أجوبة عن إشكالات تتعلق بالسحر والجن
أجوبة عن إشكالات تتعلق بالسحر والجن
أولاً: هل السحر موجود؟
نعم، السحر موجود، تشد بذلك الدراسات الإسلامية الشرعية، وفي مقدمتها كلام الله في القرآن، والدراسات الفلسفية المختلفة كما يقول ابن خلدون، والدراسات الغربية القديمة والحديثة، وقد وجد السحر قديماً في بابل عند الكلدانيين وفي مصر وبلاد فارس، ثم انتقل إلى بلاد المغرب وشمال أفريقيا.
ثانياً: ما هو السحر؟
هو نوع من التأثير على الطبائع والنفوس، أكثرها إن لم نقل كلها يأتي من الوهم الذي يهيمن على السحور، وأداة ذلك قراءات وعزائم وطلاسم غير مفهومة لأمثالنا يستحضر بها الشياطين وتسخّر لما يريده الساحر. وربما احتاج الساحر إلى أن يضيف إلى قراءاته وطلاسمه أشياء تتصل بالسحور، كخصلات من شعره، وكأجزاء من ثيابه ونحو ذلك.
غير أن هذا التأثير محصور في مجال التأثير على نفس المسحور أو على عينيه أو سمعه مثلاً..
كبثّ الخوف فيه من المجهول، أو بثّ العجز فيه من مقاربة زوجته، وكتسريب أسباب البغض بينه وبينها.
وكأن ينظر إلى الأشياء فيراها على غير حقيقتها... أما قلب الحقائق وتحويلها من عنصر إلى آخر وإيجاد ما هو معدوم وإعدام ما هو موجود، فهذا ما لا سبيل للسحر إليه، ولو تمكن السحرة من هذا قديماً أو حديثاً، إذن لكانوا أغنى الناس في العالم ولتحكموا بناصية الدنيا بينما هم في الواقع على خلاف ذلك.
ثالثاً: متى وجد السحر في العالم؟
تدل الدراسات التاريخية والإسلامية الموثقة على أن أسرار السحر بدأت تنتشر وتسري إلى الناس في عصر سيدنا سليمان الذي سخر الله له الشياطين كما يذكر القرآن ذلك صراحة. فقد جرى اتصال بين بعض هؤلاء الشياطين ورجال من حاشية سيدنا سليمان، بمناسبة يطول ذكرها، وكان أ، تلقف أولئك الرجال منهم أسرار السحر وسبيل التأثير على النفوس والطباع والأوهام.
كل هذا الذي قلناه نقرؤه جلياً في قول الله عز وجل في سورة البقرة:
(وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ)
رابعاً: الفرق بين أفعال السحرة ومعجزات الرسل والأنبياء:
الفرق بينهما أن السحر يسيطر على النفوس والأوهام، فيخضع النفوس والطبائع لأوهام لا وجود لها. أما المعجزات الرسل والأنبياء فتعتمد على قلب الحقائق وتغيير العناصر بقطع النظر عن علاقة النفوس أو العيون بها... يتحلى هذا من وصف القرآن للعمل الذي قام به سحرة فرعون أمام موسى عليه الصلاة والسلام بقوله: (سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) وقوله: (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) إذن فالسحر مجرد خيال هيمن على أعين الناظرين.
ويوضح البيان الإلهي بعد هذا عمل سيدنا موسى الذي كان حقيقة قضت على أخيلة السحرة وأعدمتها وذلك في قوله عز وجل: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)
خامساً: الجن.. وهل لهم وجود حقيقي؟
نعم، الجن خليفة مستقلة لها وجود حقيقي ثابت. وأقوى دليل على ذلك قول الخالق عز وجل مخبراً ومعلماً عن خلقه لهم، وعن وجودهم في العالم (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وقوله عز وجل (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) والمارج من النهار هو اللهب الصافي عن الشوائب. ومن المعلوم أن اللهب الصافي يأخذ اللون فوق البنفسجي، وهو اللون الذي لا تقوى عين الإنسان على رؤيته، وقوله عز وجل: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ) وللجن نظامهم المعيشي الخاص بهم والذي لا نعلم عنه شيئاً.
سادساً: هل يمكن للجان أن يتسرب إلى كيان الإنسان أو أن يمسّه بسوء؟
نعم، إن هذا ممكن.. دل على ذلك الاحتمال العقلي الذي لا يوجد ما يعارضه، والواقع التجريبي الذي لا مجال لإنكاره.. وإذا كان الفرد من البشر قادراً على أن يسيء إلى بني جنسه أو أن يمسهم بسوء، فإن الجن - ولهم قدراتهم النوعية المتميزة - أقدر على ذلك، لو شاؤوا. وكما أن الأخلاق تلعب دوراً كبيراً في ذلك في علاقة الإنسان مع أخيه الإنسان، فإن الأخلاق ذاتها تلعب الدور ذاته، في علاقة الجان بعضهم مع بعض، وفي علاقة الجان مع الإنسان.
سابعاً: هل يمكن أن يسخّر الجان لمصلحة الإنسان؟
نعم، إن هذا ممكن وواقع.. والسبيل إلى ذلك قراءات وعزائم ورياضات خاصة يمارسها الإنسان ويصبر عليها مدة من الزمن، يكون من نتائج ذلك أن ينقاد واحد أو فئات معينة من الجان لإداراته وتنفيذ رغباته ضمن حدود استطاعته، وربما كان الجّان المنقاد له من الفئة المؤمنة بالله فهو لا يتصرف إلا في الحدود التي تتفق مع أوامر الله وشرعه، وربما كان شريراً بعيداً عن الإيمان بالله والانقياد لأوامره، والغالب أن هذا الشرير الجني، قد ينقاد لخدمة هذا الإنسان كارهاً، إلى حين. ثم لا بد أن ينقلب فيؤذيه إيذاء كبيراً يترك أثراً دائماً في وعيه وعقله، أو في كيانه الجسمي.
ثامناً: من الذي لا ينالهم أذى من السحر ولا مسّ من الجن؟
مما لاشك فيه أن الإنسان المؤمن بالله والمستقيم على أوامره، والذي يحصّن نفسه بأوراد دائمة من تلاوة القرآن والتعاويذ والأذكار الواردة في القرآن أو عن رسول الله، يعيش في مأمن من إيذاء السحرة ومن مسّ الجن ومن أذى الناس الذي يستخدمون الجان.
ومن أهم عوامل عجز الإنسان عن أذى السحرة والجان، بعد الإيمان الحقيقي بالله عز وجل:
1- المثابرة على الصلوت الخمس في أوقاتها.
2- تلاوة ما تيسر من القرآن في كل يوم.
3- تلاوة سورة يس كل صباح.
4- المثابرة على مأثورات معينة كان رسول الله يثابر عليها، وهي مجموعة في ورد معروف للإمام النووي.
وقد ألزم الله ذاته العلية بحماية من يستعين به منقاداً لأوامره، من شرور السحرة والجان، وذلك في قوله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) ولم نسمع إلى الآن أن مؤمناً مستقيماً على أوامر الله ملازماً لأوراد من ذكره أصحابه أذى من سحر أو مسّ من جنّ.
والله هو المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.