مميز
EN عربي
الكاتب: الدكتور محمد حسان عوض
التاريخ: 31/07/2011

صوم الصبيان عادة أم عبادة ؟؟؟!!!

مقالات

صوم الصبيان عادة أم عبادة ؟؟؟!!!


الدكتور محمد حسان عوض

قال تعالى في كتابه الحكيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم 6، الطفولة ليست مرحلة تكليف وإنما هي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد للوصول إلى التكليف عند البلوغ ليسهل عليه أداء الواجبات، فالوالدان مسؤولان أمام الله عز وجل عن تربية أولادهما على الإسلام.

ومن وسائل التربية: "التربية بالعادة أي تعويد الطفل على أشياء معينة حنى تصبح عادة ذاتية لـه. ومن أبرز الأمثلة شعائر العبادة وفي مقدمتها الصلاة .... وتكوين العادة في الصغر أسهل بكثير من تكوينها في الكبر، ذلك أن الجهاز العصبي الغض أكثر قابلية للتشكيل ..... وقد اختص حديث رسول الله r الصلاة بهذا الأمر (مروا أولادكم بالصلاة لسبع ...) لأن الصلاة عنوان الإسلام، ولكن جميع آداب الإسلام وأوامره سائرة على هذا النهج، فكلها تحتاج إلى تعويد مبكر".

وأخرج ابن أبي الدنيا عن هشام بن عروة عن أبيه أنه: كان يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه، وبالصلاة إذا عقلوا.

وقد عنون الإمام البخاري رحمه اللـه باباً في صحيحه اسمه باب صوم الصبيان وأورد حديث عمر t حيث قال لنشوان في رمضان - ويبدو أنه كان مفطـراً -: ويلـك وصبيـاننــا صيام فضربه، وعلق الحافظ ابن حجر في الفتح فقال: (... واستحب جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري وقال به الشافعي: أن الصبيان يؤمرون بالصوم للتمرين عليه إذا أطاقوه وحده بالسبع والعشـــر كالصلاة. وإذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعاً لا يضعف فيهن حمل على الصوم، وقال ابن الماجشون من المالكية: إذا طاق الصبيان الصيام ألزموه، فإن أفطروا لغير عذر فعليهم القضاء [ فتح الباري 5/3 ]. [ الروض المربع 1/415 ]. والمشهور عند المالكية أن الصوم لا يشرع في حق الصبيان، وقال الغزالي إذا بلغ الصبي سن التمييز فينبغي ألا يسامح في ترك الصلاة والطهارة بالصوم في بعض أيام رمضان.

وأخرج البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ قالت أرسل رسول اللـهr غداة عاشـــوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة (( من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه )) فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء اللـه، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ( الصوف ) فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها ذلك حتى يكون عند الإفطار، وعلق الحافظ ابن حجر فقال: وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام، لأن من كان مثل السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف. وإنما صنع ذلك للتمرين.

قال ابن بطال - رحمه الله - ( أجمع العلماء أنه لا تلزم العبادة و الفرائض إلا عند البلوغ ولكن أكثر العلماء استحسنوا تدريب الصبيان على العبادات رجاء البركة وأن من فعل ذلك منهم مأجور ولأنهم باعتيادهم عليها تسهل عليهم إذا لزمتهم).

إذاً صوم الصبي ذكراً أم أنثى دون البلوغ غير واجب لحديث رسول اللَه r "رفع القلم عن ثلاثة وفيه.. عن الصبي حتى يحتلم" (رواه أبو داود) بل هو مستحب يعود عليه الصبي، فدلت الأحاديث على مشروعية تعويد الأطفال على الصيام لمن لا يؤثر عليه، حتى يطيقونه، فمن بلغ منهم السابعة من عمره فعلى وليه أن يعوده على الصيام حتى يطيقه فيما بعد، وليكن ذلك بالتدريج، فمثلاً اليوم الأول يصوم جزءاً من النهار، وفي اليوم الثاني كذلك، وفي اليوم الثالث نصف النهار، وهكذا حتى يتعود الطفل على الصيام ويألفه، وعلى ولي الأمر من أب أو أم أن يستخدموا اللعب والقصص مع الأطفال حتى ينسوا الرغبة إلى الأكل والشرب، ولهذا جاء في بعض روايات مسلم قالت: فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم. ولا بأس في تدريب الصغار عـلى الصوم ــ إن كان اليوم طويلاً وحاراً ـ بأن يتسحر الطفل مع أسـرته ثم يمسـك حتى الظهر، فتعطى لـه وجبـة، ثم يمسـك بعدها حتى الإفطار، ويسـمونه في الشـام ( درجات المئذنة )، وهذا لأطفال ما قبل السابعة إن وجدت عندهم الرغبة في الصوم وتقليد الكبار، والهدف منه هو التدريب على الإمساك والامتناع عن الطعام والشراب مدة محددة. أما من لا يستطيع الصوم فلا يجبر عليه حتى يطيقه، ويعلم وليه بذلك، بأن يتركه فترة من الزمن بلا أكل ولا شرب فيرى مدة تحمله، ومتى يطلب الطعام والشراب، فمتى طلبه كانت تلك الفترة هي الفترة التي يستطيع الصغير تحملها، وقد يزيد الولي في ذلك مما لا يضر بالصغير، حتى يعتاد الصوم ويطيقه. وبهذا يطيق الصغير الصيام ويعتاده، لكن لا يكون ذلك من باب الواجب، فلا يجب الصيام إلا على من بلغ .[ فتح الباري بتصرف 4/256 ].

فيُستحب لوليّ الصغير إذا بلغ سبعاً فأكثر من الذكور أو الإناث أن يأمره بالصوم ليتعوده ويطيقه وينشأ عليه، فيأمره بالصوم إذا بلغ سبع سنين، ويضربه على ذلك إذا بلغ عشر سنين على أن يكون ضرباً سهلاً، مثل الصلاة فشبه الصيام بالصلاة من حيث الأمر بها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر .." [ رواه أحمد ]. وكان الصحابة y - وهم القدوة لآخر هذه الأمة - كانوا يصومون أولادهم وفي المذهب الشافعي ( ويؤمر به الصبي لسبع ويضرب لعشر). وفي المذهب الحنبلي (ويلزم الصوم لكل مسلم مكلف قادر، وعلى ولي صغير مطيق أمره به، وضربه عليه ليعتاده ).

اذاً لا يشدد على الصبيان في الصوم .فإنه إذا أكرهوا على الصوم ربما يعود بالضرر على صحتهم ودينهم!!

أما ضرره في صحتهم فقد أثبت الطب أن صيام الأطفال دون البلوغ ضار بهم لأن أجسامهم في هذه المرحلة المهمة من مراحل النمو بحاجة إلى التغذية المستمرة فإن صام توقف نموها أو تعطل وفي هذا من غير شك إضرار بالصحة الجسمانية للطفل.

أما ضرره على دينه فهو أكراه الصبية على فعل أمر ديني يشق عليهم لأن ذلك يبغضهم في العبادة ويعمي قلوبهم ويضعف عزائمهم.

ويجب أن يؤمر الصبي على الصيام باللطف واللين وحسن التأني فان اعتياد الشيء يذلل صعبه ويرقق قسوته ويمهد سبيله وقد جاء في الحديث الشريف (تعودوا الخير فإن الخير عادة والشر لجاجة) رواه البيهقي في السنن الكبرى.

ويقول الحكماء العادة طبيعة ثانية.

وأخيراً هل يؤجر الصبي على هذه العبادة التي يفعلها عادة أم تهدر حسناته لحديث "رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ"؟ الصحيح أنه يؤجر وتكتب له حسنات هذه العبادة فرفع القلم هو عن المؤاخذة على السيئات ودليل هذا ما رواه ابن البر في التمهيد بسنده أن عمر ابن الخطاب t قال: "تكتب للصبي حسناته ولا تكتب عليه سيئاته" .

والحمد لله رب لعالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

تحميل