مميز
EN عربي
الكاتب: الشيخ محمد ياسر القضماني
التاريخ: 21/06/2015

رمضان يعاتب موتانا

مقالات

رمضان يعاتب موتانا

الشيخ: محمد ياسر القضماني

بالأمس خِلتُني أناجي رمضان ويناجيني، كان منتحياً في نجوة من الناس متأسفاً متحسراً، ومعاتباً بل لائماً، فكان مما عقلت من شكايته:

ويح قومك! ما الذي دهاهم؟! ألا يقدرون قدري؟! ألا يستبصرون أمري؟!.

أنا الذي عظم الله من شأني، ففتح من أجلي أبواب الجنان، وغلَّق من جَرَّائي أبواب النيران!.

أنا الذي فخّم مولاي من ذكري حتى صفَّد من الجان كل شيطان، لأجلك أنت أيها الإنسان، رحمةً منه فهو الحنّان المنَّان!.

أنا الذي تلذذ في لياليَّ نفوس الصالحين بمناجاة رب العالمين، وتتهيج الأشواق فيهم للأنس بي، والقرب من الرحمن الرحيم، وحينها يردون موارد السقيا الإلهية والحياض القدسية، ثم يصدرون زكيةً نفوسهم، ساميةً أرواحهم، نقية قلوبهم، صافية سرائرهم، وضيئة وجوههم! ليالي التي تشحن فيها السموات حتى تفض بالملأ الأعلى، متنزلين مبركين معظمين.

أنا الذي جعل الله لمن راقب ربه في نهاري باباً في الجنة، وينادي فيمن ينادي لهم يوم القيامة: (أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد)![1]

_ قال: نعم، ولكن أتحسب أنه لهؤلاء الذين يصومون عن الطعام والشراب، ويُفطرون على الخنا والسِّباب؟!.

أتراه لهؤلاء الذين سيؤوبون منه بعقاب وحساب يوم المآب؟!.

نعم! هو باب الريان، ولكن لمن هو ريان بطاعة الرحمن، يخشى الديان حتى تشتاق له الحور والولدان؛ لا لهذا الذي هو ريان في النهار بالغفلات، وفي الليل بالشهوات الظاهرت والخافيات!.

نعم! هو باب الريان لم أظمأ جوارحه عن السيئات، ألجم نفسه عن الخطيئات والموبقات! لا لمن قطع سحابة نهاره نائماً، وآناء ليله هائماً على بليَّات في (القنوات) ومسرحيات ومسلسلات، ومشاهد رديَّات، زُيَّنت فيها العورات، وتكشَّفت فيها السوءات!.

_ قلت: والله لقد أخزوا وجوهنا، ونكسوا رؤوسنا، كيف يجترئون عليك؟ وأنت سيد الشهور؟ ويسمونها عبادة؟! أتصلح هذه للعرض على الله؟!.

التفت إلي صاحبي محتداً، وملؤه الأسى، قائلاً: خبِّرهم ماذا تجنون مني إلا حجة تنضاف إلى حجج أقمناها عليهم؟! أَبِي يغترُّون؟ أم على ربهم يتكبرون ؟!.

والله سائلكم عني، فماذا أنتم قائلون؟ ألا تسمعون؟ ألا تعون؟! يدخل عليكم رمضان تلو رمضان، فلا أنفسكم تحاسبون، ولا إلى ربكم ترجعون؟!.

ثمَّ أشار مغضباً قائلاً: أما علموا أنني جنة لهم أحجزهم عن كل أذية وخطيِّة وبليَّة؟!.

ماذا يبغون إلا نفساً زكية، وعطاءات إلهية، وكرامات سنية، وفضائل عليّة؟! كل هذا فيَّ، في أيامي ولياليَّ!.

_ قلت: ولهم فيك وبسببك فرحتان:

فرحة إذا أفطروا حين ينتشون ببلوغ الأمل بانتهاء العمل، سالماً غير مقطوع.

وفرحة أكبر وأجل حين يلقون ربهم ليكافئهم عليها موفرة حظوظهم معظمة أجورهم!.

هزَّ رمضان رأسه معتزاً بخصيصة عظيمة من خصائصه قائلاً:

_ إن نسوا كل شيء، أنسوا أنهم صاموا نهاري، وقاموا ليلي تصديقاً لربي، وطلباً للمثوبة منه لا من غيره، أنني أكون عندها غفارأً لذنوبهم، محَّاءاً لسيئاتهم وخطاياهم بإذن ربهم؟!.

_قلت: أي والله! يكفيك أن صفوة البشر وخلاصة الناس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما كان في شهر أكرم منه فيك، وما تنزل جبريل عليه السلام ما تنزل في أيامك ولياليك، يدارس سيد الصالحين كلام رب العالمين.

_ قال صاحبي: قل لأهلك وجيرانك ولقومك أجمعين: هل تضمنون النجاة من الجحيم؟.

إن صوم يوم في سبيل الله يباعد وجوههم عن النار سبعين خريفاً! حقاً أنتم الطامعون فيما عنه زجر، الراغبون عما أمر!.

عجبٌ أمركم، وعما قليل أنا عنكم مرتحل، فهنيئاً لمن أقبل، وتباً لمن أدبر!.

_ قلت: حنانيك! غَفرَاً! غَفرَاً! فَلَبِّث قليلاً ننزجر! وهنا أشاح صاحبي بوجهه عني مودعاً ومعزياً بقوله:

إذا ما المرء صام عن الدنايا فكل شهوره شهر الصيام

[المصدر: كتاب قصص بالغات، من اختيار مشرف الموقع]

[1] أخرجه البخاري في صحيحه، عن سهل رضي الله عنه، باب الصوم كفارة.

تحميل