الأقنية التي تصنع لنفسها الإرهاب
الأقنية التي تصنع لنفسها الإرهاب
بقلم د. محمد سعيد رمضان البوطي
٤/ ٤/ ٢٠١٠
لم أتردد يوماً ما فى أن إشعال وقود الاحتكاكات الطائفية أخطر ما يمكن أن يزهق وحدة الأمة، وأن يحشو ضمائر أفرادها وفئاتها بدخان الضغينة والأحقاد.
ولربما كان علىّ أن أوضح المعنى المراد بـ(الاحتكاكات الطائفية) قبل أن أمضى فى بيان هذا الخطر، الذى يجب أن نكون جميعاً على بيّنة منه.. إن المراد به تسليط مشاعر العصبية الدينية أداة انتقاص، ومن ثم سلاح هجوم على ذوى
المذاهب والانتماءات الدينية الأخرى. وكلمة (العصبية) تعنى الاستجابة لحظ النفس، بدلاً من الانقياد لحكم العقل وضوابطه.
إن استخدام العصبية الدينية أداةً فى هذا المضمار شىء يحذّر منه الدين وديّانه قبل كل شىء. فهو فى حقيقته خروج على الدين ذاته، وإن بدا لدى النظرة السطحية أنه خدمة للدين ودفاع عنه.. وهذا التحذير هو المراد بالاستثناء فى قوله تعالى:
(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن)، وهو المراد بما أملاه القرآن على الرسول، فى مجال محاورته مع أهل الكتاب، بأن يقول لهم: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو فى ضلال مبين) وبأن يقول لهم: (..إن كان للرحمن ولدُُ فأنا أول
العابدين)، أى سأسبقكم عندئذ إلى عبادته.
ثم إن العقيدة الإسلامية بحدّ ذاتها، لا تترك فى نفس المسلم ثغرة تتدخل منها مشاعر العصبية الدينية ضد أهل الكتاب. إذ إن الإسلام ليس ديناً سماوياً يقارع أو ينافس ديناً سماوياً آخر، وإنما هو الدين الجامع الذى يحتضن ضرورة الإيمان بنبوة
سائر الرسل والأنبياء الذين خلوا من قبل،