مميز
EN عربي
الكاتب: الشيخ محمد ياسر القضماني
التاريخ: 04/07/2015

معدة رمضان

مقالات

معدة رمضان

الشيخ محمد ياسر القضماني

لقد خاب ناسٌ لا يعرفون حكمة الصيام، وحرمة رمضان!!

هل الترفّهات بالأطعمة والأشربة، والتوسع فيها تُحقِّق حكمة الصيام ومقصوده الأعظم وهو التقوى؟!

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). فهل تحصل التقوى بالإسراف في الطعام والشراب.

إن كلمة (الصيام) حجة على هؤلاء الذين يقعون في التخمة كل يوم بعد الغروب؛ فالصوم في اللغة: الإمساك. ونحن في رمضان قد نقدر على إمساك أي شيء، ولكن لا نقدر على إمساك شهوات أنفسنا التي تبعثنا على الاسترسال في المباحات حتى نقع في المكروه أو المحظور.

وإنني أعجب أشد العجب من الإعلانات الطويلة العريضة المرئية والمسموعة التي تكتب وتذاع هنا وهناك _ عن أطعمة وأشربة رمضان!

ويَفْتَنُّ التجار ويلوّنون الحيل لينفق الناس ما في جيوبهم على ما يسمونه بالموائد الرمضانية!

فكَّرت مراراً .. أليست معدة رمضان هي معدة شعبان وشوال؟!

وإذا كنا نأكل _ في الغالب _ ثلاث وجبات في اليوم والليلة فإننا في رمضان اختصرنا طعام الغداء، وأما السحور فهو بقدر نضف وجبة؛ لأن الإنسان في الغالب لا يشتهي الطعام فهو حديث عهدٍ بنوم؛ إذن تكون وجبات رمضان الحقيقة وجبة ونصف وجبة؛ أي أننا اختصرنا بالصيام نصف طعامنا وشرابنا المعتاد خارج رمضان؛ فينبغي أن تكون نفقات رمضان نصف نفقات غيره، وينبغي لهذا النصف أن يذهب للجياع من المسلمين هنا وهناك وما أكثرهم! بدل أن نشتري المهضمات لتخمتنا!

أريد أن أعرف أليس هو شهر الصيام؟!

لماذا الصيام؟ لاشك لحكمٍ؛ وسأذكر حكمة من الحكم المهمة، وهي:

تضييق مجاري الشيطان من بني آدم.

فلماذا نستدعي الشياطين ببطنتنا؟!

قد يقول قائل: كيف يحصل تضييق مجاري الشيطان بالصيام؟

والجواب: يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم).

ولذا _أيضاً_ جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصوم وِجاءاً _أي يقطع شهوة النكاح_ حيث يقول: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

ولذا بالجوع تسكّن وساوس الشيطان وتكبح، وتنكسر سَورة الشهوة والغضب، والإنسان بالامتلاء يستدعي الدّعة، ويشتهي تخيّل اللذات ويسعى لها، ويقع في الغفلة، ومعلوم أنه من أكل وشرب كثيراً نام كثيراً وفاته بذلك خيرٌ كثير.

فلماذا لا نحافظ على هذه النعمة التي اكتسبناها أثناء النهار، وهي الخشية التي حصلت بالجوع والعطش؟ لماذا نضيّعها بدقائق بعد الغروب؛ لنعوض ما فاتنا في النهار، وزيادة على ذلك؟!

يا ابن آدم! إنماهي لقيمات تسد جوعتك وتقضي نهمتك!

والذي يُسيِّرهُ بطنه فيعطيه ما يشاء في أي وقت شاء؛ يثقل عليه الصيام والقيام؛ ولذا تجد أن هؤلاء قبيل رمضان يودعون شعبان بالطعام والشراب وقال أحدهم:

إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهار

ولا تشرب بأقداح صغارٍ فإن الوقت ضاق على الصغار

وقال آخر:

جاء شعبان منذراً بالصيام فاسقياني راحاً بماء الغمام

ومن عجيب ما قرأته قبل أيام: (مواويل الدِّيَرة) في الرابع من رمضان هذا العام:

هلَّ رمضان الكريم وزادت الأوزان

هات الهريس يا روحي ويَّا لحم الضَّان

نعم زادت الأوزان، وهذا ماقَدِر عليه أهل الدنيا والشهوات في شهر رمضان! أما رمضان فإنه ينظر علينا بخجل، ولو قدر على النطق لقال: ياحسرتي عليكم! لم تنتفعوا بمقدمي، وسأرحل عنكم قريباً! أما أنتم يا من صام الصيام الحقيقي .. يا من صامت جوارحه عن المعاصي فهنيئاً لكم طاعتكم!

ولكم نقول تقبل الله طاعتكم، وكل عام وأنتم بخير

السبت 9 من رمضان 1414

19/2/1994

المصدر: كتاب بصائر وذخائر لفضيلة الشيخ محمد ياسر القضماني حفظه الله – من اختيارات إدارة الموقع

تحميل