مميز
EN عربي

الباحثة نبيلة القوصي

الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/06/2014

الصحابي الجليل العباس بن مرداس رضي الله عنه

أعيان الشام

الصحابي

العباس بن مرداس السّلَميّ(18ھ)

إخوتي الكرام:

عندما حض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على الهجرة إلى الشام رغم علمه بكراهية العرب السكنى بها لأن الشام أرض زراعه وصناعه، والعرب يحبون الرعي، فقال صلى الله عليه وسلم مخاطبا الصحابة: عليك بالشام،هل تدرون ما يقول الله؟ يا شام يدي عليك، يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي، أنت سيف نقمتي وسوط عذابي، أنت الأنذر وإليك المحشر، ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة! قلت: ما تحملون؟ قالوا:عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام...

أخي القارئ، ألا يسترعي ذلك الاهتمام منا، ألا نرى في ثنايا هذه الأحاديث النبوية الشريفة لدمشق حق علينا بمعرفة أسرار هذا الترغيب ؟

لا بل ومعرفة معالم وخبر كل حي وشارع ومسجد ومدرسة قائمة فوق أرض دمشق الحبيبة؟

وها نحن نتلمس معك أيها القارئ تلك المعرفة بنفس تواقة للعلم والعمل الذي سيباهي به نبينا الكريم بإذن الله من خلال زاوية معالم وأعيان...فهيا معاً

أخي القارئ الزائر لمدينة دمشق القديمة، إن خرجت من باب القلعة الدمشقية ترى أمامك مسجد قديم وجميل ينادي أن تعالوا وقفوا أمام بيت الله هذا فترابه يحتضن أصحاب لرسول الله قد عمروا مدينتكم هذه بالحب والرحمة التي نهلوها من رسول الله، ويعرف هذا المسجد اليوم باسم: (السنجق دار) والذي اكتسب اسمه من المحلة المحيطة به ،سوف نأتي على ترجمة هذا المسجد إن شاء الله، في داخله يرقد بعض الصحابة الكرام حيث تواتر عن الدمشقيين خبر هؤلاء، فمن هم رضي الله عنهم، الذين أحبوا أن يكونوا من أهل الشام وخيرة عباد الله كما ورد في أحاديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟.

العباس بن مرداس: قال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب: عباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي، أبو الهيثم. ويقال: أبو الفضل، له صحبة، أسلم قبل الفتح، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية، ونزل ناحية البصرة، ويقال: إنه نزل دمشق وابتنى له دارا، ومات في خلافة عثمان، ذكره سعد في طبقة الخندقيين، وذكره أبو عبيدة معمر بن المثنى أن أمه الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة المشهورة .

ونسبه ابن عبد البر: عباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثه بن عبد بن عيسى بن رفاعة بن الحارث بن بعثه بن سليم .

وقال الزركلي:

قدم دمشق وابتنى بها دارا، وكان ممن ذم الخمر في الجاهلية، مات في خلافة عمر، جمع له الدكتور يحيى الحبوري، ما بقي من شعره في ديوان .

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابنه كنانة بن العباس وعبد الرحمن بن أنس السلمي.

وروى له أبو داود، وابن ماجه حديثا واحدا في فصل يوم عرفه .

وروى عنه البصريون وبقية ولده ببادية البصرة، الذين نزل منهم البصرة .

أما عن أمه فهي: هند بنت شيبة بن سنين بن حارثة بن عيسى بن رفاعة، وهي الشاعرة المشهورة بالخنساء .

والحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء عشية عرفه، عندما دعى لأمَّته بالمغفرة والرحمة، فأكثر بالدعاء فأجابه الله عز وجل أن: قد فعلت وغفرت لأمتك إلا من ظلم بعضهم بعضاً، فقال: يا رب إنك قادر أن تغفر للظالم وتثيب المظلوم خيراً من مظلمته، فلم يكن تلك العشية إلا ذا.

فلما كان من الغد، دعا غداة المزدلفة، وعاد يدعو لأمته، فلم يلبث إلا أن تبسم النبي صلوات الله عليه، فقال بعض أصحابه: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي ضحكت في ساعة، لم تكن تضحك فيها، فما أضحكك؟ أضحك الله سنك، قال: تبسمت من عدو الله إبليس، حين علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي وغفر للظالم، هوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه، فتبسمت مما يصنع لجزعه.

وقصة إسلامه تحتاج منا قراءة متأنية, فكيف كانت؟

أنه كان يغير في لفاح له نصف النهار إذ طلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه ثياب بيض مثل اللبن فقال: يا عباس بن مرداس ألم تر أن السماء تكففت أحراسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الدين نزل بالبر والتقوى يوم الاثنين مع صاحب الناقة القصوى، قال: فخرجت مذعورا قد راعني ما رأيت وسمعت حتى أتيت وثناً لنا يدعى الضمار, وكنا نعبده ونكلم من جوفه, وكنست ومسحت ثم قبلته وإذا بصائح يصيح من جوفه:

للقبائل من سُليم كلـهــــــا هلك الضمار وفاز أهل المسجـد

هلك الِّضمار وكان يُعبد مـرة قبل الصلاة مع النبي مــحــمــد

إن الذي جاء بالنبوة والهدى بعد ابن مريم من قريش مهتدى

قال: فخرجت مرعوباً حتى جئت قومي، فقصصت عليهم القصة، وأخبرتهم الخبر، فخرجت في ثلاثمائة من قومي من بني جاريه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة، فدخلنا المدينة، فلما رآني قال: يا عباس كيف كان إسلامك؟ قال: فقصصت عليه القصة فسر بذلك، فأسلمت أنا وقومي .

ولم يسكن العباس مكة ولا المدينة، وكان يغزو مع النبي ويرجع إلى بلاد قومه، وكان ينزل بوادي البصرة، ويأتيها كثيرا هو وأبنائه إلى أن استقر بدمشق.

وهو القائل يوم حنين عندما أعطى النبي صلى الله عليه و سلم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن أكثر منه، فقال :

أتجعل نهبي ونهب الـعبـيـد بين عــييــنــة والأقــــرع

وما كان حصن و لا حابس يفوتان مرداس في مجمع

والعبيد تصغير لاسم فرسه .

وقال يوم حنين:

يا خاتم الأنبياء إنك مرســل بالحق كل هدى السبيل هداكا

إن الإله بنى عليك محبـــــة في خلقه ومحمدا أسـماكـــــا

ولدى حنين قد وقفت موقفا رضي الإله به فنعم المجلــس

وسأل مرة عبد الملك بن مروان جلسائه من أشجع الناس في شعره فتكلموا في ذلك وقالوا أشجع الناس: العباس بن مرداس في قوله :

أكرّ على الكتيبة لا أبــالــي أحَتفيَ كان فيها أم سواهــا

إخوتي القراء، كلنا يعلم بأن الإسلام دين الفطرة التي فطرنا الله عز وجل عليها، ألا وهي عبادة الله وحده لا شريك له، لكن هناك من يبدل ويغير فيغفل أو يتناسى ذلك، وتمر الأيام والسنين فيرجع أقوام لجادة الصواب والحق الذي يجب أن يتبع بلحظات صدق توجهوا بها نحو الله عز و جل إذا سألوه، والعباس رضي الله عنه، سمع بنبي الله وبرسالة الإسلام وبقي يعبد الضمار، لكن في سره يسأل ويتسائل بصدق عن دعوة التوحيد التي يدعوها نبي الله صلى الله عليه وسلم هذا مع تحريمه للخمر في جاهليته، فجاء إسلامه وثلاثمائة من قومه بعد أن أخبرهم بما سمع من نداء الحق له بالمسارعة إلى رسول الهدى والتقى، فالصدق يهدي إلى البر، والكذب يهدي إلى الفجور، والعياذ بالله، استعمله النبي الكريم على قومه فيما بعد .

هذا ما يميز الصحابة الكرام عنا، التطبيق والسمع والطاعة للرسول الكريم، إنه الحب لا بل العشق لشخص رسول الله، فأفعالهم تسبق أقوالهم بينما نحن أقوالنا بالحب والعشق لرسول الله تبقى كلمات و شعارات لأمد طويل، نظل في دوامة تأجيل العمل بما يحب ويرضى رسولنا الكريم، متعلّلين تارة بالوقت وتارة بالظروف وتارة كذا وكذا .

نسأل الله العظيم الهداية والرشد والعزيمة والارادة للعمل النافع الصالح الذي يؤهلنا لنكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه . آمين .

إخوتي، تروي المصادر أن أبناء العباس قد روا أحاديث رسول الله، ومن أبنائه: جاهمة بن العباس بن مرداس بعد إسلامه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وهو الذي جاء يسأله قائلا: جئت أستشيرك أريد الغزو معك، فسأله رسول الله ألك أم؟ قال: نعم، قال فالزمها فإن الجنة تحت رجلها .

نأتي إلى ختام الحديث عن هذا الصحابي الذي أشتهر بأنه أول من حرم الخمر في الجاهلية، وأشتهر بأنه شاعر محسن، نختم ترجمته ببعض الأبيات التي مدح فيها نبي الله :

إن الإله بنى عليك محــبــــــــة في خلقه ومحمدا ســــمــاكــــــا

ألا أبلغ الأقوام أن محـمــــــدا رسول الإله أيد حيث يــمــمـــــا

دعا ربه واستنصر الله وحـــده وأصبح قد وفى إليه وأنـعـمــــــــا

سرينا وواعدنا قديما محمــــدا يؤم بنا أمرا من الله مـحــكـمــــــا

و جند من الأنصار لا يخذلونه أطاعوا فما يعصونه ما تـكـلـمـــا

له أبيات في الشعر كثيرة نلمس منها الشجاعة والفصاحة في كلامه، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، لاشك من ترك ورائه أبناء يروون الحديث النبوي فقد نال بإذن الله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، صدقة جارية، علم ينتفع به )

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا . اللهم آمين .

أرجو أن نكون قد وفقنا في قراءتنا للعباس بن مرداس ولنبحث في جوانب ترجمته كيف نستفيد منها، أسأل الله لي ولكم التوفيق بالرشد والنجاح .

المصادر والمراجع :

تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني

تاريخ دمشق لابن عساكر

وافي الوفيات للصفدي

الأعلام للزركلي