مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 15/02/2015

ربوة دمشق في القرآن

معالم الشام

ربوة دمشق في القرآن

دمشق قل ما شئت في وصفهـا و احكِ عن ( الربوة ) ما تحكـي

فالطير قد غـنـى علــى عــوده في الروض بين الدفّ و الجـنـك

(دمشق:التي تحرسها (الربوة) ذات الشاذروان وهي خاشعة في محرابها الصخري تسبح الله وتحمده..

الربوة: لحن من ألحان السماء ألقته مرة واحدة في أذن الأرض، الربوة هي الربوة لمن يعرفها وكفى).

الطنطاوي...

قال الله تعالى : (( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها .......))

فالآثار يا أخوتي لغة: أثر، والأثر: الحديث يذكره الشخص عن غيره، والمأثور: ما ينقله خلق عن السلف إلى الخلف ( أقوال أو أعمال ) .

والآثار أنواع: آثار أمم سابقة لها ارتباط بعقائدهم، كالكنائس والمساجد و.... وآثار ليس لها ارتباط بالعقائد كالقصور والقلاع ....

إذن فهي مجموعة أشياء متبقية من أزمنة، والنظر فيها بتـأمل وتفكر يعدّ عبادة يقوم بها الإنسان بأمر من الله عز وجل لاستخلاص العبرة.. فهيّا معنا في رحلة سياحية رائعة نمجّد فيها الخالق بديع الصنع سبحانه نستنشق روعة جمال وجلال صنعه من ربوة ذكرها لنا في القران الكريم..

فلتستشعر أيها السائح الدمشقي هذه الروعة في قوله تعالى : ((..وآويناهما إلى ربوة ذات قرار و معين...))، ولتكن نزهتنا اليوم بطريقة مختلفة نمتّع فيها النظر بمشاهد رائعة، والقلب والروح يردّدان معاَ: سبحانك ما أعظمك! لا إله إلا أنت.... ملتمسين يا إخوتي تلك العظمة في مدينتنا دمشق الرائعة، فهي متحف احتار الرحالة المسلمون والشعراء في وصفها ومدحها، تحتاج منا اليوم وقفة التأمل والنظر، والأهم من ذلك معرفة كيف نحافظ عليها محافظةَ محبين عاشقين لله ورسوله..

أخي السائح الدمشقيّ:

قال مؤرخ دمشق ابن عساكر (571 ) رحمه الله في كتابه الشهير (تاريخ دمشق ) في باب (ذكر الإيضاح والبيان عما ورد في فضلها من القرآن):

أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأ قوله تعالى من سورة المؤمنين (( ..وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين .....)) سأل الصحابة الكرام: أتدرون أين هي؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال : هي بالشام بأرض يقال لها الغوطة، مدينة يقال لها دمشق، هي خير مدائن الشام )

وقال في باب (فضل المساجد المقصودة بالزيارة : كالربوة ومقام إبراهيم....):

قد تقدم في باب الإيضاح والبيان عما ورد في فضل دمشق من القرآن ، مما نُقل عن العلماء من أهل القدرة، أن ربوة دمشق هي الربوة المذكورة في كتابه.

وقال ابن عباس: ( الربوة) هي المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات.

وقال المفسرون للآية الكريمة: أن الله تعالى قد أمر عيسى وأمه أن يسكنا تلك الربوة بدمشق.

ثم أنصت أيها السائح الدمشقي لياقوت الحموي (732) رحمه الله، في( تقويم البلدان)، يقول عن الربوة:

(ربوة) بضم أوله، وفتحه ، وكسره، والضم أجود في قوله تعالى: ((... وآويناهما إلى رَبوة ذات قرار ومعين))..

وقيل :

وبدمشق في لحف جبل قاسيون موضع ليس في الدنيا أنزه منه ،لأنه في لحف جبل تحته سواء نهر بردى وهو مبني على نهر ثورا، وهو مسجد عال يشرف على بردى ، وفي رأسه نهر يزيد، وفي ناحية من ذلك المسجد كهف صغير، يزعمون أنه المذكور في القرآن .

وقال الرحالة ابن جبير (614 ): دمشق حرسها الله تعالى أنها تشرفت بأن آوى الله تعالى إليها المسيح وأمه، صلى الله عليهما ، إلى ربوة منها ذات قرار ومعين وظل ظليل ، وماء سلسبيل ...

فهل عرفناها وناظرنا جلالها و جمالها ...؟

إخوتنا القراء :

القرآن الكريم ذكرها، ونبينا العظيم مدحها... والعلماء بحب وإجلال عاينوها و أجمعوا أنها في شمال غرب دمشق ... والشعراء من بعد ذلك تغنّوا بوصفها... فماذا بقي، يا إخوتي، إلا أن نقوم معاً بسياحة إسلامية يميزها حب المعرفة والشغف الإيماني المحب اللاهج بدعاء لله تعالى أن يحرسها وسائر المدن....؟

وتحت عنوان قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض ثم انظروا...)، وقوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، نسير ونتأمل لنعمل صالحاً من قول أو فعل، نتركه أثراً لأقوام ستأتي من بعدنا تترحّم علينا وتدعو لنا إن ناظروا أقوالنا وأعمالنا..

فلننتبه ونحذر من غفلة هوى أو كسل وتهاون، والعياذ بالله ....

موقع الربوة جغرافياً :

يعد جبل قاسيون امتداداً جغرافياً لسلاسل الجبال السورية الغربية، وقد تميز هذا الجبل بنشاطه العمراني عبر التاريخ، لكن تبقى المكانة الدينية التي متّعه الله عز وجل بها هي الأهم ، فالقرآن تحدث عن هذه الربوة التي آوت المسيح وأمه هرباً من اليهود، في أقصى الغرب لجبل قاسيون...

فالربوة تقع في وادي بردى شمال غرب دمشق، يغطي سهولها مرج أخضر رائع يجذب الدمشقيون إليها للترويح عن أنفسهم، ثم يشقّها نهر بردى الذي يتفرع من منطقة تسمى الشاذروان إلى سبعة فروع..

وفي هذه الربوة ما يشبه المحراب، يُقال أنه مهد المسيح عليه السلام الذي آوى إليه مع أمه، ويزوره العاشقون لله وأنبيائه بنية التزود بشحنات روحانية تملأ القلب وتعين النفس والبدن للعمل النافع، بعد شكر الله عز وجل أن شرفهم بالمقام في هذه الأرض المباركة.. فهلّا تدبرنا واعتبرنا؟

وصف الربوة :

أنصت أيها السائح إلى وصف البدري للربوة في كتابه (محاسن الشام): "ومن محاسن الشام الحوا كير وهي كالحدائق في سفح قاسيون فإن الفاصل بينه وبين (جبل الربوة) عقبة قرية تدعى (دمر) التي بحد (قبة السيار)، وأن سياراً هذا و بشاراً كانا يتعبدان على رأس هذين الجبلين اللذين للربوة، وكأنهما كانا من أصحاب الخطوة.

ومن محاسن الشام محلة ( الربوة ) وهي المذكورة في القرآن ...وإنما قيل لها ربوة لأنها مرتفعة مشرفة على غوطتها ومياهها. وكل رابٍ مرتفع على ما حوله يقال له ربوة".

ويصفها ابن بطوطة قائلاً : (من أجمل مناظر الدنيا، وبها القصور المشيدة والمباني الشريفة، والبساتين البديعة.

وعدّها المتقدمون من قاسيون، مع أنها واد وليست بجبل، لأن الحد الطبيعي لهذا الجبل من الجنوب هو بردى، وهي أول منفسح الوادي الغربي الآخذ إلى دمشق، وفيها يخرج بردى من سجنه الضيق لينقسم فيها إلى عدة أنهار.. ففي سفح قاسيون من جهة الشرق والشمال نهرا يزيد و ثزرى ، وفي سفح جبل المزة من جهة الغرب والجنوب قناة الداراني ثم قناة المزه ثم قنوات بانياس، وبأسفل الوادي يسيل ما بقي من المياه من بردى ، ففيها يظهر تقسيم هذا النهر إلى عدة أنهار فيزيد تلك الجهة نضارة وجمالاً).

أخي السائح (المعتبر المتعظ)، بعد تأملك في سيرك و سياحتك الجميلة هذه.. ماذا تستشعر روحك الحبيسة في قفص جسدك الذي اعتاد خنق وإخماد أي نفحة روحانية تدل على الله جلّ وعلا، ليبدلها ويزينها لك بمتع دنيوية فقط؟

ألا تتلمس نداء هذه الروح العطشى الظمأى لذكر وتمجيد الصانع المبدع؟؟؟

إن المتأمل لجمال الربوة يجدها صفحة في كتاب الكون البديع، ليقرأها الناس ببصيرة الفهم على الخالق، وينعموا على قلوبهم وعقولهم بنفحات قدسية آتية من عند الله، تبصّرهم بين طبيعة غنّاء ليعملوا بأفضل الأعمال..

ونأسف إذ انشغل الناس بطيب الملذات من المشتهيات، ووقفوا عندها فنسوا وغفلوا عن حكمة الله في بديع صنعه...

فاليوم لا تملك الربوة إلا التأسّف على من غفل ومات قلبه عن إدراك سر جمال صنع الله.... و بردى من بعدها لا ييأس بل ينادي علينا ويدعونا لغسل غفلة أكلت أفئدتنا، عسى أن نتدارك لترميم ما يمكن ترميمه من عقول تاهت و جهلت، وقلوب جفّت فيها معاني محبة المنعم الخالق....

اللهم اجعلنا ممن يسمع هذا النداء فيتّعظ ويستدرك ويحسن محاسبة نفسه ، فيصلح ذاته إلى ما يحب الله ويرضى، قبل فوات الأوان... اللهم آمين .

نترك لكم تأمل ذلك الجمال والجلال عبر الصور، لتتحرك فينا مشاعر تنبض بالتوحيد والتمجيد، وتزيدنا استئناساً بعظمته سبحانه، وتسلمنا لعبودية خالصة لله سبحانه: لا إله إلا أنت، ما أعظمك...!

المصادر :

تاريخ دمشق / ابن عساكر - تقويم البلدان / لياقوت الحموي.

رحلة ابن جبير / لابن جبير - القلائد الجوهرية / لابن طولون.

تحميل