مميز
EN عربي

الباحثة نبيلة القوصي

الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/03/2016

شيخ الشام أحمد أبي الدحداح

أعيان الشام

شيخ الشام المحدّث

أحمد بن محمد بن إسماعيل بن أبي الدحداح التميمي الدمشقي

توفي سنة 328هجري/939

ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كم من عذق مدلّى في الجنة لأبي الدحداح)) ... لماذا قال النبي الكريم ذلك؟ وبأي مأثرة خلقية فعلها ذاك الصحابي الجليل، والتي اكتسبها من نبي الرحمة والحب لجميع الخلق ...

أتى رجل يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: كنت أقوم بعمل سور حول بستاني فقطع طريقَ البناء نخلةٌ لجاري، سألته أن يتركها لي ليستقيم لي الأمر فرفض...

طلب النبي من ذلك الرجل أن يتركها له بشرائها منه مقابل نخلة في الجنة، فرفض، وكان في المدينة صحابي اسمه ثابت بن الدحداح الأنصاري يمتلك بستاناً مليئاً بأشجار التمر المشهور بجودته في المدينة، فوهبها لصاحب النخلة مقابل الشجرة التي تعترض طريق سور الشاكي، لقوله تعالى: ((من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له))... وأخبره صلى الله عليه وسلم أن الله جعل له بستان نخيل في الجنة! وعندما طلب أبو الدحداح من زوجته الخروج من البستان مخبراً إياها عن بيعه لله مقابل جنة وارفة الظلال في الآخرة، هتفت زوجته: (ربح البيع أبو الدحداح، ربح البيع).

قصة تتداولها كتب التاريخ لنتعلم كيف يكون منهج خلافة الله في الأرض؟؟... غير أن الصحابي أبا الدحداح هذا ليس هو المحدّث، شيخ الشام، أبو الدحداح نفسه، بل إن الناس يخلطون بينهما...!

في بدايات القرن الرابع للهجرة، عندما كانت دمشق قبلة العلم والعلماء، كان هناك شيخ لُقّب بمحدّث الشام، ولُقّب "بأبي الدحداح".. حيث أنه سكن خارج الأسوار القديمة باتجاه الطرف الشمالي لسور دمشق في مرج أخضر كثيف الشجر، مجاور لمقبرة الفراديس.

كان هذا الشيخ الجليل يدل الناس على مبادئ وقيم الإسلام بأخلاقه التي ميزته ودلت عليه، ليعُرف ذاك المرج مع الزمن "بمرج أبي الدحداح"، تيمّناً بالصحابي "أبي الدحداح" صاحب بستان النخيل...وربما أيضاً لأخلاقه وطيب سيرته التي فاحت نسائمها في مرج من الأشجار الرائعة المنظر والرائحة، وما الحضارة الإسلامية العظيمة التي تتغنى بها كتب التاريخ إلا حضارة ورقيّ الإنسان الخيّر، السليم القلب، المعافى من كل غل وحقد وحسد.

فيا ساكني دمشق المباركة، لتنصتوا وتتأملوا....

وتعالوا نمضي معاً نحو الطرف الشمالي لدمشق القديمة، بين العقيبة والعمارة البرانية، والتي كانت جزء من مرج أخضر اللون (أبي الدحداح)، نسبة إلى هذا العالِم الذي كان يسكن في ذاك المرج المجاور لأقدم مقبرة في دمشق، والتي هي (مقبرة الفراديس) ...

وبعد وفاة هذا العالم المرسّخ لعنوان الرسالة المحمدية فوق تراب هذه المدينة المقدسة، دُفن مكان سكنه.... ومع الأيام والسنين والعصور، اندمج مرج "أبي الدحداح" مع "مقبرة الفراديس" وصار جزء منها، وأصبحت المقبرة تُعرف باسم مقبرة (الدحداح)... والتي غلب عليها هذا الاسم، فنسي الناس (الفراديس)! وتغيرت حدود المقبرة مع الأيام وتوسعت وازدادت مساحتها وأصبحت تضم أضرحة شهداء وعلماء كبار وقادة وأمراء، وهي الثانية في المساحة بعد مقبرة (الباب الصغير).

هذه دمشق وهؤلاء هم علماءها المتمثلين منهجَ النبوة المحمدي، والذين فقهوا هذا المنهج بطيب الخلق... أدناه إماطة الأذى من الطريق، وحفظ اللسان من القول الفاحش والغيبة والنميمة، فالأرض المباركة لا ينمو فوقها إلا الطاهر من لسان ونفس وقلب، وقد قال النبي الكريم: "الشام تنفي خَبَثها" .... وشيخنا الذي يكنّى بأبي الدحداح يعدّ من كبار علماء دمشق في ذلك الزمان...

الشيخ، المحدث، الفقيه، العالم، الورع،أبو الدحداح التميمي "رحمه الله":

اسمه:

أحمد بن محمد بن إسماعيل الشيخ المسند التميمي الدمشقي، الذي ينسب إليه مرج الدحداح بدمشق، وهي أحد أقدم مقابرها.

ما معنى الدحداح؟

هي اسم صفة للمفرد المذكر، ويعني: القصير والمستدير الململم.

وتخبرنا المصادر أن أصله من العراق وانتقل إلى دمشق، فكان أهله أهل علم ودين، وقد حدث عن أبيه وجده وجدّ جده.

سمع مِن:

أبيه، وموسى بن عامر، ومحمد بن خالد، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي، وأبو إسحاق الجو زجاني، وأبا عتبة الحجازي، ومحمد بن إسماعيل ابن علية، وخلقٍ كثير.

وكان ذا عناية وإتقان، وكان مليئاً بحديث الوليد بن مسلم الذي روى عن عدة من أصحابه، وعمّر دهراً.

حدّث عنه:

أبو بكر محمد بن سليمان الربعي، وأبو القاسم الطبراني، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبو بكر بن المقرئ، وعبد الوهاب الكلابي، وأبو بكر بن أبي الحديد وآخرون.

كان يسكن في ربض باب الفراديس، في طرف العقيبة في الزقاق شرقي المقابر.

وفاته:

توفي في سنة 328هجري ودفن في تربة الفراديس التي توسعت وأصبحت تضم مرج الدحداح فعرف فيما بعد بمقبرة الدحداح.

هذه الأسطر الأخيرة لا مفر منها أبداً لأي إنسان... فكل نفس ذائقة الموت، ولكن بأي خطة ومنهج ترسخ سيرتك أيها الإنسان؟ هل بما يحب الله ونبيك الكريم الذي بلّغ وأدى الأمانة التي نحن مكلفون اليوم بتبليغها؟ ....

هلّا راجعنا أنفسنا قبل فوات الأوان، حيث لن ينفع الندم!؟ ولنكن لأرض الخير والبركة والمباهاة المحمدية مستحقين ومؤهّلين بأروع الأخلاق.... فالإنسان ليس إلا حديثاً يُذكر بالأعمال الصالحة النافعة للعباد.

المصادر:

تاريخ دمشق/ لابن عساكر

سير أعلام النبلاء/ للذهبي

تحميل