مميز
EN عربي

الباحثة نبيلة القوصي

الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 11/07/2020

الملك القائد طالوت

أعيان الشام

شرقي الركنية بصالحية دمشق


 كتابُ الله تعالى القرآن الكريم فيه من القصص ما حدث في الأزمنة البعيدة والتي سبقت العهد النبويّ المحمدي ، وهذه القصص هي من الوسائل الهامة لفهم سننِ التاريخ، وقد وردت قصة بني إسرائيل في كثيرٍ من مواضع القرآن الكريم، حيث مرّ على بني إسرائيل العديد من الأنبياء والرُّسُل، منهم من ذكر لنا الله تعالى أسماءهم ومنهم من لم يذكر، وفي زمن نبيٍ لهم لم يذكر الله تعالى لنا اسمه، حدثت قصة طالوت وجالوت، وفيما يلي تعريفُ بهاتيْن الشخصيتين، وبما دار من أحداث.


قال تعالى في سورة البقرة :


 ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (
 ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما... وسألوه: ألسنا مظلومين؟ قال: بلى.. قالوا: ألسنا مشردين؟ قال: بلى. قالوا: ابعث لنا ملكاً يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.


قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كُتب عليكم القتال؟ قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طُردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟


قال نبيهم: إن الله قد اختار لكم طالوت ملكاً عليكم. قالوا: كيف يكون طالوت ملكاً علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك - أبناء يهوذا - كما أنه ليس غنياً وفينا من هو أغنى منه؟ قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه. قالوا: ما هي آية ملكه؟


قال لهم نبيهم: أن يعيد لكم التابوت ـ وهو صندوق التوراة ـ الذي أُخذ منكم، ووقعت هذه المعجزة، وعادت إليهم التوراة وكان ذلك دليلًا على أن طالوت ملكاً من عند الله.


ثم تجهز جيش طالوت، وسار طويلاً حتى أحس الجنود بالعطش. فقال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهراً في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بلّ ريقه فقط فليبقَ معي في الجيش. وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصيه، وليعرف أيهم قوي الإرادة، وأيهم ضعيف الإرادة يستسلم بسرعة. ولم يبق إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.


فكان عدد أفراد جيش طالوت قليلاً، وكان جيش العدو كبيراً وقوياً ، فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار؟ قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله. قال تعالى:


 ( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّـهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٤٧﴾ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٤٨﴾فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّـهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِين(.


(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٥٠﴾ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴿٢٥١﴾ تِلْكَ آيَاتُ اللَّـهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) .


برز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحداً يبارزه. وخاف منه جنود طالوت جميعاً. وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داود. وكان داود مؤمناً بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا بضخامة الجسد. وكان الملك قد قال: من يقتل جالوت يصير قائداً على الجيش ويتزوج ابنتي. ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء، فقد كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت.


تقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه. بينما تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع. وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه، فوضع داود حجراً قوياً في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله. وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت الظالم. وبعد فترة أصبح داود - عليه السلام- ملكاً لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه النبوة والمُلك مرة أخرى.


في هذه القصة من العبر والعظات الكثيرة، منها:


أن الحق كلما عورض وأُوردت عليه الشبه ازداد وضوحاً وتميزَ وحصل به اليقينُ التام كما جرى لهؤلاء؛ لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك أجيبوا بأجوبة حصل بها الإقناع وزوال الريب.


وتبين لنا طبيعة اليهود واعتراضهم على أمر الله تعالى ومن ثم أمر نبيه، وطلباتهم المتكررة.


وتبين لنا مقدار السمع والطاعة من جانب المؤمنين لقائدهم، وأن النصر يأتي بعد الصبر والثبات والتحمل وقبلها الإخلاص في النية لله تعالى.


وأن النصر لا يأتي مع كثرة العدد، بل يأتي مع مقدار الاتصال بالله تعالى ومع مقدار الإيمان والتقوى الذي في القلب.


وأخيراً : أهمية الدعاء وأثره في ساعات المواجهة. 


بعد هذه المقدمة، يلفت انتباهنا ما ورد الحوليات الأثرية للجمهورية العربية السورية، في مجلد 35:


قبر الملك طالوت، ضريح:


(يعتقد أن قبر طالوت أقيم مع مسجد النحاس للشيخ عبد الله بن الحسين النحاس، المتوفى سنة 654هجري / 1256ميلادي، على شكل غرفة و استعمل ضريحاً أيضاً، تهدم بعد عام 1947).


وقد وثّقت عدد من المصادر التاريخية أنه يقع شرقي الركنية على حافة نهر يزيد، منهم:


1 ـ  فقال الجغرافي الشيخ النعيمي:


فهذه المساجد في أرض دمشق وظاهرها ... ومسجد طالوت (على نهر يزيد).


2 ـ ثم المؤرخ ابن عبد الهادي قال :


(فصل: في الصالحية وما بها من مساجد وهي أكثر من ثلاثين محلة ...فحارة الركنية وبها عدة مساجد، الأول (مسجد طالوت) حيث يقال أن طالوت مدفون فيه).


 3 ـ ويذكر مؤرخ الصالحية الشيخ العلامة، ابن طولون وهو يعدد مزارات الصالحية قائلاً:


(وقبر طولون وله مزارات من جهة الشرق بالركنية والظاهر أنه مقامه) .


4 ـ أما الحوليات الأثرية، ذكرت في عددها الخاص عن دمشق بأن مسجد طالوت (على نهر يزيد).


ومن خلال المشاهدة البصرية أثناء رحلتنا في شرقي الركنية، والتتبع التاريخي في المصادر التاريخية، نلمح على كتف نهر يزيد قبراً قديماً ومهدّماً يشكو قلة الاهتمام والعناية العلمية، نرجح أنه قبر الملك طالوت – والله أعلم.


في نهاية رحلتنا الممتعة هذه ، ليقرأ لساننا فاتحة الكتاب، و قلوبنا تدعو الله عز و جل بالهدى و الإيمان مع الثبات و اليقين. آمين. 


المصادر و المراجع:


ـ الدارس في تاريخ المدارس / النعيمي. ج2


أعد فهارسه إبراهيم شمس الدين ، دار الكتب العلمية ، ط1 1990 مـ.


ـ ثمار المقاصد في ذكر المساجد / ابن عبد الهادي. ج3 بيروت 1943مـ


ـ القلائد الجوهرية / ابن طولون. ج1 تحقيق أحمد دهمان ، 1980مـ.


ـ الحوليات الأثرية العربية السورية / المديرية العامة للآثار و المتاحف، 1985مـ.