مميز
EN عربي

الباحثة نبيلة القوصي

الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 15/06/2016

معالم أثريّة في ساحة الميسات بدمشق

معالم الشام

معالم أثرية في ساحة الميسات بدمشق

( الشبلية، البدرية، الحافظية)

يقول البدري مؤرخ القرن التاسع للهجرة في كتابه " محاسن الشام":

(ومن محاسن الشام (الصالحية) مشحونة بالزوايا والترب والمدارس .... فكم من مدرسة اندرست...تقول لقد أصبحت حاصلا، بعد أن كان إيواني بالقراء عامراً آهلاً، والأوقاف تستغيث إلى المولى المغيث، فيقال لهم اسمعوا كلام الرحمن في محكم القرآن "وإن إلينا إيابهم، ثم إن علينا حسابهم".

ثم يتابع ويصف لنا قائلاً: (وبالصالحية نهران فيها يجريان تورا ويزيد، وكم من غرفة وقصر مشيد..).

فعندما نسير اليوم بين أحياء دمشق خارج سورها القديم باتجاه الشمال، وعند نقاطع نهري يزيد وثورا، وباتجاه ساحة الميسات، نلمح معالم أثرية متنوعة وموزعة هنا وهناك تدل على ازدهار ونشاط قديم للمكان، وينبغي للسائح المتأمل أن لا ينشغل فقط بروعة التخطيط والهندسة والاتقان والزخرفة الجميلة، إنما لابد من الوقوف عند وظائفها العلمية والتربوية المحمدية...

أيها السائح الدمشقي:

لنعد معاً إلى الوراء و عبر الزمن إلى القرن السادس للهجرة / والثاني عشر للميلاد، و نقرأ بتأمل وصف البدري لهذه المنطقة، كيف كانت؟

كانت مركزاً ثقافياً نشطاً يقصده العلماء الأجلاء ولُقبت مع الصالحية بدمشق الجديدة....

وها هي دمشق قد تنفست الصعداء في عام 549هجري، عند قدوم السلطان نور الدين زنكي، قاهرِ الاستعمار الصليبي الذي هدد الشام بعد سقوط القدس، ليوطد الأمن في دمشق وينفرجَ أهلها بعد معاناة كبيرة... وأخذ المهاجرون الفارون من بطش الصليبيين تزداد أعدادهم، وأخذت تكتظ دمشق بسكانها ليبدأ التوسع خارج الأسوار بازدياد وتأسّس الأحياء بدءً من الصالحية والعقيبة وغيرهما... لتبدأ حقبة جديدة تشهدها الشام كانت هي العصر الذهبي، فالملوك والأمراء والأميرات راحوا يتنافسون ببناء المساجد والمدارس واستقطاب خيرة العلماء من كافة أنحاء العالم، لتصبح دمشق المركز العلمي والديني الأول عالمياً.

هيا يا أصحاب المعرفة والحب الصادق لهذه الأرض، والتي عمرت وازدهرت فيها حضارة الإنسان قبل المكان، لنقف معاً ونستحضر في القلب نية التغيير والتجديد لما يحب ويرضى الله ورسوله.

ونتأمل ...... تلك المشيدة التي باتجاه ساحة حطين (الميسات):

المدرسة الشبلية:

فناء مع تربة مفتوحة بضريح لأمير كان في زمن ما من سكان دمشق الحبيبة، ذكرته الكتب داعية له لحسن مقامه في دمشق الشام....

تقع هذه المشيدة في طريق ركن الدين باتجاه ساحة الميسات، عند جسر الكحل المعروف بجسر الشبلية، نرى ثلاثة عقود هندستها نادرة، وفيها ضريح للأمير الأيوبي "شبل الدولة كافور الحسامي" نسبة إلى "حسام الدين محمد بن لاجين" ولد ست الشام، المتوفى 623هجري، مع بعض من الآثار تعود للمدرسة الشبلية الحسامية، وقد مرت ترجمتها .

المدرسة البدرية:

ثم إذا مضيت أيها السائح نحو الساحة، وعلى ضفاف نهر تورا، ترى بناء في وسط حديقة جميلة

كانت لمدرسة تدعى ( المدرسة البدرية)، قبالة الشبلية التي عند جسر الكحيل، والذي عرف بجسر الشبلية، فماهي حكاية هذه المدرسة القريبة من الشبلية؟

هذه المدرسة تنسب إلى بانيها "الأمير بدر الدين حسن بن الداية" في سنة 638 هجري، كان هو وإخوته من أكابر أمراء نور الدين زنكي، مطلع القرن الثالث عشر ميلادي، لكن لم يبقَ منها إلا التربة، وتقول المصادر بأن المدرسة البدرية قد كانت ملحقة بالشبلية، وكان الشيخ "شمس الدين سبط ابن الجوزي يوسف" صاحب كتاب "مرآة الزمان" هو القائمَ بالتدريس في المدرستين، حيث كانت الشبليه في الجبل قبل أن تلحق بالبدرية، سنة 654هجري.

التربة الحافظية:

ثم امضِ نحو محلة المزرعة شمالي جامع العثمان، فضمن الحديقة الجميلة نلمح بناء قديماً بقبة منقولاً من مكانه الأصلي القديم في سفح قاسيون بعد أن تعدى عليه بعض الجوار ليقيموا أبنية ملاصقة له، ففي عام 1961 تقرر نقله وسط الحديقة... وهناك مبنى، حيث قررت الجمعية الفلكية جعله مقراً لها.

أقسام المبنى: غرفة تعلوها قبة جعلتها (الجمعية الجغرافية) مكتبة خاصة بهم، بعد أن كانت تربة.

1) قاعة كبيرة للمحاضرات، كانت مسجداً. 2)باحة مكشوفة . 3) إيوان وباب.

وتدعى بالتربة الحافظية نسبة إلى سيدة قديرة عرفت بالخاتون أرغون الملقبة بالحافظية لأنها قامت بتربية الأمير الأيوبي الحافظ أرسلان ابن الملك العادل أبي بكر، ولد زوجها، وقد كانت سيدة عاقلة ومدبرة لها أموال كثيرة وعظيمة، تطعم الطعام للفقراء والمحتاجين وابن السبيل، و أوقفت دارها بدمشق لخدامها، توفيت عام 648هجري.

ما أروعك يا مدينة دمشق! كيفما مشينا وسرنا نستمتع ونتعلم لنزداد، بإذن الله، تألقاً في مسيرتنا فوق هذه الأرض المباركة.... فاليوم نحن فوق ترابها، وغداً سيسير أقوام و أقوام من فوقنا.... فهل سيدعون لنا أم يدعون علينا!؟

دمشـــــــــــــــــــق بواديهــــــــا رياض نواضر بهــــــــــــا ينجلي عن قلب ناظرها الهم

على نفسه فليبك من ضاع عمره وليــــــــــــــــــس له فيها نصيب ولاسهم

فيا إلهي...اجعل رضاك هو مطلبنا ومقصدنا ... وأعنا ولا تُعن علينا، ولا تأخذنا على حين غرة وغفلة منا ونحن لا نزال تائهين عنك....إلهي نسألك التوبة والمغفرة والعود الحميد.

المصادر:

الدارس في تاريخ المدارس/ للنعيمي - القلائد الجوهرية/ لابن طولون

الحوليات الأثرية / لمديرية الآثار والمتاحف بدمشق