مميز
EN عربي
الكاتب: طريف السيد عيسى
التاريخ: 02/01/2012

حتى متى يعبث في الجهاد ؟!

مقالات
حتى متى يعبث في الجهاد ؟!
كلما وقع تفجير هنا أو هناك فمباشرة ترتسم علامات الخوف والقلق على وجوه المسلمين خشية أن يكون الفاعل مسلماً !!! ففي يوم السبت 11/12/2010 حاول أحد الأشخاص القيام بعمل إجرامي يستهدف مدنيين أبرياء وسط العاصمة السويدية أستوكهولم، ففشل في ذلك ولم تنفجر سوى قنبلة واحدة من القنابل الستة التي كانت بحوزته، مما أدى لمقتل الشخص نفسه فقط وجرح اثنين من الناس. سهل علينا نسبة هذا العمل الإجرامي لجهة مجهولة هدفها تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وهذا متوقع ووارد وأحد الاحتمالات، لكن أحد المواقع الجهادية على شبكة الانترنت (شموخ الإسلام) وضعت صورة المنفذ ووصفته بالمجاهد !!!. كما أن المعلومات تؤكد أن الفاعل مسلم وأنه قام بهذا العمل رداً على ما يتعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم من السخرية والاستهزاء من قبل بعض الإعلاميين ووسائل الإعلام في السويد وأيضاً بسبب مشاركة السويد في القوات المتواجدة في أفغانستان. وبغض النظر عن دين ومعتقد الفاعل، فهذه الجريمة مرفوضة ومدانة مهما كانت الأسباب والمبررات. بداية أقول إن الإدانة والرفض لمثل تلك الجرائم من قبل المسلمين أشخاصاً ومؤسسات في السويد وخارجها ليس مجاملة ولا خوفاً ولا تملقاً إنما هو موقف يفرضه الإسلام على كل مسلم، فالإسلام يقف ضد كل أشكال العنف والإرهاب سواء كان المنفذ شخصاً أو دولة أو تنظيماً، وسواء كان المنفذ مسلماً أو غير مسلم. ألا يكفي هؤلاء الفاسدين والقتلة أنهم يوقعون المسلمين في جو من الرعب والقلق والخوف، فلقد طفحَ الكيل، وبَلغَ السيلُ الزُّبى، وفي مِثْل هذه الأحداثِ عظيمةِ الفساد لا تسوغ التخطئةُ الخافتة، أمَّا التبرير واختلاق الأعذار لهؤلاء المفسدين، فهو من المشاركة في الإثْم والعدوان، ولذا فلا بدَّ من الحديث الصريح والإدانة الواضحة، ولا يوجد في إسلامنا ما يجعلنا نشعر بالخجل والحرج فهو دين رباني جاء به خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتحمل هذا الدين عبث العابثين وخطأ المخطئين. بصوت مسموع نقول: ماهي المصلحة للإسلام والمسلمين من وراء تنفيذ تلك الجرائم ؟ هل هذه التفجيرات العمياء والهوجاء تنشر الإسلام وتقدمه للناس كما جاء به خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ؟!. هذه الأعمال تخرب أكثر مما تصلح، وتشوه صورة الإسلام والمسلمين، وتعرقل مصالح المسلمين، وتقف عقبة أمام عرض هذا الدين السمح الرحيم الذي جاء به خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الفاعل يدعي أنه يقوم بواجب ديني، فنقول له: لقد خرجت عن الفهم الصحيح للإسلام، ولقد حملت نصوص السنة والقرآن مالا تحتمل. أعمال هوجاء تنفذ باسم الإسلام وباسم الجهاد !!! يتعرض الجهاد في وقتنا الحالي للعبث بواسطة رؤوس جهال، وينسبون أعمالهم للإسلام والجهاد زورا وبهتانا، في حين يجمع أهلُ الإسلام على حُرمتِها، وشدَّة انحرافها. ومن الأسباب الرئيسية التي تدفع بهؤلاء: ضعف التربية الإيمانية، وقلة معرفتهم بالفقه والأحكام الشرعية، والتعصب الأعمى، والمواقف المعادية للإسلام والمسلمين وما يحصل في البلاد الإسلامية التي تقع تحت الاحتلال. إن أفعالهم أبعدُ ما تكون عن مقاصدِ الجهاد وغاياته، نتيجةَ امتلائها بالمفاسد الضخمة، وصُورِ التعدِّي الفجَّة على حُرمات الله وشعائره، مِن تكفيرٍ وتخوين، واستحلالٍ للدَّمِ الحرام والمالِ المعصوم، وترويع للآمنين، بما لا يُقرُّه شَرْع، ولا يرضاه عَقْل، ولا يتوافق مع تعاليم الإسلام. وأيًّا كانتِ البواعث والنوايا للفاعلين فلا رَيبَ أنَّ ما يقومون به من تفجيرات وقتل هي من الجرائمِ المحضة المحرَّمة لذاتها، فضلاً عن أن تكون محرَّمة لِمَا يترتب عليها من مفاسدَ عظمى تُشوِّه الإسلام، وتَفُتُّ في عضد أهله، وتَحُولُ بين دعاة الإسلام - مؤسَّساتٍ وأفرادًا - وبين الاستمرار في أداء رسالتهم التي حمَّلهم الله تعالى القيامَ بها. ومما أكد عليه الإسلام أن أي عمل حتى يكون مقبولاً لابد أن تتوفر فيه شرطان:
1- النية الصادقة والمخلصة.
2- أن يكون سليما صحيحا، أي موافقا للقرآن الكريم والسنة النبوية.
هل جلس هؤلاء جلسة مراجعة وسألوا أنفسهم: هل مطلوب مني أن أموت بهذه الطريقة دونما هدف ولا غاية ؟ هل عملي هذا بتفجير نفسي في مكان يتجمع فيه الناس، حيث كل منهم يتجه لحاجته، فواحد يذهب لعمله طالبا للرزق، وآخر طالب جامعي، وثالثة عجوز قتلتها الوحشة فخرجت تروح عن نفسها، فيأتي هذا الشخص لينهي حياة هؤلاء جميعا بضغطة على زر !!!. هذا الشاب ماذا أراد أن يقول هو ومن أرسله ؟ هل يظنون أنهم يملكون حقِّ سلبِ حياةِ هؤلاء بدعوى أنهم مجاهدون، يدافعون عن الإسلام ؟ الجواب بكل بساطة ... إنه الجهل. وبسبب الجهل سُفِـكت الدماء، واتسع الخرق على الراتق، واختلط الحابل بالنابل، ولم نعد نعرف من أين تخرج الرصاصة، أو من الذي سحب مسمار التـفجير، هل هو الشاب الملتف بالحزام الناسف أم آخر يجلس بعيداً بعيداً ... يظن هؤلاء أنهم يريدون عودة الإسلام والخلافة، ومن يرفض ذلك، لكن هل العودة تكون بحزام ناسف ورصاصة طائشة وقتل أعمى. أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا، فلقد تعرض وأصحابه لكل صور العذاب والسخرية والاستهزاء، لكنه صلى الله عليه وسلم تعامل مع هذا الواقع بالحكمة والشجاعة وضبط النفس وبكل ما تقتضيه مراحل الدعوة الإسلامية. ألم يمتنع الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتلَ المنافقين وهم معروفين عنده، لكنها الحكمة، ولا يقولن متقول أنه حكم انتهى زمانه، بل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم تشريع باق يعمل به حسب الظروف. وحتى لا يتاجر أحد بالجهاد الذي له مكانته وشرفه في الإسلام، وأنَّه ذِروةُ سَنام الإسلام، وبابٌ من أبواب الجنة، لكنَّ النصوصَ من القرآن والسنة الآمرة بالجهاد والمبُيِّنةَ لفضائله إنَّما تصدُق على الجهاد الشرعي. أمَّا عمليات الإفساد في الأرْض وسائر الأعمال العبثيَّة باسم الجهاد، فهي مِن أبعد ما تكون عن ذلك، ولذا كانت ثِمارُ أعمالهم نَكِدَة، بين ظُلم، وتكفير، وجرأة على الدَّمِ الحرام والمال المعصوم، وبثٍّ للفُرقة، وزراعة للحقد والضغينة، وتهديد للأمن، وتشويه لقِيَم الإسلام وثوابته، ومُفارقةٍ لأصول أهل السُّنة، وتصدير لسُّفهاء الأحلام، واجتهاد في إيذاء المؤمنين، وقتْل المسلمين والمستأمنين،… وهلمَّ جرًّا من العبث بأرواح الناس سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. وكما قلت سابقا الجهاد عبادة من العبادات ولا بدَّ فيها من شيئين: أن يُراد بها وجهُ الله، وأن تكونَ موافِقةً للشريعة، وما لم يتوفَّر فيه ذلك فهو خارجٌ عن المسمَّى الشرعي للجهاد، ولا يجوز لأحدٍ أن يُجاهِدَ على خلاف ذلك، والنصوص جلية في ذلك. ففي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنَّ أوَّل الناس يُقضَى يومَ القيامة عليه رجلٌ استُشهِد فأُتِي به فعرَّفه نِعمَه فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدت، قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ لأنْ يُقالَ: جَرِيء، فقد قِيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهِه حتى ألْقِي في النار). وروى الإمام أحمد بن حنبل وقال الأرناؤوط ورجاله ثقات رجال الشيخين. عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع - رضي الله عنه - قال: أتيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وغزوتُ معه فأصبتُ ظهراً، فقُتِل الناس يومئذ، حتى قَتَلوا الولدان، وقال مرَّة: الذريَّة، فبَلَغ ذلك رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: (ما بالُ أقوام جاوزهم القتلُ اليوم حتى قتلوا الذريَّة؟!) فقال رجلٌ: يا رسول الله، إنَّما هم أولادُ المشركين، فقال: (ألاَ إنَّ خياركم أبناءُ المشركين، ثم قال: ألاَ لا تقتلوا ذريَّة، ألاَ لاَ تقتلوا ذريَّة، قال: كلُّ نَسَمة تُولَد على الفِطرة، حتى يعربَ عنها لسانُها، فأبواها يهودانها وينصرانها). وأجمع أهل العلم أنَّ مَن لم يكن من أهل القِتال، كالنِّساء والصبيان، والشيوخ الفانين، والعُميان والزُّمَناء والمجانين، والرهبان وأرباب الصوامع، أنَّ هؤلاء جميعًا لا يُقتلون في الجهاد، لأنَّ القتال هو لِمَن يقاتلنا إذا أردْنا إظهارَ دين الله، فمَن لم يقاتلنا مِن هؤلاء لم يَجُز قتالُه، وذلك أنَّ الله - تعالى - إنَّما أباح مِن قَتْل النفوس ما يُحتاج إليه في صلاح الخلق. كما قال سبحانه: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) البقرة - 217. أي: إنَّ القتْل وإن كان فيه شرٌّ وفساد، ففي فتنة الكفَّار من الشرِّ والفساد ما هو أكبرُ منه، فمَن لم يمنعْ المسلمين من إقامة دِين الله لم تكن مَضرَّةُ كفرِه إلاَّ على نفسه. إنَّ الجهاد الشرعي: ما استجمع الشروط وانتفتْ عنه الموانع، إذْ كلُّ حكم علق باسم شرعي، إنَّما يثبت لِمَن اتصف بالصِّفات الموجبة لذلك لا غير، وهؤلاء الذين يفسدون في الأرض وإن انتسبوا إلى الجهاد - مع أنَّ عامة عملهم بغيٌ وتعدٍّ - ليسوا منه في شيء، وإن تسمَّوْا به وتسمَّوْا. يقول الشيخ فيصل بن علي البعداني في بحث له بعنوان: الجهاد الزائف: "أنَّ من الشَّرْع المُحْكَم، ومن أعظم القُرُب، ومن الواجب المتفق عليه بين المسلمين: تبيينَ صور الجهاد الزائفة، والإنكار على هذا الصِّنف في باطلهم بلا ظلم، وإن سُمِّي جهادًا، وانتسب القائمون به في الظاهر إلى أهل الخير والدَّعوة، حتى لا يحصلَ التلبيس على المسلمين، ويتمادَى هؤلاء الضُّلاَّل في فسادهم؛" يقول ابن تيمية في مجموعة الرسائل والمسائل 5/110: "أئمة البِدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسُّنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسُّنة، فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمَّة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين، حتى قيل للإمام أحمد: الرجلُ يصوم ويُصلِّي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلَّم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنَّما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع، فإنَّما هو للمسلمين، هذا أفضل، فبيَّن أنَّ نَفْع هذا عامٌّ للمسلمين في دِينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهير سبيل الله ودِينه ومِنهاجه وشِرْعته، ودفْع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتِّفاق المسلمين، ولولا مَن يقيمه الله لدفْع ضرر هؤلاء لفَسَد الدِّين، وكان فسادُه أعظمَ من فساد استيلاء العدوِّ من أهل الحرب، فإنَّ فساد هؤلاء إذا استولوا لم يُفسدوا القلوب، وما فيها من الدِّين إلاَّ تبعًا، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء". وقال أيضا في مجموع الفتاوى 28/231: "ولهذا وجَبَ بيانُ حال من يغلط في الحديث والرواية، أو من يغلط في الرأي والفُتيا، ومَن يغلط في الزُّهْد والعبادة، وضررُ هؤلاء الغالطين في أبواب الجهاد موازٍ لضرر أولئك إن لم يكن أشدَّ، فكيف لا يُصدع بالإنكار عليهم؟" . وأنقل كلاماً نفيسا لفضيلة الشيخ سلمان العودة حول نفس الموضوع بتصرف فيقول: "كنت وما زلت أدعو علماءنا ودعاتنا المخلصين إلى تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، ونزع الاسم الربّاني المقدّس "الجهاد" عن أعمال التنظيمات القتالية، التي تقتل الأبرياء، وتزعزع الأمن في بلاد الإسلام وغيرهم، أو في بلاد أخرى بيننا وبينها عهد وميثاق؛ تجب رعايته واحترامه بنص الكتاب العزيز: "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" المائدة: من الآية1، وقوله تعالى: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا" النحل: من الآية91. وليس أحد من أفراد الناس مفوّضاً بنقض الاتفاق، ولا بإعلان الحرب، مهما كانت الأوضاع والظروف والأحوال. وأنا اليوم أؤكد على أهمية التواصي بالوضوح في إدانة جرائم الفساد في الأرض، التي تمارس باسم الإسلام، أو باسم الجهاد، وكشف الغطاء عنها بأسمائها، سواء تسمّت باسم القاعدة، أو تنظيمات الجهاد، أو الجماعات القتالية أو المقاتلة، أو الدولة الإسلامية، ولا تكفي الغمغمة أو التعميم أو الإجمال، وأستثني من ذلك مقاومة المحتل والدفاع عن الوطن كما في الحالة الفلسطينية التي هي محل إطباق وإجماع. ومن هنا أوصي نفسي وإخواني من الخطباء والمتحدثين والكتّاب؛ أن نستخدم أوضح الأساليب وأبينها في إنكار هذا المنكر العظيم، الذي فيه سفك الدماء، وتدمير المجتمع، وتشويه الإسلام، وتعويق التنمية، والفساد في الأرض، والعدوان على الأرواح، والعبث بالضروريات الشرعية والإنسانية. فلا نخلط بذلك حديثاً عن منكرات أخرى، ونربط بعضها ببعض مما يوهم بعض الجاهلين أننا نصنع مسوغاً أو نلتمس مبرراً، لا نعرّض بالتكفير أو التفجير حين نعالج منكراً اجتماعياً أو سياسياً أو إعلامياً فنقول: هذا سبب التكفير أو سبب التفجير، امنعوا المنكرات حتى لا تعطوا سبباً لتطرف الشباب... هذه لغة غير جيدة، قد توحي لبعض هؤلاء بأنهم معذورون إذاً إذا رأَوا ما لا يعجبهم أن يسلكوا أسلوب العنف. ليس مهماً أن يدينني هذا أو ذاك بأنني أعمل لصالح جهة أو أخرى، أو أنني "حكومي" لأنني قلت ما لا يحب أن يسمعه، إنني أقولها صريحة يشهد عليها الله، أن هذا الاستنكار هو إحساس إيماني وقناعة عقلية محكمة، لم نمالئ فيها أحداً ولا جهة ولا طرفاً، ولسنا مع الحكومات ولا ضدها، ولكننا ضد الانحراف والتخريب والإفساد كله، وضد ما يمارس باسم الدين منه خاصة، كائنة ما كانت التبعة التي تترتب على هذا الإعلان وهذا الاستنكار والإدانة والتجريم. إنني أقولها صريحة مدوّية: إن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولا يهدي كيد الخائنين، والذين يقتلون المسلمين ويرهم باسم الإسلام، أو باسم تطبيق الشريعة؛ لن يفلحوا ولن يصلحوا، وسينالهم عقاب الله تعالى، وسيكونون مثلاً لغيرهم، إلا أن يتوبوا قبل ذلك. وإنني أدعو الذين لا يزالون يعذرون ويحجمون في خطابهم؛ أن يحسبوا حساب وقوفهم بين يدي الله، وأن لا يحملهم جور سلطانهم، أو تعويق مشروعهم أو القطيعة التي تمارسها الحكومات معهم على أن لا يعدلوا، فبالعدل قامت السماوات والأرض، ومن الرحمة بهؤلاء الشباب الأغرار ومن سيلتحق بهم غداً وبعد غدٍ؛ أن نقول لهم: هذا طريق لا يوصل إلى مقصد، ولا يعصم من شر، ولا يُقرّب من جنة، ولا يباعد من نار، ومن أراد النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة ورضوان الله والجنة؛ فليمسك بعصم الإسلام العظام، وأركانه ومحكماته، وليتوقّ الفتن، ولا يريقين محجمة دم حرام ولا مشتبهٍ، ولا يفتح لنفسه باب التأويل في المنكرات الصريحة، وأنت بجرأتك على الكبائر الموبقة ترتكب حوباً وجرماً أعظم عند الله وفي كتاب الله مما تزعم أنك تنكره، وهذا أعظم ما فعله الخوارج، وقوتلوا لأجله ؛ فلم يكن قتالهم لمجرد التكفير ولا الاعتزال، حتى قاتلوا واستحلّوا الدم، وأخافوا السبيل، وهتكوا حرمات الإسلام ؛ فكانوا شر فرق الإسلام بلا منازع، وصح الحديث عنهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من خمسة أوجه، كما قال الإمام أحمد، وكفّرهم بعض أهل العلم، وإن كان الراجح أنهم لا يُكفّرون. ليكن هذا حديث الأب مع أسرته، والأم مع أطفالها، والمدرس مع طلابه، والخطيب مع جماعته، والداعية مع مريديه، وليكن إعلان النكير هنا غير مربوط بحملة رسمية، ولا نفير إعلامي، ولا تكليف وظيفي؛ بل إحساس بمهمة ربانية، وأمانة تربوية، ومعالجة دعوية ؛ ليكن مدخلاً مناسباً للدعوة إلى التصالح مع النفس ومع المجتمع ومع المخالفين الذين يمكن مدّ الجسور معهم، والتوصل إلى نقاط مشتركة في حفظ الديانة وإقامة الدنيا، ولنرتق بتفكيرنا من الانتصار للنفس، أو الدفاع عنها، أو الثأر من الخصوم؛ إلى النظر في المصالح العامة والمستقبل، وما تحتاجه الأمة بعوامّها وخواصها وحكامها ومحكوميها وأثريائها وفقرائها وصالحيها وفجّارها؛ فكل هؤلاء من الأمة، ولهم حق الولاية بقدر إيمانهم، والحديث عن موضوع خطير كهذا لا يجوز أن يُشغب عليه بالحديث عن موضوع آخر، قد يكون مثله، أو دونه وله ميدان ومحل آخر، أو رجال مهتمون مختصون. إن بعض فاسدي العقول أصبحوا يتحدثون عن الاغتيال والقتل والتفجير وكأنه سنة نبوية، وهذا انحراف في الفهم وطيش في الأحلام، فهل أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتل سادة قريش بمكة أم بقتل المنافقين في المدينة أم بقتل زعماء اليهود أثناء المصالحة، وهل أعطي أحداً أن يكون القانون بيده يحكم بكفر أشخاص ثم ينفّذ عليهم العقوبة ؟ أيّ فوضى مدمرة أسوأ من تلك التي يحاول أن يجرّنا إليها هؤلاء ؟ إنني أقول ما أعلمه علم اليقين أن هؤلاء الذين شطّ بهم المسلك لو صار بيدهم من الأمر شيء لأفسدوا وأهلكوا الحرث والنسل وضيعوا وقطعوا وضلوا وأضلوا وفتنوا وافتتنوا لأنهم شاردون عن سواء السبيل، بعيدون عن فهم الشريعة وإدراك مقاصدها، جاهلون بسنن الله في خلقه، ولا يتأتى لهم نصر ولا توفيق، وهذا مما يقطع به من لديه وعي وبصيرة ومعرفة بالنواميس والسنة، ولكنهم يفلحون في إحداث البلبلة والإرباك، والتغرير ببعض البسطاء، وإطالة أمد الفتنة، يساعدهم على ذلك صمتنا ومجاملتنا وإحساننا الظن، مع أن الشواهد تدل على اختراق أجهزة أمنية إقليمية وعالمية لبعض هذه المنظمات والتأثير عليها ومدها بالمال وتسهيل مهماتها وهذا يعرفه الذين يحللون ويدرسون أوضاعها خاصة في العراق وفي إيران ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..." انتهى كلام الدكتور العودة. فإلى دعاة التكفير والقتل والتفجير: فكم من الدماء أريقت؟ وكم من الأبرياء والأطفال والشيوخ والعجزة والنساء قُتلوا باسم الجهاد، والجهاد من ذلك برئ ؟!. يا من تفجر نفسك في حشد من الناس الأبرياء أيسرك أن تلقى الله تبارك وتعالى تحمل هؤلاء الناس على ظهرك يوم لاينفع مال ولا بنون ؟! الإسلام دعانا للرحمة والرفق بالحيوان، فكيف بالناس والبشر ؟ قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِى عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِى لِمَنْفَعَةٍ). ما أعظمه وأروعه من دين يرعى الحرمات للحيوانات، فهل يعقل أن يترك دماء البشر ليعبث بها العابثون ؟! إن الإسلام رحيم سمح عدل ذا بعد إنساني، وكل من يختصره بقنبلة أو حزام ناسف أو رصاصة فهو يعمل ضد الإسلام ولا يقل عمله خطورة عما يفعله أعداء الإسلام من الحرب والمكيدة.

تحميل