مميز
EN عربي
الكاتب: أ. محمد زكي ابراهيم
التاريخ: 03/09/2013

من هم أهل السنة!؟ ... ومن هم أهل اللحية!؟

بحوث ودراسات بحوث في قضايا فكرية

من هم أهل السنة !؟ ... ومن هم أهل اللحية ؟!

للأستاذ: محمد زكي ابراهيم

· فرق كبير بين أهل السنة وأهل اللحية!!

هذا سؤال وجه إلى عدة مرات وأحسست مع تكرار السؤال بخطورة سوء الفهم الذي أشاعته الطائفة المقيتة حوله أو حولنا فكان لا بد من لمسة عاجلة نسجل فيها مفهوم أهل العلم وجمهور عقلاء المسلمين في هذا الموضوع، رغم ما أعرف من شدة حساسيته،وما يمكن أن يكون من ورائه!!

والسنة في اصطلاح علماء الدين هي قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو عمله أو اقراره فهي شعب ثلاث، من عمل بإحداها (ولو مرة واحدة من عمره) أصبح من أهل السنة والمرء مختار تماماً في سنن العادة بصفة خاصة، هذا هو مقرر علم الأصول.

ومعنى هذا أن كل من آمن بصاحب السنة صلى الله عليه وسلم فهو من أهل السنة، وإن قصر في التنفيذ والالتزام (فكل مسلم هو من أهل السنة) بقدر ما التزم وأدى، فليست المفاضلة إلا في محاولة تحصيل الأجر، بمحاولة المحافظة على ما يتيسر لكل إنسان من العلم والتطبيق والالتزام.

أما تخصيص النسبة إلى السنة بنفر معين ممن وفقهم الله تعالى إلى اعفاء اللحى،

فهو (اطلاق عامي) أو (اصطلاح عصبي طائفي مبتدع) لا علاقة له بأصول علوم الدين على الاطلاق ولا حتى بهوامش علم المجتمع. وإنما هو من خصائص علم النفس العلاجي.

ثم كيف يتخذ هذا المظهر بالذات مؤشراً خاصاً على اتباع السنة، ونحن نرى أكثرية كاثرة من (الفلاسفة) المنحرفين، وكذلك ممن يسمونهم (الفنانين) على اختلاف لون الفن وصورته وحقيقته السوية والغوية، ثم من يسمونهم (الهيبز) ومن يسمونهم (الخنافس) ثم اصحاب ديانات السيخ والهندوس والبراهما واللاما والبوذيين،وكذلك مئات من ملايين البدو التي لم تصلها دعوة الدين في افريقيا واستراليا والشرق الأقصى وغيره، كل أولئك يعفون لحاهم، وقد يهتمون بتصفيفها وترجيلها اضعاف ما كان يعمله اليونان والرومان فهل يقال أن هؤلاء هم أهل السنة.

كما أن جميع رجال الأديان والمذاهب المسيحية واليهودية، يرخون اللحى، فكيف يكون اعفاء اللحى بعد كل هذا علامة مميزة للمسلم؟ بل للمسلم من أهل السنة بخصوصه؟! أيها الناس: شيئاً من العقل والعلم والحياء...!!

ما من شك أبداً في أن أعفاء اللحى سنة نبوية لا خلاف عليها قولاً وعملاً واقراراً والموفق إلى القيام بحقها اليوم بطل جدير حقاً بالتقدير والتوقير وهي سنة عادة فقط (وحساب نيته على الله) ولكن ليس معنى هذا ان الذي لم يوفق إلى اعفائها قد شطب اسمه من ديوان الاسلام حتى تكون السنة كل السنة هي مجرد اعفاء اللحية، وإن اختفى من ورائها إبليس وقبيلة من نحو ماركس وانجلز وراسبوتين.

في الحديث الثابت بألفاظ مختلفة وروايات متعددة أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يجب الارتباط به من أمر الدين بعد الشهادتين، فذكر له الرسول صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وصيام رمضان، وإخراج الزكاة والحج إلا أن يتطوع (أي أنه مخير في أن يأتي بالسنن بعد الاتيان بهذه الفروض) فانطلق الرجل وهو يقول والله لا أزيد عليها فكان التعقيب النبوي السمح على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم أفلح الرويجل أو قال من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل!! أو أفلح أن صدق على ما ذكرته الروايات.

فهل هذا الذي أقسم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لن يزيد شيئاً من السنن على ما فرض الله، لا يعتبر من أهل السنة؟ مع أنه صرح بأنه لن يزيد شيئاً عن الفرض من السنن التعبدية، فكيف بالسنن غير التعبدية؟! كاللحية المشتركة بين المسلم وغيره وبين الطيب والخبيث.

إن الايمان بالسنة شيء، والتقصير في عملها شيء آخر، هذا هو منطق العلم الحاسم. إن التزام المسلم السنن التعبدية (وهي شتى متكاثرة) أجدى عليه من الظهور بسنة اللحية وهي ليست شرطاً في صحة الخلق، ولا شرطاً في صحة الحياة، ولا في صحة العلم أو العقل، إنها سنة عادة وكفى!! تحترم ولكن لا تأخذ حكم الفرض أبداً. إن اعفاء اللحية من سنن الفطرة كما ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم دون مفاضلة، ومن سنن الفطرة قص الأظافر ونتف الابط، وحلق العانة، فمن قال انها من سنن العبادة خالف رسول الله. فهي سنة عادة كما قدمنا كما افتى بهذا الشيخ شلتوت ونقله عنه رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشيخ المشد ونشرته الصحف.

ثم إن صاحب اللحية (ما لم يعصمه الله) قد يدخل بها في متاهات من معاصي القلوب والاستشراق على مهاوي الرياء وتزكية النفس، واحتقار الناس، وتربية (الغل) في قلبه لبقية المسلمين غير الملتحين!! مما لا نزال نعاني منه ألعن المعاناة في شأن الدنيا والدين حتى كأن الدين هو اعفاء اللحية ليس إلا!! هند هؤلاء الناس ؟

إن أكثر من تسعة أعشار (علماء الأزهر الشريف وعمداء كلياته وكبار أساتذته) اليوم لا يعفون اللحى، ولا يستطيع أحد أن يقدح في علمهم، ولا خلقهم ولا عقيدتهم، وهم لا ينكرون الإعفاء أبداً بل يتمنونه عندما يشعرون أنهم قد أصبحوا أهلاً له، وعندما يكونون قد قاموا بجميع سنن العبادة، وجميع سنن الآداب، وسنن العادة، حتى يكون اعفاء اللحية اكمالاً للصورة الدينية وختماً عليها، لا أن يكون فضيحة لها، وستاراً على ركام من الحمق والغل، والجهل والعصبية المدمرة كما نرى الآن.

نعم نحن نأخذ ديننا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عن علماء الأزهر، ولكن كثرة هؤلاء العلماء وتمكنهم، جعل لهم تقديرهم العلمي، وتوقيرهم الذاتي، وحجيتهم في مسائل الدين، وهم يعلمون أن مسألة اعفاء اللحى، ليست من أمهات مسائل الدين عموماً، ولا أمهات مسائل الدين خصوصاً، فهي سنة كريمة لا مرية فيها، ولكنها لا ترتبط أبداً بأصول الاعتقاد، ولا بحقائق العبادة، ولا بقواعد المعاملة، إنما هي نوع من طلب الكمال الاختياري العادي لا شك في ذلك. ومن قال بوجوبها ليس بيده دليل علمي انما هو مجرد التعصب والعاطفة.

ان توفير اللحية فيما نرى (ونستغفر الله) كطابع (البريد) لا ينبغي أن يوضع على (ظرف الخطاب) إلا بعد أن تكمل الكتابة، ويتم العنوان على الوجه الصحيح، وكما يجب أن يكون الخطاب تماماً، والعنوان صحيحاً، يجب أن يكون الطابع سليماً نظيفاً لا عيب فيه وذلك أن إعفاء اللحية المطلوب مقرون بالتقوى.

نحن نعرف ماذا قال السلف والخلف بحمد الله في شؤون السنة وأقسامها ومراتبها بين دعاوى الوجوب والندب والاستحباب خصوصاً وعموماً، فلسنا في حاجة إلى حمق الحمقى، ولا إلى تهور المتهورين ولا إلى العناية بالسباب والشتم الذي ننتظره، ونعرف أنه حيلة من لا حيلة لهم من علم يحترم، أو دين يقدس، وخصوصاً هؤلاء الذين جعلوها وسيلة تسول لتحقيق الفاني من عرض الدنيا، واستجلاب حمد الناس، وقضاء المصالح، والمراءاة.

ونحن نعرف حساسية هذا الموضوع ودقته تماماً ولكننا لا نستطيع أن نقبل إخراج (99 % ) من المسلمين من دين الله، بسبب عدم ارخاء اللحى كيفما كانوا! سفلاً أو علواً! ومنهم من لا خلق له ولا دين.

إن الإسلام :

عقيدة

ثم عبادة

ثم أدب

ثم معاملة

ثم أخيراً جداً، مظهر وعادة لا ارتباط لها بعقيدة ولا عبادة والعادات تختلف وتتطور بحكم الحياة.

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أين التقوى؟! فأشار إلى صدره ثلاثاً وهو يقول: "التقوى ههنا" ولم يشر اطلاقاً إلى عضو آخر!! ثم ان أحاديث الاخلاص وصدق النية، هي الأصل الأول في دين الله وإلا كان من أهل الجنة كل من أرخى لحيته من غير المسلمين وزعماء الفسق والزندقة والشيوعية ورجال الدعارة والكهنوت من كل دين آخر ما دام قد وفر اللحية.

لقد أسر بعض السائلين في أذني، (هل حقيقة أن اللحية مفتاح الجنة ؟!) فمهما عمل المسلم من عمل صالح، ولا لحية له، فهو من أهل النار!!؟

فإن بعض الجمعيات و الاحزاب لا تعترف بإسلام المسلم إلا إذا أطلق اللحية مما تدور له الرؤوس.

أفكل هذه الموبقات العقائدية والأخلاقية والاعلامية المسموعة والمقروءة والمنظورة وغيرها، لا تذكر ولا تكافح، ولا يدخل بها النار أحد، إلا من أرجا اعفاء اللحية، أو لم يعتصم بهذه الحاشيات من العادات التي كانت من ضروريات حياة العرب ومواريث عاداتهم في ذلكم الوقت لأسباب وأسباب.

إذا أراد رجل بالناس أن يستمسكوا بسنن العادات فليأخذها كلاً لا يتجزأ في المسكن، والمطعم، والملبس، والمقام والمركب، والمظهر، والعمل، والمعاملة، و المحادثة، وجميع مطالب الحياة. ضبطاً بضبط، وتماماً بتمام، أما أن يأخذ البعض كاللحية، ويدع البعض بغير ما تعليل ولا فقه (كما هو شأن هؤلاء الناس) فقول مردود مرفوض!!

من تمسك بسنة العادة في اعفاء اللحية وجعلها فرضاً ونقل إليها حكم الوجوب يجب أن يركب الحمار ولا يركب السيارة ويجب أن يجلس على فراش من الأدم حشوة ليف، ويجب ألا يستعمل الملعقة في طعامه، ويجب ألا يلبس النظارة، أو يسكن العمارة أو يركب المصعد، أو ينتفع بالثلاجة والغسالة والموقد وألا يزيد على أنواع الطعام التي كانت معروفة للعهد النبوي، وأن يطهوها في فخار على نار خشب الشجر وأن وأن الخ من العادات التي لا تحصى لهذا العهد وبهذا يكون قد التزم سنن العادة كلها مشكوراً.

أما أن يأخذ شيئاً ثم يوجبه على الناس،ويدع شيئاً مثله تماماً فمنطق باطل،وتدين منقوص.

إن أقصى ما قرره علماء الأصول وغيرهم وسجلوه في كتبهم هو أن من فعل السنة سواء كانت سنة عبادة أو سنة عادة، فقد حصل أجرها، ومن تركها غير هازئ ولا جاحد فقد فاته أجرها.

أما مسألة العتاب، فلا تصح لا عقلاً ولا نقلاً.

وأخيراً، فنحن لا ننكر أبداً اعفاء اللحى ولله الحمد، بل نرجوه ونتمناه، على الوجه الذي فهمناه وقدمناه، أما الاعفاء مجرد الاعفاء فأمر ليس هو كل السنة، ولا هو كل الدين، وهو لا يغني بذاته عن أصل ولا عن فرع تعبدي أو اعتقادي لا في سنة، ولا فرض، ولا في الدين جميعاً.

ولن يسألنا الله عن انتشار اللحى قبل أن يسألنا عن تمزق الصف الإسلامي وعن تضييع الأصول. وتخريب العبادات والعقائد. والعمى عن مكافحة هذه الكبائر الموبقة.

متوطنة أو وافدة، فكرية أو عملية. ولسوف يسألنا الله عن اهدار أوقاتنا في هذا التلاحي الذي لا يأتي بخير، وإنما هو تمزيق للأمة. وتشتيت للشمل وتدمير داخلي للبناء الاسلامي المقدس ويا ليتنا مع ذلك نسلم!!

· ظاهرة إبادة الشوارب مع اعفاء اللحى:

هذه ظاهرة عجيبة فيما أعرف،فإن ألفاظ الاحاديث التي وردت في هذا الباب بين (قصوا و أحفوا و انهكوا) وهي لا تؤدي أبداً معنى الحلق أو الابادة أو الاستئصال أو الاعدام الذي نراه اليوم.

فالاحفاء و الانهاك يفسره القص، والمراد به تقصير الشارب فقط، لما في ذلك من منافع صحية وعملية، ولذا كان مما اختاره الفقهاء جميعاً ان تظهر أطراف الشفة تحت الشارب، أي أن يكون هناك شارب، ولكن لا يتدلى على الفم والتنسيق بينه وبين اللحية يعطي المهابة، والرجاحة، ولهذا شرط علماء الفقه ارتباط سوالف الشارب باللحية.

وقد انتشرت هذه الظاهرة انتشاراً لافتاً للنظر، فترى الرجل وقد يكون أزهرياً يفتح الله عليه ويوفقه فيوفر لحيته ويعفيها، ثم يذهب فيستأصل شاربه ويبيده، فيبدو للناس خلقاً آخر، إن لم يكن شائهاً كريهاً، فهو على الأقل لافت للنظر.

وقد قال مالك والشافعي: (احفاء الشارب مثله)، وعندهما أن المراد بالاحفاء أو الانهاك في الحديث، هو أن يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة فلا يغطيها الشعر، وهذا هو القص، أي الأمر الوسط المفسر لواقع الحكم وحكمة التشريع. والإسلام دين الوسطية بين الافراط والتفريط.

وقال أشهب: سألت مالكاً عمن يحفى شاربه -يعني يستأصله- فقال: أرى أن يوجع ضرباً (تأمل) أي أن مالكاً يرى هذا الفعل معصية تستوجب التعزير، فوق أنها عندنا شنعة، ومسخ، وتشويه، وقبح لافت للنظر. فيبدو فاعل ذلك لا بشيخ ولا بصبي.

وجاء عنه رضي الله عنه أنه قال لمن يحلق شاربه: (هذه بدعة ظهرت في الناس)، أي لمخالفتها للفطرة التي ميزت ظواهر الفرق بين الرجولة والأنوثة دون تشويه، ولا مثلة، ولا شنعة، ولا مسخ، ولا لفت نظر، والله تعالى سوى الإنسان وعدله وخلقه في أحسن تقويم.

وأخرج أحمد والترمذي والنسائي –وصححه- قال صلى الله عليه وسلم : "من لم يأخذ من شاربه فليس منا" فهو صريح في أن المراد بالقص و الاحفاء، و الإنهاك، مجرد الأخذ من الشارب أي تخفيف كثافة شعره، وهو الكم المشترك بين جميع الاحاديث الواردة في هذا الباب، وهو المناسب للذوق والانسجام والفطرة ومعتاد خلق الله الأسوياء.

ولذلك قال محدث الصعيد: الامام ابن دقيق العيد (لا اعلم أحدا قال بقص الشارب من حيث هو، أي ابادته واستئصاله، فيكون أشبه شيء بالمسخ والمثلة!).

نقول: وانفراد بعض المسلمين به دون كافة أهل اللحى شيء يستوجب النظر.

وقد روى عامر بن الزبير، أن أمير المؤمنين عمر كان اذا غضب فتل شاربه ونفخ، يعني

فتل (السبالين) وهما طرفا الشارب، ولا يتأتى ذلك مع استئصال الشارب وابادته أو اعدامه واستهلاكه ومسخ صورة صاحبه، وليس أحد أعرف بالسنة من الخلفاء الراشدين، فظهر ان استهلاك الشارب و ابادته مع اعفاء اللحية، إنما هو نوع من التبدع والغلواء في الدين بغير حق ولا برهان صحيح.

غفر الله لنا جميعاً، وهدانا إلى ما يحب ويرضى.

المصدر:

كتيب السلفية المعاصرة .. إلى أين؟ ومن هم أهل السنة ط1، 1987

تحميل