مميز
EN عربي
الكاتب: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
التاريخ: 05/08/2021

كلمة الإمام البوطي في تأبين الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله

مقالات


الأربعاء 12‏/‏3‏/‏1420هـ الموافق 14‏/‏6‏/‏2000م


سيادة الفريق‏:‏ ليس من شأني في مثل هذه المناسبة أن أزيد الجراح نزيفاً‏،‏ أو أن أزيد الألم عمقاً‏،‏ بل الشأن أن أعزي‏،‏ وأن أذكِّر برحمة الله عز وجل وحكمته‏.‏


لكني لست مبالغاً إن قلت إن هذا الحدث ملأ كياني كله أسىً من الفرق إلى القدم‏،‏ فمهما نطقت أشعر أن لساني لن يفرز شيئاً مما في فؤادي إلا هذا الأسى‏،‏ غير أني تعلمت وأنا مؤمن مثلك‏،‏ وكلانا ورثنا وتعلمنا قدراً كبيراً من الإيمان من السيد الرئيس الوالد الراحل‏،‏ علمنا كيف ننسج أدب المأساة مع نشوة الرضا عن الله‏.‏ أجل‏.‏ أرأيت ياسيدي إلى المريض الذي يتمدد تحت مبضع طبيبه الجراح‏؟‏ إنه قد يتأوه‏،‏ ولكنه يشكره باللسان ذاته الذي يتأوه به‏،‏ نحن نعالج ومهما رأينا حدثاً وصل إلينا من الله عز وجل فهو لا يعدو أن يكون تطبيباً‏.‏


ولذلك فأنا أقول بحق‏:‏ مهما تأوه إنسان مثلي‏،‏ ومهما أطلق الزفرات‏،‏ فلا والله لن تترجم هذه الزفرات إلا بالرضا عن الله‏،‏ ولايمكن أن نجد لها تعبيراً في لغتنا وفي مشاعرنا الإيمانية إلا الخضوع المتناهي بما قد قضى به الله عز وجل‏.‏ وإني لأذكر يوم حمدتَ الله عز وجل على رحيل أخيك باسل أجل‏.‏ ولم يكن ذلك اصطناعاً بل كان ذلك شعوراً‏.‏


سيادة الفريق الركن‏:‏ تمتع هذا الشعب من قائده الفذ بمعين لا ينضب‏،‏ تضلع من هذا المعين الكثير الكثير من الحكمة التي تعلمها‏،‏ تضلع من هذا المعين الكثير والكثير من الشموخ في السهر على الحقوق‏،‏ عرف وتعلم من هذا المعين الذي انتهله وتضلع منه كيف يجمع بين السلام الذي هو رسالتنا وبين الشموخ وعدم التنازل عن الحقوق الذي هو واجبنا‏.‏ هذا المعين لم ينضب‏،‏ إنه مستمر‏؛‏ وقد تفرع عنه هذا النهر الدافق المعطاء‏،‏ هذا الشعب وقد انتشى من هذا المعين‏،‏ وقد تضلع كؤوساً إثر كؤوس من المعارف التي ورثها من هذا المعين‏،‏ لايمكن‏، لايمكن أن يغير مذاق فمه بعد ذلك‏،‏ لايمكن أن يتجه يميناً وشمالاً ليبتعد عن هذا المعين أبداً‏،‏ سيبقى مع المعين متمثلاً في هذا النهر الفياض المتفرع عنه‏،‏ وأنا أعلم أن هذا النهر المعطاء لن ينضب‏.‏


سيادة الفريق الركن‏:‏ أذكِّر بشيء تعرفه أكثر مما أعلم من أسرار قائدنا الراحل رحمه الله تعالى‏،‏ كان عبقرياً‏،‏ أجل‏،‏ أقول هذا‏.‏ وكان حاكماً فذاً في العالم‏،‏ أقول هذا‏.‏ لكنه والله كان يأخذ مدده وكان يأخذ شحونات توفيقه من الالتجاء إلى الله عز وجل‏،‏ وإني لأذكِّرُك بتلك الكلمة الوجيزة التي قلتُها وقد أعلن عن رضاه بقدر الله يوم رحيل باسل‏،‏ قلت له في كلمتي الآية التي خاطب الله بها رسوله‏،‏ وهو خطاب لكل من جاء بعده‏:‏ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) قلتها ونظرت إليه‏،‏ فأجاب بفمه الناطق بلى‏،‏ وأجاب برأسه وهو ينهضه يقيناً بلى‏،‏ أليس الله بكافٍ عبده‏؟‏


الله يكفي‏،‏ وأنت الوريث‏،‏ أجل‏،‏ أنا أعلم أن الحمل ثقيل‏،‏ وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم‏،‏ ولكني ياسيادة الفريق على يقينٍ أن الله سينصرك‏،‏ وأن الله لن يتخلى عنك‏.‏ ولكني أذكرك أيضاً بما ذكرت به قائدنا، هو لم يكن ناسياً‏،‏ لكنه كان ينتشي بأن يسمع ما يتفاعل معه‏،‏ لابد من كثرة الالتجاء إلى الله في السر قبل العلن‏.‏ وهذا ما أعرفه من قائدنا الراحل‏،‏ ربما لم يكن يتصور هذا كثير من الناس‏،‏ لكنك تعلم كما أعلم أنه كان كثير الالتجاء إلى الله‏.‏


رأس مالك‏:‏ الالتجاء إلى الله أولاً‏.‏ ثانياً‏:‏ الحب بعد البر من هذا الشعب ثانياً‏.‏ ثالثاً‏:‏ رحمتك بهذا الشعب ثالثاً‏.‏


ولا أشك أن الله سبحانه وتعالى سيحطم تضاريس الطريق كلها‏،‏ ولسوف يُعَبِّدُ أمامك السبيل‏.‏ أما الأدعية فأنا أقول وَأنا لست متكلفاً في هذا‏،‏ وأنا أعلم أنني أقول حقاً‏:‏ في شامنا هذه صالحون بررة‏،‏ لهم صلة وثقى بالله عز وجل‏،‏ لن تفتر ألسِنَتُهُمْ من الدعاء لك إطلاقاً‏،‏ سوف يظلون يدعون في البكور‏،‏ في الآصال‏.‏ هناك من يدعو لك في سجوده‏،‏ أجل في سجوده في جنح الليالي المظلمة‏.‏ فأرجو أن تزداد ثقة إثر ثقة إثر ثقة بتوفيق الله سبحانه وتعالى‏.‏


وإني لأهنئ هذا الشعب السوري بأنه لم ينتقل من هذه المظلة إلى شمس محرقة‏،‏ لابل لايزال يتفيأ ظلاً وارفاً‏،‏ ولايزال يسير مع النهر الدافق المتفرع من ذلك المعين‏.‏ أهنئ ولسوف يعلم العالم العربي أن علي أن أهنئ العالم العربي كله أيضاً‏.‏


ولا أريد أن أطيل‏،‏ والحمد لله رب العالمين‏.‏

تحميل