من أنتم يا أشباه الرجال؟
أبريل 2002
الإمام الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
حدثوني من أنتم، يا من تنطقون بلغة العروبة والإسلام، وتعيشون في مهد الرسالات والأنبياء، وتتربعون على الكراسي والعروش التي رفعتكم إليها شعوبكم العربية المسلمة.. ثم إنكم تحتضنون، بالكلاءة والرعاية، ممثلي الاحتلال الإسرائيلي الذي كان ولا يزال ماضياً في عمليات التقتيل والتنكيل والإبادة والتشريد، لإخوانكم في العروبة والدين؟
الاحتلال الإسرائيلي يمارس هناك على أرض فلسطين حرب إبادة وحشية بأحدث الأسلحة الفتاكة، لإخوانكم أصحاب الحق والأرض، وأنتم هنا بما يقوم به الخفير الذليل من حراسة سفاراته والسهر على طمأنينة التابعين فيها، الغرباء عن شعوبكم، والحاقدين على دينكم ووجودكم!!..
حدثوني من أنتم، مِنْ هذا العدد الذي أحال أرض فلسطين إلى مسلخ يسيل بدماء أهلها، حتى أودى بكم سوء المصير إلى كل هذه الضعة والمهانة؟!
أأنتم أصدقاؤهم المقربون.. فما لكم لا ترحلون إليهم، وتقيمون بين ظهرانيهم، وتقفون معهم في خنادق التذبيح والتنكيل ذاتها؟!..
أم أنتم رسلهم إلينا، تروجون لجرائمهم، وتبررون وحشيتهم، وتسترون قبائحهم؟.. فما لكم لا تقولون ذلك بصريح القول؟ وما لكم لا تستهدون في ذلك صراحة بهدي أمريكا؟!..
أم هو المهانة والجبن، حلّ كل منهما من أفئدتكم ونفوسكم محلّ النخوة والإقدام، فأفقدكم معنى الرجولة في نفوسكم، والوفاء مع شعوبكم، والصدق مع ربكم؟.. إذن فلماذا لا تتلقون دروس الرجولة والإقدام من هؤلاء الأبطال الذين يسترخصون أرواحهم (وهي غالية) ثمناً لردّ غائلة العدوان، وضريبة لحماية الشرف؟..
تعلّموا يا ذوي الأبراج العلوية المحصنة، من هؤلاء الأبطال... تعلموا فن التضحية والفداء من فتيات هنّ في أعمار حفيداتكم!.. تعلموا كيف يهون الكرسي الحقير مهما بلغت ضخامته... وكيف تُحْتَقَرُ متع المال والطعام والشراب، مهما اشتدت خلابتها، وكيف تَرخُصُ الحياة مهما تعلقت النفس بها، دفاعاً عن الحق والأرض والشرف.. تعلموا ما تجهلونه من هذا الفن، منهم ومنهن... ولا يهولنّكم أن يكون في معلميكم فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من العمر، فإنّ جَهْل الرجال بهذا الفن أشدّ ذلاً وهواناً من أن يتتلمذوا في تعلم ذلك على نساء.
أم أنتم يا أيها الناس.. يا من تغلي في عروقكم دماء النخوة، وتهتاج في نفوسكم مشاعر الانتصار لإخوانكم الذين تدور اليوم عليهم رحى الإبادة، ولا تملكون سبيلاً مفتحة إلى ذلك.. إن عليكم أن تعلموا أن أمامكم سبيلاً مفتحة لا يملك أن يوصدها أحد.. وفِّروا اليوم كل درهم أو قرش تنفقونه في الترف أو البذخ والكماليات، وابعثوا بذلك كله من خلال أقنية أمينة معروفة إلى إخوانكم الذين يتقلبون بين ماضِغَي التقتيل والموت، ويستنجدون ولا من منجد.
اِفعلوا هذا، واصبروا، فلعل الأيام القادمة أن تكرم الأمة بمثل شهامة ذاك الذي أنجد تلك المرأة التي نادت: وامعتصماه. فانتصر للحق وانتشل الشرف الجريح... لعل معتصماً جديداً تجود به الأيام.