مميز
EN عربي
الكاتب: ثلة من محبي الشهيد
التاريخ: 08/04/2013

مقالات وإضاءات مختارة حول العلامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي (1)

مقالات

ارتقى أعلى المراتب إلى أن أصبح شهيداً

الكاتب: رنا العقاد

بداية أهنئ جميع محبي الدكتور البوطي، في شهادته الجميلة المشرفة:

استشهد فضيلته في ليلة الجمعة، في جامع الإيمان، أثناء درس تفسير القرآن "أشرف علم على الإطلاق" - لأنه مدارسة كلام الله - في مجلس علم تحفه الملائكة، بعد صلاة المغرب وفي انتظار صلاة العشاء.. عبادات بعضها في بعض وبركة يضاعف بعضها البعض - جمع بركة المكان "الجامع"، الزمان "الجمعة"، المجلس "تفسير كلام الله عز وجل"، وفوق كل ذلك مجلس العلم تحفه الملائكة بأجنحتها التي ترفرف بها على الشام أصلاً رحمة وبركة وسكينة! الشام التي لم يقبل أن يخرج منها يوما إلى غيرها ولو كانت مكة.

تفكـروا في الخيــــــــــــــــــــــارات:

أولاً:لو ركن فضيلته إلى الدنيا: لانشق وحصل على المال والمكانات العاليات في أعظم الجامعات العربية والإسلامية، وأزيدكم أنه رفضها سابقاً بالمجان فكيف تظنون أن يشتريها اليوم بدم السوريين..

ثانياً:لو تمسك فضيلته بالحياة: وهذا حق لمن يشاء - لقلل دروسه واقتصر على صلاة الجمعة فقط، أو حتى مجرد دروس تلفزيونية مسجلة تفي بالمطلوب، لكنه كان مجاهداً لنشر العلم الذي لم يتوانى عنه يوماً لسنوات عمره المباركة المديدة - حتى أنه كان يرفض دعوات لمؤتمرات علمية عالمية، يتهافت عليها العلماء، كي لا يقطع طلابه من تتابع الدروس، هو فقيه الأولويات والعالم بضوابط المصلحة والمخلص العمل والسريرة لله.

ثالثاً: لو خشي الشهادة: لطلب أن يُنقل بيته من ركن الدين بين عامة الناس، إلى مكان آمن بالقرب من المسؤولين، ولو قبل بذلك كان أحب ما يكون للنظام، مع العلم أني أخبركم: أنه لطالما تلقى وأهل بيته التهديدات المباشرة الكثيرة في القتل، وتوعدوه على جدار بيته، حتى أنه أحبطت محاولة سابقة.. لكنه: 1- طالب شهادة 2- إيمانه عظيمٌ بأن الحوادث -كما علمنا- هي التي تجري خدمة لقضاء الله تعالى، لا العكس.

المســـــــــــــــــــــتفاد:

أولاً: (وما كان لنفس ان تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً. ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين).

ثانياً: لكل أجل كتاب ولا يموت إنسان، إلا في وقته وقد استوفي عمره ورزقه كاملين.. هذه عقيدة راسخة عندنا المسلمين، إذن - ليلة الجمعة - كان قضاء الله تعالى برحيل الدكتور سعيد إلى جوار ربه، لكن اللطف الخفي بمحبيه والجائزة لعمره المبارك ولإخلاصه كانت كرامة الشهادة.

ثالثاً: ولو سلمنا بالشهادة كان من الممكن أيضاً أن تكون في بيته أو في الطريق، لكن الله تعالى أراد أن يعرفنا قدر عباده المخلصين في الدنيا قبل الآخرة فاختار له ما تحدثنا عن من بركات بعضها إلى بعض، وأن يصعد على رأس موكب ٍمن الشهداء عزيزاً.

رابعاً: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)، وفي الحديث قال رسول الله: (يُبعث كل عبد على ما مات عليه) أخرجه مسلم... فهنيئاً للجمع.

خامساً: ليس الخبر رحيل الدكتور السعيد - بإذن الله - لكن المعجزة والكرامة هي في أنه لم يرحل من قبل - رغم جميع الفتاوى القذرة بقتله، وكل التحريض من هوام الناس وعامتهم على ذلك، لأن الله أراد أن يستوفي الدكتور رسالته وتبليغها كما خواص الأنبياء والمرسلين فقد توفي محمد صلوات الله عليه بعد أن بشره ربه بتمام المهمة وكان مشتاق يترقب - كذلك الدكتور البوطي لم يترك لنا شيئاً في أمرنا إلا وبينه... وهذا سلوان طلابه ومتابعيه.

سادساً: ماذا لو توفي الدكتور البوطي، على سريره لشمت عدوه وحزن محبوه... هل كان يتوقع أن يُخلَّد؟ إنك ميت وإنهم ميتون للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن كذلك، هو رحل عزيزاً شامخاً بقوة الكلمة والمنطق الذي لم يرده أحد، المهم كيف سنرحل نحن.. كيف سيرحل القرضاوي؟! اتركوها للأيام وغذاً لناظره قريب.. قالوها سابقاً بيننا وبينهم الجنائز.

سابعاً: إذن بعد كل هذه الكرامات والبركات، لماذا نحن حزانى على رحيله:

1- بموت العالم يثلم في الإسلام ثلمة، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار، كما وجرح في قلوبنا أن يرحل عنا مربي أحببناه وتعلقنا بحاله قبل مقاله.

2-وجود الصالحين بيننا شفاعة وبهم تتنزل الرحمة والبركات، وأذكركم كذلك بخاصة حديث الأبدال في الشام، يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (الأبدال في أهل الشام، وبهم يُنصرون وبهم يُرزقون) رواه الطبراني بإسناد حسن. وعنه أيضاً (الأبدال بالشام، وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً: يُسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب) رواه أحمد بإسناد حسن.

3- نعلم أن ما عند الله خير للبوطي، من هذه الدنيا وما فيها من تعب وبلاء وطول جهاد، وقد امتحن كثيراً وثبت، وابتلي حتى محص إيمانه فكان راسخاً عميقاً والحمد لله، ولكننا حزانى لانقطاع العلم عنا، فقد أغلق برحيله بابُ علمٍ عظيمٍ مشهود. كما حدث مع السيدة أم أيمن مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم عندما سألها لها أبو بكر وعمر، ما يبكيك ألم تعلمي أن ما عند الله خير لرسول الله فأخبرتهم أنها تبكي لانقطاع خبر الوحي من السماء، فجلسوا يبكون معها... وهكذا يرفع العلم بموت العلماء.

4- علينا أن نتحمل مسؤولية ربانية في الدعاء للأمة... فقد كان رحمه الله كثير الاستغفار للأمة ورقيق الحال والدعاء، كثير القيام من الليل.. وبذلك فإن الشام والأمة والدنيا من بعده يتيمة ونحن كذلك. لن نستغفر له كما يستغفر للفقيد بل سنستغفر لنا وللأمة الإسلامية الأموات والأحياء ونهديه نيتنا في ميزان حسناته.

5- ترك لنا إرثاً ثقيلا من الحب، قد يكثر على قلوبنا استيعابه وعلى عقولنا السير في نهجه وعلى نفوسنا المجاهدة له - للوصول إليه - فقد:

· علمنا أن لا نكره الكافر أو العاصي وإنما نكره المعصية فيه، لأننا نحبه ونرجو له الخير.. ليس كما يفعل الكثير اليوم يحول الخلاف إلى انتقام شخصي.

· علمنا أن نظن في الناس الظن الحسن، وأن للمجتهد أجر وإن أخطأ، وأن يكون حظنا من الدنيا نصر الله، لا نصر نفسٍ أو هوىً فينا. وكان يقول: كل من وقع في أو اتهمني اجتهاداً فأرجو أن لا يخلو من أجر الاجتهاد.. رحمه الله.

· علمنا أن لا نقول إلا بالعلم وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نراعي الأولويات في عملنا وضوابط المصلحة "علم له أصوله".

· كان دائم التذكير بإصلاح الباطن والنوايا والإخلاص لله، كان بكّاء لله مجذوباً له في مجالس الذكر، وعالم موفق ومناظر قوي الحجة والبرهان.

· زاهد عن الدنيا وعرضت له كثيرا وزينتها - بحلِّية تامة "حلالاً لا حراماً" - ومع ذلك رفضها، "رفض عروض التدريس من أكبر الجامعات العربية والإسلامية، كي لا يخرج من أرض الشام مصداقاً لأحاديث النبي عن بركة الشام وإن فيها خيرة الله من خلقه".

· وقف ونصح عالياً الرئيس حافظ الأسد في الجامعة أمام الناس في أول تواصل مباشر -حتى ظنوا أنه مفقود - لكن الرئيس - بتوفيق من الله - قبل منه وبذلك فتح له باب من المناصحة مع الحاكم لا المداهنة.. وبذلك كسبت سوريا وجهها الإسلامي الوسطي المشرق اليوم بين كل دول العالم قاطبة في معاهدها وجوامعها ودروسها.

· عرض عليه تشكيل حزب إسلامي برئاسته فرفض، برؤيته المخلصة واختار رعاية معاهد العلم ونشرها.

· فعرضت عليه الوزرارة وأيضاً أبى المنصب الرسمي ليبقى مستقلاً.

· عرضت عليه الإقامة في دور وثيرة لكنه فضل بيته المتواضع جداً جداً لكن المرتب.

· أعطى ولم يأخذ شيئاً لنفسه من الحاكم، لا مال ولا سلطة أو منصب أو نفوذ.. بقي مدرساً في الكليات وخطيباً ينطق بهموم الأمة وينصح من على منابر الجامع علانية فيستجاب له، في وقت غيره لم يجرؤ على النصيحة أو الإيعاذ، وكان يوكل ويطلب منه. وهذه العادة حتى خرجوا كلهم ولازالوا ساكتين، بينما بقي في بيته يصدح بكلمة الحق كما يراها لا يخشى فيها لومة لائم، لأنه يطلب الآخرة وليس الدنيا.

· به سُمح بالصلاة في صفوف الجيش، وبه فتحت المعاهد لتحفيظ القرآن وبه تم الإفراج عن مجموعة من الإخوان المسلمين المعتقلين وبه عادت المنقبات إلى أعمالهن في التدريس والكل ساكت وشاكر.

· لم يتقرب يوماً إلى فئة من فئات المجتمع كتجار أو فنانين أو مسؤولين.. وغيرهم، وكان دائم النصح لهم وكانوا دائمي الانتقاد والشكوى منه.

· وهو من حذر قبل بضع أشهر من فتنة تصيب الشام بذنوب اقترفتها أيدي الفسوق، وحذر من عذاب أليم آتٍ على الشام، وهذا ما تم.

· هو الذي كان دائم التذكير للحاكم بالإصلاح مع الله، ويدعو له بلفظ "عبدك هذا" الذي ملكته زمام أمورنا، وفي كثير من الأحيان دون ذكر اسمه.. ليذكره بالعبودية لله وأنه مكلف بخدمة الناس وإقامة أمر الله فيهم.

· هو فقط من كان ينتقد كبار المسؤولين في الدولة علانية من منبر جامع الإيمان، في دروسه وكلهم غيره ساكتون.- هو من تكلم عن ضوابط الجهاد في الإسلام من حوالي الأربع سنوات في برنامج، منع لمجرد عنوانه عن الفضائيات العربية والإسلامية - كي لا يغضب الحكام!!

· كان يعتذر عن معظم المؤتمرات، حيث يرى إنها ليست أكثر من بروتوكلات شكلية ولا يرتجى ممن يحضرونها إصلاحاً، إلا مصالحهم الشخصية ولذلك كان رحمه الله يفضل متابعة دروسه مع بسطاء طلابه، عليها.

· كان عاشقاً للبساطة في حياته، بعيداً كل البعد عن كل حب في الظهور، هو العلامة البوطي كما استحق لقبا من مؤلفاته، لم يقبل أن تنسب له الألقاب المزخرفة كالمفكر الإسلامي وغيرها بل وانتقدها..

· رفض الظهور في أشهر الشاشات وأعظمها يوم كانت الجزيرة تبحث عن عالم تكبر معه وتكبره، وترددت إليه كثيراً مراسلة الجزيرة ورفض الخروج ولو لمرة واحدة لأنه كان يعلم ماهية هذه القناة، فتركها زاهداً للقرضاوي، وأصر على تركها من بعد ذلك.

هذا بعض مما أعلم عن مواقف الدكتور البوطي، الذي رفض منصب الوزارة، وسلطة الحزب، ورفاهية الدنيا بسياراتها وبيوتها، وسياحة أرضها بالسفرات والمؤتمرات، ورفعة مكانتها بالألقاب كمفكر وعالم في أشهر الكليات، والشهرة في أشهر القنوات الفضائية..

ترى: ماذا بعد كل هذا كان يريد من الحاكم، وأي حاكم، بل ماذا يري من الدنيا إلا وجه ربه؟! ويلكم كيف تحكمون!! - بالمناسبة في ذلك اسألوا رفاق دربه في الأمس خصومه اليوم - هم من يجيبوكم، بل هم الأقدر على إجابتكم. شهد له من اختلف معه من العلماء العاملين فضلاً عن المتفقين معه بالصدق والأمانة والورع.. وبأنه لا ينطق إلا بما أوصله إليه اجتهاده ونظره، "وكنت أناقشه حول الأحداث التي تجرى في المنطقة وقد يشتدّ النقاش والاختلاف في وجهات النظر فلا أجد بعدها منه جفوة ولا تجريحاً بل كان يقول في كل من وقع في أو اتهمني اجتهاداً فأرجو أن لا يخلو من أجر الاجتهاد" الحبيب علي الجفري.

6- حزاني على فراقك، وفي قلوبنا جرحٌ لن يندمل إلا أن نلقاك، على الصعيد الشخصي حزينة في تقصيري للسنوات الأخيرة في حضور ذلك المجلس المبارك، حزينة أني لم أكن معه، متشوقة للقياه، وأرجو أن يحشرني الله معه ومع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليس بعمل لي، إنما بحبهم.

7- في خطبته الأخيرة تحدث عن تلك البشرى التي رآها وسأل الله التعجيل بها، فكنا نظنها عامة لنا السوريين فإذا بها خاصة لشخصه فقط، وهي لنا سلوانٌ عن فقده، وفرح له لما آل إليه الحال عند العدل الكريم.. لكن حزن ضمني أن كنا نتمناها عامةً للشام، فالحمد لله بما تفضل عليه وخصه. وفي حديث للحبيب للجفري من أسبوعين قال: "إنه لم يبق من العمر إلا أياما معدودة وإني لأَستروح الجنة من ورائها فلا تنس أخاك من الدعاء".

8- حجة الدكتور البوطي القوية ومنهجه الفكري المعتدل الصافي، كانا يحشران مخالفيه إثر كل خطبه، أمام أنفسهم.. فلا هم قادرون على تجاهل الحكمة ولا هم قادرون على ردها.. وعودوا لتروا الجميع مشغول بكلامه لا برد علمي وإنما باستهزاء بحت وتوعد.. كما فعل المشركون بنبيهم إذ دعاهم لما يحييهم!

9- ولذلك اصدروا فتوى القتل.. فلنقرأ سورة غافر الآيتان (وَقَالَ رجُل مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِن اللَّهَ لَا يهْدِي منْ هُوَ مسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن ينصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد)

10- أخيراً كما كل مرة تثبت رؤية البوطي، كما اليوم ثبتت إلى أين مازلتم ذاهبون في البلاد والعباد، أين أنتم يا علماءنا ولم يبق أحد منكم معنا، هل أمست الشام غير صالحة للعيش وبماذا؟!.. وكيف وفيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بدوام فضلها وتفضيلها وإليكم الرابط..http://www.albasrah.net/ar_articles_2011/0611/hisham_190611.htm

ما الحل؟ هل نلحق بكم جميعاً ونتركها، هل عدالة الشرع في نظركم أن ينصر الأقوياء على حساب الضعفاء، أنتم لا ترون نهاية للسيناريو الذي دافعتم عنه ودفعتمونا إليه.. وبذلك أجدد دعوة السيد الشهيد: اجتهدتم فأخطأتم - عودوا.. وإن لم تستطيعوا العودة فعودوا بقولكم واجتهادكم.. عودوا إلى ما ترونه من الحق.. عودوا قبل أن نعود كلنا إلى الله.. فكلنا راحلون ومن رحل بالأمس سواء مع من رحل اليوم، ومن هو راحل غداً وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله.

11- وبعد مقتله الذي أردتموه وأبى الله إلا أن تكون شهادةً مشهودة في الأرض والسماء بموكب عظيم خمسون شهيداً، أنتم مضطربون بدمه وتحملون النظام قتله.. لكنه كان يعلم أنه سيستشهد على أيديكم وابنه الدكتور توفيق وكانت لي محادثة قريبة معه وأنا وكل سوري وكل متابع وأنتم قبل كل ذلك، كلنا نعلم.. وهو قضاء الله له نسلم، وهي فرحة لأنه يستحق الشهادة وقاتله يستحق أن يكون حطباً لجهنم ومن والاه، وعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين... ملعون باع دنيته وأخرته بفتوى قتلٍ ملعونة.

12- "وأما من يستسيغ هذه الجريمة النكراء لاختلافٍ في المواقف أو الاجتهاد شريك لمن ارتكبها في إثم القتل وجريمة التعدي على بيوت الله" الحبيب علي الجفري.

وهنا أخص كل من حرض علي الدكتور الشهيد رحمه الله، بكلمة أو رأي أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وبوستاتها الرخيصة - تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم! كلمة يقولها المرء يهوي به سبعين خريفاً في جهنم.. والعياذ بالله .

الحمد لله أن حصل له ما كان يريده الشهيد البوطي ويتمناه، بل ما عاش عمراً يطلبه، فاستحقها الشهادة مكافأة وليست ثمن!

ولا أعلم أحداً مثل الذي كان عليه شهيدنا وعلامتنا الحبيب البوطي، فغدت يا سيدي من بعدك الدنيا يتيمة إلا أن يشاء الله أن ينصر الحق. أنا لا أبكيك وإنما أبكي علينا..

وأما هو فو الله لو خير بين البقاء والشهادة لاختارها بعد أن أتعبته الدنيا كما تفعل مع جل الصالحين في آخر عمرهم، إجابة لدعائهم: اللهم أخرج الدنيا من قلوبنا.. وتمحيصاً لإيمانهم ورفعاً لمقاماتهم. بعد أن مهدت لهم سابقا ليزرعوها بأعمال عظيمة عظيمة.. حيث كان العمل وتدبر حيث آن الرحيل.. لأنها جندٌ من جند الله وكرامةً لعباد الله المخلصين.

وبذلك نسأل الله الصبر والسلوان لأنفسنا ولآل الشهداء الذين ارتقوا بصحبة عالم رباني يشفع لهم ويشفعون لأهلهم وأخص بالدعاء آل البوطي الكرام، مصابكم مصاب الأمة والإسلام والعلم.. مصابكم مصابنا، نحن السوريين الأحرار..

وأخص الدكتور توفيق رمضان البوطي الأستاذ الفاضل - تعلمنا منكم حسن الصبر وجميله - فأرجو الله أن يرزقكم وزوجكم الكريمة بسحائب من سكينته تجلو عنكم كل حزن بفقد الوالد الكبير والابن البّار.. هي الدنيا الفانية سجن المؤمن وحرية المارق الكافر...

بعد اليوم لن نخذله، كما فعلنا سيكون صوتنا بالحق أعلى مع حفظنا المنهج عنه "قدوتنا البوطي".. الحب وتمني الخير للمخالفين ودعوتهم للحق بالتي هي أحسن.. هذا إرثنا من البوطي..

جزاك الله عنا خير ما جزى عالم عن أمته، نشهد أنك عملت وأخلصت وعلّمت وبيّنت وأكملت حتى أتمّمت.. وحانت لك البشرى.. فهنيئاً لك. وجزى الله عنا أسوتنا وحبيبنا وجامعنا في الرسالة محمد صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم، خير ما جزى نبي عن أمته.. الرحمة المهداة للعالمين الذي جاءنا نوراً.. وبسنته مؤتمرين وعلى نههجه سنظل سائرين..

نسأل الله الثبات وحسن الخاتمة لنلحق بالركب العظيم.. الذي تابع في سير سلفنا الصالح.. والحمد لله رب العالمين .

أختم:ما بعد استشهاد الدكتور سعيد رمضان البوطي، ليس كما قبله، وكلماته باقية في ضمائركم تقول لكم عودوا.. في بداية الفتنة كانت الأمور مختلطة علينا ثم اليوم بعد كل ما يجري بأن الحق والباطل مع حيز بسيط من التداخل، والآن أصبح حقاً صرفاً وباطلاً صرفاً.

وفي ذلك يقول د.علي جمعة، حفظه الله: "عاش حميداً ومات شهيداً فدل بحياته على ظلم الظالمين وطغيان الطاغين، ودل بمماته على الخارجين المارقين والظلمة الفاسقين، تقبله الله في الصالحين وألحقنا به على تمام الإسلام وكمال الإيمان".

فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً بإذن الله، وقد استحق مرتبة الشهداء والصديقين والأبرار. في ذمة الله ونعم المقام.. (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً).

استشهد العلامة البوطي فليهنأ الظلاميون

الكاتب: ابراهيم العجلوني

كان العلامة الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي واحداً من أبرز رجال التنوير الذين عرفهم تاريخنا المعاصر، وشكّلت الأسفار الجليلة التي ألفها ركناً مهيباً في المكتبة العربية الإسلامية، بدءاً بكتابه عن "اللا مذهبية" ومروراً بكتبه بالغة الاهمية: "كبرى اليقينيات الكونية" و"فقه السنة" و"السلفية" و"أوهام المادية الجدلية", وانتهاء بشرحه لحكم ابن عطاء الله السكندري الواقع في ثلاثة أجزاء, أو ما أصدره رحمه الله بعد ذلك من كتبه ورسائله وأبحاثه..

كان الشهيد البوطي علماً من أعلام الفقه والفلسفة والتصوف, وأستاذاً متميزاً صاحب منهج في النظر, وأديباً صاحب عبارة, وخطيباً يأخذ بألباب السامعين، ولكنه إلى ذلك كله, وقبل ذلك كله, كان رجلاً حر التفكير, يؤمن بضرورة أن لا يعتقد أمراً دون أن يعرضه على العقل وموازينه, وعلى الفطرة المبرأة النقية وحدوسها, ولعل هذا الملمح الأصيل في شخصيته أن يكون وراء تأليفه لكتابيه العظيمين: "كبرى اليقينيات الكونية" و"أوهام المادية الجدلية" اللذين كانا وما يزالان اكثر الكتب مبيعاً في مكتبات العالم الاسلامي واللذين يعتبر أولهما مواجهة معرفية إسلامية لظاهرات الوجود, ويعتبر ثانيهما دفعاً فلسفياً ومنطقياً قوي العارضة لأسس الاعتقاد الشيوعي.

كان الحبل الذي يعتصم به الإمام الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي مجدولاً من العقل والوجدان في آن، كان ذهنه المتوقد محكوماً بقلبه المحب لخلق الله جميعا، وكانت عاطفته الجياشة محكومة بمنطق عقلي يحيط بمبادئ الافعال وغاياتها، ولقد ارتبط "فقه الواقع" عنده "بفقه المآلات" فكان يستبين الرُشد فيما ستنتهي إليه الامور قبل حدوثها، وكان ذا رأي موزون في وقائع السياسة ولم يكن ممن يُقعقع لهم بالشنان أو ممن يؤخذون بظاهر الدعاوى، وظل إلى آخر لحظات عمره الميمون مستمسكاً بهدوئه الموضوعي وبصيرته النافذة، وظل يعلّم السوريين والعرب والمسلمين جميعا كيف يذودون عن أنفسهم الظلاميات على أنواعها، سواء ما تقادم عهده منها أو ما صُنع على عين أعداء الأمة المتربصين بها.

لقد استشهد أستاذنا البوطي "أستاذ كل مسلم مستنير" مع اثنين وأربعين تلميذاً من محبيه، وهو يلقي درسه في أحد مساجد دمشق العزيزة.

استشهد رحمه الله والملائكة تحف به وبمريديه فعسى الله أن يجعمه بحبيبه وشفيعه الذي كان "فقه سيرته" عليه صلوات الله وسلامة هو مرشده وهاديه، وعسى الله أن تصحو أمتنا من غفلاتها وجهالاتها وأن تخرج، من قريب، مما هي فيه.

وليهنأ الظلاميون إلى حين فإن ما أناره الراحل الكبير من عقول وقلوب كفيل بالتصدي لهم كل حين.

المصدر:http://www.alrai.com/article/576038.html

تجدون في الملف المرفق أدناه المقالات والدراسات التالية. ننصحكم بالقراءة

- ارتقى أعلى المراتب إلى أن أصبح شهيداً. الكاتب: رنا العقاد

- استشهد العلامة البوطي فليهنأ الظلاميون. الكاتب: ابراهيم العجلوني

- في عزاء الشيخ البوطي. الكاتب: محمد صلاح بوشتلة

- التعليق على استشهاد شيخنا البوطي وحرب الوكالة عن إسرائيل. الكاتب: د.محمـد سلامــــه الأردن

- مشروع النازية والفكر الإقصائي يغتال رجل الوسطية الشرعية والإعتدال الواعي الإمام البوطي

لفضيلة الدكتور: محمد حمود الأهدل.

تحميل