مميز
EN عربي
الكاتب: عبد الكريم المدني
التاريخ: 12/05/2012

مسؤولية الأم في تربية النشء

مشاركات الزوار

مسؤولية الأم في تربية النشء


الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، وصلّى الله وسلّم وبارك على سيّدنا ومولانا محمّد سيّد أهل الأرض والسماوات، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغرّ الميامين، وعلى التابعين بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين ... وبعد:


فإنّ الشرع الحنيف قد أولى المرأة، من العناية والرعاية، ما لم يوله لغيرها وإن دلّ ذلك على شيء فإنّه يدلّ على عِظَمِ دور المرأة في المجتمع وأهميّة هذا الدور الذي ينبغي أن تقوم به المرأة في جنديتها لله تعالى، فإذا نظرنا إلى المرأة في المجتمع المُسلِم، فإننا نتبين مالها من أهميّة بالغة وقيمة عظيمة، ومجال واسع ينبغي أن تعمل عليه، وتقوم به، فهي مربيةٌ وهي معلّمة، وهي كافلة وهي حاضنة، فهي بانيةٌ للذات الإنسانيّة وللقيم العليّة وللمكارم السنيّة، فالمرأة هي أساس عظيم في المجتمع المسلم ...


ولذلك قالوا عن الأمّ :


الأمّ مدرسةٌ إذا أعددتها ... أعددت جيلاً طيّب الأعراق هذه المرأة، هي المرأة التي صدقت في إعداد نفسها الإعداد الصحيح، وعرفت مهمّتها القدسيّة في هذه الحياة فراحت تعمل في القيام بهذه المهمّة العظيمة الكريمة  فعرفت كيف تشقّ طريقها وتمشي فيه واثقة الخطا بهمّة عالية وعزيمة قوية، تبني الأرواح مع الأجسام بوحي الله تعالى، وبمنهاج الله تعالى، وبشرع الله تبارك وتعالى، وإنّه لشرفٌ عظيم، لمن صدقت في طلب هذا الطريق، تبتغي فيه أن تنال فيه عزّتها وكرامتها، وسؤددها في الدنيا والآخرة فالمرأة المسلمّة هي ربّة بيت تسعى لأن تجعله بيتاً يتلألأ لأهل السماء كما تتلألأ النجومُ لأهل الأرض، إنّه بيت المؤمنة التي همّها أن  تجعل من بيتها مكان التطبيق للوحي ومحلّ التنفيذ للمنهج الإلهي، ومكان البناء للرجال والنساء، الصالحين والصالحات، والهادين والهاديات، فبيتها وأسرتها بالنسبة لها سلّمٌ للترقي في مراتب القرب من الربّ تبارك وتعالى، لا تزال تصعد وتترقى من خلاله، حتى ترتقي أعلى ذروة المجد والعلياء ...


أيّها الأخوة الكرام :


يعتلج في أذهان كثير من الناس اليوم، همٌ بتحسين البيوت من حيث الصورة والشكل، من حيث الأثاث والجدران والبنيان، ونحو ذلك من الأفكار والهموم التي يشارك فيها كلّ إنسان، ولكنّ الخطاب الإلهي جاءنا بهمّ آخر للبيوت، همّ يتميز به المؤمن والمؤمنة عن غيرهم من الناس، همٌ يجب أن يحلّ محلّه من همومنا ومشاعرنا نحن المؤمنين بالله تبارك وتعالى إنّه هَمُّ البناء لمن في البيوت، هَمُّ بناء ذواتهم الإنسانية، وغرسُ القيم العليّة والأخلاق والمكارم السنيّة، هَمُّ الاهتمام بمنهج الله تبارك وتعالى، وإنّها والله لحصون حصينة، ترُدُ كيدَ أعداءِ الله تعالى عن الأمة لو عقلنا ...!


إنّ الحقّ تبارك وتعالى، أفرد سورة في القرآن الكريم، سمّاها سورة الحجرات هذه الحجرات هي قدوة البيوت المؤمنة إلى يوم الميقات، حجرات كانت مسكناً للذات التي هي أشرف الذوات عند ربّ البريات، إنّها ذات سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.


حجراتٌ بنت لنا أسس القيم وأسس الفضائل بجميع معانيها في جميع نواحي الحياة علّمتنا كيف يكون التكوين الأسريّ، وكيف تكون التربيَةُ للرجال والنّساءِ حجراتٌ صارت قبلةً للصحابة للتزود بالمعارف، فما بالكم بما بعدهم.


تلك الحجرات كانت حجرات من عرفوا معنى الجندية لله، فكانوا جنودً لله في كلّ حال وفي كلّ وقت وفي كلِّ قولٍ وفعل...!


وإننا اليوم أيها الأخوة بحاجة لأن نعرف نحن، وتعرفَ نساءُنا وبناتنا، أنّ لهنّ مرتبة في الجندية لله تعالى، حيث يتم على أيديهن الصلاح للبشرية بمعانٍ واسعة، كثيرة كبيرة، وأنّ باب الدخول لهذه الجندية، والإلتزام بهذا الشرف الكبير، إنّما يكون بالإتصال بأهل تلك الحجرات المشرّفة المكرّمة ... !


نحن بحاجة إلى أنّ ندرك معنى القدوة في السير إلى الله تبارك وتعالى والجندية له وبحاجة لإدراك معنى المهمة الدعوية العظيمة، التي لا ينبغي أن نغفل عنها في كلّ لحظة وفي كلّ عمل وفي كلّ قول .


فالأمّ التي تنطلق في تعاملها مع أبنائها من منطلق الدعوة إلى الله تبارك وتعالى مع غرسٍ لمعنى القدوة في قلوبهم، وربطهم بأهل تلك الحجرات المباركات .


هذه الأمّ التي تدرك هذه المعاني، وتنطلق من هذا المنطلق، وتقوم بهذا الواجب العظيم، هي مدرسةٌ بكلّ ما للكلمة من معنى ...!


إننا نفتقد لمعنى بناء البيوت، على أسس القدوة والإتباع للمنهج الذي جائنا به حبيبنا المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنحن بحاجة لأن ندرك مهمتنا في أداء الرسالة في أسرنا وبيوتنا، نحن بحاجة لتبليغ الرسالة لأولادنا ومن ثَمّ لمجتمعاتنا كلّها.


فعندما تخاطب الأمّ أولادها بأمر أو نهي، ترغيب أو ترهيب، حثّ أو منع عندما تخاطبهم بذلك وهي مدركة لسموّ المهمّة وعظم شأن تبليغ الدعوة والرسالة التي ينبغي أن تكون حاضرة في قلبها دائماً، عندها سيكون لكلامها هذا ونصيحتها تلك شأنٌ عظيم في قلوب أبنائها، ثمّ في أحوالهم وأفعالهم، لأن كلمتها تلك وقولها ذاك، هو أحسن قول يقوله قائلٌ، بشهادة قول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ولأنّ الصدق في الدعوة والتحرق على إقامة المنهج الرباني في نفسها وفي أولادها -هذا الصدق والتحرق الذي تحمله في قلبها- كفيلٌ بأن يجعل من كلامها دواءً لعلل أولادها، يشفون به من أمراض نفوسهم التي تعيقهم عن الترقي والسمو...!


ثمّ إنّ هذا الصدق والتحرق الذي ينبغي أن يحل في قلب كلّ شخص من الأسرة كفيل أيضاً، بأن يجعل العلاقة القائمة في الأسرة علاقة حبّ ومودة ورحمة، وأن ينزع من القلوب الغلّ والشحناء والبغضاء...


لأنّ من يفهم معنى الدعوة إلى الله تعالى في بيته وأسرته، ومن تفهم معنى الدعوة إلى الله تعالى في بيتها وأسرتها، لا بد أن تعلم ويعلم، أنّ أساس هذه الدعوة هو الشفقة والرحمة بالمخطأ والمقصّر، مع الحبّ وإرادة الخير والنجاة له، وعندها لن يكون منطلق كلامهم وأفعالهم فيما بينهم، انتصاراً للنفوس أو ردّ الإعتبار لها أو انتقاماً ممن أخطأ في حقّهم من زوج وولد، أو أخ وأخت أو غيرهم ... !


لأنّ حال الصدق مع الله تعالى في أداء هذه المهمّة العالية السامية، يجعلهم ينسون  نفوسهم وحقوقها، ويجعلُ القلبَ مُهتماً بحقّ الله تعالى، في أداء رسالته وتبليغها على أحسن وجه وأكمله ...


 فيسعى من تحلّى بهذا الصدق مع الله تعالى، في أن يقيم المنهج الرباني في أسرته وأولاده وإخوته وأخواته، وأن يبني فيهم الخلق الكريم النبوي، كلّ ذلك مع إدراك أهميّة ربطهم بالقدوة والأسوة الكاملة لهم جميعاً .


فالقدوة إنّما هو سيد الأولين والآخرين، وآله الطيبين الطاهرين، إنّهم أصحاب الحجرات المشرّفة، وما أعظمهم من قدوةٍ يهنأ بهم كلّ من اتخذهم قدوةً وأسوة له  في حياته.


فلتعلم هذه الأم التي حملت في قلبها هذه المعاني العظيمة -هذه الأمّ التي تحيى حياة السعداء وهي تبني في أولادها القيم، وتبني الذوات الكريمة، لتُنشئ مجتمعاً يعشق الترقي في التعامل، ويعشق القرب من الله تبارك وتعالى-  لتعلم هذه الأمّ أنّها أساسٌ في هذا المجتمع الفاضل، لأنّ هذه الفضائل تبنى على يديها عندما تدرك  مهمتها ورسالتها العظيمة...!


فلتعملن بنات اليوم أمّهات الغد، على بناء وإعداد ذواتهن، لتبليغ الرسالة وإيصال الدعوة، وليعملن لبناء المجتمع الصالح المؤمن، ومن أرادت منهنّ السير في هذا الطريق العظيم، ونيل هذا الشرف الفخيم، فعليها أن تتعلم من العلوم الشرعيّة الأساسية ما يُمَكِّنُها من القيام بهذا الواجب العظيم، وعليها أن تهتّم بسيرة المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم، وسيرة آل بيته وأصحابه، وعليها أن تهتم بأخبار بضعته الطاهرة رضي الله عنها وأخلاقها وآدابها، وسيرة ابنيها الحسن والحسين وأولادهما رضي الله عنهم جميعاً، نعم يجب أن نقرأ في سِيَرِ القُدوَةِ والأسوة فهؤلاء هم الذين ينبغي أن نقتدي بهم، وأن نغرس حبّهم وعشق متابعتهم في قلوب أولادنا، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: ((يا أيها الناس، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي)) أخرجه الديلمي.


فقد ربط الحبيب الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم بين القرآن الكريم وأهل بيته الطيبين الطاهرين في هذا الحديث الشريف، وفي هذا من الإشارة والتنبيه للنبيه ما يكفيه...!


فهذا الطريق قد بيّنه رسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، وما بقي إلا أن نسلكه ونهتم بما ترك لنا صلّى الله عليه وآله وسلّم من ميراث عظيم، فنتعلم كتاب الله تعالى ونعلّمه لأولادنا ونجعله دستوراً لنا ولهم، وإذا أردنا أن نفهم آياته وندرك عظمة معانيه، ونتخذه دستوراً نعمل بما فيه؛ فلنمزج تلاوتنا له بقراءة سيرة من كان خلقه القرآن صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، فنقرأ -مع تعلّمنا للقرآن الكريم- سيرة سيد ولد عدنان، وسيرة أهل بيته وصحبه الكرام لنفهم كما فهم العلماء الربانيين، وكما فهم آل بيت النبيّ الأمين صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم، فقد كانت حياتهم دروساً عملية تشرح معاني القرآن الكريم وتوضح آياته الكريمة ومعانيه العظيمة، فلنعلّق قلوب أبنائنا وبناتنا بهم وبسِيَرِهِم وبأخلاقهم وآدابهم، فلقد ربط الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم بينهم وبين القرآن الكريم في الحديث السابق وأيضاً في قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال، حبّ نبيكم وحبّ أهل بيته، وعلى قراءة القرآن))


فيجب أن يدرك كلّ من الآباء والأمهّات المعنى الراقي للحياة الأسرية العظيمة في خدمة هذه الدعوة وتبليغ هذه الرسالة، فهذه مهمّة أنيطت بنا لتربية الأجيال وبناء البيوت على المنهج الرباني والوحي الإلهي والسنّة النبوية المطهرة وربطهم بالقدوة والأسوة الحسنة، وبذلك ننال وإيّاهم الرفعة والسمو، وتكون التجارة الرابحة في الدنيا والآخرة، فما من تجارة أربح وأنجح من تربية النشء وتعليمه المبادئ والقيم، فهي في الدنيا ذكرٌ حَسَنٌ جميل، وفي الآخرة ثوابٌ من الله الكريم الجليل  ...


وفقنا الله جميعاً لمحابِّه من الأعمال، وجعلنا خدّاماً للرسالة النبوية الربانية، وشرّفنا بحمل الأمانة على أحسن حال وأتمّ وجه، إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ...


(( معاني مقتبسة من كلام الحبيب عمر بن محمّد بن سالم حفيظ رضي الله تعالى عنه . )) 


تحميل