(قدس الله سره) مولانا الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني
مولانا الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدس الله سره)
غازي البحر
· مولده الشريف (رضي الله عنه)
سئل الشيخ عبد القادر الجيلاني عن مولده فقال: لا أعلمه حقيقة، ولكن قدمت بغداد في السنة التي مات فيها التميمي، وعمري إذ ذاك ثمانية عشر سنة، والتميمي هذا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحرف بن أسد، توفي سنة ثمانية وثمانين وأربعمائة هجرية، فيكون مولده رضي الله عنه، على هذا البيان، سنة سبعين وأربعمائة، وذكر الشيخ نور الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن جرير اللخمي في كتابه بهجة الأسرار، قال أخبرنا الفقيه أبو عبد الله محمد ابن الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الواسع بن أمير كاه بن شافع الجيلي الحنبلي قال أخبرنا جدي عبد الواسع قال ذكر أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي الحنبلي رحمه الله تعالى: أن مولد الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلي (رضي الله عنه) سنة إحدى وسبعين وأربعمائة بجيلان وأنه دخل بغداد سنة ثمانية وثمانين وأربعمائة، وعمره ثمانية عشر سنة، وهو رضي الله عنه منسوب إلى جِيل بكسر الجيم وسكون الباء وهي بلاد متفرقة وراء قبرستان، وبها وُلـِد في نيف قصبة منها، ويقال فيها أيضاً جيلان وكيلان وكيل أيضاً قرية بشاطئ دجلة على مسيرة يوم من بغداد مما يلي طريق واسط، ويقال أيضاً جيل بالجيم ومن ثـَمَّ يقال كيل العجم وكيل العراق وجيل العجم وجيل العراق. وفي رواية أيضاً جيلاني، منسوب إلى جده جيلان وأبو عبد الله الصومعي من جملة مشايخ جيلان ورؤساء زهاده، له الأحوال السنية والكرامات الجلية.
وروى صاحب بهجة الأسرار: قال أخبرنا عنه الفقيه أبو سعد عبد الله بن علي بن أحمد بن إبراهيم القرشي قال: أخبرنا الشيخ الجليل أحمد بن إسحاق بن عبد الرحمن الهاشمي القزويني قال: أخبرنا الشيخ القدوة نور الدين أبو عبد الله محمد الجيلي قال: أخبرنا الشيخ العارف أبو محمد الدار باني القزويني قال: الشيخ أبو عبد الله الصومعي هو أحد ما أدركت بالعجم من المشايخ، وكان مجاب الدعـوة، وإذا غضب انتقم الله عز وجل له سريعاً، وإذا حبَّ أمراً فعله الله له كما يختاره، وكان مع ضعف قوته وكبر سنه كثير النوافل دائم الذكر ظاهر الخشوع صابراً على حفظ حاله ومراعاة أوقاته.
وأمه أم الخير أمة الجبار فاطمة بنت أبي عبد الله الصومعي المذكور آنفا. وكان لها حظ وافر في الخير والصلاح.
قال صاحب بهجة الأسرار: أخبرنا عنها الفقيه أبو علي إسحاق بن علي بن عبد الله الهمداني الصوفي، قال: أخبرنا الشيخ الأصيل أبو عبد الله محمد بن عبد اللطيف بن الشيخ القدوة أبي النجيب عبد القادر السهروردي قال: أخبرنا الشيخ أبو خليل أحمد بن أسعد بن وهب بن علي المقري البغدادي ثم الهروي قال: أخبرنا الزوجان الصالحان الإمام الورع أبو سعد عبد الله بن سليمان بن جعران الهاشمي الجيلي وأم أحمد الجيلية بها قالا: كان لأم الخير أمة الجبار فاطمة بنت عبد الله الصومعي أم الشيخ عبد القادر (رضي الله عنه)، قدم في هذا الأمر وسمعنا تقول غير مرة: لما وضعت إبني عبد القادر كان لا يرضع ثديي في نهار رمضان، وغمَّ على الناس هلال رمضان، فأتوني وسألوني عنه فقلت لم يلتقم اليوم ثديا، ثم اتضح أن ذلك اليوم كان من رمضان. واشتهر ببلادنا في ذلك الوقت أنه وُلِـد للأشراف ولد لا يرضع في نهار رمضان.
وكان له أخاً اسمه عبد الله، سنه دون سن الشيخ ونشأ نشأة صالحة في العلم والخير ومات بجيلان شاباً.
أما وصفه (رضي الله عنه) كما أخبر به قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الإمام عماد الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي قال: أخبرنا شيخنا الإمام العادل الرباني موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي قال: كان شيخنا شيخ الإسلام محي الدين أبو محمد عبد القادر الجيلي نحيف البدن ربع القامة عريض الصدر عريض اللحية طويلها أسمر اللون مقرون الحواجب أدعج العينين ذا صوت جهوري وسمت بهي وقدر علي وعلم وفي رضي الله عنه وأرضاه.
· نسبه الشريف (رضي الله عنه)
هو شيخ الإسلام تاج العرفين محي الدين أبو محمد السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني ابن ابي صالح موسى بن عبد الله الجيلي بن يحى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهم الهاشمي القريشي.
· نشأته (رضي الله عنه)
ولد الشيخ عبد القادر الجيلاني في مدينة صغيرة اسمها نيف، وقيل بشتير، في إقليم جيلان الذي يقع في القسم الشمالي من إيران جنوبي بحر قزوين، وهو إقليم خصب التربة كثير الأنهار غزير الأمطار، وعاش في كنف جده لأمه السيد عبد الله الصومعي، فكان ينسب إليه عندما كان في جيلان، فيقال ابن الصومعي، وكان له أخاً واحداً، كذا ذكره ابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب). إن أخاه كان اسمه عبد الله وكان أصغر منه وكان رجلاً صالحاً، عاش في جيلان وتوفي فيها وهو شاب، فنشأ (رضي الله عنه) عابداً صالحاً تقياً زاهداً في الدنيا مقبلا على الآخرة طموحاً إلى معرفة أصول الشريعة وفروعها ومداخلها ومخارجها، ولم يكن في بلاد جيلان ما يرضي طوحه ويروي ظمأه من علوم الشريعة، لذلك أخذت تحدثه نفسه بالسفر إلى بغداد حاضرة الدنيا في ذلك الزمان وكان أهل جيلان يدينون بالمذهب الحنبلي في ذلك العهد بعد النصر العظيم الذي نالته السنة المطهرة على يد حاميها ورافع لوائها الإمام أحمد بن حنبل (رضي الله عنه)، مما جعل ذكره يسير في البلاد ويتغلغل في قلوب العباد.
وكانت بغداد مثوى الإمام أحمد بن حنبل أيضاً حبيب أهل جيلان وهذا مما زاد.
· شيوخه وأساتذته (رضي الله عنه)
سمع الحديث (رضي الله عنه) من أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني وابي بكر أحمد بن المظفر، وأبي القاسم علي بن بيان الرذاذ، وأبي محمـد جعفر بن أحمد السراج مؤلف كتاب مصارع العشاق توفي سنة خمسمائة وتسعة، وأبي سعيد محمد بن خشيش، وأبي طالب بن يوسف، وتفقه على أبي الوفا بن عقيل، وكان شيخ الحنابلة في بغداد، وأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني الحنبلي، والقاشي أبي سعيد المبارك بن علي المخرمي المتوفي سنة خمسمائة وثمانية وعشرون، وأبي الحسن بن القاضي أبي يعلى الفرَّا الحنبلي، وقرأ الأدب وعلم البيان والبلاغة على أبي زكريا يحيى التبريزي المتوفي سنة خمسمائة واثنان هجرية، وأخذ علم التصوف عن أبي محمد جعفر بن أحمد السراج المتوفي سنة خمسمائة وتسعة، وعن الشيخ حماد بن مسلم الدباس المتوفي سنة خمسمائة وخمسة وعشرون من الهجرة، وعن القاضي أبي سعيد المخرمي المخزومي الذي أخذ الطريق عنه وتفقه على يديه وخلفه على مدرسته، كذا في المنتظم لابن الجوزي، والعبر في خبر من عبر وسير أعلام النبلاء للذهبي، والذيل على طبقات الحنابلة لإبن رجب.
وقرأ القرآن وعلومه وقراءته وتفسيره على أبي الوفا علي بن عقيل الحنبلي الخطاب محفوظ الكولذاني.
ومن شيوخه أيضاً أبو الغنائم محمد بن محمد بن علي الفرسي وعبد الرحمن بن أحمد بن يوسف وأبو البركات هبة الله المبارك وغيرهم. واستمر هذا الدرس والتحصيل هذا برع في الأصول والفروع وأنواع الخلاف وعلوم القرآن والبلاغة والأدب، وأنصب أكثر اهتمامه على دراسة المذهب الحنبلي ثم درس معه المذهب الشافعي ودام هذا الدرس والتحصيل ثلاثاً وثلاثين سنة، ولكنه لم يكن متصلاً بل متقطعاً على حسب الظروف والأحوال رضي الله عنه وأرضاه.
· سنده في الطريقة (رضي الله عنه)
سند مولانا الشيخ عبد القادر الجيلاني (رضي الله عنه) كما ذكره والدنا الشيخ محمد أحمد الماحي (رضي الله عنه):
أخذ (رضي الله عنه) السند، عن الشيخ المبارك المخزومي (رضي الله عنه)، عن الشيخ أبي الحسن القرشي (رضي الله عنه)، عن الشيخ طرطوس المكي (رضي الله عنه)، عن الشيخ عبد الواحد التميـمي (رضي الله عنه)، عن الشيخ أبو بكر الشبلي (رضي الله عنه)، عن الشيخ حبيب الله العجمي (رضي الله عنه)، عن الإمام الجنيد (رضي الله عنه)، عن الشيخ سري السقط (رضي الله عنه)، عن الشيخ معروف الكرخي (رضي الله عنه)، عن الشيخ حسن البصري (رضي الله عنه)، عن السيد علي الرضا (رضي الله عنه)، عن السيد موسى الكاظم (رضي الله عنه)، عن السيد جعفر الصادق (رضي الله عنه)، عن السيد محمد الباقر (رضي الله عنه)، عن السيد زين العابدين (رضي الله عنه)، عن الإمام الحسين (رضي الله عنه)، عن الإمام علي (كرم الله وجهه)، عن سيد الأنام خاتم الأنبياء الكرام (صلى الله عليه وسلم).
وذكر صاحب كتاب بهجة الأسرار سنداً عن وجه آخر:
أخذ (رضي الله عنه) السند، عن أبي سعيد المبارك المخزومي وهو أخذها عن سيدي أبي الحسن على بن يوسف القرشي الهكاري وهو أخذها عن سيدي أبي الفرج الطرطوسي وهو أخذها عن سيدي أبو بكر الشبلي وهو أخذها عن سيدي أبي القاسم الجنيد البغدادي وهو أخذها عن سيدي السر السقطي وهو أخذها عن سيدي أبي محفوظ معروف الكرخي وهو أخذها عن سيدي داود الطائي وهو أخذها عن سيدي حبيب العجمي وهو أخذها عن سيدي حسن البصري وهو أخذها من سيدي أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه).
· جلوسه للإرشاد والتدريس (رضي الله عنه)
اعلم رحمني الله وإياك أن شيخ الإسلام محي الدين عبد القادر الجيلاني (رضي الله عنه) لما تحلى بحلل العلوم الشرعية ونال لطائفها وتجمَّـل بتيجان الفنون الدينـية وحاز شرائفها وهجر في مهاجرته إلى الحق كل الخلائق، وتزود في سفره إلى ربه أحسن الآداب وأشرف الحقائق، وعقدت له ألوية الولاية فوق العلا ذوائبها ورفعت له منازل جلي له في سماء القرب كواكبها ونظر إلى رقوم الفتح في زيول الكشف عن الأسرار، وشخص سره إلى شموس المعارف من مطالع الأنوار، ورفعت أسراره إلى مشاهد المجد والكمال ودوام إحضاره في معالم العز والجلال، وشاهد مجاري القدر في تصاريف المشيئات، وأتاه الأمر النقي من تدنيس التلبيس بالجلوس للوعظ، والتصدر للتدريس، وكان أول جلوسه في شوال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، لله در مجلس تجلله الهيبة والبهاء وتحف به الملائكة والأولياء فقام بنص الكتاب والسنة، خطيباً على الأشهاد، ودعا الخلق إلى الله عز وجل، فأسرعوا إلى الإنقياد، يا من داع أجابته أرواح المشتاقين، ومن مناد لبته قلوب العارفين.
وكانت خطبته في مجالس وعظه (الحمد لله رب العالمين .. ويسكت، ثم يقول الحمد لله رب العالمين .. ويسكت، ثم يقول الحمد لله رب العالمين .. ويسكت، ثم يقول عدد خلقه وزنة عرشه ورضاء نفسه ومداد كلماته ومنتهى علمه وجميع ما شاء وخلق وذرأ وبرأ عالم الغيب والشهادة، الرحمان الرحيم، الملك القدوس، العزيز الحكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين ليظهره على الدين كله ولو كره المشركين، اللهم أصلح الإمام والأمة، والراعي والرعية، وألِّف بين قلوبهم في الخيرات، وأدفع شر بعضهم عن بعض، اللهم أنت العالم بسرائرنا فأصلحها، وأنت العالم بذنوبنا فاغفرها، وأنت العالم بعيوبنا فاسترها، وأنت العالم بحواجنا فاقضها، لا ترانا حيث نهيتنا، ولا تفقدنا حيث أمرتنا، ولا تنسنا ذكرك ولا تؤمنا مكرك ولا تحوجنا إلى غيرك ولا تجعلنا من الغافلين، اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا، أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية، وأشغلنا بك عمن سواك، أقطع عنا كل قاطع يقطعنا عنك، ألهمنا ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ثم يلتفت عن يمينه (رضي الله عنه) ويقول: لا إله إلا الله، ما شاء الله كان، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم يشير تلقاء وجهه بإصبعه ويقول: لا إله إلا الله، ما شاء الله كان، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم يلتفت عن يساره ويقول هكذا. ثم يقول: لا تبد أخبارنا، لا تهتك أستارنا، لا تؤاخذنا بسوء أعمالنا، لا تحينا في غفلة ولا تأخذنا على غرة، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، ثم يتكلم رضي الله عنه.
وكان (رضي الله عنه) يتكلم في أول مجلسه بأنواع العلوم وكان إذا صعد الكرسي لا يبسط أحداً ولا يتمخط ولا يتنحنح ولا يتكلم ولا يقوم هيبة له، وكان أقصى الناس في مجلسه يسمع صوته كما يسمعه أدناهم على كثرتهم، وكان يتكلم على خواطر أهل المجلس ويوجههم بالكشف.
وكان (رضي الله عنه) يتكلم في الأسبوع ثلاث مرات بالمدرسة، بكرة الجمعة وعشية الثلاثاء وبكرة الأحد، وكان يحضر مجلسه العلماء والفقها والمشايخ وغيرهم، ومدة كلامه (رضي الله عنه) على الناس أربعون سنة، أولها سنة إحدى وعشرين وخمسمائة وأخرها سنة إحدى وستين وخمسمائة. ومدة تصدره للتدريس والفتوى بمدرسته ثلاثة وثلاثون سنة أولها سنة ثمانية وعشرون وخمسمائة وأخرها سنة إحدى وستين وخمسمائة، وكان يقرأ في مجلسه مقريان بغير ألحان ولكن قراءة مجوَّدة مرتلة، وكان يقرأ في مجلسه أيضاً الشريف أبو الفتح مسعود بن عمر الهاشمي، وكان يموت في مجلسه الرجلان والثلاثة، وكان يكتب ما يقول في مجلسه أربعمائة محبرة عالم وغيره.
قال الشريف أبو الفتح الهاشمي المقرئ: استدعاني الشيخ (رضي الله عنه) للقراءة، فلما قرأت بكى.
قال عبد الله الجاني: قال لي الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلي (رضي الله عنه): أتمنى أن أكون في الصحاري والبراري كما كنت في الأول، ولا أرى الخلق ولا يروني، ثم قال: أراد الله عز وجل مني منفعة الخلق، فإنه قد أسلم على يدي أكثر من خمسمائة من اليهود والنصارى، وتاب على يدي أكثر من مائة ألف وهذا خير كثير.
وكان (رضي الله عنه) يلبس لباس العلماء، ويركب البغل، وترفع بين يديه الغاشية، ويتكلم على كرسي عالي، وكان في كلامه سرعة وجهر، وله كلمة مسموعة، إذا قال أنصت له، وإذا أمر ابتدر لأمره، وإذا رآه ذو القلب القاسي خشع، وإذا مرَّ إلى الجامع يوم الجمعة وقف الناس في الأسواق يسألون الله تعالى به حوائجهم، وكان ذو هيبة عظيمة إذا نظر إلى أحد يكاد يرعد من هيبته رضي الله تعالى عنه. نفعنا الله تعالى ببركته.
· مؤلفاته (رضي الله عنه)
[الفيوضات الربانية /ديوان الشيخ عبد القادر/ رسائل الشيخ عبد القادر/ وصايا للشيخ /ورد الجلالة للجيلاني / بهجة الأسرار (مجموعة مواعظ للشيخ عبد القادر)/ معراج لطيف المعاني/ الرسالة الغوثية/ مسك الختام في تفسير القرآن الكريم/ رد الرافضة/ سر الأسرار في التصوف/ يواقيت الحكم/ المواهب الرحمانية والفتوحات الربانية/ حزب بشائر الخيرات/ فتـــوح الغيب/ الفتح الرباني/ الغنية لطالبي طريق الحق]
· وفاته (رضي الله عنه)
توفي السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني (رضي الله عنه) ببغداد، ليلة السبت الثامن من شهر ربيع الآخر سنة خمسامئة وإحدى وستون من الهجرة النبوية، ودفن ليلاً بمدرسته بباب الأزج، وقد كثر الزحام فإنه لم يبقى ببغداد أحداً إلا وجاء وامتلأت الحلبة والشوارع والأسواق والدور فلم يتمكن من دفنه نهاراً وفرغ من تجهـيزه ليلاً وصلى عليه إبنه الشيخ عبد الوهاب، وكان يوماً مشهودا، وقيل أنه لم يمرض في حياته مرضاً شديدا سوى مرض موته الذي دام يوماً وليلة فقط. وقد سأله ابنه الشيخ عبد العزيز عن مرضه فقال له: لا يسألني أحد عن شيء، أنا أتقلب في علم الله عز وجل، إن مرضي لا يعلمه أحد، ولا يعقله أحد، وسأله إبنه الشيخ عبد الجبار، ماذا يؤلمك من جسمك؟ فقال (رضي الله عنه): جميع أعضائي تؤلمني إلا قلبي فما به ألم، وهو مع الله عز وجل، وكان يقول رحمه الله تعالى: أنا لا أخاف من إي إنسان، أنا لا أخاف من الموت ولا من ملك الموت، وكان يرفع يديه ويردهما وهو يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أتاه الحق وسكرة الموت وجعل يردد: أستعنت بلا إله إلا الله سبحانه وتعالى هو الحي الذي لا يموت، ولا يخشى الموت، سبحان من تعزز بالقدرة وقهر عباده بالموت، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد تعذر عليه التلفظ بكلمة: تعزز، فظل يرددها حتى تلفظ بها، ثم أخذ يردد: الله، الله، الله حتى خفي صوته ولسانه ملتصق بسقف حلقه ثم خرجت روحه الكريمة، رضوان الله تعالى عليه.
وترك وصية وصى بها أولاده هذا نصُّـها:
عليك بتقوى الله عز وجل وطاعته، ولا تخف أحداً سوى الله، ولا ترجوا أحداً سوى الله، وكل الحوائج كلها إلى الله عز وجل، واطلبها جميعها منه، ولا تثـق بأحدٍ سوى الله عز وجل، ولا تعتمد إلا عليه سبحانه، وعليك بالتوحيد، التوحيد، التوحيد، فإن جماع الكل التوحيد، ثم قال : مُروا بأخبار الصفات على ما جاءت، الحكم يتغير والعلم لا يتغير، الحكم يُنسخ والعلم لا يُنسخ.
أوصيك يا ولدي بتقوى الله وطاعته، ولزوم الشرع وحفظ حدوده، واعلم يا ولدي أن طريقتنا هذه مبنيـة على الكتاب والسنة وسهل الصدور وسخاء اليد وبذل الندى وكف الجفا وحمل الأذى والصفح عن عثرات الأخوان.
· إنتشار الطريقة القادرية (رضي الله عنه):
إن الطريقة التي أسسها السيد الشيخ عبد القادر الجيلي (رضي الله عنه) تستند على الكتاب والسنة وعلى هذا الأساس اكتسبت ثوباً قوياً جعلت الناس أن يوصفوها بأنها زبدة الدين الإسلامي الحنيف وخلاصته وقد نالت هذه الطريقة رغبة لما عُرفت بالصلاح والزهد ولم يدخلها الغلو. وقد انتشرت في جميـع البلدان الإسلامية وغير الإسلامية.
وانتقلت هذه الطريقة إلى إسبانيا وإلى غرناطة، وانتقل مركز الطريقة القادرية إلى المغرب إلى فاس، وبواسطة أنوار هذه الطريقة زالت البدع من البربر وتمسـكوا بالسنة والجماعة، واهتدى زنوج إفريقيا على يد مشايخ هذه الطريقة العلية.
إن شيوخ السجادة القادرية يعطوا لكل مريد ينتسب إلى الطريقة شجرة النسب، والإجازة بالأوراد، ليكون السند متصلاً.
وتأسست أول زاوية قادرية خاج العراق في فاس المغرب وأسسها السيد إبراهيم بن السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني (رضي الله عنه).
وانتشرت في آسيا الزوايا القادرية وكانت تسمى ( قادري خانة ).
وانتشرت في الحجاز الزوايا القادرية بفضل الله تبارك وتعالى حتى وصلت إلى ثلاثمائة وواحد وثمانون زاوية في مكة المكرمة، سنة ستمائة وواحد وستون للهجرة.