مميز
EN عربي
الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/07/2014

الصحابي الجليل خُفاف بن ندبة رضي الله عنه

أعيان الشام

الصحابي خُفاف بن ندبة

في مسجد السنجق دار

إخوتي قراء زاوية (معالم واعيان):

ندعوكم من خلال هذه الزاوية للتعرف على صحابي مدفون في أرض دمشق الحبيبة، إلى جانب صديقه الصحابي عباس بن مرداس ,والذي تعرفنا إليه سابقاً، فهل نحن على استعداد لقراءة تأمّلية نرجو منها العبرة والفائدة... نرجو العلم والعمل ثم العمل كي نحظى بقرب الرسول ورضاه صلوات الله عليه؟

والآن فلنقف معا أمام سيرة هذا الصحابي خفاف بن ندبة، الذي يرقد إلى جانب صديقه العباس بن مرداس رضي الله عنهما، في مسجد السنجق دار بدمشق...

ها هي القلوب بدأت تستشعر نسمات روحانية رائعة، هل عرفنا ما هو عنوان تلك النسمات؟

إنه حديث رسول الله في الصحبة أو الصداقة ومدى تأثير ذلك على الإنسان؟

فقد روت المصادر أن خُفاف بن ندبة، بالفتح أو الضم، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: يا رسول الله، أين تأمرني أن أنزل، على قرشي أم على أنصاري، أم أسلم، أم غفار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا خفاف، ابتغ الرفيق قبل الطريق، فإذا عرض لك أمر بصرك، وإن احتجت إليه رَفِدك).

لقد كان هذا الحديث الوحيد الذي رواه خفاف بن ندبة، ووجوده مدفوناً إلى جانب صديقه العباس بن مرداس دليل على تأثره وتطبيقه لحديث المصطفى عليه السلام.

وكلنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يأمر بصحبة الأخيار وينهى عن صحبة الأشرار، والله عز وجل أمر بذلك في قوله تعالى:

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}الكهف28

والنبي صلوات الله عليه قال: (الرجل على دين خليليه فلينظر أحدكم من يخالل) ... فهذا الصحابي وصديقه رضي الله عنهما، قد أيقظا في نفوسنا الرغبة القوية في تطبيق ما ورد في الحديث الشريف, ولينظر كل واحد منا في خلوة مع الله عز وجل سائلاً نفسه من يكون صاحبه؟ وكيف هو سلوكه ؟

إخوتي القراء:

تروي لنا المصادر: أن خفاف من الذين ثبت إسلامهم يوم الردة، واشتهر بالفروسية والشعر في بنو سليم، وقد نسب إلى أمه ندبة بنت أبان، وكان من عادة العرب النسب إلى الأم إذا لم يعرف اسم الأب وربته أمه, أو لشهرة الأم بعلم أو خلافه...

ومن أشهر من انتسب لأمه من الصحابة الكرام ،ابن أم مكتوم, وكان النبي يستخلفه على المدينة ويصلي بالمسلمين رضي الله عنهم، والصحابي شرحبيل بن حسنة، وغيرهم ....

ومنهم خفاف بن ندبة صاحب العباس بن مرداس، كانا من بني سليم التي اشتهرت بين القبائل بالفروسية والشعر، وطار ذكر فرسانها بين العرب، وأصبح لكل فارس حكاية تروى على مر الزمان، وهذه حكاية خفاف وصديقه فوق ارض دمشق .

اسمه ونسبه: خفاف بن ندبة بنت أبان بن الشيطان، من بنو الحارث بن كعب، وأبوه عمير، ويكنى أبا خراشة، وهو ابن عمر صخروخنساء ومعاوية، أولاد عمرو ابن الحارث بن الشريد .. اشتهر بالشعر, وكان أسودا حالكاً من أغربة العرب.

وقال الكلبي: هو خفاف بن عمير بن الحارث بن عمرو بن الشريد بن رباح بن يقظة بن عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهشة بن سليم السلمي .

وقال الأصمعي: هو أحد فرسان قيس وشعرائها، شهد فتح مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو حامل لواء بني سليم يوم الفتح، وشهد حنين والطائف مع الرسول الكريم

وقد أنشد قائلا عندما قتل مالك بن حمار سيد بني شمخ بن فزارة:

إن تك خيلي قد أصيب صميــمـــا فعمدا على عيني تيممت مالك

وقفت له علوي وقد خان صحبتي لأبني مجدا أو لأثأر هالــك

أقول له والرمح يـأطـر مــتـــنـــه تأمل خفافا إني أنـا ذلـــك

ويقال أنه بقي إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً.

أيها الإخوة القراء ها قد وصلنا لآخر فقرة من سيرة خفاف بن ندبة رحمه الله، صحيح أنها مختصرة ولكن وجوده مدفوناً بأرض دمشق، وإلى جانب صديقه العباس بن مرداس، وهما من قبيلة بني سليم في أرض الجزيرة العربية، يجعلنا نخرج ببعض العبر والعظات ... وأرجو كل واحد منا أن يُخضع فكره وقلبه لهذه العملية التربوية التي أرادها الله عز وجل لنا على أرضه وتحت سمائه ،وسؤالي بماذا تفيدنا قراءة التاريخ الإسلامي وسير الصالحين؟

أولاًـ الإنسان بحاجة مستمرة إلى الحياة الاجتماعية، فعلاقاتها يجب أن تستمر ليتكامل الأفراد وتنمو الحياة وتسمو بطيب الحياة والعلاقات، يكبر المجتمع ويرقى من اتحاد الأفراد الصالحين ،والنبي صلى الله عليه وسلم كان عنوان رسالته الكبير وقبل دخوله في التفاصيل قوله: ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

ثانياً ـ النبي صلوات الله عليه يعلَم ببشرية الإنسان المجبول على ضعف قد يخضع له ، لذلك ترك لنا إرثه النبوي الشريف، فكان معظمه يخاطب السؤال الآتي كيف تقيم سلوكك أيها الإنسان؟ فنجد: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وقوله أيضا : (ليس المسلم بطعان ولا بفاحش أو بذيء) وغير ذلك من الأحاديث التي تحرم الغيبة النميمة وتوجه هذا الكائن البشري إلى الجميل من الصفات، فهلا بحثنا وعلمنا ودربنا أبنائنا على ذلك؟

ثالثاً ـ وأخطر شيء في حياة الإنسان هو من يصاحب، ويعتبر من أهم المواضيع التربوية التي يجب الاهتمام بها في أيامنا هذه، موضوع الأصدقاء، فالنبي الكريم له أحاديث كثيرة بهذا الأمر: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك و نافخ الكير ) والأهم في هذا أن نستمع له بوعي وإدراك لما بين كلماته الرائعة وهو ينصحنا، فالإنسان والمجتمع لا يُبنى ولا يُعمّر إلا بطيب الأخلاق والصفات، ويكفينا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).

إخوتي الكرام:

الحسد والغيرة والكره والحقد تسمى أمراض قلب للإنسان، وهي موجودة فينا جميعاً، ولكن من اتخذ من أحاديث النبي في فكره علماً كبيراً يتدارسه بوعي وببصيرة يقظة، وفي قلبه تعظيماً وإجلالاً لشخص الحبيب المصطفى عليه السلام، فهو قد أعان حواسه لطاعة النبي، فاجعل أيها الإنسان حديثه: ( يا بني احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله...)، عنواناً لمسيرتك على الأرض.

واستمع للشافعي رحمه الله :

إذا رمت أن تحيا سليما من الردى ودينك موفور وعرضك صـــــن

فلا ينطق منك اللسان بـــــســوءة فكلك سوءات وللناس ألــســــن

وعيناك إن أبدت إليك معاتـــــبـــا فدعها وقل يا عين للناس أعين

نعيب زماننا والعيب فـــيــــــنــــا وما لزماننا عيـب ســـــوانـــــا

ونختم الكلام في وقفة صمت باحترام أمام سيرة هذين الصحابيين اللذين طمعا بأحاديث النبي عن الشام: (عليكم بالشام...) ونحن نعلم كم هي كثيرة، أطاعوه وجعلوا الرفقة قبل الطريق ... سكنا دمشق وعاشا فيها بمنهج النبوة وسيرتها العطرة، فكانا من السلف الصالح، ربنا اجعلنا وأهلينا خير خلف لخير سلف، اللهم آمين...

فهلا أبصرت أيها الدمشقي واستعنت بالله على نفسك وحرصت على ما ينفعك وينفع غيرك في نقد للذات قبل الغير،وعمرت أرض دمشق بما يحب ويرضى نبينا الكريم؟

تحميل