الباحثة نبيلة القوصي
الشيخ أبو المعالي
الشيخ أبو المعالي
أبو المعالي محمد بن علي ابن زكي الدين / الدمشقي الشافعي والملقب بمحيي الدين، من شيوخ الحافظ ابن عساكر رحمهما الله.
عصر أبو المعالي سياسياً واجتماعياً وعلمياً:
عاش أبو المعالي (550 – 598 هـ) حياته كلها في عصر قيام الدولة الأيوبية بعد سقوط الدولة الفاطمية 567 هـ.
والمعروف تاريخياً أن القرن السادس الهجري / يعد من أهم القرون المؤثرة في الساحة العربية من كافة النواحي.
فمن الناحية السياسية: كانت تعاني من اضطراب للقوة السياسية في بداية القرن، وظهور الاستقرار السياسي على يد نور الدين زنكي، ومن ثم قيام الدولة الأيوبية في منتصف هذا القرن.
والاضطراب السياسي كان يرافقه اضطراب اقتصادي، لسوء توزيع الثروات، وظهور طبقات اجتماعية متفاوتة، مما أثر في تماسك وترابط أفراد المجتمع.
أما الناحية الفكرية في ذلك العصر، فقد كانت مدينة دمشق يومئذ شأنها في كل العهود العربية والإسلامية، زاخرة بالعلماء، والحركات العلمية المختلفة.
على الرغم من انتشار الخرافات والشعوذة بين الناس في ذلك العصر، لسوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية.
شهد شيخنا هذا العصر فقابله بكثير من العلم والإقبال بشدة على مجالس علماء ذلك العصر للإفادة منهم، فما أحوجنا نحن في هذه الأيام أن نأخذ العلم والعمل من أفواه علماؤنا الكرام، عوضاً عن القيل والقال وكثرة الجدال.
ولادته ونسبته:
ولد في دمشق سنة 550 هـ، واسمه: محمد بن أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن الوليد بن القاسم بن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان القرشي، الملقب محيي الدين، والمعروف بابن زكي الدين الدمشقي، الفقيه، الشافعي. وقد ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان هذا النسب بأنه ينسب إلى قريش وإلى عثمان بن عفان.
غير أن الدهبي في سير الأعلام قال: قد شكك أبو شامة المقدسي في هذه النسبة، قائلاً: لو كانت نسبتهم صحيحة، لما اغفل ذكر هذه المنقبة الحافظ ابن عساكر، فشيخنا يعد من أخوال حافظ الشام ومؤرخه ابن عساكر.
وبيت الزكي، يعد بيت من بيوتات دمشق المعروفة، والمشهورة في العلم والدين.
نشأته ورعايته:
نشأ شيخنا رحمه الله في بيتٍ مُحب للعلم والثقافة، وأساسه الدين والخلق الرفيع.
كان والده قاضي دمشق، توفي سنة 564 هـ، في بغداد ودفن بمقابر الحنابلة.
وكان جده قاضياً، وكذلك جد أبيه، إذاً فالقضاء جاءه علماً وعملاً متوارث.
ومرة أخرى تدلنا نشأة علماؤنا الأفاضل، على الإشارة إلى أهمية واقع الأسرة التربوي، فالذي ينمو وينشأ في جوٍ مفعمٍ بدينٍ قوي، وفكر راقي، وقلباً واعي، من المؤكد سوف تسمو روحه عن كل رخيص ومبتذل في هذه الدنيا، ولسوف يجتهد ليرفع من حوله ويسمو بهم.
شيوخه:
تقول المصادر التي لدينا، أن أبو المعالي قد قرأ المذهب الشافعي على جماعة. وسمع من والده، وعبد الرحمن بن أبي الداري، والضياء بن هبة الله ابن عساكر، وجماعة.
روى عنه:
الشهاب القوصي، والمجد ابن عساكر، وجماعة.
وحدث عنه بالإجازة أحمد بن أبي الخير.
قال أبو شامة المقدسي: كان عالماً صارماً، حسن الحظ واللفظ.
فكان صاحب فنون وذكاء، وفقهٍ وآداب وخطب ونظمٍ.
ولا بد من الإشارة إلى العوامل التي هيأة شيخنا لهذا النبوغ العلمي:
1- كان قوياً في عقله وذكاؤه.
2- كان قوي البيان والتعبير.
3- كان صافي نقي النفس من شوائب وأمراض الدنيا.
4- وأساس ذلك كله تمسكه بالقرآن والحديث الشريف منذ الصغر، حباً وولعاً.
مر معنا أنه سمع من والده، هذا إن دل فهو يدل على أهمية الأب المربي، كذلك الأم المربية، حيث بات من النادر في يومنا أن نسمع بدور الاهل تربوياً، وبات الأولاد متروكين للصدف والأيام.
وظائفه:
قلنا أن أبو المعالي محمد بن علي بن زكي الدين، عاش في زمن الدولة الأيوبية، ورجلٌ يحمل هذه الصفات، تؤهله ليكون مقرباً من القائد صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله.
فقد كان صلاح الدين يحترمه ويُعزهُ، ولاه القضاة سنة 588 هـ، وكان أبو المعالي قد نظم قصيدة مدح لصلاح الدين عندما ملك حلب، سنة 579 هـ قائلاً:
وفتحك القلعة الشهباء في صغر .. مبشراً بفتوح القدس في رجب
فاتفق فتح القدس في رجب بعد أربع سنين، وذكر أبو المعالي أنه أخذ هذا التبشير من تفسير ابن برجان للقرآن الكريم في سورة الروم: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ).
فأصدر صلاح الدين الأيوبي مرسوماً للقاضي محيي الدين محمد بن علي على أن يخطب في القدس، فكانت أول خطبة جمعة صليت بالقدس بعد الفتح، وحضرها صلاح الدين وأعيان الدولة، وكان أبو المعالي له من العمر ثلاث وثلاثون سنة، تقول مطلع الخطبة:
(الحمد لله مُعز الإسلام بنصره، ومُذل الشرك بقهره، إلى آخر الخطبة).
ومن الوظائف التي شغلها أبو المعالي: كان يتولى نظر الجامع الأموي بنفسه، ويقول الدهبي في سير الأعلام: "اسمه إلى الآن موصول على يمين قبة النسر، بخط كوفي، بفض أبيض وهو ظاهر في الجهة الشرقية، فيه أن ذلك فصص في مباشرته".
وفاته:
توفي في شعبان سنة 598 هـ. عن ثمان وأربعين سنة، رحمه الله، ودفن من يومه في سفح جبل قاسيون.
بقي أن نقول ماذا سيقول التاريخ في حقه؟
من المؤكد أن من جعلنا ننطلق بين ثنايا سيرته العطرة سيجعلنا نترحم عليه من القلب، ولكن هل هذا يكفي؟
بالطبع لا يكفي هذا، لا بد أن نتعلم من سيرته التربوية العلمية، في إحياء روح العلم والدين والخلق في نفوس أبنائنا، برابط الحب لله وللرسول.
المراجع:
سير الأعلام / للدهبي
وفيات الأعيان / لابن خلكان.
سفح جبل قاسيون