مميز
EN عربي
الشيخ محمد ياسر القضماني

الشيخ محمد ياسر القضماني

الكاتب: الشيخ محمد ياسر القضماني
التاريخ: 24/03/2010

الشيخ أحمد نصيب المحاميد

تراجم وأعلام

بسم الله الرحمن الرحيم
العلامة أحمد نصيب المحاميد رحمه الله تعالى
بقلم: محمد ياسر القضماني
ما ملكت عينيّ حين بلوغ النبأ! وآه من مثل هذا النبأ!
مات الشيخ نصيب المحاميد!!
لما نعاه الناعي زاغ مني البصر وعلاني الكدر ولفتني الدنيا بفنون من الذكرى، وشجون من العبر انهدّ لها كياني فتلبثت دهشا أكفكف دمعي، ولا أجد ما يعزيني سواه.
أنا الذي كنت أتسقّط في آخر أيامه عن أحواله من يقدم من صحابتي وقرابتي ؛ حتى جاء الأجل وحمَّ القدر وحل ما قد كتبه الله على كل البشر! فاضت دموعي حقاً وصدقاً، لا كما يبالغ الأدباء ويصور الشعراء، ولا دمع هنالك ولا حزن ولا تأسف! لا، بل كان دمعي دمع طالب فقد أستاذه القديم، كان دمعي دمع ملتاع محترق خَبَرَ الشيخ و عرف قدره؛ فعظم مصابه و جل خطبه!
كيف لا أبكي شيخنا المحاميد منذ اصطحبني والدي لخطبة الجمعة في جامع حيّنا جامع الشّمسيّة في حيّ المهاجرين في دمشق الشام؟! مازال ماثلاً في ذاكرتي على أعواد المنبر، قائماً في وجداني وقلبي مذكِّراً ومعلِّماً وواعظاً ومرشداً وناصحاً !
وتكبر كلمات الشيخ في حسّي ومشاعري وعقلي مع الأيام؛ فنزداد له حبّا، وهو يزداد لنا مع الأيام حبّا، حتى صار مسجدنا من أحب المساجد إليه، وحين نقل عنه، تحدّثوا أنه بكاه بدمعات حارة بكت لها القلوب قبل أن تبكيها العيون!
لقد ذلَّت الخطابة حتى صار من فرسانها الذين لا يُشقّ لهم غبار، واستحق أن يقول فيه شيخه شيخ الشافعية في دمشق الشيخ صالح العقّاد - وكان يدعى بالشافعي الصغير رحمه الله - : (هذا خطيب العلماء و عالم الخطباء)!
أوّاه .. أما كان يدري هذا الذي فجعني بخبر موته ماذا سيُدخل عليّ من الغمِّ والتأسف؟!
أما درى أنّه سيُنزل بي أَلَمَ خبر عن شيخ يلهج الناس بمدحه و الثناء عليه، وهذا عنوان ثناء أهل السماء، و آية تعظيم الملأ الأعلى فلا غرو كتب الله له القبول بإذنه.
نم يا شيخنا نوم العروس فلا بأس عليك فلطالما تهيّأت لهذا اللقاء، وأخذت له أهبته وزادك وفير، فلتهنك البشارة بالقدوم على ربك، لنيل جائزتك و تبوُّء رتبتك.
والشيخ كغيره من أعلام الأمة عنده تبحّر في العلوم الشرعية. ولم يفته الأخذ بطرف من علوم وفنون عصره. وهذه نبذة من العلوم التي اشتهر بها مع شيوخه وما تلقّ:
1. الحديث الشريف: من أشهر من تلقى عنهم الشيخ الحافظ السيد محمد بدر الدين الحسني(ت1354) وأخذ كثيراً عنه في منزله، وهذا يدل على مكانة شيخنا المحاميد؛ حيث إن الشيخ بدر الدين محدث بلاد الشام حينئذ وله جلال عجيب وقد قرأ عليه: قسماً من صحيح الإمام البخاري وقسماً من صحيح مسلم. وأخذ على شيخه الشيخ علي الدقر(ت1362) الترغيب والترهيب وأخذ على شيخه الشيخ محمود العطار (ت1362) مسند الإمام الشافعي وسمع على شيخه أبو الخير الميداني (ت1380) حديث الرحمة المسلسل بالأولية الإضافية و المسلسل بالدمشقيين.
2. الفقه: قرأ على شيخه الشيخ أحمد البصروي: متن الغاية و التقريب في الفقه الشافعي. وتلقى الكتب التالية على الشيخ علي الدقر: الباجوري على ابن قاسم والبجيرمي على الخطيب وإعانة الطالبين وكلها في فقه الشافعية. وتلقى وتفقه على شيخ الشافعية الشيخ صالح العقّاد وقرأ عليه كتاب: شرح البهجة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري.
3. أصول الفقه: قرأ على شيخه الشيخ محمد بدر الدين الحسني: متن القاضي البيضاوي وقرأ على شيخه الشيخ الأصولي محمد أمين سويد (ت1355) متن المنارة و قرأ على شيخه العطار: الأصول للقاضي البيضاوي.
4. التوحيد: قرأ على شيخه الدقر جوهرة التوحيد لإبراهيم للقاني مع شروحها كشرح ابنه عبد السلام وشرح الشيخ إبراهيم الباجوري وحاشية الصاوي على الجلالين. وقرأ على شيخه محمد بدر الدين: السنوسية الكبرى.
5. القرآن و علومه:
آ- التجويد: أخذ التجويد على الشيخ جميل الخوّام (ت1415) وقرأ على الشيخ المقرئ عز الدين العرقسوسي بعض سور القرآن. و حفظ القرآن الكريم كاملاً على تلميذ العرقسوسي الشيخ محمد أبي الحسن الخبّاز وقرأ من أول القرآن إلى الأنفال على القارئ العالم عبد الحميد المدني القابوني (ت1363). وقرأ ختمة كاملة على القارئ الشيخ عبد الوهاب الحافظ المشهور بدبس و زيت (ت1389).
ب- التفسير: أخذ المجلد الأول من الكشاف للزمخشري على شيخه الشيخ محمد بدر الدين الحسني.
6. علوم العربية: الشيخ تضلّع من العربية وآدابها حتى غدا مرجعاً فيها، وكان الشيوخ يُحيلون عليه، ومنهم شيخ الشام عبد الوهاب دبس وزيت، وكفى به شرفاً وآية على ذوقه وأدبه! وقد قرأ الآجرومية والأزهرية على أول شيخ له الشيخ عبد الكريم الرفاعي (ت1393). وقرأ على الشيخ أحمد بن علي الدقر (ت1397) شرح ابن عقيل على الألفية، و قطر الندى
- و في البلاغة: قرأ على شيخه أبي الخير الميداني كتاب البلاغة المنطقية.
7. المنطق: قرأ على الشيخ علي الدقر (إيساغوجي)، وقرأ على شيخه العطار أيضاً. وقرأ شرح الشيخ بدر الدين الحسني على قصيدة (غرامي صحيح) و(إيساغوجي) على الشيخ محمد بدر الدين الحسني.
وبعد:
فهذه أهم الكتب التي قرأها، ومن ذكرت من مشايخه هنا كلهم أجازه إجازات عامة، ولازم كثيراً منهم في كثير من وقته، وأخذ الكثير من المعارف والأحوال التي ترشد إلى الله، وتسلك بالعبد سبيل الأدب معه ومع نبيه صلى الله عليه و سلم.
وميزة شيخنا كغيره من شيوخ الشام الذين مضوا ولم يبق منهم إلا قليل – فيا لله ما أعظم مصابنا- أنهم ينتفع الناس بحالهم قبل أن ينتفعوا بقالهم، وهذا الذي ينبغي أن تتجه الجهود إليه من أهل العلم!

من اكتشف الشيخ في صغره؟؟
تقرأ في تراجم الأعلام أن رجلاً من أهل العلم رأى صبياً عليه علامات النبوغ والتحصيل والشغف للعلم، فيشير على وليّه أن يوجهه للعلم، ثم يكون من الذين تَنْعُمُ الأمة بعلمه الذي يبرع فيه، ويكون هذا الإرشاد المبكر من لطف الله بعباده ورحمته لهم.
وشيخنا الشيخ أحمد نصيب المحاميد – رحمة الله عليه – من هؤلاء، فقد رأى الشيخ الصالح عبد الوهاب الكناني في حَوران الشيخ أحمد يكثر من التردد على المسجد؛ وعليه مخايل النجابة والذكاء فكلم والده محمداً (المختار) في قرية (نَصِيب) أن يرسل ابنه إلى دمشق، فتردد الوالد لأنه كان ينوي أن يخلف ابنه مكانه في العمل، ثم شرح الله صدره فقدم شيخنا دمشق وعمره سبعة عشر عاماً.
وكان أول ما التحق به الحلقات التي أسسها الشيخ علي الدقر – رحمه الله – وأول من قرأ عليه الشيخ عبد الكريم الرفاعي – رحمه الله .
وهذا يذكر بالإمام النووي الذي اكتشفه في حوران أيضاً الشيخ الصالح ياسين المراكشي وأوصى به، فقدم النووي الشام و عمره ثماني عشرة سنة.
سَعَةُ اطِّلاعه:
كنت مرة في منزل الفاضل أخي الدكتور محمد حسان الطيَّان، فمررنا على ذكر الشيخ المحاميد فحدثي كيف أنه زاره في بيته ورأى نَهَمَ الشيخ للمطالعة حتى لما يُنشر خارج القطر السوري، وأنه هنّأه معجباً، وأثنى عليه لِمَا دبَّجَ في مجلة الفيصل السعودية!
أليس عجباً من أمثال الشيخ المحاميد – رحمه الله – وهو فوق الثمانين آنذاك أن يقرأ – على كثرة دروسه و التزاماته - ما يُكتب في المجلات؟!
وهذا لا يفسر له إلا الشغف بل العشق للعلم والمعرفة!
من تقديمه للكتب:
وكنت قبل وفاة الشيخ بمدّة قد اطلعت على ما قدّم به كتاب: ( إمداد الفتاح بأسانيد ومرويات الشيخ عبد الفتاح) وهو أبو غدة - رحمه الله - والكتاب من تخريج تلميذهما الشيخ محمد بن عبد الله آل رشيد – أكرمه الله – فغبطت صاحب الكتاب على هذا الشرف، وذكرت شيخنا وهيّج كلامه ذكريات عزيزة قلّ ما يجاد علينا بما يدانيها لا أمثالها.
وارجع إلى هذه المقدمة ترى من لطف الشيخ و ذوقه و أدبه العالي – رحمة الله عليه.
وظائفه :
أمَّ الشيخ بالوكالة في جامع (تنكز)، واشتهر بإمامة جامع التوبة والتدريس فيه، وخطب في جوامع أشهرها: جامع الشمسية، وانتقل منه إلى جامع العثمان المعروف بجامع (الكويتي)، وخطب في جامع السِّبَاهِيَّة .
درَّس في مدارس: الجمعية الغرَّاء ومدرسة سعادة الأبناء، ومدرسة أسعد عبد الله، والثانوية الشرعية في الميدان، وفي دائرة الإفتاء العام.
مؤلفاته :
1- أشهرها - و كلها متداولة – (من وحي المنبر): قال في مقدمته - رحمه الله- بأنه مجموعة من خطب منبرية، وأحاديث وعظية تيسّر له جمعها بحكم وظيفتي: الخطابة و التدريس اللتين كان يقوم بهما منذ ثلاثين سنة – وكانت دار الفكر في دمشق قد طبعت الكتاب في 1401 هـ/1981م – في جامع الشمسية في المهاجرين، وفي جامع العثمان وفي جامع التوبة في حيّ (العقيبة) وكلها في دمشق.
وقد أضاف إلى ذلك أحاديث أذاعها من محطة الإذاعة السورية بدمشق ضمن برنامج الأحاديث الدينية الصباحية.
2- قبسات هادفات: على غرار الكتاب السابق، وفيه مقالات أدبية لها صلة وثيقة بالنصح والإرشاد، وبعض التراجم الهادفة.
وقد طبع مستقلاً ومع الكتاب السابق في دار الفكر أيضاً بإذن المؤلف بعنوان: (من وحي المنبر)، فكان الكتاب الأول بعنوان: القسم الأول. و(قبسات هادفات) تحت عنوان: القسم الثاني.
3- الحبّ بين العبد و الرب: و قال في الباعث على تأليفه: ما وقع من المطاعن التي وجهت للإسلام، من أنه دين جاف يخلو من الحب بين الله والعباد، وأن صلة المسلمين بربهم هي صلة إذعان لإرادة الله وقهر، لا صلة قداسة وحب.
4- الأمانة و الأمناء.
5- روائع من الأدب العربي
نموذج من أدبه البديع :
اشتهر الشيخ بأسلوبه الرائق العذب، وبيانه الأخّاذ، فيا من لم يعرف الشيخ الأديب أحمد نصيب المحاميد أرهف سمعك لهذه الكلمات لتقف على أسلوب نادر، وبيان قادر على التصرف بأسباب الكلام. فمِمَّا قال تحت عنوان: لماذا نحب الله تعالى؟
أيها الإنسان: هل من الحياء والوفاء والمنطق السليم، أن تتمتع بما خلق الله لك من الأضواء، والإصباح والإمساء، وما أوجد لك من بديع الأشياء، وسخر لك من الأرض والسماء، وكان الأمر على ما قال الله عز و جلّ:
(خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[البقرة:29]، و(وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[لقمان:20] ثم لا تؤدي شكره ولا تعرف قدره!!
و إني لأعجب ممن قد رأى طرفاً مِنْ فَرْط لطفك ربّي كيف ينساك
أفلا يؤثر في نفسك فائض إنعامه ومزيد إحسانه، وما هو عليه من قدرة يتحيّر فيها الناظرون، وعظمة لا يصفها الواصفون، وعلم لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء، وحكمة أتقن بها جميع الأشياء، وما هو متصف به عزّ وجل من نعوت الجمال وصفات الكمال؟!
أيها الإنسان، إن كان لا يستولي على نفسك إلا سلطان الحسن، الذي تشاهده بعينيك أو تلمسه بيدك فاعلم أن كل جمال يقع عليه حسك أو يتصل به لمسك، فإنما هو ظل من ظلال ذلك الجمال المطلق الذي يجل عن الحدود، ويتعالى عن القيود، وليس يعطيك أي مظهر من مظاهره إلا بعض سرائره، ولا تمثل لك أي مرآة من مراياه إلا بعض مزاياه، وأنّى يسع المحدود من لا يقبل التحديد، وكيف لا يضيق المقيد بمن لا يدخل في سجن التقييد.
فطوبى لمن شمّ عرْف شذاه أو شام برْق سناه، وهنيئاً لمن شرب قليلاً من مدامه ولو مزجاً، فإذا لم يدر ما هو تائق إليه ومتلهف عليه، قال:
شيء به فتن الورى و هو الذي يدعى الجمال و لست أدري ما هو[1]
* * *
فهل قرأت للمشايخ كلاماً رائعاً يخالط المشاعر والأفئدة كهذا؟! وإن وجد فهو قليل، أي والله فهو قليل، وما نقلت لك إلا صفحة واحدة!!
من غرر كلامه:
ووليُّ الأمر الذي نصبه الله للحكم بين عباده، جلوسه ساعة للنظر في المظالم، وإنصاف المظلوم من الظالم، وإقامة الحدود، ونصر المحقِّ وقمع المبطل أفضل من عبادة سنين من غيره[2].
ومن كلامه المتدفق بالقوة والاعتزاز بالإسلام وأهله:
وبعد، فإن الإسلام دين القوة ما في ذلك شك، شارعه: هو الجبار ذو القوة المتين. ومبلغه: هو محمد الصبّار ذو العزيمة الأمين، وخلفاؤه العمريون: هم الذين ركزوا عروشهم على نواصي الشرق والغرب، وقواده الخالديّون: هم الذين ضربوا بفتوحاتهم أروع الأمثلة للرحمة والعدل.[3]
من وصاياه للدعاة العاملين:
كم نحن بحاجة لأمثال وصايا الشيخ المحاميد ممن جمع بين العلوم الشرعية والعربية مع الغيرة على شعائر الإسلام ومقدساته - كما سنرى - والمدوَّن من ذلك قليل من وصايا هؤلاء وجهادهم، ومما وقعت عليه قوله - رحمه الله: هذا وإني أنصح للأخوة الذين أقامهم الله دعاة لدينه، وهادين لشريعة نبيه - صلى الله عليه وسلم – بشيئين اثنين هما من الأهمية بمكان:
1. أن يتحرّوا الصدق فيما يقولون وأن يكونوا من العاملين بما يدعون الناس إليه ..
2. أن يبتعد – أي الواحد من هم – عن الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة، فإن لدينا من صحاح الأخبار ما يكفي ويزيد، و أمامنا من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم – وخلفائه الراشدين، والأئمة المتبوعين ما يغني عن الأساطير والأوهام والخرافات.
وإذا تساهل أهل العلم في الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال فقد اشترطوا ألّا تخالف قواعد الإسلام الكلية، ولا أصوله العامة.[4]
* * *
وإنك لواجد في منهج الشيخ رحمه الله التزاماً لما أوصى به، وهو الذي ألَّف عليه القلوب، وحبَّب إليه النفوس بفضل الله.
الشيخ وقضية فلسطين:
أردتُّ من هذا العنوان أن أبرز أن هذا الطراز من العلماء نادر، فلم تغب قضايا الأمة الإسلامية عن باله – رحمه الله – و بخاصة قضية الأقصى السليب ومسجده المبارك.
وبنظرة عجلى لعناوين (من وحي المنبر) تجد الحماسة متوثّبة والجهاد مستعلناً يدقّ بقوة ليوقظ الكسالى والخائرين من رقادهم. ومما قال تحت عنوان المسجد الأقصى:
أيها المسلمون إن المسجد الأقصى يستصرخ، وإن الصخرة المشرفة لتستغيث، وإن الكرامة المهانة تستنجد، فهل يجوز لمسلم بعد هذا كله أن يهدأ له بال، أو يقرّ له قرار، أو يركن إلى نعيم، قبل أن يغسل العار، ويرد العدوان ويطهر الأرض؟!![5]
ومن كلامه المجلجل بالقوة التي لا تهاب إلا الله قوله تحت عنوان: (من فظائع الصهيونية) وكأن القول بالأمس، فلا غرو وعداوتهم قديمة جديدة.
ولتحضنها أمريكا، ولتدعمها في مجلس الأمن وهيئة الأمم، وفي كل المحافل الدولية، ولتمدها بالطائرات، والدبابات، والمدمرات، فلن يكون مصيرها إلا كمصير المدمرة إيلات، غرقاً في قاع البحر، أو قطعاً ملتهبة في الأرض أو ذرات متطايرة في الفضاء.
أيها العرب، أيها المسلمون، إنكم البعث الإلهي الأخير الذي سيقضي على هذه الشراذم ويفهمها أنها في خيال وغرور، حينما تعتقد أن لها دولة مرموقة، وقوة مهابة. أه[6]
* * *
ولو جمع ما قال الشيخ وجلجل به على المنابر لكان مجموعاً عظيماً، وقد نعمت بالشيخ خطيباً في مسجدنا، كما نعم به كثيرون، وأحسب أن ما مُتِّعتُ به من البيان و الخطابة فللشيخ عليه فضل وإنعام فجزاه الله عنا كل خير، وأحسن إليه في دار الحق.
كيف اكتشفت خطابته :
عرفنا كيف اكتُشف صغيراً لإقباله وشغفه، فما هي الشرارة التي لفتت الأنظار لموهبة الخطاب؟
ذكر تلميذ محمد بن عبد الله آل رشيد: أن الشيخ – رحمه الله – كان نائب العلامة عبد الجليل الدِّرَّا (ت1366) في الأوقاف، وكان الشيخ الدرا إماماً وخطيباً لجامع تنكز وكان بارعاً في الخطابة، وذات يوم تأخر عن الخطبة، فطلب المؤذن من الشيخ أحمد أن يخطب بدلاً عن الشيخ الدرا، وبينما كان الشيخ أحمد جالساً على المنبر إذا بالشيخ عبد الجليل يدخل من الباب، فأراد الشيخ أحمد أن ينزل، فأشار الشيخ الدرا أن اجلس مكانك، فلما انتهى المؤذن خطب الشيخ أحمد ووفّق، وكان حافظاً لكتاب الله، وبعد الصلاة ذهب الشيخ أحمد ليسلم على الشيخ الدرا فبادره الشيخ الدرا بتقبيله ما بين عينيه ودعا له بالخير والتوفيق، وأخبر بعد ذلك الشيخ علياً الدقر عن تفوّق تلميذه، فسر وطلب منه أن يزيد في المكافأة فضاعف الدرا أجره مرتين .


مولده ووفاته :
ولد شيخنا الشيخ أبو محمد أحمد بن محمد سعيد بن حسن العلي المحاميد في قرية (نصيب) من حوران المعروفة بسوريا سنة 1330 هـ الموافق ل1912 م. و يقال له الشيخ نصيب نسبة لقريته. والمحاميد فخذ من قبيلة عربية شهيرة، وهم كثير في محافظة درعا حالياً.
وقد توفي رحمة الله عليه في دمشق صباح يوم الأحد الواقع في الأول من شعبان 1421 الموافق لـ29 تشرين الأول عام 2000 وشيِّع بعد صلاة العصر اليوم نفسه، بعد أن صلى عليه الشيخ المبارك الرباني المعروف بأديب الكلاس - أمتع الله به – في الجامع الأموي الشهير بوصية من الشيخ المحاميد نفسه، ووري الثرى في مقبرة الدحداح بجوار شيخه الشيخ أبي الخير الميداني والشيخ محمد الهاشمي وغيره من الأكابر – رحمهم الله جميعاً – وقد ضمت هذه المقبرة قبوراً لصحابة أجلاء وتابعين وممن جاء بعدهم ممن سار على هديهم واستنّ بسنتهم، عليهم جميعاً الرضوان من الرحمن، وعمتهم سحائب البركات، وحشرنا في زمرتهم وسلكنا في سَلكهم.
وقد خلّف الشيخ ثلاثة من البنين محمداً، وعدناناً، ومطيعاً، وزوجة، فنعزيهم ونعزي أهل العلم وبخاصة طلاب الشيخ ومن تلقّى عليه وانتفع به، ونخص منهم أهل جامع الشمسية وأهل جامع التوبة.
و إنا لله و إنا إليه راجعون .

تحميل