مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور بديع السيد اللحام
التاريخ: 10/09/2013

مكانة الشام ودمشق (قراءةٌ في الحديث النبوي)

بحوث ودراسات

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد: فإنَّ معرفة فضائل المدن من الأبواب التي عُني المحدثون بجمعها، ولدى تتبع الأحاديث الواردةفي هذا الباب نجد أنَّ أصحَّ ما ورد في ذلك كان في فضائل مكَّة المُكرَّمةوالمدينة المنورة، ويليهما في ذلك ما جاء في فضل الشام، ورغم ذلك فقد ادعى البعضُ أَنَّ ما ورد في فضلها من أحاديث موضوع لا يصحُّ، وقد بنى دعواهعلى تعليلات لا تمتُّ إلى قواعد نقد الحديث بصِلَةٍ، مما دعاني إلى تتبعأحاديث فضائل الشام، حيث تبين أن بعض تلك الأحاديث صحيح قد بلغ حدَّالشهرة، بل كاد يبلغ التواتر، ومن ثمَّ فقد أوردت في هذا البحث بعض ما صحَّمن أحاديث في فضل الشام، ذاكرًا أقوال الحفاظ في الحكم عليها، مشيراً إلىبعض دلالتها.
وقد كان أهم أثر لما ورد في فضل الشام أن أصبحت مركزاً من أهم مراكز العلموالرواية، في العالم الإسلامي، لأنَّ سُكْنَاها أصبح مطمح أهل العلم وخاصةالمحدثين منهم.
هذا وقد افتتحت البحث بمدخلٍ، أتبعته بأربعة مطالب ثم خاتمة وذلك وفق الخطة التالية:
المطلب الأول: فضل الشام في الحديث النبوي.
المطلب الثاني: الإيمان بالشام.
المطلب الثالث: الشام عصمة من الفتن في آخر الزمان.
المطلب الرابع: الشام مركز للعلم والرواية.
الخاتمة: وضمَّنْتُها أهم النتائج.
أسأل الله تعالى حسن الفهم والعصمة من الزلل والخطأ..

مدخل:
على بطاح مكَّة المكرَّمة كانت تجليات المولى عزَّ وجل ببزوغ شمس النبوةالخاتمة التي أضاءت بنور كتاب الله الكريم ظلمة الجهل ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد)) [إبراهيم:1] لقد حدَّدت هذه الآية مهمة النبيّ عليه الصلاة والسلام بإِخراج «البشرية من ظلمات الوهم والخرافة، وظلمات الأوضاع والتقاليد، وظلماتالحيرة في تيه الأرباب المتفرقة، وفي اضطراب التصورات والقيم والموازين … لتخرج البشرية من هذه الظلماتِ كلِّها إلى النُّور الذي يكشفُ هذهالظُّلمات…».
وفي رحابِ بيتِ الله الحرام - الذي امتنَّ الله على أَهلِه بالأَمنِ والأمان ((لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)) [قريش] – بدأَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببثِّ أَشعة العلم والهداية المُنجية من كلِّ ضلالٍ على العالم، حتى عمَّذلك النُّور الآفاقَ "ليبْلُغنَّ هذا الأَمر ما بلَغَ اللَّيلُوالنَّهارُ، ولا يتْركُ اللهُ عزَّ وجلَّ بيتَ مدَرٍ ولا وَبرٍ إِلاأَدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، يُعزُّ عَزيزًا، أَو يُذلُّ ذليلاً، عزًّايُعزُّ اللهُ بهِ الإِسلامَ، وذلاً يُذلُّ اللهُ بهِ الكُفْرَ".

المطلب الأول‏:
فضل الشام في الحديث النبوي‏:
نالت بلادُ الشام من بين سائر البلدان الحظَّ الأوفر من ذلك العزّ والخيروتلك الرحمة، فقد أخرجَ ابنُ عساكر عنِ ابنِ عُمَر رضي الله عنهما مرفوعاً: «الخيْرُ عشرةُ أَعشار، تسعَةٌ بالشامِ وواحدٌ في سائِرِ البُلْدانِ» وأَخرَجه الطبراني والحاكم وصحَّحه عنِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه موقوفاً، وفيه زيادة: «والذي نفسُ ابنِ مسعودٍ بيدِهِ ليوشكنَّأَنْ يكونَ أحبّ شيءٍ على ظهرِ الأَرضِ إلى أحدِكُم أنْ تكونَ لهُ أحمرةٌ تنقلُ أهلَه إلى الشامِ».
ولقد بيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنَّ: "الشَّام صفوةُ اللهِ منْبلادِهِ إِليْها يَجْتبي صَفْوتَه مِنْ عِبادِهِ، فَمَنْ خرَجَ مِنَالشَّامِ إِلى غيرِها فبِسخْطَةٍ، ومَنْ دخَلَها مِنْ غيرِهافَبِرَحمَةٍ".
وإِذا كانت الشام هي الصَّفوة فإِنَّ دمشقَ هي صفوة الصَّفوةِ من بين مدائنالشَّام، وذلك بإِخبار من لا ينطق عن الهوى ((إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَى)) [النجم: 4] إِذ يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍيُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ" وفي رواية الحاكم: "خير منازِلِ المُسْلمين".
قال العلقمي: هذا الحديث يدل على فضيلة دمشق وعلى فضيلة سكانها في آخر الزمان، وأنَّها حصنُ من الفتن.
وقد أَخبرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّاس يفزعون في الفتن: "إِلى مديْنَةٍ يُقالُ لهَا دمَشق، مِنْ خَيْرِ مُدُنِ الشَّامِ فتَحصنهم مِنْعدوِّهم".‏
وقد فسَّر عددٌ من السَّلف قول الله تعالى: ((وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)) [الأعراف:137] بأَنها أرْض الشَّام.
قلت: يشهد لهذا التفسير نص كتاب الله تعالى، من ذلك:
قوله تبارك وتعالى: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَالمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَاحَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) [لإسراء: 1] فإنَّ المسجدَ الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي بارك الله حوله هو من أرض الشام.
وقوله تعالى: ((وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَافِيهَا لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء: 71] فالأَرضُ التي باركها الله والتينُجي إِليها إبراهيم ولوط عليهما السلام، هي أرْض الشَّام بلا خِلاف بينالمفسرين.‏
يقولُ محمَّد بنُ عمرَ بنِ يزيدَ الصَّاغَانيُّ: إِنِّي لأَجِدُ ترْدادالشَّام في الكُتبِ، حتَّى كأَنَّه ليس لله تعالى بشيءٍ حاجة إِلا بالشامِ.
المطلب الثاني:‏
الإيمان بالشام:‏
هذا الخيرُ وتلك البركةُ ما هي في حقيقة الأَمر إِلا ثمرة من ثمرات علمِ الكِتاب الذي جعلَه اللهُ سبحانه وتعالى مستقرًّا في الشَّام، فقد جاء في الحديثِ الصحيحِ المشهور عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال: "بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي المَلائِكَةُ فَحَمَلَتْ عَمُودَ الكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا فَالإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ" وفي روايةٍ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِيفَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلا وَإِنَّ الإِيمَانَ حِينَ تَقَعُالْفِتَنُ بِالشَّامِ" وفي أخرى: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأَيْتُ ليلةَ أُسْريَ بي عمُوداً أَبْيَضَ كأَنَّه لؤْلؤة تحمِلُهالملائكةُ، قَلْتُ: ما تَحْمِلونَ؟ فقَالُوا: عَمودَ الإِسلامِ، أُمِرْناأَنْ نضَعَه بالشَّامِ، وبَيْنا أَنا نائمٌ رأَيْتُ عمودَ الكِتابِاختُلِسَ مِنْ تحتِ وسادَتي فَظنَنْتُ أَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ تخلَّى عنْأَهلِ الأَرْضِ، فأَتْبَعْتُه بَصَري فإِذا هو نورٌ ساطعٌ بينَ يديَ حتىوُضِعَ بالشَّامِ".‏
وقد رُوي هذا الحديثُ عن عددٍ من الصَّحابة، منهم:‏
1 - أبو الدرداء: روى حديثه الإمام أحمد، والطبراني، وأبو نعيم، وابن عساكر.‏
2 - عَمرو بنُ العاص: :وحديثه عند أحمد، والطبراني.‏
3 - عبدُ الله بنُ عَمرو بن العاص: وأخرج حديثه الطبراني، والحاكم، وأبو نعيم، وتمام الرازي، والحارث بن أبي أسامة.‏
4 - أبو أمامة الباهليُّ : روى حديثه الطبراني، وابن عساكر.‏
5 - عبدُ الله بنُ حَوالَة الأزديُّ: روى حديثه الطبراني، وابن عساكر أيضًا.‏
6 - عمر بنُ الخطَّاب : روى حديثه ابنُ عساكر.‏
7 - عبدُ الله بنُ عُمر بن الخطاب : روى حديثه ابنُ عساكر.‏
8 - عُبيدُ الله بنُ عُمر بنِ الخطَّاب روى حديثه ابن أبي عاصم.‏
9 - عائشةُ الصِّدِّيقة : روى حديثها ابنُ عساكر. رضي الله عنهم جميعًا.‏
أقول: بناءً على ما تقدم فإنَّ شهرة هذا الحديث وتعدد طرقه ومخارجه، وكثرةرواته قد تصل به إلى حدِّ التواترِ وفق ما اعتمده ومشى عليه من صنَّف فيالحديث المتواتر، عدّوا في كتبهم من الأحاديث المتواترة أَحاديث أقل من هذا الحديث شهرة وتخريجاً وتصحيحاً.‏
وأَخرجَ الحاكمُ عنِ ابنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قالَ: «يأْتِي علَىالنَّاسِ زمانٌ لا يَبْقى فيهِ مؤمنٌ إِلا لَحِقَ بالشَّامِ».

المطلب الثالث:
الشام عصمة من الفتن في آخر الزمان:‏
أَقول: لعلَّ عمود الكتاب الذي أَشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهعُمدَ به إِلى الشام يتمثَّل بتلك الكوكبة العظيمة من الصَّحابةِ الكرامالذين استوطنوا الشَّام حاملين نور العلم وأَمانة التبليغ، عاملين بوصيةِرسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجيههِ حين رغَّبهم بسُكْنى الشَّام؛ فعَنعبدِ اللهِ بنِ حَوَالَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلىالله عليه وسلم: "سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًامُجَنَّدَةً، جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌبِالْعِرَاقِ" قَالَ ابنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْأَدْرَكْتُ ذَلِكَ!! فَقَالَ: "عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُاللهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ،فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْغُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ".‏
ومن ثمَّ فقد قال ابن حوالة رضي الله عنه: «فخَرتُم يا أَهلَ الشَّام أَنْ قذَفَ الله بالفِتَنِ عن أَيْمانِكم وعن شمائلِكُم، والذي نفسُ ابنحَوَالةَ بيَدِه ليَقْذِفَنَّكم الله بفِتْنَةٍ يُخْرِجُ منها زيَّافكُم».‏
ومعنى هذا أنَّ الفتن إِذا وقع شيءٌ منها بالشَّام كانت سبباً لتميِّيز الخبيثِ منَ الطيبِ، بفضل الله تعالى.‏
هذا وقد رَوى الحثَّ على نزول الشام وسُكْناها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:‏
1 - عبدُ الله بنُ عمرو بنِ العاص: أخرج حديثه أحمد، وأبو داود، والحاكم، وابن عساكر.‏
2 - عبدُ الله بنُ عُمر بنِ الخطَّاب: أخرج حديثه ابنُ أبي شَيْبة، وأحمد، والترمذيُّ، وأبو يعلى، وابنُ حِبَّان، والطبرانيُّ، والرافعي، وابنُ عساكر.‏
3 - بَهْزِ بنُ حَكيمٍ عن أَبيِه عَن جدِّه معاوية بنِ حَيْدة: أخرج حديثه ابنُ أبي شيبة، وأحمد في الفضائل، والترمذيُّ، والطبرانيُّ، والرُّوَيَّاني، وابنُ عساكر.‏
4 - أبو أُمامة الباهليُّ: أخرج حديثه البخاري في تاريخه، وأحمد، وابن عساكر.‏
5 - زائدة أو مزيدة بنُ حَوالَة الأزديُّ: أخرج حديثه الإمام أحمد.‏
6 - العِرْباضُ بنُ سارِية: أخرج حديثه الطبراني، وابن عساكر.‏
7 - واثلةُ بنُ الأَسْقعٍ: أخرج حديثه الطبراني، وابن عساكر.‏
8 - أبو الدَّرْداءِ: أخرج حديثه البزار، والطبراني.‏
فهؤلاء ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرام روي عنهم مرفوعًا الحث على الإقامة بالشام وسكناها، ورواياتهم تدور بين الحسنوالصحة، وقد روي عن غيرهم من الصحابة والتابعين أيضًا أحاديث في الحثعلى سكنى الشام ولكن لا تخلو طرق أحاديثهم من ضعف فلذلك أعرضت عن ذكرها هنا.
قلت: وبناء على ما تقدم فإِنَّ حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على سكنى الشام قد تواتر تواتراً معنوياً، والله أعلم.‏
وقد ورد في بعضِ الرِّواياتِ تخصيصَ دمشق بالسُّكْنى، من ذلك مارواه جُبَيْر بنُ نُفَيْرٍ عن رجلٍ مِنَ الصَّحابَة، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ الشَّامُ، فَإِذَا خُيِّرْتُمْ المَنَازِلَ فِيهَا فَعَلَيْكُمْ بِمَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ".‏
وقد أَخذَ بعضُهم من التَّرغيبِ النَّبوي بسُكنى الشَّام أنَّه من سكَن الشَّام بنِيّةِ امتثال أَمْر النبيِّ صلى الله عليه وسلم يُثاب على ذلِك،قال الشَّعْرانيُّ: أُخذ علينا العهدُ العامُّ من رسولِ الله صلى الله عليهوسلم أَنْ نُرَغِّب إخواننا التجار الذين يُسافرون إلى الشامِ أنْ يجعلوا مُعظم نيَّتهم امثتالَ أمرِ الشارعِ في سُكنى الشَّامِ دون التجارةِ، فإنَّ التجارةَ حاصلةٌ تبعاً ولو لم ينووها، وذلك ليكونوا في سُكناهم الشَّامَتحت امتثال أَمْر الشَّرْع فيثابوا على ذلك، بخلاف ما إِذا جعلوا نيَّتهمالتِّجارةَ فقط، فلايحصل لهم أجرٌ عند بعضهم.
قلت: هذا استنباط لطيف، له وجه ظاهر. والله أعلم.‏

المطلب الرابع:‏
الشَّامُ مركزُ العلمِ والرواية:‏
لقد كان الأثر الطبيعي لكلِّ ما تقدَّم أنْ أَصبَحتِ الشام بعامة ودمشق بخاصة موطن العُلماء ومحطَّ رحال الفضلاء، - وأولهم الصحابة الكرام - وتحققبذلك أنَّها معدن العلم ونور المعرفة وعمود الكتاب الذي يشير إِليهالحديث، ولو رجعنا إِلى التاريخ نستنطقه لأَخبرَنا بأَنَّ عددَ الصَّحابةِ الذين نَزلوا الشَّام كبيرٌ جدًّا بالنسبة لمجموع الصَّحابة.
قال الهروي: وبالجبَّانَة التي بدمشق خلق كثيرٌ من المشايخ والصالحين، ويقال: بها سبعون رجلاً من الصَّحابةِ رضي الله عنهم معروفة قبورهم.‏
ويقول الأُستاذ محمد أَديب الحصني: والذي يظهر أَنَّ دمشقَ وقُراها ومايقرُب منها معجون بدماءِ الصَّحابةِ الكِرام حين الفتح. وقد ذكر الواقدي صاحب «المغازي» ذلك مفصّلاً، وبيَّن أَنَّ كثيرًا من الصَّحابةِ الكرام استشهدوا بأَرضِ الشَّام في الفتوح وغيره من وقائع الحروب الإِسلامية، ومن تُوفي في غير قتالٍ فكثيرٌ لا يحصيهم إِلا الملك العلام.
وقد نقلَ ابنُ عساكر عن الوليدِ بنِ مُسْلم أَنَّه قالَ: «دَخَلَتِ الشَّامَ عشرةُ آلافِ عينٍ رأَتْ رسـولَ الله صلى الله عليه وسلم …».
وقد كان الذين سكنوا الشام من جلَّة الصحابة وأعلاهم منزلة في العلم والفضل، حتَّى قالَ سيدُنا عمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه في حقِّهم: «بالشَّامِ أَربعونَ رجلاً ما مِنْهم رجلٌ كان يلي الخلافة إِلاأجزأه».
وقد كان لهؤلاء الصحب رضي الله عنهم مجالس علمية لتعليم القرآن الكريموفهمه ورواية الحديث النبوي ودراسته، تعد رائدة في منهج الرواية والتدريسوالتعليم في هذا العصر المتقدم من حياة المسلمين العلمية‏ هذا وإنَّني أرى من المناسب أن أورد وصفاً لواحدٍ من تلك المجالس، وهو مجلسالصحابي الجليل أَبي الدَّرداء عُويْمرِ بنِ عامرٍ رضي الله عنه حكيمُ هذهالأُمَّة، الذي ولاه سيدُنا عمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه قضاءَ مدينةِدمشق، فأقامَ حلقةً عظيمةً في مسجدِ دمشق يُعلِّم فيها كتابَ الله سبحانهوتعالى، وقد جاء وصف هذه الحلقة في «تاريخ دمشق» عن أَبي عُبيد اللهمسلم بن مشكم قالَ: قالَ لي أَبو الدرداء: اعدُد من يقرأُ عنْدنا ـ يعني فيمجلسنا هذا ـ قال: قال أَبو عُبيد الله: فعدَدَتْ أَلفًا وستمئة ونيفًا،فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة، لكلِّ عشرة منهم مُقرئ، وكان أَبو الدَّرداء قائمًا يستفتونه في حروف القرآن - يعني المقرئين - فإِذا أَحكم الرَّجل من العشرة القراءةَ تحوَّل إِلى أَبي الدَّرداء، وكان أَبو الدَّرْداء يبْتَدئ في كلِّ غداةٍ إِذا انفتَلَ من الصلاة فيقرأُ جزءًا من القرآن وأَصحابه محدقون به يسمعون أَلفاظه، فإِذا فرغ من قراءته جلس كلُّرجلٍ منهم في موضعه وأَخذ على العشرة الذين أُضيفوا إِليه، وكان ابنُ عامرٍمقدَّمًا فيهم. وعن يزيد بن مالك عن أَبيه قال: كان أَبو الدرداء يأْتيالمسجد ثم يُصلِّي الغداة، ثم يقرأُ في الحلقة ويُقرئ، حتى إِذا أَرادالقيامَ قالَ لأَصحابه: هل من وليمةٍ نشهدها، أَو عقيقة، أَو فطرة، فإِنْقالوا: نعم، قام إِليها، وإِنْ قالوا: لا، قال: اللهم إني أُشهدك أَنِّي صائم. وإِنَّ أبا الدرداء هو الذي سنَّ هذه الحلق يُقرأ فيها.‏
وكان من الصَّحابة الذين نزلوا الشام لنشر علوم الكتاب الكريم والسنة المطهرة:‏
معاذُ بنُ جبلٍ: رضي الله عنه أَعلم هذه الأُمة بالحلال والحرام الذي قالالنبيُّ صلى الله عليه وسلم في حقِّه: «مُعاذ إِمامُ العُلماءِ يومالقِيامةِ» وقال عبد الله بن مسعود فيه: إِنَّ معاذَ بنَ جبلٍ كانأُمَّةً قانتًا للهِ حنِيْفًا. فقالَ لهُ رجلٌ: إِنَّما ذلك إِبراهيم صلى الله عليه وسلم، فقالَ عبدُ اللهِ: إِنَّا كنَّا نُشبِّهه بإِبراهيمَ عليهالسلام، أَتدري مَا الأُمَّة وما القَانِت؟ الأُمَّة: الذي يُعلِّمالنَّاسَ الخير، والقانتُ المطيعُ للهِ ولِرسولِهِ وكذلك كانَ معاذ معلِّمالخيرِ، وكان مُطيعًا للهِ ولرسولِه صلى الله عليه وسلم.
واثلة بن الأسقع: أسلم قبل تبوك وشهدها وكان من أهل الصفة ثم شهد فتح دمشقوحمص وغيرهما ، وهو آخر من مات بدمشق من الصحابة (ت: 85هـ).‏
أبو الدرداء: عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي، كان من أفاضل الصحابةوفقهائهم وحكمائهم شهد الخندق وما بعدها وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلمبينه وبين سلمان الفارسي (ت: 32هـ) بدمشق.‏
بلال بن رباح: الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل دمشق وتوفي فيها زمن عمر (20هـ).‏
دِحْيَة بن خليفة الكلبي: الصحابي المشهور، كان يضرب به المثل في حسن الصورةوكان جبرائيل عليه السلام ينزل على صورته ، وكان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر، وقد نزل دمشق وسكن المزة وعاش إلى خلافة معاوية.‏
النُّعمان بن بَشير: الأنصارى الخزرجي، أبو عبد الله المدني ولي القضاء بدمشق بعد فضالة بن عبيد ثم النعمان بن بشير (ت: 65 هــ).‏
فَضَالَةُ بنُ عُبيدٍ: الأنصاري الأوسي أبو محمد أسلم قديما وشهد أحدا فما بعدها ثم شهد فتح الشام ومصر وسكن الشام وولي قضاء دمشق بعد أبي الدرداء (ت: 53هـ).‏
أبو ثَعْلَبة الخُشَنيّ: قدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهزإلى خيبر فشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي بالشام (75هـ).‏
عبد المطلب بن ربيعة: القرشي الهاشمي، سكن المدينة ثم انتقل إلى الشام فيخلافة عمر بن الخطاب ونزل دمشق وابتنى بها دارًا وتوفي بها سنة (61هـ).‏
وغيرُهم من الصَّحابة الأَعلام الذين كان لهم الفضلُ في نشرِ علوم الكتاب والسُّنَّة في دمشق الشام، ومسند الشاميين في «مسند الإمام أحمد بن حنبل» من أكبر مساند البلدان، مما يدلُّ على الدَّور الكبير الذي قامت بهدمشق في نشر الحديث النبوي، وكذلك الحال بالنسبة للكِتابِ الذي خصَّصه الإمام الطبرانيُّ بعنوان «مُسند الشَّاميّين» إذْ لا نكاد نجد كتاباً منكتب الحديث خُصِّص لجمع مسند بلدٍآخر من بلاد الإسلام، وهذا يدلُّ دلالةواضحة وجلية على أنَّ الشام أَصْبَحت من أَهم وأَكبر مراكز الروايةوالإشعاع العلمي.
هذا وقد تلقَّى أَهل الشام تلك العلوموالمعارف عن الصحابة الكرام بشغفٍ ومحبةٍ زائدتين، وأَصبحت الشام مهوىأفئدة طلاب العلم والمعرفة الإسلامية الصحيحة، كما قام الكثير من أَبناءهذه المدينة بالرِّحلة في شتى بقاع العالم الإسلامي معلِّمين ومتَعلِّمين.‏
ولو استعرضنا كتاب «تذكرة الحفاظ» للإمام الذَّهبي على سبيل المثال لوجدناأنَّ مدينة دمشقٍ وحدَها قد أَنْجَبَت ورَعَت مِنْ أَعلام الحُفَّاظومشاهيرهِم على مرِّ التاريخ العدد العظيم، ولا أَرى بأساً في أَنْ أُدلِّلعلى ذلك بسرد بعض الأَسماء، فمن هؤلاء الحفاظ:‏
أبو إِدْريس الخولاني:عائِذُ الله بن عبد الله الدمشقي عالم أهل الشام الفقيه، أخذ العلم عن معاذ بن جبل وطائفة من الصحابة الكرام، وكان واعظ أهلدمشق وقاضيهم وقاصهم (ت: 80هـ).‏
رجَاءُ بن حَيْوة:الكِنْدي الشامي شيخ أهل الشام، كان فاضلاً ثقةً كثيرَالعلم، وهو الذي أشار على سليمان بن عبد الملك باستخلاف عمر بن عبد العزيز (ت: 112هـ).‏
الأَوْزاعي: أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي شيخ الإسلام الإمام الفقيهعالم الأمة الحافظ المجاهد، سكن في آخر عمره بيروت مرابطًا وبها توفي وقدقيل إنه كان يصلح للخلافة، وكان يقول: إذا أراد الله بقوم شرًّا فتح عليهمالجدل ومنعهم العمل (ت: 157هـ) ولم يخلف إلا ستة دنانير.
الوليد بن مسلم:أبو العباس الأموي مولاهم الدمشقي الإمام الحافظ، عالم أهل دمشق، صنَّف التصانيف والتواريخ، وكان يقال: من كَتَبَ مُصنفات الوليد صلُح أنيلي القضاء، (ت: 195هـ).
أَبُو زُرْعةَ الدِّمشقي:عبد الرحمن بن عمرو النصري الحافظ الثقة محدث الشام (ت: 281هـ).‏
مكْحُول الشامي: أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن عبد السلام الحافظ المحدث، كان من الثِّقات العالمين بالحديث (ت311هـ).‏
تمَّام الرازي: بن محمد بن عبد الله بن جعفر أبو القاسم الدمشقي الإمامالحافظ محدِّث الشام، كان عالماً بالحديث ومعرفة الرجال، (ت: 414هـ).‏
ابن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي الإمامالحافظ الكبير الجوال محدِّث الشام، صاحب التصانيف والتاريخ الكبير لدمشقالذي لا يعرف له نظير، تفرغ للعلم وكان يحاسب نفسه على كل لحظة تذهب، ولميكن يتطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامةوالخطابة وأباها بعد أن عُرضت عليه، (ت: 571هـ).‏
عبد الغني المقدسي: بن عبد الواحد تقي الدين أبو محمد الجُمَّاعيلي الدمشقيصاحب التصانيف الحافظ الإمام محدث الإسلام، حدَّث بالكثير وصنَّف في الحديثتصانيف حسنة، وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد قيما بجميع فنونالحديث، حتى عدَّ أمير المؤمنين في الحديث، وكان يقرأ الحديث ليلة الخميسوبعد الجمعة بجامع دمشق، ويجتمع في مجلسه خلق كثير (ت: 600هـ).‏
ابن الصلاح الشهرزوري: تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الكرديالشافعي الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام صاحب كتاب علوم الحديث المشهوربمقدمة ابن الصلاح، ولد بشهرزور ثم رحل طالبًا للعلم إلى أن حط به المطافبدمشق ودرس بمدارسها وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية (ت:643هـ) وعاش ستاًوستين سنة رحمة الله عليه.‏
النووي: محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الحزامي الشافعي، الإمام الحافظ القدوة شيخ الإسلام صاحب التصانيف النافعة، وشهرته تغني عن تعريفه (ت: 676هـ).‏
المِزِّي: جمال الدين أبو الحجَّاج يوسف بن عبد الرحمن القضاعي ثم الكلبيالدمشقي الشافعي الإمام العالم الحبر الحافظ محدث الشام، ولد بحلب ونشأبالمزة ورحل في طلب العلم، وكان إمامًا في معرفة الرجال وكان ذا مروءةوسماحة ويقنع باليسير باذلاً لكتبه وفوائده ونفسه كثير المحاسن (ت: 742هـ).‏
فضلاً عن صاحب «تذكرة الحفاظ» نفسه الحافظ شمس الدين الذهبي (ت:748ه) ... وغيرهم ممن يضيق المجال بذكرهم بل يحتاج ذكرهم إلى مئات المجلدات.‏
ولا أستطيع هنا أن أتجاوز التنويه بما قام به الخليفة الراشدي عمر بن عبد العزيز (ت: 101هـ) من خطوة رائدة كانت أَحد الأسباب الرَّئيسة في عدِّه من المجدِّدين لأَمر الدِّين، وذلك عندما أمر بجمع الحديث، هذا الأمر الذي حسم الخلاف في مسألة جواز التدوين، وبدأت على إثره ظهور المدونات والجوامعوالمُصنَّفات والموطآت وغيرها من كتب الحديث والآثار.‏
وأما في جانب التعليم والتدريس فقد زخرت دمشق بأكبرِ عددٍ من دور القرآنالكريم ومدارس الحديث الشريف، فقد تحدَّث عبد القادر النُّعيميُّ عن سبعةِ دورٍ للقرآن الكريم، وستَّة عشر داراً للحديث، وثلاثة دورٍ للقرآن والحديث معاً، وبإِمكاننا إِدراك أهمية هذه الإحصائية وقيمتها إذا علِمناأنَّ هذه المدارس ودور التعليم كانت بمثابة جامعات متخصصِّة أو لِنَقُل إنَّها كلِّيات تخصُّصية، فإِذا نظرنا إليها في حدودها الزمانية والمكانية نستطيع أن نقول: إنَّنا نمتلك ستّاً وعشرين كلية أصولِ ديْن في رقعة لا تتجاوز ربع رقعة مدينة دمشق الحالية. وقد أمَّ هذه المدارس طلاب العلم وشيوخه وأعلامه من كافة أقطار العالم الإسلامي، بل لقد ورد إلى دمشق مجموعات من العلماء شكلت ظاهرة هجرة علمية كما في هجرة المقادسة بقيادة أبيعمرو بن قدامة المقدسي، ولم تقتصر هذه الهجرات العلمية على عصر دون عصر بلبإمكاننا أن نجد مصداق ذلك في العصر الحاضر. ولاغرو فإن النبع الفياضالصافي الذي يترقرق يكثر ورَّاده.‏
لكلِّ ما تقدَّم بقي دَوْر الشَّام يعظُم ومكانتها ترتفع في رواية الحديثودرايته جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، حتى أَصبح مدار رواية الحديث محصوراً فيها في القرنين السابع والثامن الهجريين، ولا يستطيع الإنسان اليوم أَنْ يسرد إسناداً في الحديث ما لم يمرَّ في هذين القرنين بالرُّواة الشَّاميِّين أمثال صلاح الدين بن عمر وفخر الدين بن البخاري.
وفي هذه الأيام نرى في الأفق صحوة علمية رائدة في مجال العلوم الإسلامية وبخاصة في الحديث النبوي الشريف وعلومه رواية ودراية، حيث بدأت تظهر إرهاصات جديدة لمدارس الحديث الدمشقية، أسأل الله تعالى أن يوفق القائمينعليه لمتابعة ما كان عليه سلف الأمة من الحفاظ على هويتها ودينها وإيمانهبربها.‏

الخاتمة وأهم النتائج:‏
وبعد: فإنَّ ما ذكرته في هذا البحث ما هو إلا غيض من فيض، وإن المتدبر في أحوالِ وأخبارِ الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعًا ليدرك بأدنى تأَمُّل الدَّور الذي كان لدمشق والشام في الحفاظ على السُّنُّة النبوية الشريفة وتعاليم الشريعة الغراء، مما يحث علماءها في العصر الحاضر على إحياء هذاالدور، ويُعظم عليهم المسؤولية في هذا المضمار، لردِّ المفتريات وتجديدالدين بنشر السنة والعمل على تطبيقها في واقع الحياة، إذ إِنَّني أرى أنَّالتجديد الحقيقي للدين لا يكون بتمييع أحكامه، والتعدي على مصادره الأساسية، وتهميش دور العلماء الأفذاذ الذين عملوا على إبراز محاسن الإسلامبصدق وإخلاص، متحلِّين بالورع والزهد بالدنيا، رائدهم بذلك رضا اللهتعالى، فالتجديد لا يكون إلا بإحياء العمل بالكتاب والسنَّة، ودحض المفتريات والشبهات التي يثيرها المنكرون والأقزام من أبناء ديننا الذينيدَّعون التَّمسُّك بالمنهج العِلمي وهم أبعد ما يكون عنه، ونحن نرى بأمِّأَعيننا تكالُبهم على الدُّنيا، وحرصهم على الشُّهرة وإِرضاء سادتهم منأَذناب أَعداء الأمَّة.‏
هذا وقد خلُصت هذه الدِّراسة إلى النتائج الآتية:
1- لقد ورد في فضل الشام عامة ودمشق خاصة من الأحاديث والآثار ما لم يردفي فضل مدينة أخرى من مدن الإسلام إذا استثنينا مكة المكرمة مهبط الوحي،وطيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهاجره المدينة المنورة.
2- بعض الأحاديث التي وردت في فضل الشام تكاد تبلغ درجة التواتر، مثل حديث: "بينا أنا نائم إِذْ رأَيْتُ عمودَ الكتاب…" وحديث: "إِن الشَّامَمجتمعُ المسلمين يومَ المَلْحَمَة في آخرِ الزَّمان". بل لقد عُدَّ في كتبالحديث المتواتر أحاديث دون هذه الأحاديث من حيث عدد الرواة وتعدد الطرق،وجودة الأسانيد.‏
3- أكثر علماء السَّلف والمفسرين على أنَّ ((الأرض المباركة)) حيث وردت في القرآن هي (الشام).
4- خلُصَ الباحثُ إلى أنَّ حديث: "عمود الكتاب أو الإيمان" يشير إلى كثرةالصَّحابة الذين حمَلوا علوم الكتاب والسُّنَّة ونزلوا الشَّام فبثّوا فيها هذه العلوم والمعارف التي تُثَبِّت الإِيمان وتبين مراد الله وأحكامه في كتابه العزيز، والله أعلم.‏
5- خُصَّت الشام بمزيد فضل بأَنَّ نزل فيها واستوطنها أكبر عدد من الصحابةالرواة وحملة العلم النبوي، حتى أصبحت من أهم وأَكبر مراكز رواية الحديثفي العالم الإسلامي.‏
6- تشير الأحاديث الكثيرة إلى أن الله تعالى يحفظ الشام من الفتن ومهما طال الأمر فإنَّ هذه البلاد ستبقى محتفظة بهويتها الإسلامية الصحيحة.‏

تحميل