حول حادثة مد اليد الشريفة لسيدي العارف بالله أحمد الرفاعي
حول حادثة مد اليد الشريفة لسيدي العارف بالله أحمد الرفاعي
واثبتن للأوليا الكرامة ومن نفاها فانبذن كلامه
كل ما صح أن يكون معجزة لنبي صح أن يكون كرامة لولي؛ والكرامات ثابتة لم ينكرها غير جاهل بمعجزات الأنبياء التي أيد الله بها نبوة الأنبياء ورسالة الرسل وبخوارق العادات (الكرامات) التي حصلت من عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين فضلاً من الله وكرماً.
وكثيراً ما ينكر بعض ضعاف الإيمان كرامات حصلت من الصحابة وكبار التابعين وتابعيهم لعدم موافقتها لمداركهم، مع أن العلم والمخترعات الحديثة قد أثبتت لنا أشياء ما كنا نتصور وقوعها لو لم ننظر إليها بأعيننا، ونلمسها بأيدينا، ونسمع أصواتها بآذاننا.
والسيد أحمد الكبير الرفاعي المشهور بعلمه الغزير وزهده وورعه، وعبادته وتقواه، أحد أولئك الذين أنعم الله وتكرم عليهم بكثير من الكرامات المشهورة والمدون كثير منها في الكتب. وأشهر كراماته وأعلاها شأناً تقبيله يد جده المصطفى صلى الله عليه وسلم. وقد تلقاها الناس خلفاً عن سلف حتى بلغت بلغ التواتر فقد أُفعِمت بها بطون الكتب والدفاتر[1]، ورَعَفَت بها ألسن الأقلام، وسالت بها دموع المحابر، سارت بها الرُّكبان، وتواتر خبرها في البلدان.
وقد حصلت حادثة تقبيل الإمام الرفاعي السيد أحمد - رضي الله عنه - يد جدِّه سنةَ خمسٍ وخمسين وخمس مئةٍ (555ه).. تواتر ذكرُها، واشتهرَ أمرُها، وبلغَت مبلَغَ القطعِ البَتِّ.
ولم يمتَرِ فيها إلاّ مَن أحالَها على العقلِ، واستبعدَ وقوعها وتَصَوُّرَ حدوثِها، واستعجز قُدرَةَ الله تعالى.
ولقد طلبَ لها المنكرون أسانيدَ كأسانيدِ الحديثِ الشريفِ، ولم يفرقوا بينها وبينه؛ لأنَّ الحديثَ كلامَ المصطفى صلى الله عليه وسلَّمَ، وفيه التشريعَ والأحكامُ والأعمالُ الزائدةُ، وإحداث الشيىءِ في الدِّين الذي لم يكن ليكون إلاّ من طريقه صلَّى الله عليه وسلَّمَ
أمّا قصَّةُ مدِّ اليّدِ النبوية للسيد أحمد، فهي حادثةٌ تاريخيةٌ، وواقعةٌ زمانيةٌ، لا يُشترط لها ما للحديث الشريف فلها من يصدِّقها، ويُوجد من ينكرها، ولم تُؤثَر عن غيره رضي الله عنه.
وقد ألَّف بشأنها كثيرٌ من أهل العلم والفضل والصلاح والولاية وناهيك منهم بالإمام للحافظ العزِّ الفاروثيِّ، أحمد بن إبراهيم بن عمر.[2]
ترجم له الإمام السُّبكيُّ وغيره، ونوَّه بذكره، ورفع من شأنه، وأشار إلى فضله وعلمه وزهده وورعه.
فقد ذكر القصة في كتابه ((إرشاد المسلمين))، ورسالته ((النفحة المسكية))، ونص على وقوعها، وذكر أنه شاهد خمسة رجال ممن رأوا اليد يوم أن مُدَّت للسيد أحمد، وذكر من حضرها من أهل العلم والطريقة.
وقد جمع مصادرها واستوعبها في مؤلًّف .. مولانا العلامة السيد محمد أبو الهدى الصيادي في كتابه النافع ((الكنز المطلسم)).
فمن طالع الكتاب المذكور، وقرأه بإنصاف دون اعتساف .. يعلم أن لهذه الواقعة واقعا وُجِدَ وكان، ونقله الأئمة الأعيان، واستودعوه في تواليفهم لمن بعدهم من أهل الإيمان والإذعان.
وكان جدي الإمام الفقيه أبو الفرج عمر الفاروثي من حجَّاج ذلك العام.
أخبرني أبي الحافظ محيي الدين أبو إسحاق إبراهيم، عن أبيه الشيخ عمر أنه قال له: كنت مع سيدنا ومَفزَعِنَا وشيخنا السيد أحمد الكبير الرفاعي الحسيني _رضي الله عنه_ عام حجه الأول، وذك سنة خمس وخمسين وخمس مئة، وقد دخل المدينة المنورة يوم دخوله إليها قوافل الزوار من الشام والعراق واليمن والمغرب والحجاز وبلاد العجم، وقد زادوا عن تسعين ألفاً.
فلما أشرف على المدينة المنورة .. ترجَّل عن مطيته، ومشى حافياً إلى أن وصل الحرم الشريف المحمدي، ولا زال حتى وقف تجاه الحجرة العطرة النبوية، فقال:
السلام عليك يا جدي. فقال له – عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات-: وعليك السلام يا ولدي. سمع كلامه الشريف كل من في الحرم النبوي.
فتواجد لهذه المنحة العظيمة، والنعمة الكبرى، وحنَّ، وأنَّ، وبكى، وجثا على ركبتيه مرتعداً، ثم قام وقال غائباً عن نفسه، حاضراً مع أُنسِه:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فمدَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة النورانية من قبره الأزهر الكريم، فقبلها والناس ينظرون. وقد كان في الحرم الشريف الألوف حين خروج اليد الطاهرة المحمدية.
وكان من أكابر العصر فيمن حضر: الشيخ حياة بن قيس الحرَّاني، والشيخ عدي بن مسافر، والشيخ عقيل المنبجيُّ، والشيخ أحمد الكبير الزعفرانيُّ، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الزاهد الأنصاري، والشيخ شرف الدين أبو طالب بن عبد السميع العاشمي العباسيُّ، وخلائق. وكلهم تبركوا وتشرفوا برؤيا اليد المحمدية ببركته رضي الله عنه.
قال العز في (النفحة) عند ذكرها: (وقد أدركت – بحمد الله - خمسة رجال من حجاج ذلك العام، ومن الذين تشرَّفوا بذلك المشهد الكريم، نفعنا الله بهم). وذكرهم بأسمائهم في (الإرشاد) فقال: (ومن نعم الله عليَّ: أنَّ والدي –رحمه الله- توجَّه من الفاروث سنة اثنين وعشرين وست مئة إلى أم عبيدة، وعمري يومئذٍ ثمان سنين. فحملني معه للزيارة والتشرف بالموسم الأحمدي، فدخلنا أم عبيدة في خلافة شيخنا ومولانا السيد شمس الدين محمد الرفاعي، سبط النفس النفيسة الرفاعية. فأفرد لوالدي غرفة في الرواق، وقد ضرب الوفود والمحبون الأخصاص والخيام حول أم عبيدة، وقد امتلأت الصحارى والبلاد والنواحي من الزوار. ففي يوم الجمعة .. فتحوا قبة المشهد الشريف الأحمدي، وجاء الناس ألوفاً ألوفاً للزيارة.
فأخذ أبي بيدي، ووقفنا، وإذا بشيخ كبير السن، جليل القدر، فحملني والدي إليه، وقبَّل والدي يده، وأمرني فقبلت يده، وسأله لي وله الدعاء، فدعا لنا ومشى.
فقال لي والدي هذا الشيخ: أحمد بن عبد المحمود الرَّبعيُّ، هو من الذين كانوا عام مدَّت يد النبي –صلى الله عليه وسلم- للسيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، ورآها فيمن تشرف برؤيتها.
وبعد قليل .. جاء شيخ آخرٌ، ففعل والدي كما فعل أولاً، وقبَّل يده، وأمرني بتقبيل يده، وبعد انصرافه للزيارة، قال لي: وهذا من حجاج عام مدِّ اليد، وهو الشيخ، مبارك بنجعفر الأونيوي.
وبعد قليل.. جاء شيخٌ آخر، ففعل والدي كالأول، وبعد ذهابه قال لي: وهذا من حجَّاج عام مدِّ اليد، وهو الشيخ: عبد الرحمن بن علي الدُّعيبينيُّ.
ثم جاء رجلٌ آخر، ففعل والدي كالأول، وبعد ذهابه قال لي: وهذا من أولئك، وهو الحاجُّ: رمضان بنُ عبد البر بن عبدويه. قم جاء رجلٌ آخر فقبَّل يده، وفعل كما فعل بالأول، وبعد ذهابه للزيارة قال لي: وهذا منهم، وهو الشيخ الجليل: عبد المحسن الأنصاري الواسطي رضي الله عنهم.
المصدر: مقدمة مقدمة كتاب البرهان المؤيد للشيخ العارف بالله محمد الهاشمي والشيخ حسن عبد الكريم عبد الباسط
[1] للوقف على قصة مد اليد النبوية الشريفة لمولانا السيد الكبير أحمد الرفاعي رضي الله عنه.. عليك بكتاب ((الكنز المطلسم )) ، للسيد محمد أبي الهدى الصيادي رحمة الله عليه ، بتحقيقنا ، ففيه الوفاء بهذا الأمر
[2] وإن التصانيف التي ذكرتها ووصلت لعلمنا هي[2] :
ترياق المحبين | للحافظ تقي الدين الواسطي |
النفحة المسكية | للفاروثي |
الوظائف الأحمدية | للصياد |
ربيع العاشقين | الخطيب الحدادي |
التنوير | للحافظ جلال السيوطي |
طبقات الكواكب الدرية | للمحدث المناوي |
التذكرة | للشيخ العطار |
إجابة الداعي | للعلامة ابي القاسم البرزنجي |
مناقب الصالحين | للإمام الشعراني |
روضة الأعيان | للموصلي |
صحاح الأخبار | للسيد سراج الدين الرفاعي |
نزهة المجالس | للصفوري |
سواد العينين | للرافعي القزويني |
البهجة الكبرى | للحافظ محمد بن قاسم الواسطي |
أم البراهين | للحافظ محمد بن قاسم لحاج الواسطي |
الشرف المحتم | للحافظ السيوطي |
كتاب الأسرار الرحمانية | للعارف الصاوي المصري |
النجم السباعي | للعيدروس الحسيني |
شرح الشفاء الشريف | للخفاجي |
خزانة الأسير | الشيخ علي الواسطي |
قاموس العاشقين | للشيخ عبد المنعم العاني نزيل دمشق |
مقدمة البرهان المؤيد | للشيخ شرف الدين العباس الواسطي |