مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور مهاتير محمد
التاريخ: 24/11/2012

عالم يسود فيه قانون الغابة

مقالات
عالم يسود فيه قانون الغابة
بقلم الدكتور مهاتير محمد
نقله من مدوناته وترجمه إلى العربية عثمان طالب
1- لا أدري إن كان هناك أنباء قد ترددت في الصحف الماليزية حول القذف الإسرائيلي لأحد مصانع الخرطوم للأسلحة منذ الأسبوعين الماضيين، وهذا العمل الفظيع المشين نموذج آخر للاستهتار الإسرائيلي بالقوانين الدولية.
2- ليس هناك حرب معلنة بين السودان وإسرائيل، ولكن ذلك لا يمنع إسرائيل عن قذف السودان.
وكأن عمليات قذفها للطائرة المصرية ومنشآت العراق النووية أيضاً بدون حرب معلنة تتيح لها أن تشعر باستحقاقها لقذف بقية البلدان طلباً للأمن الخاص بها، ولم يكن من المهم احتمال إحداث هذا القذف الإسرائيلي لحالة انفلات الأمن لبقية البلدان، إنما المهم الأمن الإسرائيلي فقط.
3- تزعم إسرائيل أن فلسطين كانت تتلقى دعماً سلاحياً ربما من السودان.
ومع احتمال صحته أو بطلانه تبقى الحقيقة بأن إسرائيل ذاتها تتلقى أسلحة متطورة بكل أنواعها من الولايات المتحدة وأوربا لتستعملها إسرائيل كما تشاء.
فتلقيها للأسلحة من بلدان أجنبية لصالح قواتها السابقة التجهيز بكامل القوة العسكرية أمر مشروع مع احتمال عدم تلقي الفلسطينيين للأسلحة للدفاع عن أنفسهم حتى يختل توازن القوى دائماً لصالح إسرائيل.
بل تمتلك وحدها الأسلحة النووية، وتحدث القوة العسكرية الإسرائيلية بكل وضوح حالة انفلات الأمن وترهب البلدان العربية.
وخاصة أن حصول ذلك راجع إلى عدم تأسفها على قذف جيرانها في إي وقت.
4- وللتأكد من الأمن الإسرائيلي تسمح القوى القائمة لإسرائيل بالإخلال بجميع القوانين الدولية ومعايير السلوك.
وتهاجم البحرية الإسرائيلية في محاصرة غير قانونية لغزة سفن الإغاثة وتقتل العمال. لقد تعمدت جرارة إسرائيلية دهس بنت أمريكية لأنها حاولت منع عملية الهدم لأحد بيوت الفلسطينيين.
وتطلق القوات الإسرائيلية بانتظام صواريخ على الفلسطينيين وتبني المستوطنات على أرض فلسطين وتقيم الجدران العالية عبر القرى الفلسطينية لتقطع بذلك الاتصالات لدى الأسر الفلسطينية.
5- لم يكن هناك في تاريخ الأمم بلد مثل إسرائيل، إنه يستهتر بالقوانين وتعلي محاكمها الأعمال الإجرامية التي تنفذها جنوده، ويستغرق في الاعتداء وفي الضربات الاستباقية بدون مسوغ.
6- إن العالم مضطر لأن يتحمل الخروج الإسرائيلي على القانون لأنه يتحكم في القوة العظمى في العالم، ويشترط في كل من يرشح نفسه للرئاسة الأمريكية أن يبدأ بالإعلان عن تأييده لإسرائيل وإلا خسر المعركة الانتخابية.
7- يبدو المجرمون وكأنهم يسيطرون على الشرطة ويوجهونهم، يتعذر وجود الأمن عند الناس إذا ما تلقى رجال الشرطة الأوامر من المجرمين وانحازوا إليهم.
8- الحضارة الحديثة سخرية عندما يستطيع بلد مثل إسرائيل الاعتداء على بقية البلدان كما يشاء ولكن يشاركه بعد ذلك في تنفيذه أصحاب التبعية.
إنهم يستهينون باغتيال أناس يسكنون في بلدان أخرى، لقد تخلصوا من جثث ضحاياهم بأي طريق يريدون.
9- ومع التفوه بألفاظ مشرفة للحرية وسيادة القانون يفرضون العقوبات على بلدان بدون موافقة من الأمم المتحدة.
إنهم يعتقدون أن لهم مبرراً في قتل 500,000 طفل عن طريق العقوبات طلباً للسياسة العالمية التي تسوقها إسرائيل.
10- وعندما يفرضون العقوبات على بلد يجبرون بقية البلدان على مشاركتهم في هذا العمل.
فإذا عجزوا عن تنفيذ ذلك فستعقبهم تهديدات بتدمير اقتصاد البلاد ووقف المساعدات المالية.
11- يطبقون تقريباً كل اكتشاف علمي نحو تطوير مزيد من الأسلحة الشديدة القسوة، وآخرها ما يقوم على تطورات في عمليات للتحكم عن بعد، ويستخدمون مركبات جوية بدون طيار لاغتيال أفراد وقذف قرى وللتجسس.
12- ينزلون رجال بحريتهم في بلدان أجنبية لتنفيذ هجمات واغتيالات، وسيقتلون زعماء من البلدان غير الصديقة عن طريق حوادث مخططة.
13- نحن حقاً نعيش في عالم بدائي يسوده قانون الغابة، لقد كاد أن يشبه ذلك وقوف البرابرة عند الباب مرة أخرى، فقط لأنهم أكثر قوة هذه المرة لجودة تثقيفهم.
14- ورغم ما لهذه الحضارة العصرية وما يصاحبها من محاسن تتمثل في الإنسانية وحقوق الإنسان فإننا لسنا أحراراً في تنفيذ ما نريد، ولا يسعنا إلا تنفيذ ما ينادي به القوي، وإذا لم يغزونا فإنهم سيستمرون في تمويلنا بشكل أقل أو أكثر سفوراً لأجل وضع مرشحيهم في السلطة، إنهم لا يكلفون أنفسهم عناء إخفاء رغبتهم الجامحة في تحقيق تغيير لنظام حكم ليكون لهم بدلاً من ذلك زعماء تبعيون.
15- نحن يحكمنا الآن قانون الغابة، ذلك القانون الذي به سيأخذ القوي ما يختار ويستسلم الضعيف لما يلزم.
16- وعند قلب هذا الانهيار للحضارة الإنسانية يوجد إسرائيل، تلك الدولة لمارد فرنكنستين التي كانت من صنع الغرب الذي لا بد له الآن من طاعتها والإذعان لها.
17- ومن سوء الطالع أنه لا يوجد هناك سبيل للعودة إلى الحضارة لنشعر بالأمن ونحس بالسلامة من الاضطهاد الاقتصادي والسياسي، وذلك لغياب من يريد أو يقدر على تحدي هذا البلطجي المشاغب، تلك الدولة الأكثر قوة لكنها الأقل إنسانية في العالم.

تحميل