مميز
EN عربي
الكاتب: د. مرهف عبد الجبار سقا
التاريخ: 11/07/2011

أحكام تتعلق بسبّ الذات الإلهية وسبّ الدين والرسول

بحوث ودراسات

أحكام تتعلق بسب الذات الإلهية وسب الدين والرسول


مختصرة من كتاب (لا تعتدوا على الله)

للدكتور مرهف عبد الجبار سقا

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً وبعد:

فإن أخطر ما يتعرض له المسلم في الدنيا: الارتداد عن دين الإسلام والعياذ بالله، وهو أخطر وأفحش أنواع الكفر، وقد ابتليت بعض بلاد المسلمين بانتشار ألفاظ بين الناس يتلفظونها جهلاً بدينهم وجهلاً بقدر الله تعالى، فإذا مررت في الأسواق أو في مجالس الأحياء أو حضرت مخاصمة تعالت فيها الأصوات وسيطر عليها الشيطان؛ تسمع ما ينفطر له قلبك، وما تُدَكُّ لهوله الجبال من سبٍ للذات الإلهية، أو شتمٍ للدين وكأنهم يسبون عدواً أو غريماً، وإذا حضرت مجالس اللهو واللعب والضحك سمعت ألفاظاً لا تليق بالذات الإلهية أو المسلم المتزن وهي تؤدي للكفر والعياذ بالله تعالى ولكن قائلها لا يعلم ذلك، وقلما تجد من ينكر هذه الظاهرة من الجالسين بحكمة وموعظة حسنة لجهلهم بخطورتها والأحكام المترتبة عليها، وتعدى الأمر لأن تسمع مثل هذه الألفاظ الفظيعة من أطفال يقلدون آباءهم أو مَن هم أكبر منهم سناً، ولولا كثرة سماع الأطفال لهذه السُبات من الكبار وتردادها على أسماعهم ما تلفظوا بها.

وحتى نعلم فداحة هذه الألفاظ وخطورة الأمر لا بد من بيان الأحكام المترتبة على سب الذات الإلهية أو سب الدين أو سب النبي أو التعرض لكل ذلك بالتنقيص والأذى والسخرية، نوجز أهمها بالآتي:

أولاً: ما يتعلق بحكم المرتد: يستتاب المرتد ثلاثة أيام فإن عاد فبها ونعمت، فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويتبرأ من الكفر ويستغفر الله تعالى،وإن لم يعد يقتل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) أخرجه البخاري، لأنه بعدم عودته قد أظهر عناده ومحاربته للإسلام وتقصُّدَه للإهانة بالدين، ولا يجوز لغير الحاكم أو القاضي أو من ينوب منابه الأمرُ و المباشرة بقتله.

ومثل هذا الحكم يقال في من سب أو انتقص أو استهزأ بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أبو داود والنسائي عَنْ ابْن عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْمَى كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْهَا ابْنَانِ وَكَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسُبُّهُ فَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ وَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ذَكَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَعَتْ فِيهِ فَلَمْ أَصْبِرْ أَنْ قُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُهَا فَأَصْبَحَتْ قَتِيلًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ النَّاسَ وَقَالَ أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا لِي عَلَيْهِ حَقٌّ فَعَلَ مَا فَعَلَ إِلَّا قَامَ فَأَقْبَلَ الْأَعْمَى يَتَدَلْدَلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا صَاحِبُهَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدِي وَكَانَتْ بِي لَطِيفَةً رَفِيقَةً وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُكْثِرُ الْوَقِيعَةَ فِيكَ وَتَشْتُمُكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ فَلَمَّا كَانَتْ الْبَارِحَةُ ذَكَرْتُكَ فَوَقَعَتْ فِيكَ فَقُمْتُ إِلَى الْمِغْوَلِ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ. والمغول هو حديدة رقيقة كالسكين وقد تلف حول الخصر، ومعنى دمها هدر أي لا قصاص ولا دية فيه ولا إثم.

ومثل هذا الحكم أيضاً ينطبق على من انتقص قدر الصحابة رضي الله عنهم أو قدر أمهات المؤمنين، لأن الله تعالى قد مدحهم في كتابه، واختارهم لصحبة رسوله الله صلى الله عليه وسلم، وقد تواترت الأخبار في فضلهم. خاصة منهم العشرة المبشرين بالجنة وعائشة رضي الله عنها.

وإذا مات المرتد - نسأل الله العافية - قبل أن يعود للإسلام فلا يجوز للمسلمين تغسيله أو تكفينه أو الصلاة عليه أو قبره في مقابر المسلمين بل يقبر في مقابر غير المسلمين.

ثانياً : وليعلم أيضاً أن الذي يرتد عن الإسلام لأي سبب كان من أسباب الردة ويموت على الردة ـ والعياذ بالله ـ أن ثواب أعماله الصالحة المقبولة من العبادات وغيرها قد حبطت، لقوله تعالى: (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(البقرة 217).

فهذه الآية أفادت أن الذي مات مرتداً عن الإسلام لا قيمة لأعماله التي قام بها من صلاة أو زكاة أو صدقة أو حج أو غيرها من أعمال البر والخير .

وأفادت أيضاً أن ردته عن الإسلام وموته على الردة هي سبب لخلوده في النار ولا يخرج منها أبداً بخلاف المسلم العاصي فإنه -وإن دخلها- فلا يخلد فيها بل مآله إلى الجنة نسأل الله المغفرة.

وقال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الزمر:65)، ومعنى الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم - على شرف منزلته وعظم قدره عند الله - لو أشرك لحبط عمله، فكيف أنتم! لكنه صلى الله عليه وسلم لا يشرك لفضل مرتبته واستحالة ذلك عليه صلى الله عليه وسلم.

ثالثاً: ما يتعلق بالعبادة نفسها من حيث البطلان والصحة: من ارتد عن الإسلام ثم عاد لا خلاف أن عبادته المتلبس بها عند ردته تبطل، كأن يكون قد تلفظ بلفظ من ألفاظ السباب أو الشتم في حق الله ورسوله أو دينه وهو صائم في رمضان أو غيره أو في الحج وهو يقوم بمناسك الحج، وبذلك يجب عليه إن كان صائماً أن يتم إمساكه عن الطعام والشراب لحرمة الشهر ثم يقضي يومه الذي بطل، ويتم مناسك حجه ثم يقضيه في العام المقبل إن كان حاجاً .

ولكن هل تحبط أعمال البر والخير والعبادات التي قام بها قبل الردة، ويحبط معها ثوابها؟

ذهب الإمام الشافعي أنه من ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله ولا عباداته ولا حجه الذي فرغ منه قبل الردة، وإنما يحبط الثواب فلا أجر له فيما عمل، و أما إن مات على الردة فحينئذ تحبط أعماله مع ثوابها.

وقال مالك وأبو حنيفة: تحبط أعماله مع ثوابها بنفس الردة سوار كانت الأعمال قبل الردة أو أثناء الردة .

ويظهر الخلاف في المسلم إذا حج ثم ارتد ثم أسلم، فقال مالك وأبو حنيفة: يلزمه إعادة الحج، لأن الحج الأول قبل الردة قد حبط بالردة.

وقال الشافعي: لا إعادة عليه لحجه الذي فرغ منه قبل الردة، لأن عمله باق وإنما حبط ثواب عمله. نسأل الله الثبات على الإسلام .

وعلى كل الأحول فإن قضاء ما بطل من الأعمال وثوابها لا تعوضه عن الخسارة التي وقع فيها بسبب الجريمة التي قام بها في حق ربه ودينه ورسوله.

رابعاً: ما يتعلق بعقد نكاح المرتد: إذا شتم المسلم دينه أو ربه أو نبيه أو فعل أي فعل يوجب الردة عن الإسلام فإن كان متزوجاً قد دخل بزوجته فإن زوجته تحرم عليه ولا يجوز له أن يقربها حتى يعود للإسلام، ويراجع زوجته، فإن مضت ثلاث حيضات على الزوجة ولم يراجعها الزوج ولم يعد للإسلام؛ فإن زوجته تبين منه أبداً، لأن عقد الزواج مبني على الإسلام، وقد نقضت عروة الإسلام في المرتد والعياذ بالله.

وإن كان المرتد قد عقد على زوجته ولم يدخل فيها فإن عقد النكاح باطل، أي كأنه لم يعقد عليها أبداً، ولا يجوز له أن يعقد النكاح مرة أخرى حتى يعود للإسلام، وتكون عودته للإسلام بأن يشهد الشهادتين ويستغفر ربه ويتوب إليه ويتبرأ من كل كفر ويعقد العهد على أن لا يعود لمثل ما عمله أبداً .فإن جامع المرتد زوجته قبل عودته للإسلام وتجديد عقده فإن جماعه هذا سفاح حرام، وإن قدر الله في هذا الجماع ولداً فيكون من حرام نسأل الله العافية .

خامساً : ما يتعلق بالإرث: إذا ثبت موت المرتد قبل رجوعه للإسلام فإنه لا يرث منه أولاده وأقاربه المسلمون في مذهب الإمام الشافعي بل يعود ماله لبيت مال المسلمين .

وقال الإمام أبو حنيفة : ما اكتسبه في ردته فهو لبيت المال، وما اكتسبه في الإسلام فهو لورثته المسلمين .

وإذا مات أحد والدي أو أقارب المرتد قبل أن يرجع المرتد إلى الإسلام،فإنه لا يرث المرتد من أبيه المسلم للحديث الذي أخرجه الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين، ولا يرث مسلم كافرا، ولا كافر مسلما"، ثم قرأ: (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)(الأنفال:73).

والحديث أخرجه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه بلفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ ) وهذا قول أهل العلم كافة.

وبعد: فهناك فروع أخرى من الأحكام تتعلق بالردة يطول ذكرها وإنما تعرضت لأهمها تحذيراً للمسلمين، وتنبيهاً لعظمة جانب الدين، فإن الأمر يتعلق بآخرة المسلم قبل دنياه .

(لا تعتدوا على الله) تأليف د. مرهف عبد الجبار سقا - ط: دار محمد الأمين بدمشق