مميز
EN عربي
الخطيب: العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
التاريخ: 10/07/1992

مسؤولية الآباء تجاه أبناءهم وبناتهم في العطلة الصيفية

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعدُ فيا عبادَ الله:

أحب أن أجعل موضوع حديثي اليوم نقطتين اثنتين لا أزيد عليهما إن شاء الله.

أما النقطة الأولى: فحديث وجيز عن عاشوراء وعن أصل هذه المناسبة وسرّ فضيلة هذا اليوم، فلقد صح أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدنية سمع أن اليهود يصومون يوم عاشوراء اليوم العاشر من محرم، وأرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من يسأل لماذا يصومون هذا اليوم، فكان الجواب أن الله سبحانه وتعالى أنجى في هذا اليوم موسى من فرعون. فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منهم، ولما كان يوم عاشوراء أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينادي في الناس أنه من كان صائماً فليتم صومه، ومن كان مفطر فليمسك بقية هذا اليوم، وأصبح صوم يوم عاشوراء منذ ذلك الحين واجباً فرضاً، واستمر الأمر على كذلك حتى أنزل الله سبحانه في كتابه فريضة صوم رمضان، عندئذ نُسخ صوم يوم عاشوراء بصوم شهر رمضان المبارك، واستقر صوم عاشوراء سنّة مندوبة ندب إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ينبغي إذا مرّ هذا اليوم المبارك أن نعلم المناسبة وأن نعلم صلة هذا اليوم بهذا الذي ذكرته لكم، فإذا وقع في هذا اليوم أمر مؤلمٌ للمسلمين، وعرض عارض بعد ذلك كمقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه في هذا اليوم، فلا ينبغي أن ينسينا هذا الحادث المناسبة الأصلية لهذا اليوم ما ينبغي أن تكون هذه الحادثة على ضخامتها وعلى شدة وقعها على نفوس المؤمنين جميعاً ما ينبغي أن تخنق أصل قيمة هذا اليوم، بل ينبغي أن نبقى مشدودين إلى هذا الذي ذكرته لكم، فإذا اختفلنا بهذا اليوم صائمين داعين مهللين ذاكرين فينبغي أن سرّ هذا الاحتفال هذا الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما ما حدث بعد ذلك من أمور مؤلمة أخرى فهي مؤلمة حقاً، ومشاعر المسلمين في ذلك واحدة لا تتجزأ، لكن ما ينبغي أن نأخذ هذه المناسبة من مهيعها وأساسها ونلصقها بحادثة جاءت عرضاً. هذه هي المسألة الأولى التي أحببت أن ألفت النظر إليها.

أما المسألة الثانية فهي مناسبة يجدر أن نتنبهه إليها في أوائل كل صيف عندما تغلق المدارس أبوابها، وتنتهي أنشطة الطلاب والطالبات المتجهة إلى دراساتهم ودراستهم، عندما يقبل الشباب إلى ساحة من الفراغ رهيبة في هذه الأشهر من القيظ، يتفتح بابان اثنان أمام هؤلاء الشباب.

الباب الأول عليه شياطين من الإنس والجن يدعون هؤلاء الفتية ذكوراً وإناثاً إلى الولوج في هذا الباب، فإذا ولجوا وولجن رأوا داخل هذا الباب من الأمور ومن الأسباب التي تتخطف الإنسان من ساحة الرشد وتزج به في إلى أودية الضلال والضياع، رأى هؤلاء الفتيان أنواعاً لا تحصر من هذه الأمور التي تفنن فيها شياطين الإنس والجن، وإلى جانب هذا الباب بابٌ آخر في الطرف الثاني.

هذا الباب الثاني عليه أناسٌ يغارون على دين الله عز وجل ويغارون على حرمات الله سبحانه وتعالى يدعون هؤلاء الفتية إلى أن يملؤا فراغ هذه الأشهر بما يرضي الله سبحانه وتعالى، بما يزيدهم رشداً بما يزيدهم ثقافة وعلماً، بما يحصّنهم من خطاطيف الضلالة والبغي المتمثلة كما قلت لكم بشياطين الإنس والجن، هذان البابان يتفتحان في مثل هذه الأيام من كل عام، والشيء الذي ينبغي أن نقوله وأن نتناصح على أساسه، هو أن على الآباء جميعاً أن يوجهو أبنائهم في هذه الأشهر إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، ينبغي أن يوجهوهم إلى الساحة التي تزيدهم ثقافةً وعلماً، وتزيدهم حباً من الله سبحانه وتعالى ومخافةً من الله، وتزيدهم شعوراً بهوياتهم وإنسانيتهم ونتيجة السلوك في هذا الطريق أن الواحد منهم يرجع بخير الدنيا والآخرة يرجع بربح في الدنيا عاجل وبربح آخر من مرضاة الله عز وجل آجل. والسبل إلى ذلك ميسرة ومفتحة في مجتمعنا ولله الحمد، ولكن الأمر يحتاج إلى من يبحث وإلى من يغار، من يغار على أهله وأولاده ويحافظ عليهم من القوارص، ومن هؤلاء الخطاطيف الذين أحدثكم عنهم.

ولا شك أنه بمقدار ما ينشط جند الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام لحماية الجيل من كل سوء وإنحراف، فإن هنالك فئات أخرى تنشط هي الأخرى نشاطها. ذلك لأن بينها وبين شياطين الإنس بل بين أعداء الله عز وجل عهوداً ومواثيق خفية أو معلنة. فمالموقف الذي ينبغي أن يتخذه كل أبٍ ناصح؟

الموقف هو هذا الذي أقوله لكم، وإذا عزت السبل أمام الشباب في أشهر البطالة هذه فما أيسر لهؤلاء الشباب أن يتخذوا من بيوت الله عز وجل مثابة لقاء بل تلاقٍ ومثابة درس بل تدارس. فكيف وإن هنالك سبل كثيرة أخرى تنسي هؤلاء الشباب أوقات فراغهم وتجعلهم إن هم استجابوا لأمر الله عز وجل سعداء في دنياهم وآخرتهم. ولكن يظل الإنسان رغم هذا كله مشدوداً إلى عاملين اثنين.

العامل الأول هو اللامبالاة وذلك هو العامل الذي يتمثل بحياة الأباء والأمهات، اللامبالاة وعدم الاهتمام بالواقع أو المنهاج الذي سيتخذه أولادهم في هذه الأيام أو هذه الأشهر، ولا يمكن لإنسان أن يحتضن هذه اللامبالاة وأن يتعامل مع أولاده على أساسها إلا إذا كان محجوباً عن ربه وخالقه سبحانه وتعالى، وسيان بعد ذلك أن يكون من المصلين أو أن يكون من غير المصلين.

العامل الثاني هو العامل الغريزي الذي يستثير كل إنسان منا وهذا العامل الغريزي يمثل الورقة الرابحة الأولى والأخيرة التي يلعب بها أعداء الله سبحانه وتعالى، المتربصون بأولادنا والمتربصون بشبابنا. ولقد علمت أيها الإخوة وتبين لكم جميعاً أن الإنسان الذي يستجيب إجابة كيفية لغرائزه لابد أن يضيع لا بد أن بين ماضغي الشقاء، وهذه حقيقة لا إشكال فيها ولا ريب فيها ولقد رآينا كثيرين من الشباب استجابوا لغرائزهم في بادئ الأمر عن طريق استجابةٍ جزئية لبرامج ومناهج تعقد عادة خلال الصيف بعد أن تغلق المدارس أبوابها. فماذا كانت العاقبة؟

جرتهم الخطوة الأولى إلى خطوات وجرتهم الخطوات الأولى إلى إنزلاق في أودية، ولما انزلقوا في تلك الأودية، لم يعودوا يستطيعون أن يملكوا لا رشدهم الدنيوي، ولا يستطيعون أن يلتفتوا عائدين إلى صراط الله الذي كانوا يتمسكون به، ووقعوا هكذا بين ماضغي الشقاء كما قلت لكم، الشقاء الدنيوي الأول والشقاء الآخروي ثانياً.

وما أعجب وأغرب كلام الأب أو الآباء الذين يلجؤون لمثلي عندما يقعون في ضيق أو عندما يقع أولادهم في مضايق ويسأل الواحد منهم واحدٍ مثلي: ماذا أعمل وكيف أصنع؟

وكأن مفتاح حل هذه المشكلات إنما هو بيد إنسان مثلي فقط، دون أن يتبين هذا الإنسان أنه مسؤول قبلي عن أولاده، ودون أن يذكر كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ما معنى أن يسألني سائل عن حكم ابنته عندما تُزج في معسكر، وتجبر على أن تعصي الله بحجابها ما معنى هذا السؤال اسأل ربك. ولا تسأل عبداً مثلي .. ولقد سألت ربك عندما قرأت كتابه، وسمعت تنزيله، وتبين لك قراره !!

إذاً أنت الحكم العدل في هذه القضية، وأنت الذي تستيطع أن تبرم، فإما أن تستجيب لأمر الله عز وجل، وإما أن تستجيب لأمر غير الله عز وجل أنت الذي يمكنك أن تحل مشكلتك لإنك مسلمٌ مثلي، تعلم دين الله عز وجل كما أعلم، وعندما تواكل المسلمين في نطاق المسؤوليات التي وزّعها الله عز وجل عليهم، وعندما إلتجأ أناسٌ فأسندوا ظهورهم إلى جدران اللامبالاة واللامسؤولية، ثم ألقوا التبعات كلها على فئات من أمثالي. يوم فعل المسلمون هذا وكلهم الله إلى أنفسهم، وجعلهم يتيهون في دائرة مفرغة، وكأنهم كأنهم لا يعرفون كيف يخرجون من هذه الدائرة المفرغة، وهم يستطيعون أن يخرجوا لو شاؤوا.

وقد قلت مرة أن الله عز وجل لم يقل لا في توراة ولا في إنجيل ولا زبورٍ ولا فرقان إن الله عز وجل أعطى صلاحيةً لبعض عباده أن يحملوا عباده الآخرين على أكتافهم ويدخلوهم الجنة، أبداً لم يعطي الله عز وجل هذه الصلاحية لبعض عباده أن يفعلوا بالآخرين هذا. بل قال في محكم كتابه: َ{كُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }الإسراء

لن تقرأ يوم القيامة كتابي ولن أقرأ كتابك ولن تتحمل من ذلك وزراً إرتكبته ولن أتحمل وزراً أنت الذي ارتكبته

كل ما في الأمر أن علي أن أقف مثل هذا الموقف، فأقول لك مثل هذا الكلام. تلك هي المسألة الثانية وأسأل الله عز وجل أن يلهمنا الرشد وأن يغرس في أفئدتنا خوفه، وحبه والإخلاص لوجه أقول قولي هذا واستغفر الله.

تحميل



تشغيل

صوتي