مميز
EN عربي
الكاتب: أ.د.نور الدين عتر
التاريخ: 29/10/2013

المرأة والعمل

بحوث ودراسات

المرأة والعمل



د. نور الدين عتر



حق المرأة في العمل أو تسخير المرأة للعمل أمران يخلط فيهما كثير من الناس، ويحاول بعض الأدعياء أن يزخرف الثاني بالأول تضليلاً للرأي، وتسميماً للفكر، ينادون بحق المرأة في العمل، ويخفون من ورائه تسخير المرأة للعمل إرواءاً لنزعة بعض الرجال إلى الخمول، أو تلبية لرغبات خسيسة تحب التسلي في مختلف المجالات..



وإن كثير منهم يردد على الاسماع نغمات تطرب النفوس، وتخيل لها أن من وراء القول شيئاً.



ثمة أناس يتغنون بترقية المرأة، ورفع مستواها، فهم يطلبونها أن تصبح مهندسة، أو محامية، أو طبيبة، أو صيدلانية..؟! كي تتحقق بهذا الهدف الأسمى بالرقي، يموهون على أنفسهم وعلى الناس بعناوين أعمال ومهن تتمتع في نظرة المجتمع بامتياز خاص كأن احتراف تلك الأعمال هو نفسه الذي يرفع المستوى ويعلو بالإنسان...!!



وهذه هي الحقيقة وهم ناشئ عن ضخامة الهالات في مجتمع يسير في أول سلم الحضارة، يٌعَشي العيون عن الحقيقة الإنسانية الراسخة.



إن الحقيقة الراسخة هي انه مهما تكن مهنة الإنسان من الأهمية والخطورة فإنها رقي همي، يضفي عليه حلة ورواء لا يتجاوز القشرة الظاهرة والطلاء الخادع.



كم من المهندسين أناس يجاملون أصحاب المشاريع العمرانية في مواد البناء، يعرضون بذلك أموال الناس وأرواحهم للخطر..؟! وكم من المحامين من يغدر بموكله بالتواطؤ مع خصمه، وكم منهم من يسخر نفسه لمغتصبي الحقوق أو المعتدين على النظام..!! وكم في الأطباء من لا يفي بحق الأمانة، وميثاق المهنة، لا تأخذه بالمريض الموجوع رأفة ولا رحمة!!



أفتشفع المهنة للمستخف بأرواح العالم وتجعله راقياً، أو ترفع المنتهب للأموال والحقوق من بؤرة تلك الأوبئة (اللا أخلاقية) الشنيعة إلى المستوى الطاهر الكريم؟!  



ان الرقي الحقيقي، والمستوى الرفيع إنما هو رقي الخلق. هو العفة، والصدق هو التفاني في سبيل الحق، وإسداء الخير للعالم، هو الترفع عن الدنايا والمظالم، وسفاسف الأمور، أما الذي يفقد ذلك فلن يكون له حظ من الرقي، ولا من الفضل، ولن يزيده كنز المال وضخامة المهنة إلا انحطاطاً وخطراً، إذ يكون ضرره أعظم، وإفساده أكبر...!!



وثمة أناس يترنمون بالمساهمة في بناء الاقتصاد، والمساهمة في إقامة الحضارة، و العامل الاقتصادي هذا أصبح حجة عظيمة، وبرهاناً قوياً، في هذا العصر الذي فتن الناس فيه بالمال، واتخذوه وثناً يعبد، حتى شقوا به، وسقطوا في مهاوي الهلاك...!!



لكن هذه الحجة لا تعدوا أن تكون تحريفاً للكلم وللحقائق التي يعيش فيها هذا الشعب، إن مشكلتنا الحقيقية في مجال الاقتصاد إنما هي الفقر وقلة المورد التي تهيء مستوى العيش الكريم للرجال والنساء على حد سواء،فأي علاج لا ينهض على أساس تلافي هذا الخلل، ورأب هذا الصدع، فلن يؤدي إلى نهضة اقتصادية،ولا لإقامة حضارة صحيحة.



إن الاقتصاد اليوم أصبح يعتمد على الصناعة الآلية ولقد أفلح الانسان اليوم في تحسين الآلة حتى أصبحت الواحدة تقوم مقام عشرات أو مئات الأيدي العاملة، فقد وفر الله للناس كرامة نسائهم وبناتهم، وكفاهم بهذه الآلة ابتذال أعراضهم مهما أرادوا من الرقي الصناعي، ومهما بذلوا من الجهد لدعم الاقتصاد. بما وصلت إليه الآليات الحديثة من السرعة ووفرة الانتاج الهائلة... وإن كنا مقصرين في الإفادة من هذا التقدم العظيم.



قد يسأل سائل يقول: حقاً إن مزاولة المرأة للوظائف أو للأعمال الحرة لا يصلح أساساً لرقي المرأة، ولا يدعم الاقتصاد، فماذا تريد للمرأة؟ أتظل عاطلة بلا عمل؟ ومن الذي يقول أن الانسان خلق ليعطل قواه ومواهبه...؟.



هذا سؤال جدير بالنظر والجواب، والواقع أن أحداً من أهل الإسلام لم يقل إن المرأة عضو من المجتمع، ولا بد أن تساهم في بنيانه ونهضته.



إن التخصص في الأعمال والمهن أرقى ما توصل إليه الإنسان واعتمده في هذا العصر، وقوام التخصص الموهبة الفطرية التي جبل عليها الإنسان، ثم الممارسة و المران الذي ينمي هذه الموهبة ويصقلها.



هذا إنسان ذو عقل رياضي، ثاقب النظر في الربط والاستنباط فهو يصلح للهندسة والتخصص في علوم الرياضيات والفيزياء.



وهذا إنسان ذكي ماهر في التحليل والتركيب فهو يصلح للكيمياء أو للصيدلة أو نحوها... وهكذا... وهكذا....



والواقع أن قانون التخصص ليس بدعاً في نظام الحياة، بل هو قانون فطري، فطر الله



الحياة وأقامها عليه، وأمر عباده بإتباعه، والأخذ به، وحذرهم من الشيطان الذي يوسوس لهم كي يحيدوا عنه فقال تعالى حاكياً عن الشيطان قوله: ((ولآمرَّنهم فَليٌغَيرَّن خلق الله)).



معطيات العلوم الإنسانية:



فإذا نظرنا إلى العمل الذي يجب أن تشتغل المرأة به ونلقي على كاهلها مسؤوليته على ضوء مقررات علوم الإنسان، نجد أنه وظيفة حيوية هامة جداً لا غناء للإنسانية عنها ما دامت مفتقرة إلى  البقاء على هذه الكرة الأرضية، تلك الوظيفة هي وظيفة (الأمومة).



إن الفطرة تعد المرأة لهذه الوظيفة منذ اللحظات الأولى لتكوينها جنيناً في بطن أمها كما يقرر ذلك علم الأجنة. فبعد التحام الحيوان المنوي بالبويضة في الرحم و اتحادهما في كتلة واحدة يبدأ الاختلاف في تكوين الذكر عن تكوين الأنثى، يقول الدكتور الكسيس كاريل: (من المحقق أن جنس الفرد يتحدد بصفة قاطعة منذ اللحظة التي يتم فيها تلقيح حيوان الأب المنوي لبويضة الأم. وتشتمل بويضة الذكر المستقبل على كروموسوم واحد أقل من بويضة الأنثى، أو على كروموسوم ضامر، وبهذه الطريقة تختلف جميع خلايا جسم الرجل عن مثيلاتها في جسم المرأة).



وهكذا يقرر العلم أن جسم الأنثى يتركب في الرحم تركيباً تدريجياً يجعلها تستعد لولادة الولد وتربيته.



وفي هذا يقول الدكتور كاريل أيضاً وهو قد شاهد دور المرأة الحديثة في الحياة فأصدر حكمه مستنداً إلى العلم والواقع فيقول: (والحقيقة أن المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل، فكل خلية من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها والأمر نفسه صحيح بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء بالنسبة لجهازها العصبي فالقوانين الفسيولوجية غير قابلة للين، مثل قوانين العالم الكوكبي، فليس في الامكان احلال الرغبات الانسانية محلها. ومن ثم فنحن مضطرون إلى قبولها كما هي فعلى النساء أن ينمين أهليتهن تبعاً لطبيعتهن من غير أن يحاولن تقليد الذكور، فإن دورهن في تقدم الحضارة أسمى من دور الرجال، فيجب عليهن ألا يتخلين عن وظائفهن المحدودة).



ولسنا هنا أمام خصيصة خفية لكي نكثر من الاستشهاد عليها بأقوال علماء النفس وعلماء الإنسان بل هي ظاهرة واضحة في تركيب المرأة الظاهري وبنيانها الجسدي تشهد لدى كل ذي عين يبصر بها أن المرأة اختصت بهذه الوظيفة، اختصاصاً يعجز عن منافستها فيه رجال العالم أولهم وآخرهم عظيمهم وصغيرهم. ومن الذي لم يلحظ تكوينها النفسي لهذه المهمة منذ نعومة اظفارها حيث تميل إلى اللعب بالدمى، وتمارس بهن عمل الامومة، ثم تجدها بعد ذلك وهي بكر عذراء تقبل على أي طفل وتلفه بحنوها ورحمتها...!؟



ولنذكر هنا نتيجة تجربة المرأة الاوربية في خروجها إلى العمل حيث جاءت بعد تلك الفترة الطويلة من اشتغالها فيه لتثبت أنه مناقض لطبيعة المرأة وفطرتها، كما دلت على ذلك الاستفتاءات التي اجريت في ذلك منها استفتاء اجري في فرنسا (حاملة لواء تفلت المرأة) في مصانع رينو فقد أكد اغلبية عاملات مصانع رينو للسيارات أنهن يفضلن البقاء في المنزل عوضاً عن العمل خارجه، على الرغم من أن هؤلاء العاملات توصلن إلى استقلالهن ضمن طبقة فقيرة مضطهدة اقتصادياً !!



ويقرر علم النفس وعلم التربية أن تفرغ الام لوليدها ضرورة حيوية لكل من الولد والوالدة، وليست قاصرة على أحدهما، فالأم تشعر بحاجتها النفسية إلى وليدها، أن تشرف على رعايته وتستمتع بالتعمق في فهم احتياجاته وتلبيتها، والاستماع لمناغاته والاستجابة إليها، حاجتها في ذلك كله لصيانة قلبها وكبدها، وهل في الكون أم لا ينخلع قلبها وتضطرب لترك وليدها كل غداة تذهب إلى عملها، وهل فيهن امرأة لا تتمنى انها لم تتورط في العمل الذي كلفها هذه المشقة المرهقة.....!!



كذلك الولد يحتاج إلى أمه لحياته ولنفسه، ورغم كل أنواع اللبن المجفف التي اخترعت أو تخترع فلن يزال لبن الأم الغذاء الطبيعي الأفضل، الذي لا يوازيه شيء على الاطلاق كما يقرر الأطباء، لكن الحقيقة أن الحاجة النفسية والتربوية للطفل إلى أمه أعظم شأناً من حاجته إلى لبنها.



ويقرر علماء سيكولوجية الطفولة، أن الطفل يكون بأمس الحاجة إلى أمه سيما في الأشهر الأولى من ولادته، وذلك خلافاً لما كان سائداً في أوهام الناس أن الطفل لا يتأثر بما يحيط به، ولا ينفعل بما يجري حوله في هذه الفترة، فقد تبين أن الطفل يكون شديد الاحساس بما يحدث من حوله، وأنه يتأثر بما يحيط به من الحنو أو القسوة تأثراً عميقاً يصاحبه بقية حياته وعمره، ويشمل نواحيه الصحية والنفسية، فصحة الأعصاب وهي عماد أجهزة الجسم تعاني الاضطراب والاختلال بسبب المؤثرات الخشنة التي تصيب الطفل في صغره، وشراسة الخلق والقسوة والحقد على المجتمع تنغرس في نفوس الأبناء الذين حرموا حنو الأمومة وعطف الأبوة، حتى يشب هؤلاء شاذين عن المجتمع يميلون للانحراف عن نظام الأمة والخروج على القانون. 


حظائر للأطفال:



وهنا يرفع بعض المقلدة للأجنبي عقيرتهم يشدون الأبصار إلى ما توصل إليه الأوربيون والأمريكيون من مؤسسات التربية الخاصة بالطفل ورعايته، حيث المحاضن تتقبل الطفل الرضيع وتقوم عليه مقام أمه، تماماً كما توصلوا لإنشاء معامل تفريخ الدجاج، والحظائر الآلية لتربية الأبقار.


لكن هؤلاء يغترون ببهرج الدعاية لهذه المحاضن، وينخدعون أو يخادعون بزخرفها عن النتائج المرة التي توصلت إليها.



والحق كما يقول الاستاذ المودودي من كتابه القيم (الحجاب):



(والحق أن محيط العائلة هو الذي يمكن أن يجد فيه الطفل نفوساً تحبه وتعطف عليه، بل من يودون من صميم قلوبهم أن يبلغ الطفل في حياته مكانة اجتماعية أعلى من التي ولد عليها، وأنهما الأبوان اللذان يحبان أن يجدا الأولاد في حال أحسن من حالهما، وعلى مكانة أرقى من مكانتهما،



يجتهدان من أنفسهما - بدون شعور أو إرادة - أن يجعلا الجيل اللاحق أحسن من السابق، ويمهدان بذلك سبيل الارتقاء الإنساني وهذا الجهد والسعي منهما لا تشوبه شائبة من الأثرة (الأنانية) فإنهما لا يريدان شيئاً لأنفسهما، وإنما يريدان فلاح ولدهما ويعتبران نشأته إنساناً ناجحاً جيد التربية جزاء وافياً لمساعيهما وجهودهما.



وأنى يمكنك أن تجد في غير النظام العائلي أمثال هؤلاء العاملين المخلصين والخادمين الأوفياء، الذين لا يكفيهم أن يعملوا لمصلحة النوع الإنساني بدون أجر، بل يبذلون لهذه الخدمة كل ما يملكون من الوقت والراحة والقوة والكفاءة وذات اليد. ويضحون بأنفس ما يملكون في سبيل الأمر الذي لا تنال ثمراته إياهم، بل ينتفع بها غيرهم، ويكتفون من الجزاء لمجهوداتهم بأنهم قد هيئوا لغيرهم عاملين وخادمين من النمط الحسن. أفتجد نظاماً أظهر وأرقى في الإنسانية من هذا النظام العائلي؟).



أجل: إن معامل التربية تستطيع أن تكون من الطفل أي شيء كما تكون غيره من الاحياء، إلا أنها لن تستطيع أن تكون منه إنساناً سوياً في تكوينه صالحاً في إنسانيته، ولقد استمعت إلى محاضرة قيمة لأستاذ جامعي اخصائي في علم التربية، هو المربي العلامة الدكتور محمد أمين مصري، وكان قد تجول بين الفروع العليا للاختصاص في بريطانيا وفي جامعة (كمبردج) قبل أن يختار اختصاصه للدكتوراه، فلفت نظره فرع يسمى (المجتمع الانكليزي). يقول الدكتور إنه استمع إلى بعض الأبحاث التي يتداول مناقشتها أساتذة القسم، وهم كبار علماء النفس والمجتمع والتربية في بريطانيا، فأثار انتباهه أن كانت المشكلة التي تشغل بال هؤلاء،وتوجه أبحاثهم هي ظاهرة خروج المرأة إلى العمل..!! أجل خروج المرأة الانكليزية إلى العمل.



إن خروج المرأة من البيت يعني إهمال النشء، وهذا يهدد الأجيال القادمة بفساد التربية وحرمان الأمة من المواطن الصالح،المواطن الذي يصلح للعمل، لتشغيل المصانع، المواطن الذي يحسن التفكير والاختراع،المواطن الذي يعيش لأمته، لشعبه ووطنه....



وليس هذا التخوف الخطير قاصراً على هذه الفئة، بل هو شأن الاخصائيين في هذا النطاق في أوروبا وفي أمريكا، وها هي ذي خبيرة اجتماعية امريكية (الدكتورة إيدا إلين) تقول: (إن التجارب أثبتت ضرورة لزوم الأم لبيتها، وإشرافها على تربية أولادها، فإن الفارق الكبير بين المستوى الخلقي لهذا الجيل والمستوى الخلقي للجيل الماضي إنما مرجعه إلى الأم هجرت بيتها، وأهملت طفلها وتركته إلى من لا يحسن تربيته....)



لمتابعة قراءة البحث تفضل بتحميل الملف

تحميل