مميز
EN عربي
الكاتب: الشيخ منتصر الجبالي
التاريخ: 22/10/2019

الشيخ شوكت الجبالي

تراجم وأعلام

الشيخ شوكت الجبالي



بقلم نجله الشيخ منتصر الجبالي



ولد الشيخ شوكت بن حسن الجبالي رحمه الله تعالى في مدينة يافا في فلسطين المحتلة سنة 1351 هجرية ما يوافق 1932م ، ونشا في أسرة كريمة يرعاها جده الشيخ عبد الله الجبالي إمام وخطيب جامع حسن بيك الكبير في منشية يافا ، وقد تأثر في صغره بمنهج جده حتى جعل خلافته من أهم أهدافه ، واعتنى جده به لما وجد فيه من النجابة، فجعل يحثه على حفظ القرآن الكريم حتى بلغ السنة الخامسة عشر من عمره فكان الاحتلال الغاشم المقيت لفلسطين .


حيث كانت هجرته مع أبيه إلى غزة ، وتوفي والده أمام عينيه في غارة إسرائيلية ، فدبَّت فيه روح الجهاد والمقاومة ضد المحتل الغاصب حيث التحق مع الفصائل الجهادية المشاركة من كافة الدول العربية والإسلامية ، وبعد فترة من الجهاد والمقاومة تلقى رسالة من أمه الدمشقية تأمره فيها بالمجيء إلى دمشق , فاستجاب لطلب أمه التي ما كان يخالفها في صغيرة ولا كبيرة ، ودفعت به أمه إلى الشيخ الداعية الكبير عبد الكريم الرفاعي في جامع زيد بن ثابت رحمه الله تعالى سنة 1949 .


تعلَّقَ الشيخ شوكت بالشيخ عبد الكريم تعلُّق الولد بوالده ، ولمس الشيخ منه الجد والاجتهاد ولم يعد يفارق المسجد ، فحفظ في تلك الفترة كثيراً من المتون ، وقرأ شتى العلوم الشرعية على يد الشيخ عبد الكريم الرفاعي ، ثم وجهه إلى الالتحاق بالمعهد الشرعي التابع للجمعية الغراء وتخرج فيه ونال شهادته ، ثم انتسب إلى كلية الشريعة بجامعة دمشق وتخرج فيها سنة 1968م مع التزامه التام بدعوة الشيخ عبد الكريم الرفاعي حتى صار اليد المساعدة للشيخ مع صنوه ورفيق دربه الشيخ محمد عوض رحمه الله تعالى .



ونهضت هذه الدعوة المخلصة على يد الشيخين، وكانا كفرسي رهان حباً وتألقاً عند الشيخ عبد الكريم ، واستقطبت هذه الدعوة المباركة بإخلاصها ثلة من الطلبة التزموا بالقراءة وطلب العلم على الشيخ شوكت وهم اليوم من كبار الدعاة والخطباء والأئمة في مساجد دمشق وغيرها  .


وفي تلك الأثناء عمل في مجال الطباعة ليحصل رزقه ورزق من يعول من إخوته وأهله ، ثم انتسب إلى جامعة الأزهر ونال شهادة الدبلوم في تخصصه لتحضير الدراسات العليا  .


ثم عاد إلى دمشق وأوكلت إليه مكتبة مشروع ((موسوعة الفقه الإسلامي)) في كلية الشريعة ، فقام بتنميتها والعناية بها والتي أصبحت فيما بعد مكتبة الجامعة لكلية الشريعة تحوي الكتب المختلفة للعلوم الشرعية ، وكان مكتبه في كلية الشريعة التابع لهذه المكتبة موئلاً لأهل العلم يجتمعون فيه ويتدارسون فيما بينهم ، كما قام بشكل رسمي بتدريس مادة الحديث الشريف في جامعة دمشق. خطب في عدة مساجد، ودرّس في العديد منها إلى أن آلت إليه الخطابة والإمامة في مسجد عبد الرحمن بن عوف في حي الشويكة بدمشق , فقام بتأسيس نهضة علمية في المسجد ولا تزال هذه الدعوة قائمة إلى يومنا هذا ولله الحمد ، تُخرِّج كل عام ثلة من الحفاظ والدعاة إلى الله تعالى .



وبرع في تدريس العلوم الشرعية وخاصة علم الفرائض .



تقلد عدة وظائف في وزارة الأوقاف تحت اسم مدرس فتوى .



وكان الدرع الحصين والمرجع الوحيد ونسيج وحده لدعوة مساجد زيد بن ثابت- والتي أسسها العلامة الشيخ الراحل عبد الكريم الرفاعي - خاصة في فترة حرجة أحاطت بهذه الدعوة المباركة ..


عاش رحمه الله مربياً ناجحاً بعلم وعمل متأثراً بالشيخ عبد الكريم الرفاعي ، حيث جعله قدوته وأسوته، وكان يقول عنه: إني أرى فيه شخص الصحابة لما كان يراه من الشيخ من زهد وتواضع ولين جانب والمواظبة والمثابرة على طلب العلم ، فكان يتمثل ذلك فيه حيث لم يثنه المرض الذي ألم به عن طلب العلم والتعليم فكان يقول: (حياة طالب العلم بالعلم والتعليم) كان له عدة دروس يومية يعلم خلالها طلابه , حيث أقرأ الفقه الشافعي والحديث الشريف ومصطلحه وأصول الفقه وبرع في علم الفرائض .






كما تأثر أيضاً بنخبة من أهل العلم والدعوة في عصره أمثال عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله الذي تميَّز بأسلوب خطابي مدهش يملك به الأسماع والقلوب ، وربما كان والدي رحمه الله يحاكيه في أسلوب ونبرة خطابته، وخاصة حينما كان يتوجه بكلامه إلى الشباب فيناديهم : يامعشر الشباب ، ولشدة ما كان يهتم بهم لُقب (بخطيب الشباب) ....


وكان يبلغ ذروة التأثير في خطبه ودعوته حينما يشتد به الحماس والانفعال وهو يتحدث عن وطنه الأم فلسطين ، وحينما ينادي بحقِّ العودة إليها ، ويدعو إلى الإصلاح ولمِّ الشمل بين الفصائل الفلسطينية ، ويلهب المشاعر والأحاسيس نحو الود والمصالحة وتوحيد الكلمة وتأليف القلوب واجتماع الصف ونبذ الخلاف ، وذلك في دروسه ومحاضراته التي كان يقيمها في المساجد التابعة للمخيمات الفلسطينية في دمشق.



تزوج من إحدى بنات وجيه من وجهاء دمشق المحبين لأهل العلم والعلماء وللشيخ عبد الكريم الرفاعي ( من آل عجاج )، وأنجب منها ستة أولاد ، أربعة ذكور وبنتين .


وكان في بيته مثال الأب المربي حُنواً وعطفاً ، قام بتربية أولاده التربية الصَّالحة ورعاهم وتابعهم متابعة حسنة ، يحمل مسؤولية بيته بخوف وتقوى الله عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ).



حجَّ مع الشيخ عبد الكريم الرفاعي فكان خادماً ملازماً له أثناء حجه .



أصيب رحمه الله تعالى في السنوات الأخيرة من حياته بمرض الربو الذي كان يشتد عليه بين الحين والآخر مما يضطره للذهاب إلى المستشفى بحالة إسعاف بالإضافة إلى مرض القرحة ، وكان في كل ذلك صابراً محتسباً لاينقطع عن دروسه وأعمال الدعوة إلا نادراً.



توفي رحمه الله تعالى على إثر أزمة شديدة من مرض الربو في شهر رجب الفرد سنة 1409 للهجرة يوم الخميس مساءً ، وصُلي عليه في مسجد بني أمية الكبير بعد صلاة الجمعة في جمع حاشد من أهل العلم والفضل ووجهاء دمشق ومحبيه وعارفيه ، وأمَّ الصلاة عليه فضيلة الشيخ الراحل صادق حبنكة الميداني ، وتوالت كلمات الرثاء والتأبين في مسجد بني أمية ، ودفن في مقبرة الباب الصغير في روضة علماء دمشق قرب مقام الشيخ العارف بالله الشيخ إبراهيم الغلاييني ومقام شيخه ومربيه الشيخ عبد الكريم الرفاعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه ، وأقيم له مجلس العزاء في مسجد زيد بن ثابت بمشاركة طيبة من العلماء وأهل الفضل والخير والسادة الوزراء والمسؤولين في الدولة وجمعٍ غفيرٍ من طلاب الشيخ ومحبيه.



تحميل