاع فقد منعنا منه ربنا تبارك وتعالى عنه، ألم يقل ربنا سبحانه: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) واختلاف أئمتنا كانت له آثاره الطيبة إذ شحذ أذهانهم لدرك معاني النصوص ومناقشة الفهوم التي وصل إليها كل فريق، ليكون ذلك سبيل إثراء للمعنى وسعة في الدين.

وقد ظهرت في تاريخنا فئات لم تلتزم النهج الصحيح في فهم دينها فجنحت إلى اتجاهات تجافي صريح النصوص أو مقاصدها الثابتة، أو انحرفت في فهم بعض ثوابت العقيدة انحرافاً دفع علماءنا الأجلاء إلى التصدي لانحرافاتهم بالحوار العلمي، متسلحين بنصوص الكتاب والسنة وبمنهج أهل الحق في فهم تلك النصوص، فنصرهم الله وأيدهم وأعاد أكثر الشاردين إلى حظيرة الحق ومنهجه.

ظهرت القدرية والمعتزلة والحشوية والمرجئة ... ثم تلاشت تلك المذاهب سواء كان ظهورها لأسباب سياسية أو غيرها. وظهر الحق وأهله. ومحنة الإمام أحمد مع المعتزلة مثال على ذلك.

وإذا كان من واجب علماء الأمة أن يوضحوا وجه الحق فيما يعرض من خلاف، حرصاً على تجلية الحق ودرءاً للخلاف في أمر الدين في أي عصر من العصور؛ فإن عصرنا هذا أجدر بأن يتصدى علماؤه لإزالة اللبس الذي تسعى جهات كثيرة لترسيخه؛ سعياً وراء تشتيت الأمة وإثارة أسباب النزاع بين أبنائها.

إنني هنا لا أدعي أن بوسعنا إزالة الخلاف ... فالخلاف كما أشرت وجد منذ فجر تاريخ الأمة، وقد اتسعت صدور العلماء له، ولكن الذي يجب أن نحول دونه أن يصل إلى التطرف والغلو، والذي يؤدي إلى الخصومة، ويدفع إلى التكفير، ومن ثم إلى نزاع دموي يرضي الشيطان وأعداء الأمة.

إن اجتماعنا هذا أرجو أن يكون سبباً في لجم مشاعر الكراهية والتطرف وسبباً في إعادة مشاعر الأخوة والمودة التي أمرنا ربنا بالسعي إليها فقال:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) من خلال ترسيخ نقاط الاتفاق والأصول الجامعة، والعمل بإخلاص على ترسيخ أسباب المودة والمحبة والتضامن والتودد بين المسلمين، ومنع كل ما من شأنه أن يوسع أسباب النزاع بين أبناء الأمة.

وبعد فإن بعض المسلمين يسعون للتشكيك بمذهب أهل السنة والجماعة الذي نهض بأمره الإمام أبو الحسن الأشعري بعد أن كثرت الفرق والمذاهب وضاعت ملامح طريق الحق على كثير من المسلمين، فالمبتدعة استنصروا بولاة الأمر المتأثرين بهم، والذين نالوا حظوة لديهم، وآخرون سلكوا سبيل تشويش صورة الحق تحت تأثير الفلسفات التي ترجمت إلى اللغة العربية فأخضعوا حقائق الدين الغيبية وغيرها لمعايير الفلسفة التي حمّلت العقل ما لا يحمل فضلوا وأضلوا. فكان لا بد من تجلية الحق وإظهاره ونصرته على يد من يملك ناصية المعرفة بقوة وإتقان فبرز الإمام أبو الحسن الأشعري الذي عرف متاهة المبتدعة من المعتزلة فترة من حياته، ثم عاد إلى نهج القرآن والسنة والفهم الصحيح لهما ليكون ناصر الحق في مذهب أهل السنة والجماعة. ودونكم ما ذكره عنه أئمتنا الأعلام كالعز بن عبد السلام وابن السبكي وغيرهم كثير. ولم ينل منه إلا بقايا المعتزلة ومن على شاكلتهم من المبتدعة.

أيها السادة

لقد اخترت أن تكون ورقتي تلخيصاً لمحاضرة ألقاها سيدي الوالد الشهيد عن إمام أهل السنة والجماعة أبي الحسن الأشعري الذي تجنى عليه وعلى مذهبه إخوة لنا، ليتهم ينصفون أنفسهم في موقفهم من أبي الحسن الأشعري، الذي عدوا منهجه في التوحيد والعقيدة مذهباً مستقلاً مخالفاً لمذهب أهل السنة والجماعة. مع أنه هو الذي أحيا ونصر مذهب أهل السنة والجماعة. ودونكم ما ألقاه رحمه الله عنه:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام الأتمان على رسوله محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد، فإن حديثي هنا عن الإمام أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري (260-324هـ) سيتناول بتوفيق الله المسائل التالية:

أولاً: هل كان الإمام الأشعري مُنشئاً لفرقة إسلامية في العقائد جديدة؟

ثانياً: ما المنهج الذي ألزم الإمام الأشعري نفسه به وسار عليه، فيما انتهى إليه من مسائل العقيدة، وما كان يخوض فيه منها أرباب الفرق والكلام؟

ثالثاً: بعض التطبيقات على منهجه.

رابعاً: ما الآثار التي تركها الإمام الأشعري في توجهات علماء العقيدة الإسلامية من بعده؟ وما الدور الذي لعبه في إبراز ما يسمى بمذهب جمهور المسلمين، أو مذهب أهل السنة والجماعة؟

خامساً: هل في آراءه الكلامية (أو الاعتقادية) ما خالفه فيه بعض من جاء بعده من أئمة أهل السنة والجماعة؟

يمكنكم متابعة قراءة البحث من خلال الملف أدناه

تحميل