الباحثة نبيلة القوصي
التكية السليمانية
تعد التكية السليمانية من روائع العمارة العثمانية، حيث شُيدت أهم المباني العامة في القرن الأول من العهد العثماني، وكان أغلبها خارج السور وعلى أطراف المدينة القديمة، منها التكية السليمانية، التي أنشأها سليمان القانوني على ضفاف نهر بردى بين عامي (962 و 974) للهجرة = ( 1544 و 1566) ميلادي، وتتألف من بنائين كبيرين، الأول تكية، والثاني مدرسة يلاصقها سوق تجاري.
فما معنى التكية؟ ومن شيدها؟ وما هي وظيفتها؟
التكية:
عبارة عن مدرسة تنتمي إلى فصيلة المباني الدينية، ولها وظيفة أساسية هي إقامة الشعائر وفرائض العبادة مما جعلها مكاناً للمتصوفة، الذين ينقطعون فيها للخلوة والدعاء والصلاة.
والتكية في المفهوم العثماني توازي ما أقيم قبلها من نظام الأربطة والخانقوات مع اختلاف التسمية، إلا أن العثمانيين قد أعطوا هذا النوع من الأبنية، وظيفة أخرى لتكون مجالاً للتصدق وإطعام المساكين والفقراء وأبناء السبيل، كما رأينا في "التكية السليمية" التي بناها السلطان سليم الأول، في عام 924 هجري / 1518 ميلادي، تكريماً للشيخ محي الدين بن عربي في سفح قاسيون، إلا أن التكية السليمانية جاءت أكبر من السليمية بالمساحة.
موقعها، ومن بناها؟
يشاهدها الداخل إلى دمشق من جهة الغرب، على ضفاف نهر بردى اليمنى، ويتخلل التكية السليمانية حدائق وأشجار، وقد شيدت على أنقاض قصر الظاهر بيبرس القصر الأبلق، وبناها السلطان سليمان القانوني، تتألف من تكية كبيرة في الجانب الغربي، ومدرسة مستقلة عنها في الجانب الشرقي، وسوق يمتد أمام المدرسة من شمالها.
وقد بدئ في البناء عام 962 هجري، واكتمل البناء عام 967 هجري، ثم شرع السلطان سليمان القانوني ببناء المدرسة عام 984 هجري.
يرتبط بناء التكية السليمانية في دمشق، ببناء مسجد السليمانية في القسطنطينية، فقد حُكي أن السلطان سليمان القانوني رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بستانه في المنام، فأشار إليه بتعمير مسجد جامع به، وأراه مكاناً، فلما استيقظ من منامه اقتطع جانباً من سراياه منه البستان المذكور، وعمره مسجداً عظيماً شيد بناءه، وقيل: وضع محرابه في الموضع الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، وعمَّر إلى جانبها المدارس العظيمة أعظمها دار الحديث السليمانية، ثم أمر بتعمير التكية السليمانية بدمشق.
الوصف التصويري للتكية السليمانية:
صَمّم بناء التكية المعماري الشهير سنان باشا (895 هـ - 996هـ / 1490م- 1588م) وأشرف على بناء التكية السليمانية المهندس الدمشقي العطار.
تتألف التكية السليمانية: التكية الكبرى، والتكية الصغرى.
أولاً: التكية الكبرى:
تقع في الجهة الغربية وتتألف من صحن سماوي تتوسطه بركة مستطيلة تتوزع حوله عدد من المباني المستقلة، يحيط بها جميعاً سور مرتفع أبعاده 125×94م، ومدخل التكية الرئيسي يقع في الشمال، تعلوه قبة محمولة على أعمدة، وثمة باب أصبح أكثر استعمالاً ينفتح من الغرب، مخترقاً الصحن ومتصلاً بباب آخر ينفتح على السوق والمدرسة.
ولقد غطت الحدائق والأشجار جميع الفراغات بين الأبنية التي تتقدمها أروقة مسقوفة بقباب منخفضة وخلفها قاعات مسقوفة بقباب مماثلة أكثر ارتفاعاً يتخللها ذؤابات المداخن على شكل مآذن صغيرة، ويتناغم شكل القباب مع شكل الأقواس فوق أعمدة الأروقة في جميع الأبنية التي كانت تستعمل لإيواء المصلين والمتعلمين ولإطعامهم، وجميع الأبنية الواقعة في القسم الشمالي تؤكد هذه الوظائف التي ألغيت الآن.
أما المسجد فيقع في منتصف القسم القبلي أي الجنوبي من الصحن، ويتألف من قاعة لها شكل مربع ضلعه ستة عشر متراً تغطيه قبة عالية ذات قطر واسع ذات عنق مؤلف من عدد من النوافذ ذات الزجاج المعشق، ويحمل القبة أربعة أقواس محمولة على أركان الجدران في زواياها مثلثات كروية، ويعلو جدران الحرم نوافذ كانت محلاة بالمعشق.
وأما واجهات الحرم من الخارج فهي مؤلفة من مداميك من الحجر الأبيض والأسود بشكل متناوب، وهو طابع جميع جدران هذه التكية، وهذا التشكيل البديع كان مطابقاً لتشكيل المباني المملوكية، وبخاصة قصر الأبلق الذي كان قد أنشأه الملك الظاهر بيبرس وهدمه تيمورلنك، وكان السلطان سليمان قد أعاد استعمال حجارته في نفس موقع التكية.
ويبدو تأثير المعمار سنان آغا واضحاً في كل القباب وفي شكل المئذنتين الواقعتين في زاويتي الجدار الشمالي للمسجد، وهما مضلعتان ولكن تبدوان أسطوانيتين يعلوهما قمع مخروطي من الرصاص، ولكل مئذنة شرفة محمولة على مساند من المقرنصات، وفي داخل المسجد محراب تعلوه زخارف حجرية مقرنصة وإلى جانبه منبر رخامي.
وينفتح حرم المسجد على الصحن بباب رائع الزخرفة يتقدمه مظلة ضخمة محمولة على أعمدة ذات تيجان مقرنصة ملساء، والمظلة مؤلفة من ثلاث قباب ويتقدم المظلة رواق أقل ارتفاعاً، محمولاً على قناطر ذات أعمدة ضخمة.
أما الجهة الشمالية فعبارة عن عدة غرف كبيرة، كل غرفة مسقوفة بعدد من القباب ترتكز على أعمدة داخلية كانت تستخدم لإقامة الطلبة الغرباء.
وأما قبور ومدافن بعض السلاطين العثمانيين وعائلاتهم فهي لا تزال قائمة إلى الآن وتستقبل زوارها من المسؤولين الأتراك وعائلات السلاطين المدفونين فيها، وهي في القسم الجنوبي وعلى طرفي المسجد الرئيسي.
ثانياً: التكية الصغرى:
وهي بجهة الشرق حيث أقيمت أيضاً على الطراز العثماني، وهي بناء مستقل لمسجد خاص بها يمتاز بزخارفه الوفيرة ورشاقة بناءه، وجمال بابه ونوافذه، وباحة واسعة تحيط بها أروقة وغرف تغطيها قباب متعددة، كانت مأوى للغرباء وطلبة العلم.
أما المدرسة والسوق فلقد شكلتا مجموعتين مستقلتين عن التكية وأن وحدتهما الزخارف والقباب والأروقة، حيث يقع سوقها التجاري إلى الشمال من المدرسة التي ألحقها السلطان القانوني، ويتكون من مجموعة من الحوانيت التي تساعد الحجاج على شراء ما يحتاجونه في طريقهم إلى بيت الله الحرام ويقسم إلى صفين شرقي وغربي بطول85 م من كل جانب، ولهذا السوق بابان جنوبي يصلها بالتكية والمدرسة، وشمالي يصلها مع بقية أجزاء المدينة.
وينتهي السوق من جهته الغربية بباب واسع يؤدي إلى التكية، وبباب آخر من جهة الشرق يؤدي إلى الخارج، وهو متقن البناء مزخرف الواجهة على شاكلة الأبواب الأخرى .
وتوجد على الباب كتابة تشير إلى تجديده في عهد السلطان مصطفى الثالث الذي تولى السلطة بين سنتي 1171 و 1187 هجري.
في منتصف الخمسينيات أقيم في جانب من التكية متحف حربي يمثل تطور مختلف أنواع الأسلحة، وفي الجانب الثاني أقيم سوق المهن اليدوية، أما المدرسة الملحقة بالتكية فيشغلها سوق للأقمشة التي اشتهرت بها دمشق.
وقد ارتبط اسم التكية بشكل عام بأنها ملاذ الدراويش المنقطعين للعبادة، وفي الواقع كانت التكية الصغرى مأوى للغرباء وطلبة العلم، وحتى أواخر الستينيات كانت قوافل الحجاج الأتراك القادمين براً تتوقف قرب التكية في الذهاب والإياب، ويتجول الحجاج في التكية وبعض أسواق دمشق القديمة، حيث كان يرون أن زيارة دمشق هي من متممات حجهم ويطلقون على دمشق (شام شريف).
من التأمل والتفكر في الآثار للأمم السابقة، تلمع الحكمة الضالة في نفوسنا، فما هي الحكمة؟
والحكمة الحقيقية ليست في رؤية ماهو أمام عينيك فحسب، بل العمل على ترك أفضل بصمة لك.
فلنجعل من رحلتنا هذه مكللة بالحكمة المنشودة لتغيير ما فتر وتكاسلت عنه هممنا وإرادتنا، ومن أحيا نفسه بنفسه فله أجر كبير، فهيا معاً لذاك الأمل، يا سائحي دمشق المباركة .
المصادر و المراجع:
ـ عبد القادر بدران / منادمة الأطلال و مسامرة الخيال ج1
ـ نجم الدين الغزي / الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة
ـ العمارة العربية الإسلامية / عبد القادر الريحاوي