مميز
EN عربي

الباحثة نبيلة القوصي

الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/01/2015

العارف بالله أبو يزيد البسطامي

أعيان الشام

العارف بالله أبو يزيد البسطامي

"ليس العجبُ من حبي لكَ وأنا عبدٌ فقيرٌ...

بل إنما العجبُ من حبكَ لي وأنتَ مليكٌ قديرٌ..."

إخوتي القراء:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من عباد الله لأناساً ماهم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله عز وجل)) فقال رجل: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال: ((قومٌ يتحابون بروح الله عز وجل، من غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها بينهم، والله إن وجوههم لنورٌ وإنهم لعلى منابرَ من نورٍ لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ:( ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. ))

وذكر ابن عساكر( رحمه الله) عن النبي صلى الله عليه وسلم: بأن مدينة دمشق ستكون في آخر الزمان أكثر المدن أهلاً وأكثرها أبدالاً وأكثرها مساجداً وزهاداً وعلماء، وأقلها كفارا....

فمدينة دمشق تميزت، لمن عاش فيها أو مر منها عابراً، بمشاعر السكينة والطمأنينة والراحة تعبر وتنفذ إلى القلب والنفس، ذلك لانبعاث نسائم إيمانية روحانية قوية كأبخرة المسك والعود المنبعثة من ترابها الممزوج بدماء الصحابة والعلماء الربانيين العارفين بالله، الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم بالأبدال، حيث قال: ((الأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، فيسقى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب)).. وصفهم بأنهم ليسوا بكثرة صلاة وصيام، ولكن بسخاء الأنفس وسلامة الصدور، والنصيحة لكل الناس بالحكمة والموعظة الحسنة....

وقال: ((الشام صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده، فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخط منه، ومن دخلها من غيرها فبرحمة))

ونحن نرجو الله عز وجل أن يرزقنا نور الفهم للعبرة والعظة في مسيرة حياتنا هذه، ويدركنا بعظيم رحمته كي نقول ونعمل بما يحب ويرضى الله عز وجل ورسوله الكريم، فوق ترابك يا دمشق اللهم آمين...

والآن، ما المقصود بالأولياء الربانيين والعارفين بالله....؟

ندعوكم لقراءة متأملة في سيرة العارف بالله (أبو يزيد البسطامي) رحمه الله، والذي أجاب عن معنى العارف بالله عندما سُئل، فقال: الذي لا يفتر لسانه عن ذكره، ولا يمل من حقه، ولا يستأنس بغيره.

فأنصتوا يا إخوتي......

يُعدّ البسطامي من الشيوخ الأجلاء وسلطان العارفين صاحب الكرامات والمقامات، ترجم له الكثير من قدامى العلماء المعروفين أمثال: الذهبي وابن كثير والأصفهاني وغيرهم، يصفونه بسلطان العارفين.

ونأسف في يومنا هذا ممّن يوجه سهام حقده للإسلام من خلال التشويش والتشكيك بالصوفية، وما هي إلا اتباع للأخلاق والآداب الإسلامية المقتبسة من القرآن والسنة، بنيّة الوصول إلى درجة الإحسان، والتي تعرف بأن تعبد الله كأنك تراه ....

فالتصوف: مجموع الأخلاق الإسلامية ومكارمها الغنية التي نزلت في قرآننا العظيم وترجمها نبينا الكريم بسيرته العطرة الرائعة لتكون دستور ومنهج لأمة محمد صلى الله عليه وسلم . والصوفيون: هم علماء ربانيون وعلماء تربية وسلوك.... لكن أعداء الإسلام عندما أرادوا إبعاد المسلمين عن لب وجوهر الإسلام، (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، بدؤوا بالإساءة لهؤلاء العلماء الربانين، فافتروا عليهم بدسائسهم الباطلة الزائفة، وللأسف أمة (اقرأ) لا تقرأ اليوم، فقد انشغلت باتباع النفس وهواها.... أعاذنا الله وإياكم من غيبة نتنة مدمرة في غفلة قاتلة..... اللهم آمين .

نكمل قراءة سيرته وبعض أقواله، ثم انظروا...

اسمه:

طيفور بن عيسى بن آدم بن عيسى البسطامي، الزاهد المشهور، والبَسطامي: بفتح الباء، نسبةً إلى (بسطام) قرية كبيرة شبيهة بالمدينة الصغيرة على جادة الطريق إلى نيسابور، وهي أول بلاد خراسان من جهة العراق، كان جده (شروسان البسطامي) مجوسياً فأسلم، وله أخوان عابدان زاهدان أيضاً: آدم أكبرهم، وعلي أصغرهم، كان أبو يزيد أوسطهم وأجلهم.

قال الذهبي في (سير أعلام النبلاء): أبو يزيد أحد الزهاد، أخو الزاهدين .

قل ما روى وله كلام نافع.

بعض أقواله :

ـ كان يزجر نفسه فيصيح عليها ويقول: يا مأوى كل سوء، المرأة إذا حاضت طهرت في ثلاثة أيام وأكثره عشرة، وأنت يا نفس قاعدة منذ عشرين وثلاثين سنة بعد ما طهرت، فمتى تطهرين؟ إن وقوفك بين يدي الله عز وجل طاهر فينبغي أن تكوني طاهرة .

ـ عملت في المجاهدة ثلاثين عاماً فما وجدت شيئاً أشدّ علي من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبت، واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد.

ـ لا يعرف نفسه من صَحِبَتْه شهوته .

ـ قال العباس بن حمزة: صليت خلف أبي يزيد الظهر فلما أراد أن يرفع يديه ليُكبّر لم يقدر إجلالاً لاسم الله تعالى، وارتعدت فرائصه حتى كنت أسمع تقعقع عظامه، فهالني ذلك .

ـ وقيل: صعد أبو يزيد ليلة سور بسطام فلم يزل يدور على السور إلى وقت طلوع الفجر يريد أن يقول لا إله إلا الله فيغلبه ما يريد عليه من هيبة الاسم فلا يستطيع أن يطلق لسانه، فلما كان وقت طلوع الفجر نزل فبال دماً.

ـ قال: فقدت ليلة في محرابي فمددت رجلي فهتف بي هاتف: من يجالس الملوك ينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب.

ـ قال أبو موسى الديبلي :سمعت أبا يزيد يقول: عرج قلبي إلى السماء فطاف ودار ورجع، فقلت: بأي شيء جلت معك؟ قال: المحبة والرضا..

ـ وقال علي بن المثنى :سمعت عمي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا يزيد يقول: رأيت رب العزة تبارك وتعالى في المنام، فقلت: يا رب كيف الطريق إليك؟ قال: أترك نفسك ثم تعال.

ـ سأله رجل مرة: دلني على عمل أتقرب به إلى ربي عز وجل، فقال: أحبب أولياء الله تعالى ليحبوك فإن الله تعالى ينظر إلى قلوب أوليائه فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب وليه فيغفر لك.

إخوتي القراء:

أقواله النافعة، كما وصفها الذهبي (رحمه الله)، كثيرة ورائعة.. ولكن الأهم من ذلك، هل تَحَرّك الفؤاد طرباً بذكر أحباب الله عز وجل؟ إن لامس شغاف قلبك مشاعر مبهجة لا توصف بكلمات... فقد حصل المقصود من سياحتنا هذه، فهنيئاً لك...فلنقرأ فاتحة الكتاب لروحه الطاهرة.

توفي أبو يزيد البسطامي في عام 261 هجري، وله من العمر73 سنة، وقد قيل أن من كراماته وجود عدة مقامات له، في دمشق وبسطام ومصر وغيرها..

نختم سيرة أبي يزيد (رحمه الله) بصفات العارف بالله على لسان ذي النون المصري (رحمه الله): (هم قوم ذكروا الله عز وجل بقلوبهم تعظيماً لربهم عز وجل لمعرفتهم بجلاله، فهم حجج الله تعالى على خلقه، ألبسهم النور الساطع من محبته، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته، أقامهم مقام الأبطال لإرادته، وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته، وطهر أبدانهم بمراقبته، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته...).

رحمهم الله أجمعين، ونفعنا وإياكم من طيب سيرهم وذكرهم، فهم نبراس يتلألأ من منهاج النبوة المحمدية.

واستمع أيها السائح المسلم لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: إن الله تعالى قال:

(من عادى لي ولياً فقد آذنتُه بالحرب، ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنّه).

جعلنا الله عز وجل وإياكم ممن يطمع بحبه جل وعلا سبحانه، فنعمل وننشغل لنزداد منه قرباً قبل فوات الأوان... ويحضرني قول أحد العارفين بالله عندما سأله رجل في جنازة عن اسم الميت، فقال:( إنه أنت)، ثم تلا قوله تعالى: ((إنك ميت وإنهم ميتون)) .

ونقل بعضهم أن تضارب الروايات حول مكان وجود ضريح البسطامي قد جال بفكر الشيخ عبد الغني النابلسي عند زيارته لضريح البسطامي في الرستن، لكنه حسم الأمر وأكد أن الضريح الحقيقي هو الذي يقف أمامه في الرستن فقال: "على قبره جلالة وهيبة يحققان حضوره هناك ويشيران إليه".

المصادر:

سير أعلام النبلاء / للذهبي.

المنتظم / لابن الجوزي.

حلية الأولياء / للأصفهاني.

معجم البلدان / للحموي.

تحميل