مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/08/2014

الصحابي الجليل جابر بن مسعود وإخوته في جامع الشهداء

أعيان الشام

الصحابي جابر بن مسعود

((و إخوته في جامع الشهداء))

إخوتي الكرام:

أدعوكم لرحلة سياحية فيها مزيد من التأمل والتفكر كي نخرج بعملية تغيير ذاتية من الأعماق ،حيث تتبلور النية الحقيقية لأي عمل تكون ثماره على هذه الأرض بأسمائنا، ونرجو أن يكون عملاً نباهي به أمام سيد الخلائق يوم القيامة، فهل أدركنا أهمية المراجعة الذاتية للتغيير نحو الأفضل ؟

لنجعل هذه الرحلة وسيلة تربوية للرقيّ بالنفوس نحو العلا وننشد هذا التغيير لننال القرب والرضا من الله ورسوله.

إخوتي، السياحة في سبيل الله مع التأمل تحتاج إلى المعرفة التاريخية الحقيقية... لذلك ندعوكم من خلال زاوية (معالم وأعيان) إلى رحلة كهذه وقراءة متميزة لكتب التاريخ الإسلامي، وهاهو كتاب: (تاريخ دمشق) لمؤرخه الشهير "ابن عساكر" الإمام العالم الحافظ المؤرخ علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي 499ـ 591 ...يدعونا للانضمام إلى مجالسه في المدرسة النورية ولسماعه وهو يقرأ للسلطان نور الدين زنكي،فأنصت أيها الدمشقي واستمع إلى مقدمة هذا الكتاب _وقد اقتطفت هذه الكلمات-:

(أما بعد فإني كنت قد بدأت قديما بالاعتزام لسؤال من قابلت سؤاله بالامتثال والالتزام، على جمع تاريخ لمدينة دمشق أم الشام ،حمى الله ربوعها من الدثور والانقصام، وسلم جزعها من كيد قاصد يهم بالاختصام، فيه ذكر من حلها من الأماثل والأعلام، فبدأت به عازماً على الانجاز له والإتمام ) رحمه الله.

أخي القارئ:

ستجد الأحاديث ألنبوية الكثيرة التي يذكرها ابن عساكر عن فضل الشام ودمشق خاصة:

ـ أحاديث في حثه على سكنى الشام، وتكفل الله تعالى من سكنها.

ـ أحاديث بأن الإيمان يكون في الشام عند وقوع الفتن.

ـ أحاديث أن الشام صفوة الله من بلاده وإليها يجتبي خيرته من عباده.

ـ وأحاديث عن بسط ملائكة الرحمن لأجنحتها على الشام.

ـ وأحاديث عن دعاء النبي للشام بالبركة.

- وأحاديث أن خير منازل المسلمين دمشق، وغيرها من الأحاديث الرائعة التي تدخلنا في بهجة وسرور بحمد وشكر لله أن منحنا هذه النعم، فنحن سكان الشام ، وسؤالنا لذاتنا هل أدينا الواجب والحق الذي علينا اتجاه هذه النعم؟

فعندما نقرأ أحاديث فضل الشام ودمشق لا نجد غرابة بأن ترابها قد احتضن الكثير من الصحابة والتابعين والعظماء من الملوك والأمراء، ولمَ العجب؟! فقد اصطفى الله عز وجل خيرة الخلق فيها، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا زالت دمشق الحبيبة للان تحتضن العظماء من أهلها الذين يجتهدون بالعلم والعمل الصالح والسلوك المحمدي كي ينالوا من هذا الاصطفاء الذي أخبر عنه الحبيب، بإذن الله.

ونجد أنفسنا أمام اسم صحابي مدفون في مسجد الشهداء بدمشق, غير مشهور ولكنه بدريّ, أي ممن شهد بدراً.....فأصبحت شهرته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى بها شهرة ...!

أيها السائح المسلم..

هذا المسجد يقع في منطقة خارج أسوار دمشق القديمة التي يقال أن الفاتحين المسلمين الأوائل وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قد نزلوا فيها, وهؤلاء الشهداء هم شهداء تلك الفترة ...

منهم الصحابي جابر بن مسعود وإخوته وائل بن حرملة وأخوهما مساعد ، لأم من الصحابة، فماذا كتبت عنهم كتب التاريخ؟

لقد وجد في مكان دفنهم حجر كتبت عليه أسماؤهم وبأنهم استشهدوا أيام الفتح الإسلامي ووصفوا بأنهم إخوة لأم، ذكر ذلك في الحوليات الأثرية السورية ،وفي كتاب (قبور العظماء) لعبد القادر الريحاوي...ومع الأيام أخذ هذا المكان اسم "محلّة الشهداء" وخاصة بعد بناء مسجد صغير شُيّد في القرن الثامن للهجرة.

ولم نحصل على ترجمة من كتب السير والأعلام إلا لجابر بن مسعود نقرأها معاً ونقرأ لهم الفاتحة داعين الله عز وجل أن يلهمنا الرشد والصواب في الحياة الدنيا.

اسمه ونسبه:

جابر بن خالد بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار, وأمه عميرة بنت سليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثه بن دينار.

ويقال: الأنصاري الخزرجي البخاري، ولا يقال هكذا مطلقاً "الأنصاري" إلا لبني عبد الأشهل، رهط سعد بن معاذ، ومثل هذا يقال فيه: من بني دينار ثم من بني عبد الأشهل ليزول اللبس.

شهد معركتا بدر وأحد ، وقيل بأنه من الذين شاركوا العرب المسلمين الفتح في دمشق زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وأجمعت المصادر على أنه لم يعقب، أي لم يخلفه ولد ولكن خلف العمل الصالح والشهادة في سبيل الله خلال الفتح العربي الإسلامي مع كبار الصحابة الكرام.

وأختم سيرته النبيلة بأبيات للإمام الشافعي الذي قال:

وأفضل الناس مـابــين الــورى رجل تقض على يده للناس حاجات

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في النـاس أمـوات

فهم ماتوا ولكن مآثرهم وأعمالهم وسيرهم مسطرة في كتب التاريخ مضيئة ومشعة تدعونا للعمل قبل فوات الأوان، فهل وصلنا نداؤهم أم هل عرفنا عنوانهم؟؟

حب ورضا الله ورسوله عنوانهم ومنهج المصطفى كان طريقهم، عندما فهموا أن لا خلود على الأرض إلا بطيب الذكر أضاءوا قلوبهم بحب الله ورسوله وسطروا سيرهم بنهجه طلبا للقرب والرضا وبذلك يتم الخلود:

إن لله عبادا فــطــنــــا تركوا الدنيا و خــافـــوا

نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطــنــــا

جعلوها لجة واتـخـذوا صالح الأعمال فيها سفـنا

نعم فقد أدوا الأمانة وبلغوا الرسالة وجعلوا أعمالهم الصالحة سفناً عبروا بها من هذه الحياة الدنيا إلى الآخرة دار المستقر والخلود، فتح الله علينا وعليكم بعلم ينفعنا ويدلنا وإياكم إلى التأديب والتهذيب، كي نكون في مقام العبودية الصحيحة وفي حضرة الكمال وعلى خطا وأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم آمين.

المصادر والمراجع :

الطبقات الكبير لابن سعد

أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير

الحوليات الأثرية العربية السورية

تحميل