مميز
EN عربي
الكاتب: د. محمد أنس الدوامنة
التاريخ: 08/06/2014

الإمام أحمد بن حنبل والشيخ البوطي

مقالات
الإمام أحمد بن حنبل والشيخ البوطي
د. محمد أنس الدوامنة
من البديهي أن طلاب العلم والعلماء اليوم وفي كل يوم مستعدون لبذل أرواحهم دون حرف من كتاب الله أن ينال, أو حكم شرعي حرام أن يحلل, أو اجتراء على شعائر الله وسنة نبيه ومبادئ الدين والعقيدة, وهذا منهم طبيعي ومنتظر لأنه لا يعقل وهم الأمناء على العلم والشريعة أن تضيع هكذا جهاراً نهاراً .
إن هذه المقدمة تضعنا أمام سؤال مهم : لماذا تبوأ إذن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى مكانته الرفيعة في رجالات الأمة يوم كان أميناً على الحق و رفض القول بخلق القرآن الكريم.
للإجابة على هذا أقول:
أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه إمام أهل السنة والجماعة, فقيه, مجتهد, محدث, زاهد, أيد الله به عقيدة الإسلام وحماها من فتنة المعتزلة وضلالتهم, وتعرض لأشد أنواع التعذيب والتنكيل, يقال له كل يوم قل : القرآن مخلوق فيقول : القرآن كلام الله ولا أزيد .
كان بوسعه أن يورّي أو يعرض , وله في ذلك عذره عند الله, {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}, ولكنه بقي وحيداً في هذه الساعة, وقد أمر المأمون بعرض كل العلماء والخطباء والقضاة على هذه العقيدة وجعلها الفيصل والميزان ورضخوا لها, وجاءت المصداقية الكبيرة لهذا الإمام من خلال أنه اختار الثبات كما هو دون أي مواربة .
لقد كان يحسب حساب الله تعالى ورضاه وحده, وشعر أن الكبار والصغار والأجيال تنتظر هذا الموقف, وإذا هو قالها - ولو مكرهاً- لكان من الصعب أن يصدق أحد أنه قالها مواربة أو إكراهاً, فتحمل لذلك العذاب الشديد والسجن المهين, ولم يجامل في دينه وعقيدته رحمه الله – ولعل هذا ملمح العظمة في موقفه-.
قال الإمام علي بن المديني شيخ البخاري: رجلان قدّر الله تعالى بهما خيراً كثيراً للأمة: أبو بكر الصديق يوم الردة, وأحمد بن حنبل في يوم المحنة.
لقد وقف الإمام أحمد هذا الموقف وقلوب الأمة جميعاً علماؤها وعامتها معه, وخلده التاريخ بطلاً قال كلمة الحق ولم يخف في الله لومة لائم.
وفي قراءة تحليلية لهذا الموقف يمكننا أن نقول: لقد اتخذ موقفه لله, واجتمع هنا رضا الله ورضا الناس في اتجاه واحد.
وفي زماننا هذا اختبر شيخنا ومولانا الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي اختباراً هو في التحليل أصعب وأشد, إما أن يرضي الله ويخسر الناس, وإما أن يخسر الله ويرضي الناس.
إنني لست أقيّم الرجلين الكبيرين بل أقف محللاً للموقفين فإنني أرى أن الله قد نجىّ بموقف الشيخ البوطي البلد من هذه الفتنة دماءها ودينها وعقيدتها ووجودها.
وقد أعطى موقف الدكتور بعدا جليا للموازنة بين رضا الله ورضا الناس عندما يتعارضان .
إن شرع الله ورضاه هو المعيار الوحيد الذي يزن به العبد كل مايصدر عنه من أقوال وأفعال .
لقد قلنا لهم من أول يوم ولا نزال نقول: تعالوا وقدموا لنا أمران التأصيل الشرعي لهذا الحراك في حسابات الدين والعلم الشرعي, وخطة واقعية ناضجة ومسؤولة في حسابات الأسباب والحقيقة, وسنكون معكم وفي مقدمة الصفوف.
شيخنا الجليل ثبتك الله وسدّدك الله وحماك الله وجعل بك العاقبة لطفاً وعنايةً وفرجاً وتوفيقاً .
محمد أنس الدوامنة
3/10/2013

تحميل