مميز
EN عربي
الكاتب: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
التاريخ: 12/11/2012

العقوبات الإسلامية وعقدة التناقض بينها وبين ما يسمى بطبيعة العصر الحديث

بحوث ودراسات

العقوبات الإسلامية

وعقدة التناقض بينها وبين ما يسمى

بطبيعة العصر الحديث

أ. د. محمد سعيد رمضان البوطي

من المعلوم أن العقوبات في الشريعة الإسلامية تنقسم إلى نوعين:

عقوبات مقدرة بنصوص من الكتاب والسنة، لا تدع مجالاً لتغييرها، مهما تطورت الأزمنة واختلفت الأمكنة.

وعقوبات فرض الشارع تقديرها إلى بصيرة الحاكم المسلم، على أن لا تتجاوز حدوداً معينة.

فأما النوع الأول منهما، فيتعلق بجرائم أساسية هي في الحقيقة أمهات الجرائم والانحرافات المختلفة التي قد تشيع في المجتمع، وهي لا تخلو من أن تكون انتهاكاً لكليّ من حقوق الله عز وجل، أو لكليّ من الحقوق الإنسانية، أو انتهاكاً لقيم أخلاقية ذات خطورة اجتماعية وآثار هامة.

وبتعبير آخر: هي الجرائم التي تعد انتهاكاً مباشراً للضروريات المتعلقة بكليات المصالح الخمس، التي قامت شرعة الإسلام لتحقيقها وحمايتها.

وهي: الدين، والحياة، والعقل، والنسل، والمال. فكان من مقتضى خطورتها هذه أن أناط الشارع بها عقوبات محددة بنصوص صريحة واضحة، وأن لا يدع أمر النظر فيها عائداً إلى اجتهادات العلماء والحاكمين، تحسباً للأخطاء الاجتهادية فيها من جانب، وسداً لسبل التهاون في أمرها من جانب آخر. وهي:

- قتل المرتد: وقد شرعه الله حفظاً للدين.

- والقصاص: وقد شرعه الله حفظاً للحياة.

- وحد الشرب: وقد شرعه الله تعالى حفظاً للعقول.

- وحد الزنا والقذف: وقد شرعهما الله تعالى حفظاً للأنساب والحرمات.

- وحد السرقة وقطع الطريق: وقد شرعهما الله تعالى حفظاً للأموال.

فهذه هي الحدود. وقد ذهبنا مذهب من يرى عدّ القصاص من الحدود.

وأعلى درجاتها القتل، ثم القطع، ثم الضرب أو الضرب م النفي والتغريب.

وأما النوع الثاني منهما، فيتعلق بجرائم وانحرافات فرعية، لا بد أن يمت كل منهما بنسب إلى واحدة من تلك الجرائم الأساسية التي حدد الشارع عقوباتها، ولكنها لا تعدو أن تكون مقدمة إليهما، أو ذيلاً من ذيولها، أو نوعاً من التهييج نحوها والدعوة إليها.

فلئن كانت الجرائم الأساسية التي نص الشارع على عقوباتها إهداراً لما هو ضروري لتحقيق المصالح الخمس التي ذكرناها، فإن سائر الجرائم الأخرى تعد إهداراً لما هو حاجيّ أو تحسينيّ من أجل تحقيق تلك المصالح ذاتها.

فمن أجل ذلك عهد الشارع إلى ولي الأمر برسم العقوبة التي يراها مناسبة لكل انحراف أو جريمة من هذه الجرائم الفرعية، على أن تراعى في ذلك شروط وقيود معينة لا مجال للحديث عنها في هذا المقام. وتلك هي التعازير.

وإذا كان حديثنا في هذا الصدد عن النوع الأول، وهو ما يسمى بالحدود، فإني لأعتقد أن أهم عقدة تبرز في هذا الموضوع وتحتاج إلى المعالجة والنقاش في عصرنا هذا، هو التناقضات القائمة في أذهان كثير من الناس، بين هذه الحدود وطبيعة العصر الذي نحن فيه.

بل إنني لا أتصور أن يقوم أي عائق في طريق تنفيذ الحدود وتطبيقها في أي مجتمع من المجتمعات اليوم، إلا إذا كان ثمرة لهه التناقضات.

فما هي هذا التناقضات؟

وما مصدرها وقيمتها في ضوء العلم؟

ثم ما هو سبيل القضاء عليها؟

على هذا الترتيب سنسير في معالجة بحثنا هذا إن شاء الله.

تحميل