مميز
EN عربي

الباحثة نبيلة القوصي

الكاتب: الباحثة نبيلة القوصي
التاريخ: 07/09/2012

الشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن قُدامة

أعيان الشام

الشيخ أبو عمر


المقدسي الدمشقي الحنبلي رحمه الله

الإمام العالم الفقيه المقرئ المحدث البركة شيخ الإسلام أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي الحنبلي الزاهد، صاحب المدرسة العمرية في الصالحية.

"...ربانا أخي، وعلمنا، وحرص علينا، كان للجماعة كالوالد يحرص عليهم يقوم بمصالحهم، وهو الذي هاجر بنا، وهو سفرنا إلى بغداد، وهو الذي كان يقوم في بناء الدير، وحين رجعنا زوجنا وبنى لنا دُوراً خارج الدير، وكان قلما يتخلف عن غزاة".

الشيخ موفق الدين بن قدامة رحمه الله

هل تساءلنا من هو هذا الشيخ الجليل الذي كان لإخوته الأب والأم والأخ والمرشد الموجه والناصح لهم بما ينفعهم دنيا وآخرة ؟؟؟.

إنه واقف المدرسة العمرية التي عُرفت في الصالحية منذ القدم كجامعة إسلامية من حيث النظام والمنهاج وعدة أمور قد أفادت غيرها من المدارس، فمن أنت يا سيدي الشيخ أبو عمر؟

مولده واسمه ونسبه:

ولد في سنة 528 بقرية جماعيل التابعة لنابلس في فلسطين، وقد تأسس علمياً فيها وتلقى العلوم الشرعية على يد والده الشيخ الكبير أحمد بن قدامة رحمه الله.

إذاً أبو عمر رحمه الله قد نالته وحظيت به العناية الإلهية في محضنه الأول، ألا وهي الأسرة التي تُصف كأول مؤسسة تربوية في المجتمع، إذا صلُحت صلح المجتمع، فالأسرة نواة المجتمع ومن تجمع عدة نواة يتكون هذا المجتمع،لا تنسى في ترجمة الشيخ الكبير رحمه الله قلنا أننا سنحاول تسليط الضوء على هذه العائلة المبجلة لنتعلم منهم تربوياً أولاً، ومن ثم نحاول ونجد ونجتهد في الدعاء لله تعالى أن يلهمنا الرشد والصلاح في مؤسساتنا التربوية التي تفتقر لمعاني كثيرة من هذا النوع، أقصد التربوي مع بلورة هدفنا من التربية، لنحدد وسائلنا برقي يسمو ويعلو نحو الدرجات العلى إن شاء الله.

ونذكر أن هذه الكلمات والعبارات والمعاني لم تكن لتخرج لولا كلمتين قرأناها للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله "فكيف نسيهم أهل دمشق وهم أهل وفاء ..." رضي الله عنهم.

عودة للشيخ أبو عمر، الذي سمع الحديث من أبيه، وأبي المكارم بن هلال، وسلمان بن علي الرحبي، وأبي الفهم بن أبي العجائز، وغيرهم. ومن مصر عبد الله بن بري النحوي، واسماعيل بن قاسم الزيات وغيرهم..

أما من روى عنه: أخوه الشيخ موفق الدين، وابناه عبد الله وعبد الرحمن، والضياء، والزكي المنذري، والقوصي، والزين ابن عبد الدائم، والفخر علي وآخرون.

صفاته وأعماله وعبادته:

جمع له الحافظ الضياء سيرة في جزئين فشفى وكفى، فلنقرأ من خير دليل..

قال: لا يكاد يسمع دعاءً إلا حفظه، ودعا به. ولا حديثاً إلا وعمل به، ولا صلاةً إلا صلاها، كان يصلي في النصف من شعبان مئة ركعة وهو مسن، ولا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته، وإذا رافق الناس في السفر ناموا وحرسهم وهو يصلي.

وقال: كان قدوة صالحاً، عابداً قانتاً لله، ربانياً، خاشعاً مخلصاً، عديم النظير، كبير القدر، كثير الأوراد والذكر، وكثير المروءة والفتوة قل أن ترى العيون مثله.

وقال: كان ربما تهجد فإن نعس ضرب على رجليه بقضيب حتى يطير النعاس، وكان يُكثر من الصيام، ولا يكاد يسمع بجنازة إلا شهدها، ولا مريض إلا عاده، ولا جهاد إلا خرج فيه، ويتلو كل ليلة سُبعاً مرتلاً في الصلاة، وفي النهار سُبعاً بين الصلاتين، وإذا صلى الفجر تلا آيات الحرز ويس والواقعة وتبارك، ثم يُقرئ ويُلقن إلى ارتفاع النهار، ثم يصلي الضحى، فيطيل ويُصلي بين العشاءين ويصلي صلاة التسبيح كل ليلة جمعة، ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمئة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). وله التسابيح الكثيرة، ولا يترك غُسل الجمعة، وينسخ "الخرقي" من حفظه. ومن سافر من الجماعة يتفقد أهاليهم، وكان يأتونه الناس في القضاء ليصلح بينهم، وكان ذا هيبة ووقع في النفوس.

وإذا تصدق ربما يتصدق بسراويله، ينام على الحصير، وقالت رقية أخت الشيخ أبو عمر وهي والدة الضياء المحدث: مكثنا زماناً لا يأكل أهل الدير إلا من بيت أخي أبي عمر، وكان يشجعنا على الصدقة ويقول: إذا لم تتصدقوا من يتصدق عنكم، والسائل إن لم تعطوه أنتم أعطاه غيركم، وكان هو وأصحابه في خيمة على حصار القدس، فقد شارك في فتح القدس، رضي الله عنك يا شيخنا أبو عمرو جزاك الله خيراً كثيراً، فيما سطرت الأقلام في الكتب الكثيرة عن منهجك وسيرك الحثيث برقة وحب وقوة وإدراك لما تسعى إليه نحو الفوز ونيل رضى الله ورضى رسوله الكريم.

وقال محدث ذلك العصر الضياء ولد رقية بنت أحمد بن قدامة وأخت الشيخ أبو عمر، كان له معرفة في الفقه والفرائض والنحو مع الزهد والعمل وقضاء حوائج الناس، ويتفقد ليس فقط الناس وأحوالهم وحاجاتهم، بل ويتفقد الأشياء النافعة كالنهر والمصانع والسقاية ..

وقال الضياء سألت خالي الشيخ موفق الدين عنه فقال: أخي وشيخنا، ربانا وعلمنا، وحرص علينا، وكان للجماعة كالوالد، ويقوم بمصالحهم ومن غاب عن أهله قام هو بهم، وهو الذي هاجر بنا، وهو الذي سفرنا إلى بغداد، وهو الذي كان يقوم في بناء الدير، وحين رجعنا من بغداد، زوجنا وبنى لنا دورنا الخارجة عن الدير، وكان يسارع في الغزوات، قلما يتخلف عن غزوة، وإذا سمع بمنكر اجتهد في إزالته، ويكتب إلى الملوك.

فهل عرفتم يا إخوتي لماذا أشار الشيخ علي الطنطاوي إلى هذه الأسرة الكريمة التي أسست على التقوى والحب لله ورسوله ..!!

جزاك الله خيراً يا شيخ علي ورحمك الله، فقد كانت إشارتك هذه ليس فقط لجمع معلومات عن حي الصالحية وما حمل بين ثناياه من أروع وأصدق القصص والترجمات لأفراد صدقوا ما عاهدوا الله عليه فكانوا خير خلف لخير سلف، رحمهم الله.

هذا ونعود لشيخنا أبو عمر المقدسي ولنكمل سيرته العطرة، التي كان له فيها كرامات قبل وفاته كما رواها الضياء في حكايتين يُفهم من هذه الحكايتين أن الشيخ أبو عمر في آخر عمره أصبح قطب ذاك العصر والزمان، فقد أخذ الصالحون من بقاع الأرض شرقاً وغرباً تأتيه في زيارة له قاصدة التقرب والتبرك رضي الله عنه، في عصراً لم يعرف الوسائل الحضارية المتقدمة من وسائل اتصال متعددة. فكيف هو السبيل في تفسير ذلك؟ ... الجواب نتركه إليكم.

صفته الخلقية:

كان ليس بالطويل، صبيح الوجه، كث اللحية، نحيفاً أبيض، أزرق العينين، عالي الجبهة، حسن الثغر رحمه الله.

تزوج بأربع وهي فاطمة عمة الضياء وكانت أسن منه، وطاووس امرأة من بيت المقدس وفاطمة الدمشقية وآمنة بنت أبي موسى وهي أم الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر أصغر أبنائه.

أولاده:

الخطيب الإمام شرف الدين عبد الله خطيب بالجامع المغفري، وهو والد الإمامين العلامة الزاهد القائد العز إبراهيم بن عبد الله ومن أولاده العلماء والصالحين، وقاضي القضاة شرف الدين حسن بن عبد الله.

الأحفاد:

الجمال أبو حمزة، وقاضي القضاة ومُسند الشام محيي الدين سليمان بن حمزة، وشمس الدين أبو الفرج شيخ الإسلام والإمام العلامة هو آخر من مات من أولاده.

ومعظم أبنائه مات في حياته، وقد قال شعراً في ولده الكبير عمر:

إني أقول فاسمعوا بيانـــــــــــــــــــــي

يا معشر الأصحاب والإخواني

أوصيكم بالعدل والإحسان

والبر والتقى مع الإيمـــــــــــــــــــــــــــــــــــان

فاستمســـــــكوا بطاعة الرحمن

واجتنبوا الرحمن من الأوثـــــــــــــــــــــان

وفاته:

توفي أبو عمر رحمه الله في عشية الاثنين في 28 ربيع الأول سنة 607 هـ.

وتقول المصادر أنه قلل من الأكل قبل موته في مرضه حتى أصبح كالعود. وعندما عاتبه أهله على صيامه قال: إنما أصوم أغتنم أيامي، لأني إن ضعفت عجزت عن الصوم، وإن مت انقطع عملي. رحمه الله ورضي عنه.

هذا وقد مات وهو عاقد على إصبعيه يعني يسبح بعد أن قال قبل وفاته: (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) اللهم ثبتهم على الكتاب والسنة، ثم مات وهو عاقد على إصبعيه. رحمه الله.

وقيل: إن الماء الذي كان يخرج من تغسيله كأنه سدر، وحضر جنازته أكثر من عشرين ألف. وما زاره احد في قبره إلا وشعر برقةٍ وبكاء من القلب خشية لله ومحبة، رحمه الله وجزاه الخير الكثير.

والآن هل انتهت الدنيا أم توقفت، بل استمرت وتتابعت الأجيال والأجيال .. ولكن أين الخبر اليقين في سرد هذا الكلام والحديث عن أناس سبقونا علموا وعملوا ودعوا الله القبول ونالوا الأجر والثواب إن شاء الله، وذُكرت في الكتب ترجمات لحياة هؤلاء الصالحين، على يد علماء أفذاذ نقلوا إلينا هذه السير، لا عبثاً ولا تسليةً ولا لهواً، إنما للعظة والعبرة التي باتت على وشك الاختفاء والفقدان ..

نسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة لي ولكم ولجميع المسلمين أجمعين آمين يا رب العالمين.

أما عن الشيخ أبو عمر بن قدامة فلنا عودة في سيرته الفذة وسوف تحلق معاً فيها عندما نسرد ترجمةً للمسجد والمدرسة العمرية التي كانت وقفاً له، رحمه الله.

الفاتحة لروحه الطاهرة وعلى نية القبول والتوفيق آمين آمين.

مقبرة حي الصالحية

المراجع:

سير الأعلام / الذهبي

تاريخ الإسلام / الذهبي

تحميل