مميز
EN عربي
الشيخ محمد ياسر القضماني

الشيخ محمد ياسر القضماني

الكاتب: الشيخ محمد ياسر القضماني
التاريخ: 13/10/2021

الإعلام المعاصر وزَعزَعةُ العقائد

بحوث ودراسات

بسم الله الرحمن الرحيم


 (بحث مقدم للملتقى الخامس عشر في تريم في 29 من ذي الحجة 1442 هـ)


الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، وصلى الله وسلم وبارك على خِيرَة خَلْقه ومصطفاه محمد بن عبد الله وعلى آله أهل وَلَاه، وعلى صحابته والتابعين وعَنَّا معهم.


وبعد:



فممَّا يَقُضُّ مَضْجع كل غيور، ويُقلقُ كلَّ محبٍّ وارِث، ما دَهَى كثيراً من البيوت من تكديراتِ وتعكيراتِ (الإعلامِ) بوسائله وسُبُله الجديدات، وتلبيساته الشيطانيات على الحديث الشريف لصاحب القَدر المنيف! وهذا من أهم ما كُدِّر في شؤون الاعتقاد، وزعزعة الأصول!



 زعزعة الثقة بكتب السُّنَّة:



ولكلِّ أوانٍ مكايدُ للشيطان، ومِنْ أَنْكَى المكايد اليوم التَّشكيك في السُّنَّة النبويةِ الممثَّلة بكتبها الشهيرة ومراجعها المعروفة؛ فإذا كان مشهوراً بين العامَّة والخاصَّة أنَّ أصحَّ كتاب بعد كتاب الله هو صحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري - رحمه الله - وهو رَمْزُ السُّنَّة؛ فإنَّ أَخْصَرَ طريق لهَدْم هذا الأصل والتَّعفية على آثاره هو الغَضُّ من قَدْر البخاري، والتهوين من سُمْعةِ وحُرْمة كتابه!



فكما غَبَّر مَنْ غبَّر على الإمام البخاري، وكتابه الصحيح فعلينا أَنْ نَذْكُرَ ما قاله العلماء الثِّقات عن الإمام وكتابه، ودَحْض الشُّبَه!



ولمَّا كان مَبْنى البحث هذا على الإيجاز فهذا معتصرٌ يَرُدُّ الاعتبار لعَلَم من مشاهير أهل الاستبصار والادِّكار:



في تهذيب التهذيب للحافظ أبي الفضل ابن حجر العسقلاني في ترجمة الإمام البخاري [1/508 - 511]: قول محمد بن إسماعيل البخاري: كتبتُ عن ألف شيخ وأكثر، ما عندي حديث إلا وأذكر إسناده.



هذا ونبوغ الإمام كان مبكراً يُبيّنه قولُ أبي بكر الأعين: كَتَبنا عن محمد بن إسماعيل على باب محمد بن يوسف الفِريابي وما في وجهه شَعْرةٌ.



وعن وَرَعه وتحرِّيه لإثبات ما اختاره يكفي قولُ الكُشميهني: سمعتُ الفِرَبري يقول: قال لي محمد بن إسماعيل: ما وضعتُ في كتابي الصحيح حديثاً إلا اغتسلتُ قبل ذلك وصلَّيت ركعتين.



ويؤكد حفظهُ وغَوْصَه في علم الحديث أنَّ الإمام مسلماً صاحب الصحيح المشهور كان بين يديه كالصبيِّ.



قال الحاكم سمعت أبا الطيب يقول: سمعت ابن خزيمة يقول: ما رأيتُ تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحفظ له من البخاريّ.



قال: وسمعت أبا عبد الله الحافظ يعني ابن الأخرم يقول: سمعت أبي يقول: رأيتُ مُسْلمَ بن الحجاج بين يدي البخاري وهو يسأله سؤال الصبيّ المتعلِّم.



والإمام البخاري هو الرأسُ في الفقه؛ يقول يعقوب بن إبراهيم الدَّورقي: محمد بن إسماعيل فقيهُ هذه الأمة!



وأختم بقول أبي العباس الدُّغولي: كَتَبَ أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل:



المسلمون بخير ما بقيتَ لهم


 وليس بعدك خيرٌ حين تُفْتَقَد



 * * *



ومِنْ عَجَب أن بعضهم طَعَنَ على الإمام البخاري أنه أعجمي! فيقال: إن جُلَّ أئمة المسلمين كانوا من الأعاجم، بل هذا إمام العربية الجبل الراسخ: سيبويه! هو فارسي، ومات في الثالثة والثلاثين من عمره!!



وإن عَابَ بعضهُم على الإمام البخاري أنَّ في لِسَانه عِيٌّ فما ضرَّه ما دام أفهم الناس وأعلمهم؟!



وما عاب العلماء على إمام اشتهر بالعلم لحُبْسةٍ في كلامه، ولا عدَّوه مَنْقصةً كسيبويه والمبرِّد وشيخ شيوخ عصره صفيّ الدين الهندي وأمير الشعراء أحمد شوقي وغيرهم([1]).



وظنَّ بعضهم أنه سيهدم بنيانَ صحيح الإمام البخاري لأن الإمام الدَّارقطني - رحمه الله - تكلَّم في بضعٍ وثمانين من رجال البخاري، وما عرفوا أن في توضيح الإشكالات في فَتْحِ ابن حجر - رحمه الله - ما يَرْفَعُ اللَّبْسَ ويدحض ما ظنّ أنه غَاضٌّ من قَدْر الكتاب، ثم إنها مسائل يقف عليها، ويَخْبُرُها أهلُ الفنّ؛ فما حَظُّ العامَّة منها إن قيل لهم علَّق بعضهم بكذا وكذا على رجال البخاري؟!



وإنْ جاء بعضُهم فظنَّ أنَّ اختياره لبعض أحاديث تعارض العقل _ في ظنِّه _ كحديث: (إذا وَقَع الذُّباب في إناء أحدكم فليغمِسْه كلَّه ثم ليطرَحْه - وفي رواية: لينزِعْه -، فإن في إحدى جناحيه شفاءً، وفي الآخر داءً) ظنَّ أنه بهذا هادمٌ صَرْحَ الصَّحيح؛ فهو في غاية الجهل؛ فقد أثبت علماء من غير المسلمين صِدْق ما جاء في الحديث الشريف وصدق الله تعالى: ﴿ وما ينطق عن الهوى ﴾ .



قال ابن حجر في شرحه للحديث وهو آخر أحاديث كتاب الطب في صحيح البخاري: ذكر بعضُ حذَّاق الأطباء أن في الذُّباب قوة سُمِّيَّة يدل عليها الوَرَم والحكَّةُ العارضة عن لَسْعِه، وهي بمنزلة السِّلاح له، فإذا سقط الذباب فيما يُؤذيه تلقَّاه بسلاحه، فأمر الشارع أن يقابل تلك السُّمِّيَّة بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء، فتتقابل المادَّتان فيزول الضرر بإذن الله تعالى([2]).



ومِنْ عَجَبٍ أيضاً قول بعضهم: البخاري ثقة، ولكن زِيدَ في الكتاب بعد وفاته، وليست لدينا النسخة التي خطَّها البخاري بيده!!



فيقال ما نُقل كتابٌ كما نُقل صحيح الإمام؛ البخاري وكلُّ طَبَقة تقابلُ على مَنْ أخذتْ عنهم هكذا أكثر من ألف سنة!!



قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: وأما الآخذون عن البخاري؛ فأكثر من أن يُحصروا، وأشهر من أن يُذكروا، وقد روينا عن الفِربري قال: سَمِعَ الصحيحَ من البخاري تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يرويه غيري.



قال وروينا عن الحافظ صالح بن محمد جَزَرَة: قال كان البخاري يجلس ببغداد وكنت أستملي له، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفاً.



وصدق سيدي الإمام قطب الدعوة والإرشاد عبد الله بن علوي الحداد - رحمة الله عليه - بقوله: طالعنا كتباً كثيرة ولم نَرَ أجمع منها! بعد أن ذكر: البخاري في الحديث، والبغوي في التفسير، وفي الفقه المنهاج، ومن الكتب الجامعة (إحياء علوم الدين)([3]).



فما تقول في دِقَّة هذا الإمام البخاري وشيخٌ من شيوخه: وهو عبد الله بن حمَّاد الآمُلي يقول: ودِدْتُ أني شَعْرةٌ في صَدْر محمد بن إسماعيل.



وأنا أُحيل هذا التوفيق للإمام ونَشْر علمه وكتابه لشؤون عليَّة وما في نَفْسه الزَّكية مِنْ أجلِّها تعظيمُ حرمة المسلم حيث قال: أرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطالبني أني اغتبت أحداً!.



ولصِدْقه قال: المادح والذَّام عندي سواء!



والخلاصة:



كيف تهتز ثقتنا بهذا الإمام وكتابه وأهلُ الفنّ؛ وأشهرهم بعده الإمام مسلم بن الحجَّاج - رحمه الله - قد جاءه مرَّة فقبَّل بين عينيه وقال: دعني أُقبّل رجْلّيك يا أستاذ الأستاذين، وسيِّد المحدثين، ويا طبيب الحديث في عِلَلهِ؟!([4])



 * * *



ثم رأيت أن أختم في شجون الحَطِّ على صحيح الإمام البخاري - رحمه الله - بما ذَكَرَه العابثون الجاهلون في قضية سِحْر النبي صلى الله عليه وسلم وذِكْر الإمام البخاري لها!



ولا أنسى ذلك الشخص الذي انتهز هذا الموضوع قبل سنوات - وقد ضمَّنا مجلس - ليجعله تُكَأَةً للنَّيل من البخاري!



قال لي: أنا عاقل وأحترم عقلي، وليس كلُّ ما ذكرته كتب السُّنَّة صحيحاً حتى ولو البخاري، النبيُّ لا يُسحر! النبي لا يُسحر!



قلتُ: السحر كأي مرض، أثَّر في ظاهره -صلى الله عليه وسلم - وما حجزَ عن البلاغ ولا غيَّر ولا بدَّل! وهو عزاء لكلِّ من يُسْحر ماذا يصنع، وكلما زاد الابتلاء - والبلاءُ هنا على يد اليهود - كلما زاد الاعتلاء والتَّرقي في درجات الاصطفاء.



وأسوق من كلمات الإمام القاضي عياض - رحمه الله - في كتابه (الشِّفا) وقد جعل فصلاً في الرَّدِّ على من طعن في حديث السِّحر.. قال:



فقد استبان لك مِنْ مضمون هذه الروايات أن السِّحر إنما تسلط على ظاهره وجوارحه، لا على قلبه واعتقاده وعقله، وأنه إنما أثَّر في بصره، وحَبَسَه عن وطء نسائه، وطعامه، وأضعف جسمه وأمرضه؛ ويكون معنى قوله: (يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن) أي: يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة على النساء! فإذا دنا منهن أصابته أُخْذة السحر فلم يقدر على إتيانهن كما يعتري من أُخذ واعتُرض.



ولعله لمثل هذا أشار سفيان بقوله: وهذا أشد ما يكون من السِّحر ويكون قول عائشة في الرواية الأخرى: (إنه ليُخيَّل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله أو ما فعله) مِنْ باب ما اختل من بصره كما ذُكر في الحديث؛ فيظن أنه رأى شخصاً من بعض أزواجه، أو شاهد فِعلاً من غيره، ولم يكن على ما يُخيَّل إليه، لِمَا أصابه في بصره وضعف نظره، لا لشيء طرأ عليه في مَيْزه.



وإذا كان كذلك لم يكن فيما ذُكر من إصابة السحر له، وتأثيره فيه، ما يُدخل لَبْساً، ولا يَجدُ به الملحد المعترض أُنساً([5]).



وأقول: غَيرتنا على كتب السُّنَّة والسيرة أيضاً جميعها متعيِّنة؛ لأن التشكيك فيها يؤدي للتشكيك في القرآن لأنها هي التي ذَكَرَتْ لنا فيما ذكرتْ جَمْعَ القرآن الكريم.



لكن أَفَضْنَا في شؤون كتاب البخاري لأنه أصحها؛ وأما قول الإمام الشافعي - رحمه الله - أصحها موطأ مالك فلأنَّ البخاري جاء بعده!([6])



 * * *



 



 زَعْزَعَةُ الثقة بالصحابة الكرام - رضي الله عنهم -:



ومن أعجب العجب ظنُّ بعضهم أنَّ إيراد الأخبار المتنوعة عن الصحابة - رضي الله عنهم - في حوادث تدل على ارتكاب الكبائر الظاهرة الشهيرة؛ أنه كافٍ في صَرْف الناس عنهم، واتخاذ ذلك ذريعة في إسقاط آثارهم وأخبارهم وأنهم ليسوا المرجع المأمون لأخبار وسيرة وسنَّةِ وشمائل النبي صلى الله عليه وسلم وإِرْثه!



فهذا المُبْغض القَالي لهذا الجيل الفريد تشعر أنه عندما يقع على قصة فيها معصية أو تعدٍّ على شيء من الحرمات أنه وَجَد كَنْزاً، وإنه يتعيَّن عليه ذِكْر ذلك وإشاعته نُصْحاً للمسلمين، لألَّا يَغْتَرَّ الناس بهؤلاء! على حسب زعمه!



عجيب أمرُ هؤلاء!



إذا كان الإنسان يَسْقُطُ من ديواننا بذَنْبٍ، ولا يعود أهلاً لنَقْل خَبَر، أو إثبات قصةٍ، أو أثارة من عِلم والناس ليسوا معصومين - حاشا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - إذاً سيؤدِّي هذا إلى عدم جواز الرجوع في نقل الأخبار إلا للأنبياء الكرام - عليهم الصلاة والسلام -!.



أقول: وما قَوْلُ فلان أو فلان بعد أن أثنى الحقُّ العَدْلُ تعالى على الصحابة وعدَّلهم - رضي الله عنهم – بقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ)  (آل عمران 110).



قال جويبر عن الضحاك: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصَّة، وكانوا الرُّواة الدُّعاة الذين أَمَرَ الله المسلمين بطاعتهم!



وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: كنتم خير أمة أخرجت للناس تكون لأوِّلنا ولا تكون لآخرنا.



وذَكَرَ الإمام البغوي - رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية بعد إيراده الأثرين السابقين إسنادين لحديثين شريفين - وهما في الصحيحين وغيرهما - يُشيدان بفضل الصحابة وشرفهم:



الأول: خيرُكم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. قال عمران - أي ابن الحصين - رضي الله عنه -: لا أدري أَذَكَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قرنه مرتين أو ثلاثاً، وقال: إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون ويَشْهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يُوفون، ويظهر فيهم السِّمَن.



الحديث الثاني: (لا تسبُّوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنَّ أحدكم أَنْفق مثل أُحُدٍ ذَهَباً ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه).



أقول: لا شك أن من يحبُّ شخصاً فضرورةً سيُحبُّ محبوبه، وسيكره مَنْ يكره، فكيف إذا كان محبوبك هو محبوب لله، وكيف إذا كان أحبَّ الخَلْق إليه، وكيف إذا زاد الأمر بأن أوصاك رب العالمين أن تعظمه وأن تراعي حرمته؟! ثم زاد الأمر بأن قال محبوبك - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((الله الله في أصحابي لا تتَّخذوهم غَرَضاً بَعْدي، فمن أحبهم فبحبِّي أحبَّهم، ومَنْ أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه))([7]).



وقد شدَّد علماؤنا على أهمية رعاية حرمة الصحابة وعدم الخوض فيهم لأن الطعن عليهم يعكّر علينا شأن نَقْل السنة النبوية ومعرفة الشرائع.



قال أبو زرعة الرازي - وهو إمام عصره في الجرح والتعديل -: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدَّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسُّنَّة، والجَرْحُ بهم أولى وهم زنادقة([8]).



نَعَم! من حطَّ على الصحابة وجرَّحهم على الإجمال، جرَّح الشُّهود مَنْ عدَّلهم الربُّ المعبود، ومَنْ توفَّروا لِنَقْل شرع صاحب اللواء المعقود والحوض المورود، إمام الركع السجود!!



وقد أعجبتني كلمة للإمام أحمد - رحمه الله - ينتصف فيها للصحابة ويغار على أقدارهم فقال: لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه فإن تاب قُبل منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلَّده في الحبس حتى يموت أو يراجع([9]).



 ما تقول فيمن أشاد الله بهم، وذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن ثم وعدهم المغفرة والأجر العظيم فقال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ( سورة الفتح الآية 29 ) .



وما تقول في جَفَاءِ هذا الذي عَلِمَ عن قوم رضي الله عنهم ورضوا عنه ثم قال: لكنِّي ما رضيتُ عنهم؟! وما حييتُ لأَقْدَحَنَّ فيهم؟!



ما تقول فيمن أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم، والاستغفار لهم قال تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ؟!( آل عمران الآية 129 ).



وأمره بمشاورتهم تطيياً لقلوبهم ، وتنبيهاً لمن بعده من الحكّام على المشاورة في الأحكام فقال : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ ) ؟! ( آل عمران الآية 129 ).



بل ونَدَبَ كلَّ من جاء بعد الصحابة أن يستغفر لهم، وألّا يجعل في قلبه غلّاً للذين آمنوا، فقال: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ؟! ( سورة الحشر الآية 10 )



وأختم بنصٍّ ثمين رائع عمَّا نحن بصدد تأكيده مِنْ حُرمة وقَدْر الصحابة بعد ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله الكريم:



ساق الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بإسناده إلى سيدنا ابن مسعود - رضي الله عنه - في كتابه الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ما يلي:



إن الله تبارك وتعالى نَظَر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب الناس، فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته، وانتخبه بعِلْمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده، فاختار له أصحابه، فجعلهم أنصارَ دينه ووزراء نبيِّه، فما رآه المؤمنون حَسَناً فهو عند الله حسن، وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح([10]).



يحطُّ بعضهم على الصحابة متشدِّقاً في جُلِّ المجالس أو الوسائل التي يكتب فيها أو يتحدث وكأنه المسؤول من الخالِق عن تقييم العباد، ووزن أعمالهم وأقوالهم والحال أنه لا يسوغ لمتأخر في الإسلام في العهد النبوي أن يعكِّر على متقدِّم - كما مرَّ معنا في الحديث - فكيف بنا في هذا العصر الأغبر!!



وقد جاء عن ابن عمر – رضي الله عنهما - لا تسبُّوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن مقام أحدهم ساعة أفضل من عمل أحدكم عُمرَه([11]).



 * * *



وإنَّ المرتع الخصب الذي يجعل المُجافين بل الكارهين للإسلام وأهله يُخَوِّضون في الصحابة ويهوِّنون من أقدارهم - هو ما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم من اشتجار ابتغاءَ مصلحة راجحةٍ رأوها للأمة؛ ومَبْدَأُ ذلك التعجيلُ في مؤاخذةٍ قَتَلَة سيدنا عثمان - رضي الله عنه أو إرجاء ذلك لحينٍ - لا الاقتتالُ على فانيات، وشهوات دنيَّات!



واعتقادنا في هذا أن نسكت عما شَجَر بينهم أو نؤول ما أَشْكَلَ على مَحْمل محمود حسن([12]).



جاء في : عون المريد : وما أحسنَ قول عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نَخْضِبَ بها ألسنتنا.



وكيف يجوز الطعن في حَمَلَة ديننا، أو فيمن لم يأتنا خبرٌ عن نبينا إلا بواسطتهم؟! فمن طَعَن في الصحابة فقد طَعَن في نفس الدين، فيجب سدُّ الباب جملة واحدة، ولا سيما الخوض في أمر معاوية وعمرو بن العاص وأضرابهما - رضي الله عنهم -([13]).



ويقول الإمام سعد الدين التفتازاني:



وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات - أي الصحابة الكرام - فله مَحَامِلُ وتأويلات، فسبُّهم والطَّعن فيهم: إن كان ممَّا يُخالف الأدلَّة القطعية فكُفرٌ؛ كقَذْف عائشة - رضي الله عنها، وإلا فبدعةٌ وفِسْقٌ([14]).



  زَعْزَعة الإيمان بالمغيَّبات:



التشكيك بالأخبار المغيبات في الكتاب والسُّنَّة أمرٌ قديم، ويتلوَّن الدُّعاة إليه بألوان ولا تهدأ ثائرتهم، ولا تخبو جَذوةُ جحودهم، مهما تطاولت الأيام!



ولا يكون ردُّ المغيبات فيما نرى في واقعنا إلا من مُلْحد، أو مُسْلم أثَّرت فيه دعوات الماديَّة والانبهار بالغرب!



ومن هنا تتضح لنا بجلاء الحكمة الباهرة من تقديم وَصْف الإيمان بالغيب عند المؤمنين المتقين في أول سورة البقرة  ( .. هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ) إذ قلَّ أن يُسَلِّم الإنسان فيؤمن بما وراء العقل مما يَغيبُ عنه في ماضٍ أو حاضر أو مستقبل!



ومن هنا قال مَنْ قال: التَّصديق بالكرامة ولايةٌ صغرى!



 * * *



وقبل حوالي مائة عام في أول العام الهجري (1358 هـ) دعى أحد الأساتذة المشهورين... في دولة عربية شهيرة علانية عمَّا أضمره غيره فقال:



 ((سيأتي يوم - قريب أو بعيد - يثور فيه الناس على الأمور الغيبية، ولكنهم لا يستطيعون أن يثوروا على عبقرية محمد))([15]).



لا تدري ما تقول عن الباعث وراء هذا الكلام، وكأن الإيمان بالغيبيات سُبَّة وعار ينبغي أن يتنزَّه المرء عنه، ويتباعد العقلاء عن أن يُحبسوا في إساره، وتعامَوا عن أن الإيمان به ركن ركين وشأن عظيم من أمور المؤمنين وشؤون المتقين!.



ما استحق أَنْ يُمدح به الإنسان اعتبره أهلُ الماديات والحجَابِ عن ربِّ الأرباب - طَوْقَ ذُلٍّ يُطَوَّقه الجهلاءُ، ويترفَّع عنه العقلاء!



فلنفخر أنَّا نؤمن بالغيب الذي امتَزْنا على أساسه، واستضأنا بنبراسه!!



وقد فُتن كثيرون بعلوم الغرب وصناعاته وصار يخجل بما لديه من أخبار الغيوب فصارت منه تأويلات مضحكات مبكيات وصرت تسمع ردَّ أخبار المغيبات المشهورة من عذاب القبر وانشقاق القمر وتكليم الدَّابة وأن الجنة والنار معدَّتان الآن لأهلهما ونزول عيسى وغيره من المغيبات بل ورُدَّ خروج يأجوج ومأجوج والدجال الذي لم يبق نبي من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - إلا وحذَّر منه أمَّته.



بل حصل تكذيب وجود (الشيطان) وتأويل الكلمة بنزعات الشَّرِّ المنبثة في العالم([16]).



والعلم عند كثيرين الآن هو النبي الجديد عند المنبهرين بالمادة والغرب والصناعات الحديثة الدقيقة ويقابلون بذلك التديُّن والإيمان بالمغيبات؛ حتى قال قائلهم:



قام في الناس نبيٌّ إنما


 شأنه ليس كشأن المرسلين


دينه العلم وآيات النهى


 آيةٌ في الناس تهدي المبصرين


ورأوا منه الذي أدهشهم


 قدرةَ العلم على جنس الجنين


آمنوا بالعلم ديناً وهدى


 ليس بعد العلم للأفهام دين([17])



فهل رأيتم مفتوناً بالعلم يمدح العلم بلسان الجهل المركَّب مثل هذا ؟!



ونقول لهؤلاء الذين ينكرون المغيبات ولا يؤمنون إلا بالماديات إنَّ أرباب النظريات العلمية يقرُّون بأنهم ليسوا على معرفة وإحاطة بهذه المادة.



يقول (بوخنر) في كتابه القوة والمادة في خلاصة الفصل الخامس: إننا كما لا نعرف القوة ما هي في حدِّ ذاتها لا نعرف أيضاً ما هي المادة في حدِّ ذاتها([18]).



أقول: كثير من المعاصرين الذين يخرجون على الناس بهذه القنوات والصفحات الإعلامية المعاصرة ما اكتسبوا شهرة إلا بمخالفتهم ما تواطأ الناس عليه من العقائد والمعارف!



وجُلُّ من يتأثر وتتكدَّر عليه عقائدُ المسلمين وبخاصة في شؤون المغيبات فإنه ما قرأها وما عرفها من مظانِّها مع أدلتها؛ وإنما قراءته قراءاتُ هذه الوسائل والمكتوبات المُخلَّطة.



ويكفينا - ونحن لا نَقْدِرُ أن نَرُدَّ هذه الأمواج من التشكيكات والتَّلبيسات في العقائد - أَنْ نذكُر نصوصها المُثْلى في كل عقيدة من هذه العقائد لِيَعْصِمَ الواقفُ عليها نفسه من الرِّيَب فيما حقُّه اليقين الجازم([19]).



 * * *



 ذكر مثالٍ من التلبيسات على العامة:



قالوا قديماً: بالمثال يتضح الحال!



وقد رأينا ولا نزال أن العامَّة يضطرب عليها أُمْرُ اعتقادٍ بسماع أحد هؤلاء الذين يوهمون على الناس بإيراد شبهةِ آيةٍ، أو حديثٍ لإلغاءِ اعتقادٍ تواطأ عليه الناس.



والمثال الذي أُورده هو: إلغاءُ بعضهم عذاب البرزخ ووجود النَّار الآن بحجَّة أن الله تعالى قال: (وإذا الجحيم سُعِّرت) !! أي في الآخرة ستسعَّر لا الآن!



فهاكم كَشْفُ هذا الوهم من كلام أهل العِلم!



قال إمام السُّنَّة أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري - ت 324 - في كتابه الشهير: مقالات الإسلاميين: واختلفوا في الجنة والنار خلقتا أم لا.



فقال أهل السُّنَّة والاستقامة: هما مخلوقتان، وقال كثيرٌ من أهل البدع: لم تُخلقا([20]).



إذاً مُنْكِرُ وجودها الآن مبتدع، والقائل بوجودها سُنِّيٌّ مستقيم!



وقال الإمام شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458): في كتابه الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد: الجنة والنار مخلوقتان معدَّتان.



قال في الجنة : (أعدت للمتقين) وقال في النار: (أعدت للكافرين) والمعدَّة لا تكون إلا مخلوقة موجودة([21]).



قال الإمام إبراهيم اللَّقاني في جوهرته:



والنار حقٌّ أُوجدتْ كالجنه


 فلا تَمِل لجاحدٍ ذي جِنَّه



قال الشيخ عبد السلام ابن الناظم في إتحاف المريد: في التعليق على (لجاحد): أي لقول منكرهما بالمرَّة كالفلاسفة لكفره، أو لقول منكر وجودهما الآن؛ كأبي هاشم وعبد الجبار المعتزليين لتبديعه([22]).



ومن أدلة وجودهما الآن:



قال الإمام التفتازاني في شرح العقائد النَّسَفيَّة عند قوله: وهما مخلوقتان موجودتان:



لنا قصة آدم عليه السلام وحواء وإسكانهما في الجنة.. فإن عُورض بمثل قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا) (القصص: 83).



قلنا: يحتمل الحال والاستمرار، ولو سُلِّم فقصة آدم تبقى سالمة عن المعارض.



قالوا: لو كانتا موجودتين لما جاز هلاك أُكُل الجنة لقوله تعالى : أُكُلُهَا دَائِمٌ (الرعد: 35) لكن اللازم باطل لقوله تعالى: ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (القصص: 88).



قلنا: لا خفاء في أنه لا يمكن دوام أُكُل الجنة بعينه وإنما المراد الدوام، بأنه إذا فَنِيَ منه شيء جِيءَ ببَدَلِه وهذا لا ينافي الهلاك لحظة، على أن الهلاك لا يستلزم الفناء، بل يكفي الخروج عن الانتفاع به، ولو سُلِّم فيجوز أن يكون المراد أن كل مُمْكن فهو هالك في حدِّ ذاته([23]).



أقول: فمن أين لهذا أن يحتج بأن قوله تعالى : (وإذا الجحيم سعّرت) أن هذا سيكون في يوم القيامة؟!



نعم! وجدتُ من احتج بهذا، وأورده الإمام الرازي في تفسيره عند تفسير هذه الآية فقال: احتجَّ بهذه الآية من قال: النار غير مخلوقة الآن، قالوا لأنها تدل على أن تسعيرها معلق يوم القيامة([24]). ولم يَرُدَّ الإمام عليهم، لأنها حجَّة لا تنهض دليلاً واضحاً على منع وجودها الآن، وكيف ستُلغي النصوص الثابتة في وجودهما.



فبقي أن نُوَجِّه (سُعِّرت) فنقول: التَّفعيل يفيد تكثير الفعل، فيَصيرُ المعنى: وإذا الجحيم سُعِّرت تسعيراً فوق تسعيرها الذي كان والتي هي عليه الآن .



وهذا المعنى أول معنى رأيته فيما تنفرد به (فعَّل) من المعاني، وقد أورد الشيخ أحمد محمد الحملاوي ستةَ معانٍ لفعَّل في كتابه: (شذا العرف في فنِّ الصرف).



قال الشيخ الحملاوي - رحمه الله -:



فعَّل: يكثر استعمالها في ثمانية معان، تشارك أفعل في اثنين منها، وهما: التعدية كقوَّمت زيداً وقعَّدته، والإزالة كجرَّبت البعير، وقشَّرت الفاكهة، أي أزلت جَرَبه، وأزلت قشرها.



وتنفرد بستة: (وأذكر هنا الأول الذي نريده):



أولها: التكثير في الفعل كجوَّل، وطوَّف: أكثر الجولان والطَّواف، أو في المفعول، (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) (يوسف: 23) (أي أغلقت كل الأبواب على كثرتها) أو الفاعل، كمَوَّتت الإبل (أي كثر الموت فيها) وبرَّكت([25]).



وهناك معنى آخر وهو: أن العرب يعبِّرون بصيغة الماضي عمَّا سيكون زيادة في التأكيد، وأنه لا بد من وقوعه؛ كقوله تعالى : ( ونفخ في الصور ) ( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ) ، وغيرها كثير([26]).



 * * *



أَرْجعُ للقول: بأن إنكار المغيبات والانبهار بأقوال أهل الكثافات الذين يعزُّ عليهم التسليم بأخبار الشارع الحكيم مما غاب عن عقلهم السقيم - قديمٌ.



ونحن نرى بعض الأساتذة يخجَلُ من ذِكْر بعض المغيبات الثابتة كي يبقى عليه - بظنِّه - وَصْفُ العِلْم في مركزه، ولتتَّسع دائرة نفعه بزَعْمه!!



ومما صنعه بعضهم في التعبير عن تقديره لعلوم الغرب أن كَتَبَ كتاباً وجعل على غلافه صورة بُرْجِ (إيفل) الباريسية مع مآذن جامع شهير وكيف أن رؤوس المآذن تقتبس من ضياء البُرج الفرنسي.



هذه صورة سابقة لكنها تتكرر في واقعنا بألوان متعددة.



منكرو المغيبات اليوم يذكِّروننا بمنكري المغيبات في الماضي مِنْ مثل هلاك قوم أبرهة بوباء الجدري، وكيف أن أبرهة بلغ صنعاء وقد تناثر جسمه من المرض فلم يقم إلا قليلاً حتى لحق بمن مات من جيشه([27]).



بل رُدَّ صريحُ القرآن بتأويل لا يقبله أحدٌ عندما عُبِّر عن انفلاق البحر لموسى ومن معه حتى اجتازوه وغَرَقِ فرعون وجنوده بالجَزْرِ والمَدِّ البحريين([28]).



إلى أي حال يصير إليه هؤلاء الذين يرفضون أخبار المغيبات؟!



 * * *



نختم بأنَّ من روائع القرآن أَنْ أَجْمَلَ لنا من بدايته أشهر أوصاف المتقين حيث بدأ بإيمانهم بالغيب، وثنَّى بإقامتهم الصلاة وثلَّث بالإنفاق مما رزقهم. (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)  (البقرة: 3) فهي ثلاثة أوصاف في الآية.



قال ابن عجيبة - رحمه الله -: هذه الأوصاف تتضمن ثلاثة أعمال: الأول: عمل قلبي وهو الإيمان، والثاني عمل بدني، وهو الصلاة، والثالث عمل مالي وهو الإنفاق في سبيل الله، وهذه الأعمال هي أساس التقوى التي تدور عليها([29]).



أقول: فإذا هَدَّ المُشَكِّكون ركن التقوى الأول، كانت ثُلْمْةٌ لا رَتقَ لها!!



 * * *



خلاصة : فقد انبنت هذه الصفحات على بيان ما يناسب في الرد على زعزعة العقائد في وسائل الإعلام المتنوعة وتأثيرها في أُسَرِنا في ثلاثة محاور :



 الأول : زعزعة الثقة بكتب السنة المطهرة .



      الثاني : زعزعة الثقة بالصحابة الكرام رضي الله عنهم .



     الثالث : زعزعة الإيمان بالمغيبات .



* * *



حفظ الله علينا عقائدنا، ورسَّخَ في قلوبنا الإيمان، وحلَّانا بحلية العرفان، وزيننا بزينة القرآن، ورقَّانا في درجات الإحسان في كل آن بحرمة النبي العدنان آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



 



                             راجي الجود الرباني



                              محمد ياسر بن محمد خير القضماني



                                ضحى الخميس 19 من ذي الحجة الحرام 1442 هـ



                                  29/7/2021 م



                                 دمشق الشام


المراجع



- البحر المديد في تفسير القرآن المجيد – للإمام أبي العباس أحمد ابن عجيبة الحسني – بعناية عبدالسلام العمراني – دار الكتب العلمية بيروت – الطبعة الثانية 1426-2005 .



 - تثبيت الفؤاد للإمام الحداد - طبع سنغافورة - الطبعة الأولى ربيع الأول 1420 هـ يونيو 1999م.



 - تفسير الإمام البغوي بتحقيق عبد الرزاق المهدي - دار إحياء التراث العربي بيروت - الطبعة الأولى 1400 هـ - 2000م.



 - التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي - دار الكتب العلمية - طهران - الطبعة الثانية.



 - تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي بتحقيق عبده علي كوشك دمشق الطبعة الأولى 1434 - 2013 - دار الفيحاء ودرا المنهل ناشرون.



 - تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني مؤسسة الرسالة دمشق وبيروت الطبعة الأولى 1435 هـ - 2014 م بعناية إبراهيم الزيبق وعادل مرشد.



 - حلية الأولياء للإمام الأصفهاني - دار الكتاب العربي - بيروت - الطبعة الثانية 1387 هـ - 1967 م.



 - ردود على أباطيل وشبهات حول صحيح الإمام البخاري - مكتب البحث العلمي في مجمع الشيخ أحمد كفتارو - 1440 - 2018.



 - شذا العرف في فن الصرف للشيخ أحمد بن محمد الحملاوي عني به الدكتور محمد عبد الله قاسم - دار نور الصباح - الطبعة الأولى 2017 م.



 - شرح العقائد النسفية للإمام سعد الدين التفتازاني بخدمة أنس محمد عدنان الشرفاوي - دار التقوى دمشق - الطبعة الأولى 1441 هـ - 2020 م.



 - شرح جوهرة التوحيد المسمى إتحاف المريد بجوهرة التوحيد للشيخ عبد السلام اللقاني بعناية علاء سمير الطُّوخي الطَّوَّاف - دار الدقاق - دمشق - الطبعة الأولى 1441 هـ - 2019 م.



 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض بتحقيق عبده علي كوشك - مكتبة الغزالي - الطبعة الثانية - 1427 - 2006 - دمشق.



 - الصارم المسلول على شاتم الرسول للشيخ ابن تيمية - دار ابن حزم بيروت - الطبعة الأولى 1424 هـ - 2003 م.



 - عون المريد لشرح جوهرة التوحيد تأليف عبد الكريم تتان ومحمد أديب الكيلاني دار البشائر دمشق - الطبعة الأولى 1415 هـ - 1994 م.



 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري - الرسالة العالمية - بيروت ودمشق - الطبعة الأولى 1434 هـ - 2013 م.



 - كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين للإمام أبي الحسن الأشعري - دار إحياء التراث العربي - بيروت - الطبعة الثالثة - بعناية هلموت ريتر.



 - الكفاية في معرفة أصول علم الرواية للخطيب البغدادي - دار الهدى ط 1 - 1423 هـ - 2003 م - مصر.



 - مسند الإمام أحمد - مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الثانية 1429 هـ - 2008 م.



 - موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين للشيخ مصطفى صبري - تصوير مكتبة الإيمان - دمشق.



 ([1]) ردود على أباطيل ص 74.



 ([2]) فتح الباري 17/651.



 ([3]) انظر كتاب: تثبيت الفؤاد للإمام الحداد (2/36).



 ([4]) الأخبار هنا عن الإمام البخاري من كتاب تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي في ترجمته للإمام البخاري (1/203 - 223).



 ([5]) الشفا ص (721 - 722).



 ([6]) انظر ما قال شيخ الإسلام في خاتمة الدولة العثمانية مصطفى صبري - رحمه الله - في كتابه: موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين (4/92 - 93).



 ([7]) في مسند الإمام أحمد برقم: 20578 عن عبد الله بن مغفَّل المُزَني.



 ([8]) الكفاية في معرفة أصول علم الرواية للحافظ الخطيب البغدادي ص (188).



 ([9]) من رسالة رواها أبو العباس أحمد بن يعقوب الإصطخري ص (393) من كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ ابن تيمية.



 ([10]) ص (403) وهو في مسند أحمد، وفي مسند الطيالسي، وعند أبي نعيم في حلية الأولياء.



 ([11]) الاعتقاد للبيهقي ص (404). ورواه ابن ماجه.



 ([12]) كمخاصمة السيدة فاطمة لأبي بكر - رضي الله عنهما - حين منعها ميراثها من أبيها فتؤول على أنها لم يبلغها الحديث الذي رواه لها الصديق، ولم يخرج واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم؛ لأنهم مجتهدون، والمصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد انظر شرح جوهرة التوحيد للشيخ عبد السلام اللقاني المسمى إتحاف المريد عند شرح البيت:



وأوِّلِ التشاجر الذي وَرَد


إنْ خضت فيه واجتنب داء الحسد



 



 ([13]) عون المريد لشرح جوهرة التوحيد [2/902] تأليف عبد الكريم تَتَّان ومحمد أديب الكيلاني وقولة سيدنا عمر بن عبد العزيز في حلية الأولياء (9/114) وردت هكذا : تلك دماءٌ طهر الله يدي منها فلا أحب أن أخضب لساني فيها  .



 ([14]) شرح العقائد النسفية للإمام سعد الدين التفتازاني ص (336 - 337).



 ([15]) (4/6) من كتاب موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعبادة المرسلين.



 ([16]) (1/360) من الكتاب السابق.



 ([17]) (1/353 - 2) و (2/358 - 359) من الكتاب السابق.



 ([18]) (2/359) من الكتاب السابق.



 ([19]) ومراجعها مشهورة في كتب عقائدنا.



 ([20]) ص (475).



 ([21]) ص (272).



 ([22]) ص (382) من إتحاف المريد بجوهرة التوحيد.



 ([23]) شرح العقائ

تحميل